- 5 يناير 2007
- 548
- 11
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- صلاح محمد البدير
السلام عليكم اخواني الفضلاء
في البداية أريد ان أشير الى أن القرآن كتاب ديني يبين ويزيد من العلاقة بين العبد وربه ، ولأن الله خالق هدا الكون كله يعلم أنه سيأتي عصر يحاول فيه الانسان عبادة ماصنعت يداه بالعلم الدي منحه اياه ، ولذالك فقد وضع سبحانه وتعالى في هذا الكتاب الكريم مايرد به عليهم .
أنا متأكد أنه سيأتي يوم يحارب الدين الاسلامي بوسائل أخرى ، وأنا أستيطيع ان أؤكد لكم هذا منذ الآن أن الرد عليهم موجود في القرآن مصداقا لقوله تعالى : "وأنزلنا عليك الذكر تبيانا لكل شيء "
تعريف الاعجاز :
الاعجاز مشتق من العجز. والعجز : الضعف او عدم القدرة.
والاعجاز مصدر اعجز : وهو بمعنى الفوت والسبق.
والمعجزة في اصطلاح العلماء : امر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة.
واعجاز القرءان : يقصد به : اعجاز القرءان للناس ان ياتوا بمثله. اي نسبة العجز الى الناس بسبب عدم قدرتهم على الاتيان بمثله.
تعريف العلم :
وصف الاعجاز هنا بانه علمي نسبة الى العلم.
والعلم : هو ادراك الاشياء على حقائقها. او هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافا تاما.
والمقصود بالعلم في هذا المقام : العلم التجريبي.
وعليه فيعرف الاعجاز العلمي بما يلي :
تعريف الاعجاز العلمي :
هو اخبار القرءان الكريم او السنة النبوية بحقيقة اثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم امكانية ادراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يظهر صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيما اخبر به عن ربه سبحانه.
لكل رسول معجزة تناسب قومه ومدة رسالته : ولما كان الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون الى اقوامهم خاصة، ولازمنة محدودة فقد ايدهم الله ببينات حسية مثل : عصا موسى عليه السلام، واحياء الموتى باذن الله على يد عيسى عليه السلام، وتستمر هذه البينات الحسية محتفظة بقوة اقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول، فاذا حرف الناس دين الله بعث الله رسولا آخر بالدين الذي يرضاه، وبمعجزة جديدة، وبينة مشاهدة.
ولما ختم الله النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم ضمن له حفظ دينه، وايده ببينة كبرى تبقى بين ايدي الناس الى قيام الساعة، قال تعالى : ﴿ قل اي شيء اكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم واوحي الى هذا القرءان لانذركم به ومن بلغ ﴾( الانعام 19 ) ومن ذلك المعجزة العلمية. قال تعالى : ﴿ لكن الله شهيد بما انزل اليك انزله بعلم ﴾( النساء 166 ) وقال تعالى :﴿ فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله﴾.( هود 14 ).
وليس معنى مجرد كونه انزله انه معلوم له، فان جميع الاشياء معلومة له، وليس في ذلك ما يدل على انها حق، لكن المعنى : انزله فيه علمه، كما يقال : فلان يتكلم بعلم، فهو سبحانه انزله بعلم، كما قال :﴿ قل انزله الذي يعلم السر في السموات والارض﴾( الفرقان 6 ). والى هذا المعنى ذهب كثير من المفسرين.
ومعجزة القرءان مستمرة الى يوم القيامة، وخرقه للعادة في اسلوبه، وفي بلاغته، واخباره بالمغيبات، فلا يمر عصر من الاعصار، الا ويظهر فيه شيء مما اخبر به انه سيكون؛ يدل على صحة دعواه ... فعم نفعه من حضر، ومن غاب، ومن وجد، ومن سيوجد.
﴿ان هو الا ذكر للعالمين ولتعلمن نباه حتى حين﴾
وبينة القرءان العلمية يدركها العربي والاعجمي، وتبقى ظاهرة متجددة الى قيام الساعة.
نبدأ مع
معجزة خلق الإنسان
يعد جسم الإنسان أعقد آلة وأعقد جهاز على سطح الأرض، فنحن ـ طوال حياتنا ـ نرى بهذا الجسم ونسمع ونتنفس ونمشي ونركض ونتذوق طعم اللذائذ . ويملك هذا الجسم ـ بعظامه وعضلاته وشرايينه وأوردته وبأعضائه الداخلية ـ نظاماً وتخطيطاً دقيقاً، وكلما نزلنا إلى التفصيلات الدقيقة لهذا النظام ولهذا التخطيط قابلتنا حقائق مدهشة . وعلى الرغم من الاختلاف الذي يبدو للوهلة الأولى بين الأقسام والأجزاء المختلفة للجسم فإنها تتكون جميعها من اللبنة نفسها، ألا وهي الخلية .
يتركب كل شيء في جسمنا من الخلايا التي يقارب حجم كل واحدة منها جزءاً من ألف جزء من المليمتر المكعب، فمن مجموعة معينة من هذه الخلايا تتكون عظامنا، ومن مجموعات أخرى تتكون أعصابنا وكبدنا والبنية الداخلية لمعدتنا وجلدنا وطبقات عدسات عيوننا . وتملك هذه الخلايا الخواص والصفات الضرورية من ناحية الشكل والحجم والعدد لأي عضو تقوم بتشكيله هذه الخلايا في أي قسم من أقسام الجسم .
فمتى وكيف ظهرت هذه الخلايا التي تكلفت بالقيام بكل هذه المهمات والوظائف المختلفة ؟ إن الإجابة على هذا السؤال ستسوقنا إلى ساحة مملوءة بالمعجزات في ذرة منها . إن خلايا جسمك البالغ عددها مئة تريليون خلية قد نشأت وتكاثرت من خلية واحدة فقط، وهذه الخلية الواحدة ( التي تملك نفس خصائص خلايا جسمك الأخرى ) هي الخلية الناتجة عن اتحاد خلية بويضة والدتك مع خلية نطفة والدك .
لقد ذكر الله تعالى في القرآن أن معجزات خلقه في السماوات والأرض وفي الأحياء نماذج من الأدلة على وجوده وعلى عظمته، ومن أهم هذه الأدلة هذا الدليل الذي ذكرناه، أي المعجزة الموجودة في خلق الإنسان نفسه.
كثيراً ما توجه آيات القرآن نظر الإنسان لكي يلتفت ويتمعن ويتأمل في خلقه ونفسه : كيف وجد وكيف خلق، ما هي المراحل التي مر بها بالتفصيل، ومن هذه الآيات قوله تعالى :نحن خلقناكم فلولا تصدقون ..
لقد تجمعت خلاصة ولب جسم الإنسان ( المتكون من ستين أو سبعين كيلوغراماً من اللحم والعظم ) في البداية في قطرة ماء واحدة . ولاشك أن تطور البنية المعقدة لجسم الإنسان ( الذي يملك عقلاً وسمعاً وبصراً .. ) من قطرة واحدة شيء محير وغير عادي .
ومما لا ريب فيه أن مثل هذا التطور والتحول والنمو لم يكن نتيجة مراحل عشوائية ولا حصيلة مصادفات عمياء، بل كان أثراً لعملية خلق واعية وفي غاية الروعة .
سنقوم بشرح تفصيلات معجزة خلق الإنسان، وهي معجزة مستمرة ومتكررة مع كل إنسان على وجه هذه الأرض . ومن الضروري بيان أن التفصيلات المقدمة في هذاالموضوع حول خلق الإنسان لا تشكل إلا جزءاً فقط من تفصيلات هذا الخلق المعجز .ولكن ما ورد في هذا الموضوع يكفي لكي يدرك الإنسان القدرة اللانهائية للخالق وعلمه اللانهائي المحيط بالكون، وهو يكفي لتذكير الناس أجمعين بأن الله تعالى هو أحسن الخالقين .
قال تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ {7} ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ {8} ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ {9} (السجدة) .
.
النظام المعجز المخلوق لحياة جديدة :
لا يمكن للإنسان المحافظة على حياته على وجه هذه الأرض إلا بعمل دقيق لنظام التناسل . ولأنظمة التناسل الموجودة في جسم المرأة وفي جسم الرجل آليات مختلفة في العمل، غير أن هذه الآليات المختلفة يكمل بعضها بعضاً بتناسق وبدقة ؟ أي أنها تعمل ضمن إطار نظام متكامل، وفي النتيجة يأتي مخلوق جديد إلى الدنيا . أي أن تكوين الإنسان وإخراجه من إنسانين مختلفين ومن جسدين مختلفين ومن جوهرين مختلفين يعد من أعظم المعجزات المتحققة .. وهي معجزة خلق الإنسان .
ولكي تتحقق هذه المعجزة فإن التحضيرات اللازمة والضرورية تكون قد بدأت في جسم الإنسان قبل سنوات عديدة، لذا كان لا بد أولاً من تحول الخلايا التناسلية في جسم الرجل وفي جسم المرأة إلى طور فعال . وتستكمل هذه الفعاليات عند كل إنسان فيما يعرف ب" طور البلوغ " ولا شك أن النظام الهرموني هو أهم عنصر في تأمين الاتصال بين الخلايا، وهذا النظام يقع تحت إشراف وسيطرة الدماغ .
لقد جعل الله تعالى جميع أنشطة وفعاليات النمو والتطوير في جسم الإنسان تحت نظم يسيطر عليها الدماغ، فالدماغ يقيم جميع الرسائل الآتية من مختلف أعضاء الجسم ثم يرسل أنسب الأجوبة وبأقصر وقت إلى الأماكن المناسبة، وهو يستخدم النظام الهرموني كوسيلة في التخابر وفي الاتصال . لقد خلق الله تعالى نظاماً وشبكة بريدية في غاية الروعة وتقوم جزيئات الهرمونات بوظيفة ساعي البريد، فكما يقوم ساعي البريد بالتجول في جميع أنحاء المدينة ناقلاً الرسائل إلى الأماكن المطلوبة، كذلك تقوم الهرمونات بنقل الأوامر الصادرة من الدماغ إلى الخلايا ذات العلاقة . وهكذا تتم في الجسم جميع الفعاليات الضرورية لحياة الإنسان .
ولكن يجب ألا ننسى هنا أن الهرمونات لا تملك وعياً كما يملكه الإنسان، ولا تملك شعوراً ولا إدراكاً لكي تقوم بتعين الاتجاهات ومعرفة ما تحمله ولمن تحمله، فهي لم تتلق أي تدريب في هذا المجال ولم تملك هذه القابلية بعد سنوات من المران ومن التجارب .
فالهرمونات ( التي نطلق عليها اسم " سعادة البريد " عبارة عن جزيئات معقدة جداً لا يمكن شرحها إلا بمعادلات ورموز كيميائية معقدة .
إن قيام جزيء الهرمون بمعرفة ما تحمله من رسائل وإلى أي خلية تحملها، ومواصلة سيرها في الظلام الدامس للجسم (الذي يكبرها بمليارات المرات ) دون أن تضل طريقها، ثم قيامها بتنفيذ هذه الوظيفة على أحسن وجه ودون أي قصور، هذا كله عمل خارق ومعجزة مدهشة . ويكفي هذا المثال فقط لمعرفة مدى كمال وروعة الأنظمة التي أودعها الله تعالى في جسم الإنسان .
تبدأ فعاليات هذا النظام الهرموني في العادة لدى الإنسان وهولا يزال جنيناً في رحم أمه، وتستمر حتى لحظة وفاته . والغدد التناسلية هي من الأعضاء التي تشرع في إبداء الفعاليات نتيجة تأثير الهرمونات . غير أن إفرازات الهرمونات المتعلقة بالغدد التناسلية تبدأ عند مرحلة البلوغ، وذلك خلافاً للهرمونات الأخرى . وعند مرحلة البلوغ يبدأ " الهايبوثولاموس " ويدعى بالعربية " ما تحت السرير البصري " الموجود في الدماغ ( والذي يعد مدير النظام الهرموني ) بإرسال الأوامر إلى الغدد النخامية ( وهي من الغدد المرتبطة به ) لكي تصدر أوامرها المحفزة للأعضاء التناسلية .
من المفيد هنا الإشارة إلى معجزة أخرى، إن الهايبوثالامس((Hypothalamus يكون على علم بما يجري في جسم الإنسان فهو يعرف ـ مثلاً ـ العمر الذي وصل إليه الإنسان
يشاهد في هذه الصورة الهايبوثالاموس ( ما تحت السرير البصري ) الذي يعد رئيس النظام الهرموني، وموقعه في الدماغ بالنسبة إلى المراكز الأخرى
وهل تم استكمال جميع الشروط المادية المواتية لبدء النظام التناسلي أولا، وهو يتصرف في ضوء هذه المعلومات . وبتعبير آخر فإنه يقوم بحساب العمر، وعندما يدرك أن ذلك الشخص قد وصل إلى مرحلة البلوغ يقوم بإصدار الأوامر الضرورية لغدد الإفرازات الأخرى، أي يقوم بإرسال الرسائل (أي الهرمونات ) الضرورية إلى الأعضاء التناسلية في أنسب الأوقات، فتتحقق بذلك التحولات والتطورات الضرورية لحفظ نسل الإنسان .
ولا يقوم الهايبوثالامسبهذا لدى إنسان واحد، بل يقوم هذا العضو الموجود لدى مليارات الأفراد الموجودين حالياً ولدى الذين عاشوا من قبل بإنجاز هذه المهمة بكل دقة وكفاءة .
ولا شك أن كون قطعة من اللحم بحجم بضعة سنتمترات مكعبة على وعي بالزمن وقيامها بتعبيرات معينة حسب السنوات المنصرمة أمر غريب يستدعي الوقوف عنده والتفكير به .
فكيف يقوم الهايبوثالامسبمثل هذا الحساب ؟ أهناك من يقوم بتعليمه بما يجب عليه علمه، أم أنه قد أكتشف هذا الأمر بنفسه ؟ كيف عرف ـ يا ترى ـ بأنه من الضروري نمو وتطوير الغدد التناسلية لاستمرار نسل الإنسان ؟ وكيف حسب الزمن المناسب والملائم الذي يجب فيه البدء بإفراز الهرمونات ؟ وكيف يستطيع معرفة الهرمون المعين الذي يقوم بتحفيز النظام التناسلي في ذلك الوقت الملائم من بين الهرمونات العديدة التي يقوم الجسم بإفرازها ؟ وهل الخطط المستقبلية التي يقوم بوضعها والتدبيرات التي يتخذها في هذا الخصوص راجعة إلى رؤيته المستقبلية البعيدة المدى ؟
ولماذا ينتظر حتى يصل جسم الإنسان إلى الوضع المناسب من الناحية الفسيولوجية للتناسل ،وليس قبل هذا أو بعد هذا ؟ إن القدر التي تدير كتلة اللحم الصغيرة هذه التي لا تملك لا سمعاً ولا بصراً ولا عقلاً والتي تتصرف وكأنها كائن عاقل ... إن هذه القدرة قدرة عظيمة تجاوز كل خيالنا وتعلو عليه ،وهي قدرة لا مثيل لها ولا ندّ.
ليست المصادفات ولا أي قوة أو مصدر آخر هو الذي يحيط الهايبوثالامسعلماً بالزمن وبمروره، إن الله تعالى هو المدبر لكل هذا، وهو الذي يهب هذا العضو كل هذه القابليات والخواص، أي هو الذي يلهم هذه الكتلة الصغيرة من اللحم ما يجب عليها عمله، وهو يخبرنا في كتابه العزيز : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) (الأحزاب:52)
لذا فمن المفيد أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار عند قراءة المواضيع التي سنتناولها في الصفحات القادمة .
الهرمونات التي تستطيع تمييز الجنس :
يقوم الهايبوثالامس ( ما تحت السرير البصري ) بالخطوة الأولى في افتتاح مرحلة البلوغ لدى الرجل ولدى المرأة بإرسال هرمون جونادوتروبين(ganadotropins) إلى الغدد النخامية عن طريق الدم، فتبدأ هذه الغدد بإفراز الهرمونات المحفزة للأعضاء التناسلية حسب الأوامر الصادرة من الهايبوتولاموس ،وهذه الهرمونات هي هرمونLHوهرمون FSHويتم إفراز هذين الهرمونين في الرجل وفي المرأة على السواء، غير أن تأثيرهما يكون مخلفاً فيهما[1]
على الرغم من إفراز الهرمونات نفسها في الرجال وفي النساء فإن كون تأثيرهما مختلفاً اختلافاً كبيراً فيما بينهما يدعو إلى الدهشة، فمثلاً الهرمون المسمى FSHهو الهرمون المسؤول عن ظهور وتكوين البويضة في النساء بينما يكون الهرمون نفسه هو المسؤول عن تكوين الحيوانات المنوية في الرجال ! أما هرمون LH فهو الهرمون المسؤول عن جعل بويضة المرأة في حالة حرة، كما يساعد على إفراز هرمون البروجستيرون progesteroneالذي يهيئ رحم المرأة لاستقبال الجنين . ولكن الهرمون نفسه يقوم بمهمة مختلفة جداً عند الرجال، لأنه يقوم بتحفيز الخلايا لإفراز هرمون تستوسيرون(testosterone )، وهو الهرمون الذي يساعد على ظهور خواص الرجولة وتكوين الحيوانات المنوية أيضاً .
ولا شك أنه من المثير أن تكون لنفس الهرمونات تأثيرات مختلفة في الأجسام المختلفة .
عندما يتم إفراز هرمون في جسد رجل يعلم هذا الهرمون أن هذه الخلايا تعود لرجل ،ويقوم بعمل تغييرات حسب هذا العلم مثلاً يؤدي هذا الهرمون إلى زيادة العضلات في جسد الرجل وغلظ الصوت ونمو اللحية . والهرمون نفسه والذي يفرز نتيجة التفاعلات الكيماوية نفسها نراه يقوم بتأثيرات مختلفة في جسد المرأة، بل مضادة تقريباً لتأثيراته في جسم الرجل، فهو يعطي صوت الرجل للرجل وصوت المرأة للمرأة ويتسبب في نمو الجسد حسب تغير الجنس . فإذا كان بمقدور الهرمون التمييز بين جسد المرأة وجسد الرجل فمعنى هذا أنه على علم بكيمياء جسد الرجل وبكيمياء جسد المرأة ويعلم تشريح هذين الجسدين، وهذا يستوجب أن يكون صاحب عقل ومتدرباً أيضاً !.
إن معظم الناس لا يملكون أي معلومات حول الهرمونات المؤثرة في جسد الرجل وفي جسد المرأة، ولا حول العلاقات أو الفعاليات المختلفة الجارية فيهما ولا كيفية جريان هذه الفعاليات، وهم لا يعلمون شيئاً عن سلسلة القيادة وسلسلة الأوامر الصادرة ولا عن الرسائل العديدة الصادرة والواردة، ولا يعلمون أن نمو الجسم وتطوره مرتبط بهذه الرسائل العديدة الصادرة والواردة، ولا يعلمون أن نمو الجسم وتطوره مرتبط بهذه الأوامر الصادرة، ولا يدركون أن أي خلل ـ مهما كان ضئيلاً ـ في هذه المنظومات يؤدي إلى مشكلات حياتية كبيرة، وإضافة إلى هذا فهم لا يملكون أي سلطة أو قدرة في آلية هذه المنظومة وانسيابية عملها .
وهذا شيء طبيعي جداً لمن لم يتلق تعليماً خاصاً في هذا الموضوع، ولكن الشيء الغريب والشيء غير الطبيعي أن تكون لمجموعة من الجزيئات مثل هذا العلم وهذه المعلومات وهذه المعرفة الواسعة ؟
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو : من أين تملك الهرمونات (التي أدرجنا تركيبها الكيماوي هنا ) علم الكيمياء؟ ثم إنها لا تقتصر على معرفة كيمياء جسم الإنسان وحل رموزه ب لهي تتصرف وكأنها عالم كيمياء، فتصل إلى الأجزاء الضرورية في الجسم كما تقوم بتوجيه الخلايا الأخرى وتحفيزها لإنتاج الهرمونات اللازمة عند الضرورة . فكيف ملكت مجموعات الجزيئات هذه ( المحرومة من الشعور والإدراك ) مثل هذا العقل القادر على إنجاز كل هذه الأمور ؟ من الواضح أن مثل هذا العقل لا يعود طبعاً إلى هذه المجموعة من الجزيئات التي نطلق عليها اسم " الهرمونات " والحقيقة لا شك فيها أن مثل هذا النظام لم يظهر نتيجة المصادفات أو نتيجة تأثيرات وعوامل أخرى .
يوجد تفسير واحد فقط لهذا الوضع الخارق وغير الاعتيادي، وهو أن هذا التعيير والتضبيط والتنظيم البيوكيمياوي الخاص في جسد الرجل والمرأة يشير إلى وجود تخطيط وتصميم وتخطيط واعٍ ومقصود، وهذا التصميم وهذا التخطيط يعود إلى الله تعالى وإلى علمه اللانهائي ومهمة الإنسان ـ في هذا المجال ـ في التفكير بعمق وتأمل هذا الفن الرفيع والباهر والاستسلام لربه الذي يحكم كل شيء في هذا الوجود .
نمو الخلايا التناسلية :
توجد أعداد معينة من " الإنسان الألي" ( الروبوت ) في كل مصنع يقوم بإنتاج الأجهزة والآلات التكنولوجية وجميع الأنظمة الكومبيوترية ونظم تشغيل هذه الربوتات وجميع المعلومات الضرورية للإنتاج موجودة في مركز السيطرة لهذا المصنع طول فترة الإنتاج، ومركز السيطرة هذا يشبه بنك معلومات خزنت فيه جميع المعلومات الضرورية حول مراحل الإنتاج والسيطرة النوعية وحول كيفية تعويض الخسائر ). فإن قمنا بتشبيه جسم الإنسان بمثل هذا المصنع (وهو ـ في الحقيقة ـ أكثر المصانع الموجودة على سطح الأرض دقة وأكثرها تعقيداً) نستطيع أن نقول إن جميع المعلومات الضرورية لإدارة عمل هذا المصنع موجودة ومخبوءة في جزئية DNA والتي تعين جميع خواص ذلك الإنسان في المستقبل مودعة في هذه الجزيئات والإنسان لا يزال عبارة عن بويضة ملقحة حديثاً، أي أن هذه المعلومات والخواص المتعلقة بالإنسان (بدءاً من لون العين إلى طول القامة إلى جميع الأمراض التي يكون قابلاً للإصابة بها في المستقبل ) كل هذه المعلومات محفوظة بعناية في جزء صغير من بدن الإنسان لا يمكن رؤيته إلا بالمجهر الإلكتروني .
وجزيئات DNA موجودة في نواة كل خلية من خلايا جسمنا والبالغ عددها مئة ترليون خلية . ويبلغ متوسط قطر الخلية عشرة ميكرونات ( الميكرون يساوي وحداً من الألف من المليمتر ) . فإذا علمنا هذا دهشنا كيف أن معلومات غزيرة وكثيرة جداً قد سُجلت وخزنت في مثل هذا الحيز الصغير جداً . فإن شبهنا الـ DNA ( الذي يضمن دوام الكائن الحي ضمن تخطيط وبرمجة معينة) بدائرة معارف ستكون الكروموسومات هي مجلدات وأجزاء دائرة المعارف هذه .
تتخذ الكروموسومات أماكنها في جزيئة DNA أزواجاً أزواجاً، وهذا أمر مهم، ففي مرحلة خلق كل إنسان يأتي نصف هذه الكروموسومات من الأب والنصف الآخر من الأم . والكروموسومات الآتية من الأم ( وعددها 23 كروموسوماً ) تشكل أزواجاً مع الكروسومات الآتية من الأب (وعددها 23 كروموسوماً أيضاً ) .
أي أن الكروموسومات الموجودة في نواة خلية كل إنسان ( والبالغ عددها 46 كروموسوماً ) تشكل 23 زوجاً من الكروموسومات . غير أن للكروسوم الثالث والعشرين وضعاً خاصاً، فغالباً ما يشار إلى الكروموسوم الثالث والعشرين إيما بإشارة Yأو بإشارة Xففي الرجال يكون أحد الكروموسومين في الزوج الثالث والعشرين من نوع Y والثاني من نوع X أما في النساء فكلا الكروموسومين في الزوج الثالث والعشرين من نوع XXوهنا يرد إلى الخاطر هذا السؤال : بما أن عدد الكروموسومات في كل خلية من خلايا كل إنسان هو 46 كروموسوماً فكيف يكون عدد كروموسومات الطفل الآتي إلى الدنيا من اتحاد خلايا الرجل مع خلايا المرأة 46 كروموسوماً أيضاً؟ فقد كان من المتوقع أن يكون عدد كروموسومات الطفل الوليد (الذي أخذ 46 كروموسوماً من والده و46كروموسوماً من والدته ) 92 كروموسوماً، أي يكون مخلوقاً شاذاً وغير اعتيادي . غير ان هذا لا يحدث ! إذن كيف يكون للطفل الوليد 46 كروموسوماً ؟
إن الإجابة على هذا السؤال تعرف أمام الأنظار معجزة أخرى من معجزات الخالق
وتتم في خلايا الجسم نوعان من الانقسام أحدهما الانقسام المتساوي أي انقسام الخلية غير المباشر، وهو يتم في جميع خلايا الجسم، ولا يحصل أي تغيير في عدد الكروموسومات في الخلايا نتيجة هذا الانقسام ،كما لا يحصل أي تغيير أو تشويه في الخلايا الجديدة حيث تكون كلها متشابهة. ومن المفيد هنا الإشارة إلى نقطة معينة : فلو كانت الخلايا التناسلية تنقسم بهذا الشكل لما كان من الممكن أن يبقى نسل الإنسان إنساناً، لأن مجيء 46 كروموسوماً، مما يتسبب في تخريب بنية الطفل تماماً. غير أن التصميم المدهش الموجود في أجسامنا يحول دون ذلك، لأن للانقسام الذي يحدث في أثناء تكوين الخلايا التناسلية ( والذي يسمى : " الانقسام التناسلي " أو " الانقسام المنصف " ) كيفية مختلفة . ففي هذا الانقسام ينزل عدد الكروموسومات في الخلايا التناسلية من 46 كروموسوماً إلى 23 كروموسوماً . ولا تعد الخلايا التناسلية خلايا ناضجة إلا بعد إكمال هذه الانقسامات، فهناك آلية خاصة في جسم الرجل وفي جسم المرأة تكمل إنضاج هذه الخلايا التناسلية ثم تعدها لرحلة صعبة . فالخلايا التي ينتجها النظام التناسلي عند الرجل تكون مهيأة تماماً للخلايا التي ينتجها النظام التناسلي عند المرأة مع أن هذين النظامين يختلفان عن بعضهما البعض من وجوه عديدة ولا علم لأحدهما عن الآخر .
هنا نقطة هامة يجب الالتفات إليها، فمن اللحظة الأولى التي تبدأ فيها الخلايا التناسلية بالانقسام تتحرك ضمن سيطرة ورقابة معينة بعيداً عن أي تسيب أو عشوائية . فالخلايا تقوم بالانقسامات الضرورية وتكون قد حصلت على الأعداد المناسبة للكروموسومات، أي لا يوجد هنا أي تغير في سلسلة الأحداث والفعاليات ولا أي نقص ،فكل الأعضاء وكل الخلايا التي تكون هذه الأعضاء وكل الأجزاء التي تكون هذه الخلايا تعمل بانسجام وتوافق دقيقين، وبالاضافة إلى هذا فإن جزيئات الهرمونات والإنزيمات ( التي تعلب دوراً مهماً في تحقيق وتنفيذ الفعاليات المختلفة في الجسم ) والذرات ( التي تشكل وتكون هذه الجزيئات ) تعمل بوساطة منظومة دقيقة متى تبدأ بفعالياتها وأي تأثير يجب إجراؤه في أي عضو . ولا شك أن وجود مثل هذا التناغم والانسجام بين الخلايا والإنزيمات والهرمونات، وبالاختصار بين أجزاء الجسم وأقسامه، أمر يدعو إلى التأمل وإلى التفكير .
إن قيام جزيئات والذرات المكونة لها بوضع تصميم معين، والتصرف حسب هذا التصميم وقيام بعضها بإصدار الأوامر وأتباع بعضها الآخر لهذه الأوامر وفهمها لها وتطبيقها حرفياً .....
كل هذا أمر خارق لا يمكن ظهوره مصادفة، كما أن تحقق هذا الأمر في أجساد مليارات الناس الذين عاشوا حتى الآن والذين يعيشون حالياً وتحقق هذا الانسجام والتلاؤم دون نقص أو قصور يزيد من درجة خارقية هذا الأمر . ولا شك أنه من الواضح أن المصادفات العشوائية لا يمكن أن تقوم بمنح الخلايا الصغيرة ( التي لا ترى بالعين المجردة والتي تتألف منها أجسامنا ) ومنح الهرمونات والإنزيمات التي تنتج هذه الخلايا كل هذه الصفات والخواص، لأن هذا الأمر يحتاج إلى عقل وإدراك وشعور خارق وغير اعتيادي . وغني عن البيان فإن كل مرحلة من مراحل النظم الرائعة التي تعمل في جسم الإنسان وكل جزء من أجزاء هذه النظم يحتاج في حركته وفعاليته إلى قدرة عقل لا مثيل له يتجاوز حدود المدارك البشرية .
هذا العقل والعلم النهائي يعود إلى الله تعالى خالق الكون بأجمعه وبكل تفصيلاته الدقيقة والله تعالى يقرر لنا في كتابه العظيم أنه لا خالق سواه :
(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255).
الجيش الخاص المتوجه نحو الهدف
تصور جيشاً ضخماً مؤلفاً من ملايين الجنود، جيش يتقدم نحو هدف ولا يبالي بطول الطريق ولا بالعقبات الكبيرة أمامه ولا بالمخاطر المميتة التي تواجهه في تقدمه هذا، وليكن طول الطريق الذي يجب قطعه يزيد بمئات الآلآف من المرات على حجم أفراده، لا شك أن مثل هذا الجيش اللجب يحتاج ـ وهو في هذا الطريق الصعب أمامه ـ إلى مساعدين وإلى أدوات وإلى تجهيزات إضافية . هذا الجيش الذي يبلغ تعداده 300 مليون حيوان منوي في القذفة الواحدة وليس في جسم الرجل حيث يبلغ حجم السائل 3.5 مل وكل مل يحتوي من 50 إلى 100 حيوان منوي ،وأفراد هذا الجيش هم " النطف " أو (الحوينات ) أي الحيوانات المنوية ) .
يبلغ طول كل حوين واحداً بالمئة من المليمتر الواحد، وهو يضطر لقطع طريق طويل للوصول إلى هدفه، أي إلى البويضة .
تستطيع ألف نطفة من بين 300 مليون نطفة النجاح في الوصول إلى البويضة، ومن هذا الألف تنجح نطفة واحدة فقط في كسب مباراة السباق هذه فتقوم بإخصاب البويضة وقبل بدء النطف في الاشتراك في هذا السباق تعبر مراحل النضوج من خلال سفرة طويلة في الأعضاء التناسلية للرجل، مع وجود مساعدين عديدين لها وهي تعبر مراحل النضوج هذه .
مراحل تكوين النطف :
من أجل إخصاب البويضة يتم تهيئة ما بين مئتين وثلاثمئة مليون خلية تقريباً من الحُوينات وهذا العدد الكبير يلفت الانتباه، ولكن له سبباً مهماً، فكما سنبين لاحقاً بالتفصيل، فإن عدداً كبيراً من هذه الحُوينات الداخلة إلى جسم الأم يموت في الطريق، والعدد الذي ينجح يحول دون خطر فشل إخصاب البويضة .
يتم إنتاج أفراد هذا الجيش الكبير من الحُوينات في عضو تناسلي في الرجال وهو الخصية، غير أن هذه النطف المخلوقة في الخصيتين، والتي تمر بمراحل نمو عديدة يجب أن تكون مصانة من الحرارة الزائدة، أي يجب أن يكون موضع إنتاجها بارداً نوعاً ما . وحرارة جسم الإنسان الاعتيادية تبلغ 37 درجة مئوية . وهي حرارة تهلك هذه النطف وتقضي عليها، لذا لا تستطيع هذه النطف العيش داخل جسم الإنسان .
وميزة الخصيتين أنهما موجودتان خارج الجسم، وقد هيأ الله تعالى تصميماً خاصاً لجسم الرجل ليكون أفضل بيئة لإنتاج هذه النطف .
تتكون الخصية من شبكة من القنوات، وبفضل هذه القنوات التي تملك مساحة واسعة نسبياً يمكن إنتاج الحُوينات بسرعة وخزنها بسهولة . ويمكن معرفة الحكمة من ضرورة الإنتاج السريع وخزن الإنتاج عندما نعلم أن العدد المطلوب لإخصاب بويضة واحدة يتراوح بين مئتين وثلاثمئة مليون نطفة .
وإذا نظرنا إلى الخصيتين اللتين تعدان بمثابة مصانع نرى أن عدد هذه القنوات يبلغ ألف قناة تقريباً، ومجموع أطوالها يبلغ 500 متر تقريباً، تدعى هذه القنوات الصغيرة بالقنوات المنوية، ويبلغ الطول التقريبي لكل قناة خمسين سنتمتراً، وتوجد فيها الخلايا التي تقوم بصنع الحوينات.[1]
تقع الخلايا الصانعة للنطف في جدار القنوات أو الأنابيب المنوية، وتتعرض هذه الخلايا التي تبدأ بالتكاثر إلى نوعين من الانقسام : انقسام من النوع الفتيلي ( الاعتيادي ) وانقسام من النوع المنصف ( وقد ذكرناهما سابقاً ) . وكما ذكرنا في السابق فمن الضروري أن ينزل عدد الكروموسومات الموروثة من الأب (قبل عملية الإخصاب ) إلى 23 كروموسوماً، أي إلى النصف، لذا يجب وقوع انقسام من النوع المنصف في خلايا النطف .
تنشأ نيتجة هذه الانقسامات أربع خلايا ندعوها باسم " سبيرماتايد "( spermatid ) غير ان هذه الخلايا لا تملك قابلية الاخصاب . ولكي تكتسب هذه الخلايا ( وهي خلايا كروية الشكل تملك 23 كروموسوماً ) قابلية الإخصاب فإنها تحتاج إلى عمليات تغيير جديدة .
لقد أخذت هذه الحاجات المهمة بعين الأعتبار في النظام التناسلي للذكر، لذا وضعت مجموعة من الخلايا المساعدة لتطوير خلايا " سرتولي " ( sertoili cell) في المكان المناسب . وبعد أسبوع أو أسبوعين من الانقسام تقوم هذه الخلايا المساعدة ( واسمها " خلايا سارتولي " وهي تحيط بخلايا " سبارماتيد " بإعطاء شكل جيدد وقوام جديد لخلايا " سبارماتيد " وفي نهاية مراحل هذا الانقسام تزود النطفة بالتراكيب التي تجعلها نطفة بحق، ومنها الذيل والنواة واكروزوم ( Acrosom)المملوء بالإنزيمات في القسم الرأسي للنطفة[2] .
تتحقق جميع علميات إعطاء الشكل والقوام الجديد في الخلايا الموجودة في القنوات، وهذا التي تملك أذرعاً طويلة ( وهي امتدادات سايتوبلازمية ) كبيرة نوعاً ما .
وتقوم خلايا " سرتولي" باحتضان خلايا " سايتوبلازم " بقوة بواسطة أذرعها وتغمرها ضمن ساريتوبلازمها، وهكذا يتم تأمين غذائها طوال فترة نموها وتطورها كما تضعها تحت رقابتها الدائمة[3]
لا شك أن معجزة كبيرة تكمن في هذه العمليات التي قدمنا معلومات موجزة جداً عنها، فالنطف التي تديم نسل الإنسان وخلايا " سارتولي " تتركب جميعها من البروتينات ومن الأحماض الأمينية .و الآن لنفكر : أليس من الإعجاز قيام خلايا " ستارتولي " التي لا تملك لا عقلاً ولا شعوراً ولا دماغاً بوقف نفسها لتحقيق هذه الوظيفة ومثل هذا الهدف ؟ إن تحقيق هذا الحدث دليل واضح على أنها منقادة لذي عقل وإرادة ثم إن وجود هذه الخلايا في الموضع المناسب تماماً ( أي في القنوات المنوية التي تتطور فيها لنطف ) وتمتعها بالمواصفات والخواص المناسب تماماً ( أي في القنوات المنوية التي تتطور فيها النطف ) وتمتها بالمواصفات والخواص المطلوبة تماماً ( مثلاً كونها بحجم أكبر من خلايا (سبارماتيد) دليل واحد من ملايين الأدلة على كمال تصميم جسم الإنسان، فقد وزع الله تعالى خلايا جسم الإنسان (البالغ عددها مئة تريليون خلية تقريباً) كلاً في مكانها المناسب وأعطى كل واحد منها الصفات والخواص الضرورية لعلمها ولوظيفتها وألهمها كيفية القيام بمهامها وبأعمالها . وهو يخبرنا بهذا في القرآن الكريم فيقول :
(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). (هود:56) .
نظام مترابط الأجزاء
ذكرنا سابقا دور خلايا " سارتولي " في تحويل خلايا " سبارماتيد " إلى الحُوينات . فما التأثير المادي الذي يحفز هذه الخلايا للحركة ويكفل تغذية خلايا " سبارماتيد " والسيطرة على نموها كهدف وكوظيفة لها ؟
إن العامل المؤثر والذي يساعد على قيام هذه الخلايا بوظائفها هو هرمون يدعى " فوليكل ستيميوليتنج " ( وسمه المختصر FSH)وهو أختصار لعبارة ( Follicle Stimulating Hormone).
فهذا الهرمون الذي يتم إفرازه من الغدة النخامية يقوم بتنبيه خلايا سارتولي، وفي حالة عدم إنتاج هذا الهرمون أو عدم وصوله إلى المكان المخصص فلا يمك إنتاج وتوليد هذا الهرمون أوعدم وصوله إلى المكان المخصص فلا يمكن إنتاج وتوليد الحُوينات .وعندما تتلقى خلايا " سارتولي " هذا التنبيه والتحفيز تقوم بإفراز هرمون ضروري لتوليد الحُوينات هو هرمون الإستروجين .
وهناك نوع آخر من الخلايا تلعب دوراً مؤثراً في نمو الحُوينات وتطورها وهي خلايا " لايدج " الموجودة بين القنوات المنوية، ومهمة هذه الخلايا هي القيام بإفراز هرمون آخر يساعد على تطوير وتنمية النطف، وهو هرمون LH الذي يتم إفرازه من نسيج الغدة النخامية والذي ينبه خلايا " لايدج " فتقوم بتوليد هرمون التستسترون " وهو أهم هرمون في مجال تنمية الأعضاء التناسلية وتنمية مختلف الغدد في هذه الأعضاء وفي ظهور صفت الرجولة وفي توليد الحُوينات .
ولخلايا " سارتولي " مهمات أخرى مثل توليد وإنتاج البروتين، ويقوم هذا البروتين بنقل هرمون الإستروجين وهرمون التستسرون إلى السائل الموجود في القنوات المنوية
.
نشاهد هنا مراحل نمو الحيامن في القنوات المنوية وتوجد الخلايا الجرثومية الذكرية حول جدران القنوات المنوية وبانقسام هذه الخلايا تتحول إلى خلايا تسمى (سيرماتيد ) وفي نهاية المراحل يتكون رأس وذنب الحيمن ) وبعد أنتهاء هذه العمليات المعقدة يتم نمو الحيمن الذي يحمل جميع المعلومات المتعلقة بذلك الشخص .
ولخلايا " لايدج " وظيفة ثانية، فهي تمد خلايا النطف بحاجتها من الطاقة الضرورية من سكر الفركتوز (سنتناول في الفصول القادمة أهمية هذا الموضوع ) .
وكما رأينا فإن النظام الهرموني يقوم بعمله في النظام التتناسلي ضمن تنظيم دقيق كدقة كدقة عمله في المناطق الأخرى من الجسم، فكل هرمون يعرف مضمون الرسالة التي يحملها أي هرمون آخر ويقوم بما يجب عليه القيام به، فمثلاً نرى أن الغدد النخامية الموجودة في الدماغ تعرف أنه قد آن الأوان المناسب فتقوم بإرسال الأوامر إلى مختلف الخلايا الموجودة في الخصية، وتحيط الأنسجة والأعضاء علماً بما يجب عليها جميعاً عمله . وهناك منطقة في الدماغ اسمها " الهايبوتولاموس " تقوم بتحفيز الغدة النخامية للحركة والنشاط .
إن المرحلة الأولى من تكون الإنسان ونشأته مرتبطة بهذه المعلومات المنقولة بواسطة الهرمونات ثم العمل بموجبها ؟ وكيف تنتجح في فهم البنية الكيمياوية لبعضها البعض ؟ وكيف ومن أين تستطيع معرفة كيفية التأثير على هذه البنى ؟ لا شك أن قيام خلايا " سارتولي " وخلايا " لايدج " بالتعاون من أجل إنتاج الحُوينات وتكوينها، وقيامها بنشاطات معينة حسب أوامر الغدة النخامية البعيدة والمختلفة عنها، هذا كله أمر لا يمكن تفسيره بالمصادفات . ومن المستحيل اكتساب الهرمونات مثل هذه الخواص نتيجة المصادفات المتعاقبة ضمن شريط زمني لأن وقوع أي خلل في أي حلقة من حلقات هذا النظام سيؤدي إلى خلل النظام بأكمله . فمثلاً إذا لم تفهم خلايا " سارتولي " الأوامر التي أرسلتها الغدة النخامية بواسطة هرمون FSH ولم تقوم بإفراز مادة الإستروجين يصبح إنتاج الحُوينات مستحيلاً، وإذا لم تقم خلايا " لايدج " بإنجاز وظيفة توفير الفركتوز أو لم توفره بشكل كاف فإن الحُوينات ـ على الرغم من نضوجها من جميع النواحي ـ لن تجد الغذاء الضروري لها عند انتقالها إلى رحم الأم وسوف تموت أو تعجز عن إخصاب البويضة لفشلها في الوصول إليها .
هذا الأمر يرينا حقيقة واضحة، وهي أن الله تعالى الذي يؤسس العلاقات بين الأعضاء وبين الخلايا وهو الذي يلهم الغدة النخامية والهايبوتولاموس وخلايا لايدج وسارتولي وكل عنصر أو عضو يساهم في تكوين الحوينات، ويجعل هذه الغدد والخلايا والأعضاء يفهم أحدها لغة الآخر، فكل شيء يتحقق بأمره سبحانه وتعالى .
البنى والتراكيب الأخرى المساعدة للنطف في بلوغ هدفها :
تكتسب خلايا الحُوينات ( الناضجة نوعاً ما ) قابلية الحركة وقابلية الإخصاب في جزء من أجزاء النظام التناسلي يدعى " قناة ابيديدمس " (Epididymis )وترتبط قناة ابيديدمس بشكل رخو مع القسم الخارجي للخصية، وهي منحنية وطولها نحو ستة أمتار وقطره حوالي ملم واحد . ويخزن قسم من الحُوينات ( قبل شروعها في رحلتها ) في هذه القناة لفترة من الوقت . وترتبط هذه القناة بقناة تدعى " القناة الدافقة "حيث تخزن الحُوينات في هذه القناة مدة طويلة دون أن تفقد قدرتها على الإخصاب، وعندما يحين الوقت تقذف هذه الحُوينات إلى جسد المرأة وتبدأ برحلتها الطويلة للقاء البويضية وإخصابها . [4]
غير أن النطف تحتاج إلى مساعدين آخرين يعاونونها للبدء في عملية الإخصاب ولتوفير حاجاتها في رحلتها الشاقة . وكذلك لبقائها حية .
أحد المعاونين لها في رحلتها الطويلة هو غدة البروستات . والثاني هو الغدد الإفرازية في الأكياس المنوية الموجودة على طرفي البروستات . وتبدأ هذه الغدد بوظيفتها هذه حالما تنتهي عملية إنتاج النطف، وتقوم بإنتاج سائل خاص يرافق النطف في رحلتها .
يرافق هذا السائل الذي تفرزه البروستات النطف حالما تبدأ برحلتها، وهو يحتوي على أيونات السيترات والكالسيوم والفوسفات، وعلى إنزيم " فيبرونوليزين " ( وهو إنزيم للتخثر " إن الأعضاء التناسلية لدى المرأة تحتوي على خليط كثيف من الحوامض التي تمنع تكاثر البكتريات، ولخليط الحوامض هذا إضافة إلى كونه عائقاُ أمام حرية النطف تأثير مميت ومهلك للنطف، غير أن للسائل الذي تفرزه البروستات تأثيراً مهدئاً وبفضله تستطيع النطف السباحة بسهولة متوجهة نحو البويضة[5].
لنتوقف الآن قليلاً للتفكر والتأمل : إن غدة البروستات الموجودة في النظام التناسلي للرجل تتصرف وكأنها تعرف طبيعة البيئة الموجودة في جسد المرأة، أي أن غدة البروستات تعلم أن النطف سوف تصادف في خلال رحلتها بيئة حامضية وتعلم أن النطف لا تستطيع العيش في تلك البيئة . وفوق هذا فهي تعرف كيفية درء هذه المخاطر، لذا تقوم بإنتاج السائل الضروري لوقاية هذه النطف . لا شك أن معجزة كبيرة يتم تحقيقها هنا، فليس في الإمكان القول بأن غدة إفرازية في جسد الرجل على علم ببنية أخرى وبجسد آخر لا علاقة لها به، وأنها تتخذ بنفسها وبقرارها الخاص جميع الاحتياطيات والتدابير اللازمة . فكروا معي ! إن الإنسان المدرك العاقل وصاحب الشعور والوعي والذي يملك حواس البصر والسمع والذي يستطيع اتخاذ التدابير وحل المشاكل ومعالجة الصعوبات لا يستطيع تخمين الأخطار التي سيواجهها في بيئة يجهلها ولا يعلم ظروفها، فلا يستطيع القيام بالتخمين الصحيح لأخذ التدابير اللازمة لمواجهة هذه الأخطار، ولكن غدة البروستات ( وهي كتلة من اللحم مؤلفة من خلايا ) تستطيع إنجاز مثل هذا النجاح .
وكما هو واضح فإن من العبث الادعاء بأن غدة البروستات هي التي اتخذت قرارها في هذا الشأن وهي التي نفذت هذا القرار، فالله تعالى هو الذي ألهم هذه الغدة القيام بمثل هذه الوظيفة لأنه يعرف كل صغيرة وكبيرة عن جسد الرجل وعن جسد المرأة، لأنه هو الذي خلقهما .
وبالإضافة إلى ذلك فإن غدة البروستات ليست الغدة الوحيدة في جسد الرجل التي تفرز مواد حيوية لمساعدة النطف في رحلتها، لأن السائل الذي تفرزه الأكياس المنوية ( الموجودة بجوار غدة البروستات ) سائل مهم لا يمكن للنطف الاستغناء عنه في رحلتها الطويلة ويحتوي هذا السائل على كميات كبيرة من الفركتوز وغيرها من المواد الغذائية وعلى كمية كبيرة من " البوستاجلاندين" (prostaglandin ) و" الفيبرونوجين " .
يقوم الفركتوز والمواد الغذائية الأخرى بتغذية النطف منذ دخولها إلى جسد المرأة وحتى قيامها بإخصاب البويضة، وتقوم مادة " البروستاكلاندين " الموجودة في هذا السائل بمساعدة النطف من زوايا أخرى في الوصل إلى البويضة . فإحدى وظائف هذه المادة هي الدخول في تفاعل مع الغشاء المخاطي الموجود في قناة الرحم لتوفير جو صالح لحركة النطف، أما وظيفتها الثانية فهي تأمين تقلص الرحم وقناة فالوب في اتجاه معاكس لتسهيل حركة النطف .
وهنا تظهر أمامنا حالة إعجازية مهمة، فالسائل الذي تفرزه غدة البروستات لا يعرف فقط جسد الرجل الذي يتم إنتاجه فيه بل أيضاً بنية جسد المرأة بشكل دقيق وتفصيلي، فهو يعرف مسبقاً أن تقلص قنوات فالوب في رحم المرأة يساعد حركة النطف ويسهلها، لذلك فإنه، وبنظرة حكيمة ومستقبلية يضيف مادة " البروستاكلاندين " الكيماوية إلى جسد المرأة ولنتصور ـ للحظة ـ أننا طلبنا من أحد الكيميائيين تنفيذ هذه المهمة، فكيف كان سيتصرف ؟
كان سيقوم أولاً بفحص النطفة وتركيبها والبحث عن كيفية تحقيق الإخصاب وعن الظروف التي تحتاجها عملية الإخصاب هذه إلخ .
ثم كان سيقوم بفحص جسد المرأة وهرموناتها والبويضة وقناة فالوب التي تنقل البويضة إلى الرحم، ثم سيفحص الرحم وأنسجته ونظام الأعصاب الموجودة فيه لمعرفة كيفية تحقيق عملية التقلص فيه، ثم سيحاول الاستفادة من درسته ومن تجاربه التي استمرت عدة سنوات للعثور على المادة التي تملك مثل هذا التأثير، ثم سيقوم بإجراء التجارب والبحث في الكتب للوصول إلى النسب الصحيحة لاتحاد هذه المواد .
يحتاج الإنسان صاحب العقل والشعور إلى مثل هذه الدراسة الشاقة التي تحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير للوصول إلى بعض النجاح في هذا الأمر، أما الذي يقوم حقيقة ـ بمثل هذا الإنتاج فليس عالم كيمياء صرف سنوات عديدة من عمره في هذا المجال ليصبح مختصاً فيه، بل هي أعضاء وأنسجة تتألف من جزيئات وذرات لا تملك شعوراً أو إدراكاً لذلك لا يمكننا القول بأنها تملك عقلاً ومعرفة تفوق عقل ومعرفة الكيميائين أو أنها تعمل كل هذا بإرادتها . لا شك أن هذا السائل المنتج في النظام التناسلي للرجل والمصمم لتوجيه النظام التناسلي لدى المرأة ( وكذلك الخلايا المكونة له)، كل هذا مخلوق ـ لا شك ـ من قبل الله تعالى.
من الواضح استحالة تكون وتشكل هذه الأنظمة المترابطة بعضها مع البعض الآخر نتيجة المصادفات . وكل إنسان له شيء من عقل ومن إنصاف سيدرك فوراً بأن هذه الحوادث الخارقة التي تحدث حالياً ( والتي حدثت سابقاً ) في أجساد المليارات من الناس أثر ونتيجة لعلم ولقدرة لا نهائيتين، فيكون لله تعالى وحده صاحب هذا العلم وهذه القدرة .
قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) الشورى:29
عندما تبدأ الحيوانات المنوية رحلتها يلتحق بها أولاً السائل الذي تفرزه غدة البروستات ثم السائل المفرز من الأكياس المنوية، وهكذا يكتمل تكوين المني . وتستمر النطف بالرحلة في جسد الأم، ولهذه السوائل ( كما ذكرنا سابقاً) وظيفة تأمين الوسط والبيئة الملائمة لحركة الحيوانات المنوية، وذلك بتوفير الغذاء والطاقة اللذين تحتاجهما النطف في رحلتها هذه من جهة، ومن جهة أخرى بقيامها ـ نتيجة طبيعتها القاعدية ـ بعملية تعادل للحوامض الموجودة في مدخل رحم المرأة .
يطلق اسم " المني " على مجموعة هذه السوائل المقذوفة من جسد الرجل إلى جسد المرأة لغرض إخصاب البويضة، وهو يتكون من النطف ( الحُوينات ) ومن السوائل التالية بالنسب المحددة : 10% من القنوات المنوية، 60% من الأكياس المنوية ،30% من غدة البروستات، كما يحتوي السائل المنوي على سوائل أخرى تفرزها غدد أخرى ولكن بنسب قليلة . إن السائل المنوي سائل معقد يحتوي على مواد عديدة معقدة مثل : الفركتوز، والفوسفور نكلولين، والأركوفيرفوئين، وحامض الأسكوربيك، والفلادينات .
والبروستاغلانات، وحامض الستريك، والكولسترول، والفوسفولبيرات، والفيبرونوليزين، والقصدير ،والفوسفات، والهيالوردنيداز، وعلي الحيوانات المنوية ! وهنا تظهر أمامنا معجزة أخبرنا بها القرآن الكريم .(1)
لقد لفت القرآن الكريم الأظار في آيات عديدة إلى خلق الإنسان وحض على التأمل فيه وقد صادف العلماء الذين بحثوا ودرسوا هذه الآيات القرآنية حول خلق الإنسان العديد من المعجزات الكامنة فيه، فمثلاً اكتشف العلم بوسائله التكنولوجية أن المني عبارة عن مواد مختلطة عديدة ( أمشاج )، مع أن هذه المعلومة قد وضحت في القرآن قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة :
(إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (سورة الإنسان:2).
وضمن هذا السائل المعقد التركيب تملك الحيوانات المنوية وحدها قابلية الإخصاب .
فبينما يظن الناس أن جميع أقسام مني الإنسان يملك هذه القابلية، تنحصر هذه القابلية في جزء صغير فقط من مني الإنسان وهو الحيوانات المنوية (الحُوينات ) . أي أن الإنسان يظهر للوجود ليس من السائل المنوي بأجمعه بل من الحيوانات المنوية فقط .
حين يلتقي الزوجان يتم قذف عدد يتراوح بين مئتين وثلاثمئة مليون حيوان منوي، غير أن ألفاً من هذه الحيوانات فقط ينجح في الوصول إلى البويضة، ومن ضمن هذه الحُوينات الألف تختار البويضة واحداً . أي أن الإنسان ليس إلا نتيجة جزء صغير مختار من المني . وهذا الأمر الذي يملك عنه معظم الناس ( حتى في أيامنا الحالية ) معلومات خاطئة قد أخبرنا الله تعالى عنه في القرآن قبل أكثر من ألف سنة : قال الله تعالى :
(أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى {36}أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى {37} ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى {38} فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى {39} أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى {40}.
وهذا يبين لنا ـ بكل جلاء ـ أن القرآن هو كلام الخالق الذي يحيط علماً بكل دقائق وتفصيلات خلق الإنسان .
تتمة وتكملة التحضيرات الأخيرة :
إلى هنا تكون بنية الحيوان المنوي ( المدعم بسوائل المني ) قد تكاملت : الرأس، والعنق والذنب، ثم الجزء الأخير ولكل جزء من هذه الأجزاء وظيفته الخاصة به .
ولا يتجاوز حجم رأس الحوين ( الذي يعد نواة له ) خمسة ميكرونات ( يساوي الميكرون الواحد جزءاً من مليون جزء من الملليمتر الواحد ) . وجميع المعلومات المتعلقة بجسم الإنسان، والتي تستطيع تحويل خلية واحدة إلى إنسان كامل وسوي، محفوظة وموضوعة في مثل هذا الجزء والحيز الصغير، وتنقل هذه العلبة الصغيرة المتكونة من 23 كروموسوماً والمحتوية على جميع هذه المعلومات إلى البويضة . أي أن جميع المعلومات المتعلقة بأعضاء جسم الإنسان وكيفية عمل هذه الأعضاء وتعيين أماكنها وفي أي وقت تقوم أي خلية بالنمو والتغير والتمايز، وباختصار فإن جميع المعلومات المتعلقة بكيفية تكون الإنسان وإنشائه محفوظة ومصانة بشكل جيد في نواة الخلية المجهرية للحوين .
إلى جانب المعلومات الجينية الموجودة في رأس الحوين توجد تراكيب أخرى أيضاً، فمثلاً يوجد في الطبقة الخارجية قسم حافظ يدعى " الأكروزوم "، ويقوم الحوين باستعماله في القسم الأخير والأهم من رحلته.
ويحتوي هذا "الأكروزوم " على الإنزيمات التي تمتلك القدرة على تفتيت الأنسجة وثقبها، ويقوم الحوين باستخدام هذه الإنزيمات لثقب غلاف البويضة للدخول فيها لإخصابها .(2)
الجزء الثاني والمهم للحوين هو الذنب الذي يساعده على السباحة بسهولة في الوسط السائل . وحركة الذنب هي التي تعين اتجاه حركة الحوين وتساعده في الوصول إلى البويضة . حسناً ولكن من أين يحصل الحوين على الطاقة اللازمة للحركة الدائبة لذنبه ؟
لقد أخذ هذا الأمر أيضاً بعين الاعتبار وتم تأمين هذه الحاجة بشكل كامل ورائع، فالقسم الأوسط من جسم الحوين يعد مخزناً للوقود يمده بالطاقة طوال رحلته . فطوال هذه الرحلة وحتى وصوله إلى البويضة تقوم الميتوكوندريات الموجودة في هذا الجزء الوسطي بإمداده بالطاقة اللازمة، وتقوم الميتوكوندريات باستعمال علب الطاقة الموجودة أسفل عنق الحوين وتحرر الطاقة اللازمة التي تضمن حركة الحوين بسهولة .[3]
كما رأينا فهناك تصميم رائع من جميع الوجوه في بنية وتركيب الحوين . فلو لم يكن له ذنب لما استطاع الحركة، ولو لم تكون هناك الميتوكوندريات في القسم الأوسط منه لما استطاع توليد الطاقة ولما استطاع الحركة أيضاً، ولو كان قسم الرأس عنده كاملاً ولكن دون وجود قسم " الأكروزوم " فيه لما كانت هناك أي فائدة في وصول الحوين إلى البويضة لعدم وجود الإنزيم الذي يستطيع به ثقب غلاف البويضة لتحقيق الإخصاب .
لذا فإن الحوين لا يمكن أن يكون قد اكتسب خواصه هذه خطوة خطوة وبشكل تدريجي كما تدعي نظرية التطور، لأن من الضروري أن تكون جميع هذه الخواص متوفرة وموجودة بشكل كامل في الحوين منذ ظهور الإنسان الأول في هذه الدنيا، لأن نقص أي خاصية أو أي تركيب من تراكيبه معناه استحالة قيامه بعملية الإخصاب . ولو وجدت في الماضي حوينات غير كاملة الخواص ( كما يدعي أنصار نظرية التطور !) لا نقرض نسل الإنسان من هذه الدنيا قبل أن يتمكن من التكاثر . وهذا يثبت لنا أن الحُوينات قد وجدت في لحظة واحدة وبشكل كامل ،أي أنها قد خلقت، والتصميم الكامل والبديع الذي تملكه يعود إلى الله خالق كل شيء .
النظم المخلوقة بعضها للبعض الأخر :
عندما تفارق الحُوينات الموجودة في السائل المنوي جسد الرجل لا تكون في الحقيقة ـ مستعدة بعد لإخصاب البويضة، فبسبب بعض الإفرازات من الموضع الذي كان الحُوينات مخزونة فيه فإن حركتها تكون مقيدة ،ولهذا السبب فإنها لا تكون مستعدة ولا مهيأة تماماً لعملية الإخصاب عندما تصل إلى البويضة .
إذن فكيف تحصل الحُوينات التي خرجت من جسد الرجل على قابلية إخصاب البويضة .
لكي تتحقق عملية الإخصاب تهيئت نظم عديدة في جسد المرأة لهذا الغرض . هنا تعب السوائل المفرزة في العضو التناسلي للمرأة لمساعدة الحُوينات وزيادة قابلية الإخصاب عندها، ويمكن تلخيص التغيرات التي تطرأ على الحُوينات بعد وصولها إلى جسد المرأة كما يأتي :
(1).السوائل التي يفرزها رحم المرأة وقناة فالوب هي سوائل تملك خواص كيماوية تزيل أثر العوامل التي كانت تقلص من حركة الحُوينات عندما كانت هذه الحُوينات موجودة في جسد الرجل . لذا نلاحظ زيادة قابلية الحركة عند الحُوينات التي وصلت إلى القناة التناسلية للمرأة .
(2). نرى وجود الكوليسترول بنسبة كبيرة في الخصيتين ( اللتين كانت هذه الحُوينات موجودة فيهما ) نتيجة لورود مادة الكولسترول هذه من الأكياس المنوية فيها، وتأخذ مادة الكوليسترول مكانها في غشاء " الأكروزوم" الموجود في القسم الرأسي من الحوين وهذا الأمر يفيد في تقوية هذا الغشاء ويحول دول خروج الإنزيمات الموجودة فيه وانسكابها قبل أوانها، لأن هذه الإنزيمات تقوم بثقب جدار البويضة، لذلك كان على الحُوينات التخلص من هذه الخاصية.
وهكذا نرى أن نظاماً قد تمت تهيئته لهذا الأمر، مثل آلاف التفصيلات الأخرى والمهيأة في المراحل المختلفة لتكوين الإنسان ونموه .
بعد فترة من دخول الحُوينات جسد المرأة تمتزج مع السوائل التي يفرزها رحمها، وبعد هذا الاختلاط والامتزاج تخف نسبة الكوليسترول الموجودة في المني مما يؤدي إلى ضعف الغشاء الموجود في "الأكروزوم " وهكذا تستطيع الإنزيمات المغادرة إلى الخارج بسهولة عند وصول الحوين إلى البويضة، فتقوم هذه الإنزيمات بثقب غلاف البويضة لتحقيق عملية الإخصاب .
(3). عندما تصل الحُوينات إلى جسد المرأة تزداد قابلية نفوذ أيونات الكالسيون في غشاء الرأس عندها . إن دخول كميات كبيرة من الكالسيون إلى خلية الحوين يزيد من قابليتها للحركة، ويبدأ الذنب ( وهو بشكل سوط يساعد الحوين على الحركة ) بحركة قوية بدلاً من حركته التموجية الضعيفة التي كانت في السابق، مما يساعد على الوصول بسرعة إلى البويضة[4].
ولاشك في وجود إشارات ودلائل ذات معانٍٍ للإنسان الذي يتأمل بعمق حجم الانسجام بين الحوين وبين جسد المراة وكيف أنهما قد خلقا بحيث يكمل أحدهما الآخر، فكل من جسد المرأة والحوين يبديان شعوراً وإدراكاً كبيراً مع أن كل واحد منهما مستقل عن الآخر ،فكأن جسد المرأة يعرف أن الحوين الذي دخل في هذا الجسد يشكو من نواقص فيدرك هذه النواقص ويقوم بتكلملتها وإفراز ما يلزم لهذه التكملة . لقد تمت تهيئة جو خاص جداً لخلية الحوين الصغيرة والتي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وكأن جسد المرأة يعرف أن رحلة طويلة تنتظر هذا الحوين وأنه يحتاج إلى طاقة وإلى سرعة حركة لقطع مسافة هذه الرحلة، وكأنه يدرك أيضاً أي تركيب كيميائي يمكنه ثقب غلاف بويضته، وأن هناك بعض النواقص عند الحوين بسبب الكولسترول الذي يحمله، فيقوم بإفراز مادة لتخفيف نسبة الكوليسترول لتهيئة الجو لثقب غلاف البويضة بسهولة . وهو يعمل كل هذا بسبب القابلية التي تيمتع بها .
ومن المفيد أن نذكر أن الأمثلة التي أعطيناها حتى الآن تشمل جزءاً صغيراً من الحوادث التي تبدأ بدخول الحوين إلى جسد المرأة وحتى قيامه بإخصاب البويضة، لأن ما ذكرناه يتحقق بعد حدوث الآلآف من العمليات الكيميائية المعقدة التي تشترك فيها العديد من البروتينات والإنزيمات والسوائل . ولكن علينا أن نذكر بأن هدفنا من إيراد هذه التفصيلات ليس
إعطاء معلومات فقط، بل البرهنة على حقيقة أن نشوء الإنسان ومجيئه إلى الدنيا عملية معقدة جداً ولا يمكن أن تتم بالمصادفة العمياء ( كما يزعم أنصار نظرية التطور ) .
وأن هذه العمليات المعقدة مسيرة في إطار عمل رائع لنظم معقدة ومنسجمة بعضها مع البعض الآخر انسجاماً كبيراً . فكيف يمكن لأي إنسان عاقل أن يصدق قصة نشوء إنسان كامل بطريق المصادفات إذا كان نشوء إنزيم واحد محفز لحركة الحوين أو نشوء جزيئة واحدة مستحيلاً عن طريق المصادفات العمياء ؟
بحثنا ـ حتى الآن ـ كيف أن خلية الحوين المنتجة في جسد الرجل تكتسب بمساعدة المواد الكيميائية الموجودة في جسد المرأة قابلية إخصاب البويضة . والآن لنقف هنا لنفكر :
هل يمكن تكون مثل هذه الأنظمة ( كما تدعي نظرية التطور !) بشكل تدريجي ومرحلة إثر مرحلة ؟ لا شك أن هذا مستحيل، ولكن ـ مع هذا ـ لنطرح هذا السيناريو لفحصه وتدقيقه .
هل يمكن أن يجد الحوين ( الذي تشكل في جسد الرجل مصادفة ) عندما يصل إلى جسد المرأة السوائل التي تكتسب قابلية الإخصاب جاهزة أمامه مصادفة ؟ أم تقوم الخلايا التناسلية في المرأة باتخاذ قرار بإنتاج المواد الكيميائية اللازمة والضرورية لأن الحوين الواصل لا يملك قابلية الإخصاب ؟
لا شك أن كل بديل من هذين البديلين يضادّ العقل والمنطق، وهما أمران خياليان لا يمكن أن يتحققا . وهذا المثال الذي ذكرناه يشير إلى حقيقة واحدة، وهي أن كل نظام من هذه الأنظمة الدقيقة الموجودة دليل على العلم غير المحدود لله تعالى الخالق المصور، الذي يخلق معجزات عديدة في أعماق الإنسان وفي أجزاء صغيرة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة وهذه الأدلة الإيمانية التي يخلقها الله تعالى في جسم الإنسان خارجة عن إرادة الإنسان وعن علمه، والله ـ عز و جل ـ يذكّر الإنسان بأنه هو المتحكم في كل شيء ( بما في ذلك الإنسان نفسه ) .
قال تعالى :
(إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)(لنجم: من الآية32).
البويضة ودورها في تكوين إنسان جديد :
التغيرات التي تحدث في جسم الرجل عند مرحلة البلوغ يتم مثيل لها في جسم المرأة .
فإلى بجانب البويضة ( التي تعد خلية تناسلية أنثوية ) يتهيأ النظام التناسلي لدى المرأة بشكل مناسب ولائم لنظام التناسل عند الرجل .
عند وصول النساء مرحلة البلوغ يدرك الهايبوثلامس كما هو الحال عند الرجال ـ بأن الزمن قد حان فيصدر أوامره إلى الغدة النخامية لإنتاج الهرمونات التي تنضج خلايا البويضات، وتقوم الغدة النخامية بتنفيذ هذه الأوامر فوراً وتبدأ بإنتاج الهرمونات الضرورية .
وكما في الرجال أيضاً، فإن إنتاج الخلايا التناسلية في المرأة لا يكون مستمراً، فهذا الإنتاج يتم في فترات معينة، وتعيين هذه الفترات يقع ضمن وظائف الغدة النخامية . تقوم هذه الغدة في فترات معينة بإفراز هرمون لإنضاج الخلايا الأم للبويضات الموجودة في المبيض، ويعرف هذا الهرمون المكان الذي يذهب إليه جيداً، لذا نراه يتوجه نحو المبيض مباشرة ويعلمه بأنه قد حان الأوان لنضج البويضة . وتفهم خلايا المبيض فوراً هذا الأمر فتبدأ فعاليات نشطة في المبيض لإنضاج البويضة .[5]
والآن لنتفحص هذه المعلومات بشكل أعمق، كيف يستطيع الهابوتولاموس ( وهو غدة صغيرة ) حساب الزمن ؟ كيف يقوم بهذا الحساب للزمن دون أي خطأ عند مليارات النساء اللائي عشن سابقاً واللائي يعشن حالياً ؟ تقع غدة الهايبوتولاموس في المنطقة الوسطى من الدماغ ولا تملك أي آلية لحساب الزمن، ولا تملك كذلك أي آلية لحساب الزمن، ولا تملك كذلك أي علاقة مع الدنيا في الحقيقة وهي مجرد قطعة لحم مؤلفة من خلايا . وليس قيام قطعة اللحم هذه بحساب الزمن بالأمر الذي يمكن أن يمر عليه الإنسان وكأنه أمر اعتيادي لا غرابة فيه، غير أن هذا التفصيل الصغير ليس إلا معجزة واحدة من المعجزات العديدة الجارية في جسم الإنسان . وتقع مثل هذه الحوادث التي تدهش الإنسان في جسمه ف يكل آن وفي كل ميللمتر مربع في جسمه دون توقف، فمثلاً نرى تحقق معجزة مدهشة في الغدة النخامية التي تتلقى الأمر من الهايبوتولاموس وتستطيع فك شيفرات هذا الأمر وفهمه، ثم القيام باتخاذ قرار لأنتاج المادة المطلوبة، ثم إرسالها ـ دون أي خطأـ إلى مكان بعيد عنها لم تره من قبل . والغدة النخامية أيضاً عبارة عن مجموعة من الخلايا، فكيف تستطيع مجموعة الخلايا هذه " فهم " الأوامر الآتية إليها ؟ إن مجرد فهم وتنفيذ هذه الأوامر بواسطة هذه الخلايا أمر خارق بحد ذاته، فبأي قدرة تستطيع هذه المجموعة من الخلايا " فهم " واستيعاب " و" استخراج النتائج " واتخاذ قرار " وتطبيق هذا القرار " ؟ .
إن جسم الإنسان مكان مظلم ومعقد ومزدحم تجري فيه سوائل عديدة في الأوعية الدموية بسرعة كبيرة، وفيه مواصلات معقدة ومزدحمة جداً . إن قيام مجموعة من الخلايا في مثل هذا المحيط المزدحم والمعقد بمواجهة مواد أكبر منها كثيراً وإرسال مواد بواسطة بعض الوسائل إلى المكان الذي تريده دون أن تضل طريقها ودون أن تتضرر في الطريق … كيف هذا أمر يستحيل على أنصار نظرية التطور القيام بإيضاحه، ذلك لأن الملجأ الوحيد لهؤلاء التطوريين والجواب الوحيد عندهم هو " المصادفات "، مع أنه لا يوجد أي مكان للمصادفات في الجسم المعقد للإنسان ولا في أجسام الكائنات الحية الأخرى !ولنكرر هنا مرة أخرى : إن العقل الذي يقابلنا هنا وفي جميع أمثال هذه الفعاليات ليس عقلاً عائداً لهذه الخلايا، فهذه الخلايا لا تملك أعيناً ترى بها بعضها البعض ولا ألسنة تتكلم وتتفاهم بها ولا آذاناً تسمع بها، بل هي مجرد مخلوقات تقوم بتنفيذ أوامر خالقها وتكون وسيلة لتحقيق هذه المعجزات بإلهام منه وحده سبحانه وتعالى.
تكون البويضة داخل جسم الأم
بقلم الكاتب التركي هارون يحيى
تم إنتاج البويضات في عضو يدعى " المبيض " مصمم خصيصاً لهذا الأمر، ويوجد في كل امرأة مبيضان أحدهما في الجهة اليسرى والآخر في الجهة اليمنى . وفي كل مبيض يوجد فراغ يسمح بدخول وخروج الأوعية الدموية والأوعية اللمفاوية والأعصاب، وهناك في
هذا التجويف أنسجة ألياف غنية بالدم، وبفضل هذه الأنسجة يتم تأمين إنتاج خلايا البويضات وتغذيتها وحفظها بأمان . ويوجد في هذا العضو العديد من الحويصلات وتحتوي كل حويصلة على خلية أم لبويضة واحدة، وفي كل شهر تنضج بويضة واحدة في إحدى هذه الحويصلات وتترك خارج المبيض تمهيداً لإخصابها .
ولكن عملية الإنتاج هذه ليست عملية مؤلفة من مرحلة واحدة فقط، فإنضاج بويضة واحدة يستدعي إجراء وإتمام عمليات ذات مراحل متعاقبة ومتعددة . إن نضوج خلية أم لبويضة تحولها إلى خلية تناسلية يستدعي انقسام من النوع الفتيلي(Mitosis )وانقسامين من النوع المنصف ويجب ألا يحدث أي خطأ في توقيت وفي تسلسل هذه الانقسامات، لأن تغيراً سيحدث في عدد الكروموسومات الموجودة في الخلية التي تتحول إلى نوع آخر من الخلايا . وكما يحدث في الخلايا التناسلية في الذكور يقل هنا أيضاً الكروموسومات في خلية البويضة من 46 كروموسوماً إلى 23.
وفي نهاية الانقسامات الفتيلية والمنصفة التي تحدث في خلية البويضة تنتج ثلاثة خلايا صغيرة وخلية واحدة كبيرة هي خلية البويضة الناضجة، وبينما تموت الخلايا الصغيرة بسبب نقص الغذاء تمر الخلايا الكبيرة ببعض التغيرات حتى تتحول إلى بويضة كاملة . ولو كان لجميع هذه الخلايا الحجم نفسه لتعذر تغذية البويضة المخصبة ـ فيما بعد ـ التغذية الكافية غير أن كون إحدى هذه الخلايا خلية كبيرة ولها مخزون غذائي أكبر يحول منذ البداية دون حدوث هذه المشكلة .
ولا تكون عملية نضوج البويضة عملية تلقائية، فكما ذكرنا سابقاً فإن الغدة النخامية الموجودة في القسم السفلي من الدماغ هي التي تقود مراحل هذه العملية بواسطة الهرمونات التي تفرزها .
يمكن تلخيص الهرمونات المؤثرة في المراحل المختلفة لنضوج البويضة كما يأتي :
(1) المرحلة الحويصلية :
وهي المرحلة التي تبدأ فيها خلية البويضة بالتكون، وتوجد الخلية الأم للبويضة ( كما ذكرنا سابقاً ) في أكياس صغيرة تدعى " الحويصلات " وتدوم هذه المرحلة 14 يوماً . ويأتي هرمون FSH ( وهو هرمون تفرزه الغدة النخامية ) إلى المبيض عن طريق الدم، ويقوم هذا الهرمون بعدة وظائف في المبيض منها تكوين الحويصلات وتطويرها وإنتاج البوضة من الخلية الأم، كما يتسبب هذا الهرمون في أفراز هرمون الإستروجين من الحويصلات الناضجة .
وهرمون الاستروجين هرمون مؤثر على بنية الرحم خاصة، فهو يسرع الانقسامات الفتيلية لخلايا الرحم، مما يؤدي إلى زيادة سمك هذه المنطقة لتأمين التصاق الجنين على جدار ناعم ولين بعد إتمام عملية الإخصاب، كما يؤدي إلى زيادة ورود الدم إلى هذه المنطقة . وتتكرر هذه العمليات مرة كل شهر، فإن تم إخصاب البويضة استقرت البويضة المخصبة على هذا النسيج الميهأ لها وبدأت بالتغذية والنمو هنا .
وكما هو حادث في كل مرحلة من مراحل نشوء الإنسان وتكونه في رحم أمه، فهنا أيضاً ـ نجد حادثة خارقة، حيث نرى أن خلايا النظام التناسلي الأنثوي تدرك مسبقاً حاجات الجنين المستقبلية وتتهيأ لها، وتعمل جاهدة على تأمين أفضل وأنسب جو ومحيط لنمو الجنين . فكيف تستطيع مجموعة من الخلايا تحقيق كل هذه العمليات التي تستدعي شعوراً ووعياً وإدراكاً كبيراً ؟ من المستحيل طبعاً القول بأن هذه الخلايا تملك كل هذا الوعي وهذا الإدراك ولكن الخلايا الموجودة في النظام التناسلي للمرأة (بل حتى الخلايا الغدية النخامية ) تستطيع تحقيق هذه العمليات التي تبدو مستحيلة، وتقوم مسبقاً بتهيئة أفضل جو ومحيط لحاجات الجنين الذي لم تعرفه من قبل .
ويستحيل ـ طبعاً ـ على كل صاحب عقل ومنطق الادعاء بأن الخلايا تقوم بكل هذه العمليات بعقلها وشعورها وبقرار صادر من عندها، فهذه الأمور التي يعجز عن تحقيقها الإنسان العاقل لا يمكن عزوها إلى مجموعة من الخلايا المتكونة من ذرات غير عاقة، ومن يدّعي هذا يقع في تناقض منطقي صارخ، وهكذا فالحقيقة تظهر أمامنا واضحة وبينة، وهي أن هذه الخلايا تقوم بأداء هذه الوظائف بإلهام من خالقها، وأن هذه المعجزات تتكرر عند ولادة كل إنسان منذ ظهور الإنسان على وجه هذه الأرض .
(2) مرحلة البويضة :
في هذه المرحلة تنشق الحويصلات المحتوية علىالبويضة وتتحرر هذه البويضة ولكن هناك حاجة إلى مساعدة يتلقف خلية البويضة هذه المتروكة للفراغ، وإلا تعذر على البويضة التقدم نحو المكان الذي ستلتقي فيه بالحوين، أي تعذر مثل هذا اللقاء . وهنا يظهر دور قناة فالوب ( وهي قناة تصل ما بين المبيض والرحم ) في حل هذه المشكلة، فهذه القناة التي تملك أذرعاً ضخمة كأذرع الأخطبوط تقوم بتلقف خلية البويضة الخارجة من المبيض، وحسب وجود الحوين في قناة فالوب ( وهي الموضع الذي يتم فيه عملية الإخصاب ) أو عدم وجوده تتحدد المراحل القادمة .
تتكون خلايا البويضة في المبيض داخل تراكيب تدعى الجريب ونشاهد في هذا الرسم التمثيلي مراحل تكون خلية بويضة واحدة وخروجها من الجريب ، وتتكرر كل هذه المراحل عند جميع النساء خلال فترة معينة ، ففي كل شهر تتكون خلية جديدة ويتكرر إفراز الغدد نفسها ، ويتهيأ جسم المرأة وكأنه ستم الإخصاب . ولكن اتجاه الاستعدادات في الجسم يتغير في المرحلة حسب وجود الحوين أو عدم وجوده ، وهذا الأمر معجزة واضحة من معجزات الخلق .
يقوم هرمون LH( وهو هرمون تفرزه الغدة النخامية ) بتوجيه دفة هذه العمليات وبتحرر البويضة . ومن المفيد الإشارة إلى نقطة هامة تتعلق بهذا الهرمون، فعلمية انشقاق كيس الحويصلة " فوليكل "( الذي يحتوي على خلية البويضة ) وبدء خلية البويضة بالتقدم للقاء الحوين ،هذه العملية تحتاج إلى هذا الهرمون .
وعدم وجوده يعني عدم نضوج كيس فوليكول وعدم الوصول إلى مرحلة وضع خلية البويضة، حتى وإن كانت جميع الهرمونات الأخرى متوفرة دون نقص . ولكن مثل هذه المشكلة لا تحدث، فقبل يومين من المرحلة الثانية ( مرحلة تحرير البويضة ) يلاحظ أن الغدة النخامية ـ ولسبب لا يزال مجهولاً حتى الآن وغير معروف من قبل العلماء ـ تبدأ بزيادة إنتاج هرمون LH، كما تظهر زيادة في إفراز هرمون FSH، وبتأثير من هذين الهرمونين تتحقق كل شهر وبانتظام عملية وضع البويضة . أي أن الغدة النخامية تقوم ـ هنا أيضاً ـ بحساب دقيق لا يخطئ للزمن، حيث تبدأ بإفراز الهرمون اللازم وبالمقدار الضروري وفي الوقت الملائم تماماً.!
لا شك أنه لا يمكن توقع وقوع مثل هذا التصرف الواعي والعاقل من قبل الغدة النخامية أو من الخلايا التي تكونها، فإن كان لها عقل سامٍ وإرادة فلا شكل أن هناك صاحباً لهذا العقل ولهذه الإرادة ،وهذا العقل والإرادة الواضحة في جميع مراحل خلق الإنسان وجميع المعجزات المتجلية في هذه الحوادث تعود إلى الله تعالى صاحب العقل والقدرة اللانهائيتين .
(3) مرحلة الجسم الأصفر:
بعد خروج البويضة من كيس فوليكول وفراغه منها بملأ الدم هذا الفراغ، وتبدأ خلايا خاصة تحيط بهذه الأكياس ( تدعى "الخلايا الحبيبية " " granulose cell "بالتكاثر والحلول محل الدم المتخثر في هذه الأكياس ،وهذه الخلايا صفراء اللون وغنية بمادة الليبيد . وهكذا تتحول الحويصلة ( التي خرجت منها البويضة ) بالتمدد نتيجة هذا السائل الذي ملأها وتتحول إلى بنية وتركيب فعال يدعى " الجسم الأصفر".
يلعب هذا الجسم الأصفر دوراً مهماً جداً في تحضير وتهيئة الرحم للجنين بشكل جيد ولكي يستمر الحمل بشكل جيد ودون مشكلات . ومن أهم مميزات هذه البيئة إفراز هرمون البروجسترون بتأثير وتحفيز من هرمون LH ويقوم هرمون البرجسترون (الذي يملك صفات ترطيبية ) بتنبيه جدار الرحم، وأهم تغير حاصل في الرحم يكون في طبقة " موكوزا "، فبتأثير هرمون الأوجستروجين والبروجسترون يزداد سمك جدار الغشاء المخاطي حتى تصل الشعيرات الدموية والغدد إلى سطح هذه الطبقة، ويأخذ جدار الرحم شكلاً متعرجاً وملتوياً، وتزداد فعاليات إفرازات الغدد .
والغاية من هذه التغيرات هي تهيئة أفضل بيئة وأنسب وسط لاستقرار الجنين، كما يجبر الرحم عضلاته على الراحة من أجل استمرار الحمل . وإضافة إلى هذا يقوم هرمون البروجسترون بالتأثير في نمو وتوسعة الغدد الحليبية .
إن قيام هرمون ما بالتأثير على هرمون آخر وفي الوقت المناسب تماماً وامتلاكه حدساً في هذا الخصوص أمرٌ لا يمكن تفسيره بالمصادفات . وهنا ترد عدة أسئلة على الخاطر : إذ كيف تستطيع جزئية متكونة من ذرات لا تعقل أن تملك حدساً إلى هذه الدرجة ؟ وكيف تبادر إلى تنظيم هذه الفعاليات بأفضل شكل وأكثره ملاءمة لراحة الإنسان ؟ من الواضح أن الجزيئات التي تشكل الهرمونات لا تملك لا عقلاً ولا شعوراً، وهذا الأمر يرينا أن قدرة فائقة هي التي خلقت هذه النظم المتكاملة بعضها مع البعض الآخر، وهي التي وهبتها هذه الخواص والمميزات . أي أن الله تعالى ـالذي خلق السماوات والأرض ـ هو الذي يلهم الجزيئات المكونة للهرمونات والذرات المكونة للجزيئات كيفية التصرف الواعي .
تستمر هذه المرحلة بين اثني عشر يوماً وأربعة عشر يوماً، فإن لم تتم عملية الإخصاب في نهايتها ينحل الجسم الأصفر وتتكرر المراحل نفسها من جديد وبانحلال الجسم الأصفر يتوقف إفراز هرموني الأوجستروجين والبروجستروجين, غيرهما من الهرمونات (أي أن هذه الوظيفة تقع أيضاً على عاتق الغدة النخامية ) ثم تبدأ هذه الغدة مرة أخرى بأفراز هرمون FSH وهرمون LH مما يؤدي إلى نمو وزيادة حجم الحويصلات ،ولكن هذا النمو يكون محدوداً لأن عدم وجود هرموني الأستروجين والبروجسترون في الرحم يكون عاملاً في بدء مرحلة جديدة هي مرحلة الحيض .
(4) مرحلة الحيض:
وهي مرحلة التخلص من البويضة غير المخصبة وقذفها خارج الجسم . فبسبب عدم تحقق الإخصاب يتوتر جدار الرحم الذي كان قد تهيأ للجنين، وبانفصال العروق الشعرية تخرج البويضة خارج الجسم . وبعد هذه المرحلة يبدأ الجسم بالتهيؤ لتكرار هذه العمليات والمراحل مرة أخرى .
تتكرر هذه المراحل عند جميع النساء بصورة متكررة لسنوات معينة من العمر، حيث يتم إنتاج خلية بويضة كل شهر وإفراز الهرمونات نفسها . وتتكرر هذه المراحل بعينها ويتهيأ جسد المرأة لعملية الإخصاب، ولكن يتغير اتجاه التحضيرات في المرحلة الأخيرة حسب وجود الحوين أو عدم وجوده .
التحضيرات قبل عملية الإخصاب :
تقع خلية البويضة على مسافة تتراوح بين عشرين وخمسة وخمسة وعشرين سنتمتراً من الحُوينات الواصلة إلى جسد المرأة، وتبلغ هذه المسافة 3000 ضعف حجم الحوين تقريباً، وهي تعد مسافة طويلة بالنسبة لحجمه ،ولذلك تحتاج الحُوينات إلى مساعدة جادة لقطعها .
لذلك نرى أن تحضيرات معينة تبدأ في جسد الرجل وفي جسد المراة قبل تحقق التقاء الحوين مع البويضة، ومعظم هذه التحضيرات يستهدف مساعدة ومعاونة الحُوينات في رحلتها في جسد المرأة وتسهيل هذه الرحلة . مثلاً : تحدث تموجات من التقلصات في رحم المرأة، وهذه الحركات التي تحدث في الرحم وفي قناة فالوب بشكل متميز عن الأوقات الاعتيادية تقوم بتسهيل حركة الحُوينات نخو البويضة . والذي يلفت الانتباه في هذه الخصوص هوالمادة التي تسبب هذه الحركات التقلصية والتموجية، وتوجد هذه المادة التي تدعى (بروستاجلاندين" prostaglandin ") في السائل المنوي الذي تتحرك فيه الحُوينات المفرزة من جسد الرجل، أي ضمن السائل الذي يفرزه الكيس المنوي . وعلى الرغم من أنها تأتي من جسد آخر فإنها تعرف بنية رحم المرأة وتستطيع التأثير فيه لتسهيل رحلة الحُوينات وتقدمها .[1]
ولا تنحصر التغيرات التي تحدث في الرحم لتحقيق الإخصاب على هذا، فالقنوات تتوسع في هذه المرحلة ،وبتأثير هرمون الإستروجين يزداد إفراز الرحم ( إفراز المادة المخاطية ) . وتقوم هذه المادة ( وكأنها تعرف ضرورة إغناء مادة كلوريد الصوديوم الموجودة فيها ) بتهيئة نفسها فتصبح مرنة وشفافة، وفي نهاية هذه التغيرات يظهر تركيب خاص وبنية خاصة في هذه المادة المخاطية بفجوات طويلة ومتوازنة ومستقيمة، ثم تتحول هذه البنية إلى شكل يسهل على الحوينات، فهذه القنوات تسمح فقط للحوينات ذات البنية الاعتيادية والطبيعية بالمرور خلالها، أي أنها تعمل عمل منخل ومصفات لأن الحُوينات تملك أحياناً شكلاً غير ملائم وبنية غير صالحة للإخصاب فتتم تصفيتها في هذه القنوات .
وكما يتبين مما شرحناه حتى الآن : إن كل حركة في الرحم وفي المبيض تستهدف وصول الحوين إلى البويضة، فمثلاً بعد انتهاء عملية وضع البويضة وبعد أن يتم التقاء البويضة بالحوين تبدأ المادة المخاطية بعمليات عكسية، إذ يصبح لونها غامقاً ولا يعود شفافاً مما يحول دون عبور الحُوينات إلى الداخل .
والتغيرات التي تحدث في النظام التناسلي للمرأة تستهدف وصول الحُوينات (الداخلة إلى جسد المرأة ) إلى البويضة ،وهذا أمر ـ كما قلنا في السابق ـ مثير ويلفت الانتباه لأن العناصر الموجودة في النظام التناسلي للمراة تقوم بمساعدة خلايا آتية من جسد آخر .
كيف يتسنى لخلية أن تملك كل هذه المعلومات التفصيلية عن خلايا غير موجودة في محيطها ؟ وكيف تسنت لها معرفة حاجات تلك الخلايا ( مثل كيفية إكسابها سرعة الحركة ) ؟ لا شك بأن من المستحيل على الخلايا التي تقوم بإنتاج سائل الرحم معرفة الخصائص التي تملكها الحوينات، ويستحيل عليها أيضاً تهيئة الوسط المناسب لها .
تتحقق هذه الفعاليات ( التي تم شرحها حتى الآن ) في جميع النساء بنفس التسلسل وبنفس الدقة ،وعندما تتأمل هذه الأنظمة التي تعمل بتوافق وانسجام مع بعضها البعض يظهر أمامنا وجود تخطيط واضح، فالحوين مصمم لجسد الأم، والنظام التناسلي للأم منظم لاستقبال الحوين، ولو حدث أي نقص في هذا التلاؤم ( مثلاً لو لم يكن للحوين ذنب مساعد لحركته أولم يملك الحوين السائل الذي يعادل المحيط الحامضي لجسد الأم ) لما تحقق التناسل.
وهذا يبين بوضوح أن التلاؤم والتوافق الموجودين بين الخلايا التناسلية للرجل والخلايا التناسلية للمرأة ليسا سوى أثر لحظة خلق واعية، والذي يحقق هذا التلاؤم والتوافق هو الله رب العالمين الذي خلق الرحل والمراة وأودع هذا التلاؤم بينهما . وما على الإنسان إلا تأمل بديع خلق الله وتسليم نفسه لربه القادر على كل شيء قال تعالى: (وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (الجاثـية:4).
التصرفات الواعية لقناة فالوب :
كما ذكرنا سابقاُ فإن خلية البويضة الناضجة في المبيض حين تترك حرة في الفراغ تقوم قناة فالوب (التي تملك بنية خاصة ) بتلقفها، فإن لم تتلقفها هذه القناة سقطت البويضة بين الأعضاء الأخرى للمرأة فلا تستطيع لقاء الحوين .
قناة فالوب هي مكان التقاء البويضة بالحوين، ولكي تنجح هذه القناة في أداء هذه المهمة تقوم بأداء حركتين : أولاهما استلام البويضة الناضجة من المبيض وإيصالها إلى مكان لقائها مع الحوين ،والثانية استلام الحوين من جوف الرحم وإيصاله إلى المكان الذي يلتقي فيه البويضة .
التصرفات الواعية لقناة فالوب :
كما ذكرنا سابقاً فإن خلية البويضة الناضجة في المبيض حين تترك حرة في الفراغ تقوم قناة فالوب (التي تملك بنية خاصة ) بتلقفها، فإن لم تتلقفها هذه القناة سقطت البويضة بين الأعضاء الأخرى للمرأة فلا تستطيع لقاء الحوين .
قناة فالوب هي مكان التقاء البويضة بالحوين، ولكي تنجح هذه القناة في اداء هذه المهمة تقوم بأداء حركتين : أولاهما استلام البويضة الناضجة من المبيض وإيصالها إلى مكان لقائها مع الحوين، والثانية استلام الحوين من جوف الرحم وأيصالها إلى المكان الذي يلتقي فيه البويضة .
خلايا لا تعود إليها ؟ لا شك أن أن قطعة لحم مساحتها بضعة سنتمترات مربعة لا يمكن أن تكون هي صاحبة مثل هذه القابلية ومثل هذه المعرفة والمعلومات، بل هي تتحرك (مثل غيرها من الأنسجة والخلايا ) حسب الإلهام الالهي لها، وهذا هو السبب في قيامها بهذه الوظيفة الصعبة بنجاح وبيسر دون ارتكاب أي خطأ . لذا تجد خلية البويضة فرصة لإخصابها في ظروف أربع وعشرين ساعة في أكثر تقدير .
تحقق لقاء الحوين بالبويضة :
بعد المرور في مراحل عديدة تقع البويضة الناضجة في قناة فالوب حاملة معها العديد من الخلايا المحيطة بها . أما الحوين الواصل إلى قناة فالوب فعليه أولاً تجاوز وتخطي هذه الخلايا المسماة بالغشاء المحبب ثم عليه ثقب الستار السميك المحيط بالبويضة .
فكيف يستطيع الحوين تجاوز هذه الموانع والعراقيل؟
هنا أيضاً نلاحظ وجود تصميم واعٍ ورائع .كما هو معلوم يوجد أنزيمات بين الغشاء الخارجي والغشاء الداخلي للجسم القمي Acrosome هي هيالورونديز hyaluronidase وإنزيم مفكك الطبقة الشفافة zona lysine و إنزيم مخترق التاجية الشعاعية corona penetrating enzyme وإليك عمل كل واحد منها.
أما وظيفة هذه الأنزيمات الثلاثة فهي : يعمل انزيم هيالورونديز hyaluronidase على تفكيك مادة حمض هيالوريك hyaluronic acid التي تربط خلايا الكتلة البيضية فيخترق الحيوان الموي هذا الغلاف .
إنزيم مخترق التاجية الشعاعية corona penetrating enzyme يساعد في اختراق غلاف التاجية الشعاعية وإنزيم مفكك الطبقة الشفافة zona lysine (أكروسينacrosin ) يساعد الحيوان المنوي على اختراق المنطقة الشفافة zona pellicida بشكل افقي وهكذا يستطيع الحوين ـ بمساعدة هذين الإنزيمين ـ شق طريقه إلى داخل البويضة .[2]
كيف يتسنى للحوينات المنتجة في جسد الرجل بعيدأ جداً عن البويضة أن تملك إنزيمات لها قابلية التأثير على بنية وتركيب البويضة ؟ من أوجد هذه المواد ؟ ومن الذي وضع هذه المواد في رأس هذه الحُوينات التي هي كائنات مجهرية، أي في أفضل مكان يمكن وضعها فيه ؟
ليست الحُوينات هي القائمة بهذا لأنه يستحيل عليها معرفة وجود حوامض يستطيع إنزيم الهيالورونيداس إزالة أثرها . وليس المطلوب فقط معرفة تركيب هذا الإنزيم، بل يجب أيضاً القيام بصنعه وإنتاجه، ولا شك أن من المستحيل على الحوين القيام بنفسه بوضع نظام في جسم الإنسان يقوم بهذا كله . إن الحُوينات تقوم بعمل لا يستطيع القيام به الإنسان الواعي وتملك مواد تساعدها على بلوغ هدفها وكأنها تعرف عن قرب جميع تراكيبها الكيميائية التي لا يستطيع الإنسان العادي معرفتها .ولا ريب أن الادعاء بان الحوين هو الذي يحقق وينجز هذه الأمور مما يرفضه العقل ويرفضه المنطق . فإن وضعنا جانباً مثل هذه الادعاءات المناقضة للعقل والمنطق سنرى أن امتلاك الحوين للإنزيمات المفككة لغشاء البويضة دليل من أدلة الخلق، فمثل هذا التلاؤم والتوافق البديعين لا يمكن إرجاعه إلى المصادفات . إن كون الحُوينات على علم بالتركيب الكيميائي لخلية أخرى في وسط آخر وقيامها بتحليل هذه المواد الكيميائية الضرورية لتفكيك تلك المواد لا يمكن تفسيره إلا بقيام الخالق بخلق الحُوينات المالكة لمثل هذه الخصائص.
يضاف تباعا
في البداية أريد ان أشير الى أن القرآن كتاب ديني يبين ويزيد من العلاقة بين العبد وربه ، ولأن الله خالق هدا الكون كله يعلم أنه سيأتي عصر يحاول فيه الانسان عبادة ماصنعت يداه بالعلم الدي منحه اياه ، ولذالك فقد وضع سبحانه وتعالى في هذا الكتاب الكريم مايرد به عليهم .
أنا متأكد أنه سيأتي يوم يحارب الدين الاسلامي بوسائل أخرى ، وأنا أستيطيع ان أؤكد لكم هذا منذ الآن أن الرد عليهم موجود في القرآن مصداقا لقوله تعالى : "وأنزلنا عليك الذكر تبيانا لكل شيء "
تعريف الاعجاز :
الاعجاز مشتق من العجز. والعجز : الضعف او عدم القدرة.
والاعجاز مصدر اعجز : وهو بمعنى الفوت والسبق.
والمعجزة في اصطلاح العلماء : امر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة.
واعجاز القرءان : يقصد به : اعجاز القرءان للناس ان ياتوا بمثله. اي نسبة العجز الى الناس بسبب عدم قدرتهم على الاتيان بمثله.
تعريف العلم :
وصف الاعجاز هنا بانه علمي نسبة الى العلم.
والعلم : هو ادراك الاشياء على حقائقها. او هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافا تاما.
والمقصود بالعلم في هذا المقام : العلم التجريبي.
وعليه فيعرف الاعجاز العلمي بما يلي :
تعريف الاعجاز العلمي :
هو اخبار القرءان الكريم او السنة النبوية بحقيقة اثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم امكانية ادراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يظهر صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيما اخبر به عن ربه سبحانه.
لكل رسول معجزة تناسب قومه ومدة رسالته : ولما كان الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون الى اقوامهم خاصة، ولازمنة محدودة فقد ايدهم الله ببينات حسية مثل : عصا موسى عليه السلام، واحياء الموتى باذن الله على يد عيسى عليه السلام، وتستمر هذه البينات الحسية محتفظة بقوة اقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول، فاذا حرف الناس دين الله بعث الله رسولا آخر بالدين الذي يرضاه، وبمعجزة جديدة، وبينة مشاهدة.
ولما ختم الله النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم ضمن له حفظ دينه، وايده ببينة كبرى تبقى بين ايدي الناس الى قيام الساعة، قال تعالى : ﴿ قل اي شيء اكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم واوحي الى هذا القرءان لانذركم به ومن بلغ ﴾( الانعام 19 ) ومن ذلك المعجزة العلمية. قال تعالى : ﴿ لكن الله شهيد بما انزل اليك انزله بعلم ﴾( النساء 166 ) وقال تعالى :﴿ فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما انزل بعلم الله﴾.( هود 14 ).
وليس معنى مجرد كونه انزله انه معلوم له، فان جميع الاشياء معلومة له، وليس في ذلك ما يدل على انها حق، لكن المعنى : انزله فيه علمه، كما يقال : فلان يتكلم بعلم، فهو سبحانه انزله بعلم، كما قال :﴿ قل انزله الذي يعلم السر في السموات والارض﴾( الفرقان 6 ). والى هذا المعنى ذهب كثير من المفسرين.
ومعجزة القرءان مستمرة الى يوم القيامة، وخرقه للعادة في اسلوبه، وفي بلاغته، واخباره بالمغيبات، فلا يمر عصر من الاعصار، الا ويظهر فيه شيء مما اخبر به انه سيكون؛ يدل على صحة دعواه ... فعم نفعه من حضر، ومن غاب، ومن وجد، ومن سيوجد.
﴿ان هو الا ذكر للعالمين ولتعلمن نباه حتى حين﴾
وبينة القرءان العلمية يدركها العربي والاعجمي، وتبقى ظاهرة متجددة الى قيام الساعة.
نبدأ مع
معجزة خلق الإنسان
يعد جسم الإنسان أعقد آلة وأعقد جهاز على سطح الأرض، فنحن ـ طوال حياتنا ـ نرى بهذا الجسم ونسمع ونتنفس ونمشي ونركض ونتذوق طعم اللذائذ . ويملك هذا الجسم ـ بعظامه وعضلاته وشرايينه وأوردته وبأعضائه الداخلية ـ نظاماً وتخطيطاً دقيقاً، وكلما نزلنا إلى التفصيلات الدقيقة لهذا النظام ولهذا التخطيط قابلتنا حقائق مدهشة . وعلى الرغم من الاختلاف الذي يبدو للوهلة الأولى بين الأقسام والأجزاء المختلفة للجسم فإنها تتكون جميعها من اللبنة نفسها، ألا وهي الخلية .
يتركب كل شيء في جسمنا من الخلايا التي يقارب حجم كل واحدة منها جزءاً من ألف جزء من المليمتر المكعب، فمن مجموعة معينة من هذه الخلايا تتكون عظامنا، ومن مجموعات أخرى تتكون أعصابنا وكبدنا والبنية الداخلية لمعدتنا وجلدنا وطبقات عدسات عيوننا . وتملك هذه الخلايا الخواص والصفات الضرورية من ناحية الشكل والحجم والعدد لأي عضو تقوم بتشكيله هذه الخلايا في أي قسم من أقسام الجسم .
فمتى وكيف ظهرت هذه الخلايا التي تكلفت بالقيام بكل هذه المهمات والوظائف المختلفة ؟ إن الإجابة على هذا السؤال ستسوقنا إلى ساحة مملوءة بالمعجزات في ذرة منها . إن خلايا جسمك البالغ عددها مئة تريليون خلية قد نشأت وتكاثرت من خلية واحدة فقط، وهذه الخلية الواحدة ( التي تملك نفس خصائص خلايا جسمك الأخرى ) هي الخلية الناتجة عن اتحاد خلية بويضة والدتك مع خلية نطفة والدك .
لقد ذكر الله تعالى في القرآن أن معجزات خلقه في السماوات والأرض وفي الأحياء نماذج من الأدلة على وجوده وعلى عظمته، ومن أهم هذه الأدلة هذا الدليل الذي ذكرناه، أي المعجزة الموجودة في خلق الإنسان نفسه.
كثيراً ما توجه آيات القرآن نظر الإنسان لكي يلتفت ويتمعن ويتأمل في خلقه ونفسه : كيف وجد وكيف خلق، ما هي المراحل التي مر بها بالتفصيل، ومن هذه الآيات قوله تعالى :نحن خلقناكم فلولا تصدقون ..
لقد تجمعت خلاصة ولب جسم الإنسان ( المتكون من ستين أو سبعين كيلوغراماً من اللحم والعظم ) في البداية في قطرة ماء واحدة . ولاشك أن تطور البنية المعقدة لجسم الإنسان ( الذي يملك عقلاً وسمعاً وبصراً .. ) من قطرة واحدة شيء محير وغير عادي .
ومما لا ريب فيه أن مثل هذا التطور والتحول والنمو لم يكن نتيجة مراحل عشوائية ولا حصيلة مصادفات عمياء، بل كان أثراً لعملية خلق واعية وفي غاية الروعة .
سنقوم بشرح تفصيلات معجزة خلق الإنسان، وهي معجزة مستمرة ومتكررة مع كل إنسان على وجه هذه الأرض . ومن الضروري بيان أن التفصيلات المقدمة في هذاالموضوع حول خلق الإنسان لا تشكل إلا جزءاً فقط من تفصيلات هذا الخلق المعجز .ولكن ما ورد في هذا الموضوع يكفي لكي يدرك الإنسان القدرة اللانهائية للخالق وعلمه اللانهائي المحيط بالكون، وهو يكفي لتذكير الناس أجمعين بأن الله تعالى هو أحسن الخالقين .
قال تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ {7} ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ {8} ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ {9} (السجدة) .
.
النظام المعجز المخلوق لحياة جديدة :
لا يمكن للإنسان المحافظة على حياته على وجه هذه الأرض إلا بعمل دقيق لنظام التناسل . ولأنظمة التناسل الموجودة في جسم المرأة وفي جسم الرجل آليات مختلفة في العمل، غير أن هذه الآليات المختلفة يكمل بعضها بعضاً بتناسق وبدقة ؟ أي أنها تعمل ضمن إطار نظام متكامل، وفي النتيجة يأتي مخلوق جديد إلى الدنيا . أي أن تكوين الإنسان وإخراجه من إنسانين مختلفين ومن جسدين مختلفين ومن جوهرين مختلفين يعد من أعظم المعجزات المتحققة .. وهي معجزة خلق الإنسان .
ولكي تتحقق هذه المعجزة فإن التحضيرات اللازمة والضرورية تكون قد بدأت في جسم الإنسان قبل سنوات عديدة، لذا كان لا بد أولاً من تحول الخلايا التناسلية في جسم الرجل وفي جسم المرأة إلى طور فعال . وتستكمل هذه الفعاليات عند كل إنسان فيما يعرف ب" طور البلوغ " ولا شك أن النظام الهرموني هو أهم عنصر في تأمين الاتصال بين الخلايا، وهذا النظام يقع تحت إشراف وسيطرة الدماغ .
لقد جعل الله تعالى جميع أنشطة وفعاليات النمو والتطوير في جسم الإنسان تحت نظم يسيطر عليها الدماغ، فالدماغ يقيم جميع الرسائل الآتية من مختلف أعضاء الجسم ثم يرسل أنسب الأجوبة وبأقصر وقت إلى الأماكن المناسبة، وهو يستخدم النظام الهرموني كوسيلة في التخابر وفي الاتصال . لقد خلق الله تعالى نظاماً وشبكة بريدية في غاية الروعة وتقوم جزيئات الهرمونات بوظيفة ساعي البريد، فكما يقوم ساعي البريد بالتجول في جميع أنحاء المدينة ناقلاً الرسائل إلى الأماكن المطلوبة، كذلك تقوم الهرمونات بنقل الأوامر الصادرة من الدماغ إلى الخلايا ذات العلاقة . وهكذا تتم في الجسم جميع الفعاليات الضرورية لحياة الإنسان .
ولكن يجب ألا ننسى هنا أن الهرمونات لا تملك وعياً كما يملكه الإنسان، ولا تملك شعوراً ولا إدراكاً لكي تقوم بتعين الاتجاهات ومعرفة ما تحمله ولمن تحمله، فهي لم تتلق أي تدريب في هذا المجال ولم تملك هذه القابلية بعد سنوات من المران ومن التجارب .
فالهرمونات ( التي نطلق عليها اسم " سعادة البريد " عبارة عن جزيئات معقدة جداً لا يمكن شرحها إلا بمعادلات ورموز كيميائية معقدة .
إن قيام جزيء الهرمون بمعرفة ما تحمله من رسائل وإلى أي خلية تحملها، ومواصلة سيرها في الظلام الدامس للجسم (الذي يكبرها بمليارات المرات ) دون أن تضل طريقها، ثم قيامها بتنفيذ هذه الوظيفة على أحسن وجه ودون أي قصور، هذا كله عمل خارق ومعجزة مدهشة . ويكفي هذا المثال فقط لمعرفة مدى كمال وروعة الأنظمة التي أودعها الله تعالى في جسم الإنسان .
تبدأ فعاليات هذا النظام الهرموني في العادة لدى الإنسان وهولا يزال جنيناً في رحم أمه، وتستمر حتى لحظة وفاته . والغدد التناسلية هي من الأعضاء التي تشرع في إبداء الفعاليات نتيجة تأثير الهرمونات . غير أن إفرازات الهرمونات المتعلقة بالغدد التناسلية تبدأ عند مرحلة البلوغ، وذلك خلافاً للهرمونات الأخرى . وعند مرحلة البلوغ يبدأ " الهايبوثولاموس " ويدعى بالعربية " ما تحت السرير البصري " الموجود في الدماغ ( والذي يعد مدير النظام الهرموني ) بإرسال الأوامر إلى الغدد النخامية ( وهي من الغدد المرتبطة به ) لكي تصدر أوامرها المحفزة للأعضاء التناسلية .
من المفيد هنا الإشارة إلى معجزة أخرى، إن الهايبوثالامس((Hypothalamus يكون على علم بما يجري في جسم الإنسان فهو يعرف ـ مثلاً ـ العمر الذي وصل إليه الإنسان
يشاهد في هذه الصورة الهايبوثالاموس ( ما تحت السرير البصري ) الذي يعد رئيس النظام الهرموني، وموقعه في الدماغ بالنسبة إلى المراكز الأخرى
وهل تم استكمال جميع الشروط المادية المواتية لبدء النظام التناسلي أولا، وهو يتصرف في ضوء هذه المعلومات . وبتعبير آخر فإنه يقوم بحساب العمر، وعندما يدرك أن ذلك الشخص قد وصل إلى مرحلة البلوغ يقوم بإصدار الأوامر الضرورية لغدد الإفرازات الأخرى، أي يقوم بإرسال الرسائل (أي الهرمونات ) الضرورية إلى الأعضاء التناسلية في أنسب الأوقات، فتتحقق بذلك التحولات والتطورات الضرورية لحفظ نسل الإنسان .
ولا يقوم الهايبوثالامسبهذا لدى إنسان واحد، بل يقوم هذا العضو الموجود لدى مليارات الأفراد الموجودين حالياً ولدى الذين عاشوا من قبل بإنجاز هذه المهمة بكل دقة وكفاءة .
ولا شك أن كون قطعة من اللحم بحجم بضعة سنتمترات مكعبة على وعي بالزمن وقيامها بتعبيرات معينة حسب السنوات المنصرمة أمر غريب يستدعي الوقوف عنده والتفكير به .
فكيف يقوم الهايبوثالامسبمثل هذا الحساب ؟ أهناك من يقوم بتعليمه بما يجب عليه علمه، أم أنه قد أكتشف هذا الأمر بنفسه ؟ كيف عرف ـ يا ترى ـ بأنه من الضروري نمو وتطوير الغدد التناسلية لاستمرار نسل الإنسان ؟ وكيف حسب الزمن المناسب والملائم الذي يجب فيه البدء بإفراز الهرمونات ؟ وكيف يستطيع معرفة الهرمون المعين الذي يقوم بتحفيز النظام التناسلي في ذلك الوقت الملائم من بين الهرمونات العديدة التي يقوم الجسم بإفرازها ؟ وهل الخطط المستقبلية التي يقوم بوضعها والتدبيرات التي يتخذها في هذا الخصوص راجعة إلى رؤيته المستقبلية البعيدة المدى ؟
ولماذا ينتظر حتى يصل جسم الإنسان إلى الوضع المناسب من الناحية الفسيولوجية للتناسل ،وليس قبل هذا أو بعد هذا ؟ إن القدر التي تدير كتلة اللحم الصغيرة هذه التي لا تملك لا سمعاً ولا بصراً ولا عقلاً والتي تتصرف وكأنها كائن عاقل ... إن هذه القدرة قدرة عظيمة تجاوز كل خيالنا وتعلو عليه ،وهي قدرة لا مثيل لها ولا ندّ.
ليست المصادفات ولا أي قوة أو مصدر آخر هو الذي يحيط الهايبوثالامسعلماً بالزمن وبمروره، إن الله تعالى هو المدبر لكل هذا، وهو الذي يهب هذا العضو كل هذه القابليات والخواص، أي هو الذي يلهم هذه الكتلة الصغيرة من اللحم ما يجب عليها عمله، وهو يخبرنا في كتابه العزيز : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) (الأحزاب:52)
لذا فمن المفيد أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار عند قراءة المواضيع التي سنتناولها في الصفحات القادمة .
الهرمونات التي تستطيع تمييز الجنس :
يقوم الهايبوثالامس ( ما تحت السرير البصري ) بالخطوة الأولى في افتتاح مرحلة البلوغ لدى الرجل ولدى المرأة بإرسال هرمون جونادوتروبين(ganadotropins) إلى الغدد النخامية عن طريق الدم، فتبدأ هذه الغدد بإفراز الهرمونات المحفزة للأعضاء التناسلية حسب الأوامر الصادرة من الهايبوتولاموس ،وهذه الهرمونات هي هرمونLHوهرمون FSHويتم إفراز هذين الهرمونين في الرجل وفي المرأة على السواء، غير أن تأثيرهما يكون مخلفاً فيهما[1]
على الرغم من إفراز الهرمونات نفسها في الرجال وفي النساء فإن كون تأثيرهما مختلفاً اختلافاً كبيراً فيما بينهما يدعو إلى الدهشة، فمثلاً الهرمون المسمى FSHهو الهرمون المسؤول عن ظهور وتكوين البويضة في النساء بينما يكون الهرمون نفسه هو المسؤول عن تكوين الحيوانات المنوية في الرجال ! أما هرمون LH فهو الهرمون المسؤول عن جعل بويضة المرأة في حالة حرة، كما يساعد على إفراز هرمون البروجستيرون progesteroneالذي يهيئ رحم المرأة لاستقبال الجنين . ولكن الهرمون نفسه يقوم بمهمة مختلفة جداً عند الرجال، لأنه يقوم بتحفيز الخلايا لإفراز هرمون تستوسيرون(testosterone )، وهو الهرمون الذي يساعد على ظهور خواص الرجولة وتكوين الحيوانات المنوية أيضاً .
ولا شك أنه من المثير أن تكون لنفس الهرمونات تأثيرات مختلفة في الأجسام المختلفة .
عندما يتم إفراز هرمون في جسد رجل يعلم هذا الهرمون أن هذه الخلايا تعود لرجل ،ويقوم بعمل تغييرات حسب هذا العلم مثلاً يؤدي هذا الهرمون إلى زيادة العضلات في جسد الرجل وغلظ الصوت ونمو اللحية . والهرمون نفسه والذي يفرز نتيجة التفاعلات الكيماوية نفسها نراه يقوم بتأثيرات مختلفة في جسد المرأة، بل مضادة تقريباً لتأثيراته في جسم الرجل، فهو يعطي صوت الرجل للرجل وصوت المرأة للمرأة ويتسبب في نمو الجسد حسب تغير الجنس . فإذا كان بمقدور الهرمون التمييز بين جسد المرأة وجسد الرجل فمعنى هذا أنه على علم بكيمياء جسد الرجل وبكيمياء جسد المرأة ويعلم تشريح هذين الجسدين، وهذا يستوجب أن يكون صاحب عقل ومتدرباً أيضاً !.
إن معظم الناس لا يملكون أي معلومات حول الهرمونات المؤثرة في جسد الرجل وفي جسد المرأة، ولا حول العلاقات أو الفعاليات المختلفة الجارية فيهما ولا كيفية جريان هذه الفعاليات، وهم لا يعلمون شيئاً عن سلسلة القيادة وسلسلة الأوامر الصادرة ولا عن الرسائل العديدة الصادرة والواردة، ولا يعلمون أن نمو الجسم وتطوره مرتبط بهذه الرسائل العديدة الصادرة والواردة، ولا يعلمون أن نمو الجسم وتطوره مرتبط بهذه الأوامر الصادرة، ولا يدركون أن أي خلل ـ مهما كان ضئيلاً ـ في هذه المنظومات يؤدي إلى مشكلات حياتية كبيرة، وإضافة إلى هذا فهم لا يملكون أي سلطة أو قدرة في آلية هذه المنظومة وانسيابية عملها .
وهذا شيء طبيعي جداً لمن لم يتلق تعليماً خاصاً في هذا الموضوع، ولكن الشيء الغريب والشيء غير الطبيعي أن تكون لمجموعة من الجزيئات مثل هذا العلم وهذه المعلومات وهذه المعرفة الواسعة ؟
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو : من أين تملك الهرمونات (التي أدرجنا تركيبها الكيماوي هنا ) علم الكيمياء؟ ثم إنها لا تقتصر على معرفة كيمياء جسم الإنسان وحل رموزه ب لهي تتصرف وكأنها عالم كيمياء، فتصل إلى الأجزاء الضرورية في الجسم كما تقوم بتوجيه الخلايا الأخرى وتحفيزها لإنتاج الهرمونات اللازمة عند الضرورة . فكيف ملكت مجموعات الجزيئات هذه ( المحرومة من الشعور والإدراك ) مثل هذا العقل القادر على إنجاز كل هذه الأمور ؟ من الواضح أن مثل هذا العقل لا يعود طبعاً إلى هذه المجموعة من الجزيئات التي نطلق عليها اسم " الهرمونات " والحقيقة لا شك فيها أن مثل هذا النظام لم يظهر نتيجة المصادفات أو نتيجة تأثيرات وعوامل أخرى .
يوجد تفسير واحد فقط لهذا الوضع الخارق وغير الاعتيادي، وهو أن هذا التعيير والتضبيط والتنظيم البيوكيمياوي الخاص في جسد الرجل والمرأة يشير إلى وجود تخطيط وتصميم وتخطيط واعٍ ومقصود، وهذا التصميم وهذا التخطيط يعود إلى الله تعالى وإلى علمه اللانهائي ومهمة الإنسان ـ في هذا المجال ـ في التفكير بعمق وتأمل هذا الفن الرفيع والباهر والاستسلام لربه الذي يحكم كل شيء في هذا الوجود .
نمو الخلايا التناسلية :
توجد أعداد معينة من " الإنسان الألي" ( الروبوت ) في كل مصنع يقوم بإنتاج الأجهزة والآلات التكنولوجية وجميع الأنظمة الكومبيوترية ونظم تشغيل هذه الربوتات وجميع المعلومات الضرورية للإنتاج موجودة في مركز السيطرة لهذا المصنع طول فترة الإنتاج، ومركز السيطرة هذا يشبه بنك معلومات خزنت فيه جميع المعلومات الضرورية حول مراحل الإنتاج والسيطرة النوعية وحول كيفية تعويض الخسائر ). فإن قمنا بتشبيه جسم الإنسان بمثل هذا المصنع (وهو ـ في الحقيقة ـ أكثر المصانع الموجودة على سطح الأرض دقة وأكثرها تعقيداً) نستطيع أن نقول إن جميع المعلومات الضرورية لإدارة عمل هذا المصنع موجودة ومخبوءة في جزئية DNA والتي تعين جميع خواص ذلك الإنسان في المستقبل مودعة في هذه الجزيئات والإنسان لا يزال عبارة عن بويضة ملقحة حديثاً، أي أن هذه المعلومات والخواص المتعلقة بالإنسان (بدءاً من لون العين إلى طول القامة إلى جميع الأمراض التي يكون قابلاً للإصابة بها في المستقبل ) كل هذه المعلومات محفوظة بعناية في جزء صغير من بدن الإنسان لا يمكن رؤيته إلا بالمجهر الإلكتروني .
وجزيئات DNA موجودة في نواة كل خلية من خلايا جسمنا والبالغ عددها مئة ترليون خلية . ويبلغ متوسط قطر الخلية عشرة ميكرونات ( الميكرون يساوي وحداً من الألف من المليمتر ) . فإذا علمنا هذا دهشنا كيف أن معلومات غزيرة وكثيرة جداً قد سُجلت وخزنت في مثل هذا الحيز الصغير جداً . فإن شبهنا الـ DNA ( الذي يضمن دوام الكائن الحي ضمن تخطيط وبرمجة معينة) بدائرة معارف ستكون الكروموسومات هي مجلدات وأجزاء دائرة المعارف هذه .
تتخذ الكروموسومات أماكنها في جزيئة DNA أزواجاً أزواجاً، وهذا أمر مهم، ففي مرحلة خلق كل إنسان يأتي نصف هذه الكروموسومات من الأب والنصف الآخر من الأم . والكروموسومات الآتية من الأم ( وعددها 23 كروموسوماً ) تشكل أزواجاً مع الكروسومات الآتية من الأب (وعددها 23 كروموسوماً أيضاً ) .
أي أن الكروموسومات الموجودة في نواة خلية كل إنسان ( والبالغ عددها 46 كروموسوماً ) تشكل 23 زوجاً من الكروموسومات . غير أن للكروسوم الثالث والعشرين وضعاً خاصاً، فغالباً ما يشار إلى الكروموسوم الثالث والعشرين إيما بإشارة Yأو بإشارة Xففي الرجال يكون أحد الكروموسومين في الزوج الثالث والعشرين من نوع Y والثاني من نوع X أما في النساء فكلا الكروموسومين في الزوج الثالث والعشرين من نوع XXوهنا يرد إلى الخاطر هذا السؤال : بما أن عدد الكروموسومات في كل خلية من خلايا كل إنسان هو 46 كروموسوماً فكيف يكون عدد كروموسومات الطفل الآتي إلى الدنيا من اتحاد خلايا الرجل مع خلايا المرأة 46 كروموسوماً أيضاً؟ فقد كان من المتوقع أن يكون عدد كروموسومات الطفل الوليد (الذي أخذ 46 كروموسوماً من والده و46كروموسوماً من والدته ) 92 كروموسوماً، أي يكون مخلوقاً شاذاً وغير اعتيادي . غير ان هذا لا يحدث ! إذن كيف يكون للطفل الوليد 46 كروموسوماً ؟
إن الإجابة على هذا السؤال تعرف أمام الأنظار معجزة أخرى من معجزات الخالق
وتتم في خلايا الجسم نوعان من الانقسام أحدهما الانقسام المتساوي أي انقسام الخلية غير المباشر، وهو يتم في جميع خلايا الجسم، ولا يحصل أي تغيير في عدد الكروموسومات في الخلايا نتيجة هذا الانقسام ،كما لا يحصل أي تغيير أو تشويه في الخلايا الجديدة حيث تكون كلها متشابهة. ومن المفيد هنا الإشارة إلى نقطة معينة : فلو كانت الخلايا التناسلية تنقسم بهذا الشكل لما كان من الممكن أن يبقى نسل الإنسان إنساناً، لأن مجيء 46 كروموسوماً، مما يتسبب في تخريب بنية الطفل تماماً. غير أن التصميم المدهش الموجود في أجسامنا يحول دون ذلك، لأن للانقسام الذي يحدث في أثناء تكوين الخلايا التناسلية ( والذي يسمى : " الانقسام التناسلي " أو " الانقسام المنصف " ) كيفية مختلفة . ففي هذا الانقسام ينزل عدد الكروموسومات في الخلايا التناسلية من 46 كروموسوماً إلى 23 كروموسوماً . ولا تعد الخلايا التناسلية خلايا ناضجة إلا بعد إكمال هذه الانقسامات، فهناك آلية خاصة في جسم الرجل وفي جسم المرأة تكمل إنضاج هذه الخلايا التناسلية ثم تعدها لرحلة صعبة . فالخلايا التي ينتجها النظام التناسلي عند الرجل تكون مهيأة تماماً للخلايا التي ينتجها النظام التناسلي عند المرأة مع أن هذين النظامين يختلفان عن بعضهما البعض من وجوه عديدة ولا علم لأحدهما عن الآخر .
هنا نقطة هامة يجب الالتفات إليها، فمن اللحظة الأولى التي تبدأ فيها الخلايا التناسلية بالانقسام تتحرك ضمن سيطرة ورقابة معينة بعيداً عن أي تسيب أو عشوائية . فالخلايا تقوم بالانقسامات الضرورية وتكون قد حصلت على الأعداد المناسبة للكروموسومات، أي لا يوجد هنا أي تغير في سلسلة الأحداث والفعاليات ولا أي نقص ،فكل الأعضاء وكل الخلايا التي تكون هذه الأعضاء وكل الأجزاء التي تكون هذه الخلايا تعمل بانسجام وتوافق دقيقين، وبالاضافة إلى هذا فإن جزيئات الهرمونات والإنزيمات ( التي تعلب دوراً مهماً في تحقيق وتنفيذ الفعاليات المختلفة في الجسم ) والذرات ( التي تشكل وتكون هذه الجزيئات ) تعمل بوساطة منظومة دقيقة متى تبدأ بفعالياتها وأي تأثير يجب إجراؤه في أي عضو . ولا شك أن وجود مثل هذا التناغم والانسجام بين الخلايا والإنزيمات والهرمونات، وبالاختصار بين أجزاء الجسم وأقسامه، أمر يدعو إلى التأمل وإلى التفكير .
إن قيام جزيئات والذرات المكونة لها بوضع تصميم معين، والتصرف حسب هذا التصميم وقيام بعضها بإصدار الأوامر وأتباع بعضها الآخر لهذه الأوامر وفهمها لها وتطبيقها حرفياً .....
كل هذا أمر خارق لا يمكن ظهوره مصادفة، كما أن تحقق هذا الأمر في أجساد مليارات الناس الذين عاشوا حتى الآن والذين يعيشون حالياً وتحقق هذا الانسجام والتلاؤم دون نقص أو قصور يزيد من درجة خارقية هذا الأمر . ولا شك أنه من الواضح أن المصادفات العشوائية لا يمكن أن تقوم بمنح الخلايا الصغيرة ( التي لا ترى بالعين المجردة والتي تتألف منها أجسامنا ) ومنح الهرمونات والإنزيمات التي تنتج هذه الخلايا كل هذه الصفات والخواص، لأن هذا الأمر يحتاج إلى عقل وإدراك وشعور خارق وغير اعتيادي . وغني عن البيان فإن كل مرحلة من مراحل النظم الرائعة التي تعمل في جسم الإنسان وكل جزء من أجزاء هذه النظم يحتاج في حركته وفعاليته إلى قدرة عقل لا مثيل له يتجاوز حدود المدارك البشرية .
هذا العقل والعلم النهائي يعود إلى الله تعالى خالق الكون بأجمعه وبكل تفصيلاته الدقيقة والله تعالى يقرر لنا في كتابه العظيم أنه لا خالق سواه :
(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255).
الجيش الخاص المتوجه نحو الهدف
تصور جيشاً ضخماً مؤلفاً من ملايين الجنود، جيش يتقدم نحو هدف ولا يبالي بطول الطريق ولا بالعقبات الكبيرة أمامه ولا بالمخاطر المميتة التي تواجهه في تقدمه هذا، وليكن طول الطريق الذي يجب قطعه يزيد بمئات الآلآف من المرات على حجم أفراده، لا شك أن مثل هذا الجيش اللجب يحتاج ـ وهو في هذا الطريق الصعب أمامه ـ إلى مساعدين وإلى أدوات وإلى تجهيزات إضافية . هذا الجيش الذي يبلغ تعداده 300 مليون حيوان منوي في القذفة الواحدة وليس في جسم الرجل حيث يبلغ حجم السائل 3.5 مل وكل مل يحتوي من 50 إلى 100 حيوان منوي ،وأفراد هذا الجيش هم " النطف " أو (الحوينات ) أي الحيوانات المنوية ) .
يبلغ طول كل حوين واحداً بالمئة من المليمتر الواحد، وهو يضطر لقطع طريق طويل للوصول إلى هدفه، أي إلى البويضة .
تستطيع ألف نطفة من بين 300 مليون نطفة النجاح في الوصول إلى البويضة، ومن هذا الألف تنجح نطفة واحدة فقط في كسب مباراة السباق هذه فتقوم بإخصاب البويضة وقبل بدء النطف في الاشتراك في هذا السباق تعبر مراحل النضوج من خلال سفرة طويلة في الأعضاء التناسلية للرجل، مع وجود مساعدين عديدين لها وهي تعبر مراحل النضوج هذه .
مراحل تكوين النطف :
من أجل إخصاب البويضة يتم تهيئة ما بين مئتين وثلاثمئة مليون خلية تقريباً من الحُوينات وهذا العدد الكبير يلفت الانتباه، ولكن له سبباً مهماً، فكما سنبين لاحقاً بالتفصيل، فإن عدداً كبيراً من هذه الحُوينات الداخلة إلى جسم الأم يموت في الطريق، والعدد الذي ينجح يحول دون خطر فشل إخصاب البويضة .
يتم إنتاج أفراد هذا الجيش الكبير من الحُوينات في عضو تناسلي في الرجال وهو الخصية، غير أن هذه النطف المخلوقة في الخصيتين، والتي تمر بمراحل نمو عديدة يجب أن تكون مصانة من الحرارة الزائدة، أي يجب أن يكون موضع إنتاجها بارداً نوعاً ما . وحرارة جسم الإنسان الاعتيادية تبلغ 37 درجة مئوية . وهي حرارة تهلك هذه النطف وتقضي عليها، لذا لا تستطيع هذه النطف العيش داخل جسم الإنسان .
وميزة الخصيتين أنهما موجودتان خارج الجسم، وقد هيأ الله تعالى تصميماً خاصاً لجسم الرجل ليكون أفضل بيئة لإنتاج هذه النطف .
تتكون الخصية من شبكة من القنوات، وبفضل هذه القنوات التي تملك مساحة واسعة نسبياً يمكن إنتاج الحُوينات بسرعة وخزنها بسهولة . ويمكن معرفة الحكمة من ضرورة الإنتاج السريع وخزن الإنتاج عندما نعلم أن العدد المطلوب لإخصاب بويضة واحدة يتراوح بين مئتين وثلاثمئة مليون نطفة .
وإذا نظرنا إلى الخصيتين اللتين تعدان بمثابة مصانع نرى أن عدد هذه القنوات يبلغ ألف قناة تقريباً، ومجموع أطوالها يبلغ 500 متر تقريباً، تدعى هذه القنوات الصغيرة بالقنوات المنوية، ويبلغ الطول التقريبي لكل قناة خمسين سنتمتراً، وتوجد فيها الخلايا التي تقوم بصنع الحوينات.[1]
تقع الخلايا الصانعة للنطف في جدار القنوات أو الأنابيب المنوية، وتتعرض هذه الخلايا التي تبدأ بالتكاثر إلى نوعين من الانقسام : انقسام من النوع الفتيلي ( الاعتيادي ) وانقسام من النوع المنصف ( وقد ذكرناهما سابقاً ) . وكما ذكرنا في السابق فمن الضروري أن ينزل عدد الكروموسومات الموروثة من الأب (قبل عملية الإخصاب ) إلى 23 كروموسوماً، أي إلى النصف، لذا يجب وقوع انقسام من النوع المنصف في خلايا النطف .
تنشأ نيتجة هذه الانقسامات أربع خلايا ندعوها باسم " سبيرماتايد "( spermatid ) غير ان هذه الخلايا لا تملك قابلية الاخصاب . ولكي تكتسب هذه الخلايا ( وهي خلايا كروية الشكل تملك 23 كروموسوماً ) قابلية الإخصاب فإنها تحتاج إلى عمليات تغيير جديدة .
لقد أخذت هذه الحاجات المهمة بعين الأعتبار في النظام التناسلي للذكر، لذا وضعت مجموعة من الخلايا المساعدة لتطوير خلايا " سرتولي " ( sertoili cell) في المكان المناسب . وبعد أسبوع أو أسبوعين من الانقسام تقوم هذه الخلايا المساعدة ( واسمها " خلايا سارتولي " وهي تحيط بخلايا " سبارماتيد " بإعطاء شكل جيدد وقوام جديد لخلايا " سبارماتيد " وفي نهاية مراحل هذا الانقسام تزود النطفة بالتراكيب التي تجعلها نطفة بحق، ومنها الذيل والنواة واكروزوم ( Acrosom)المملوء بالإنزيمات في القسم الرأسي للنطفة[2] .
تتحقق جميع علميات إعطاء الشكل والقوام الجديد في الخلايا الموجودة في القنوات، وهذا التي تملك أذرعاً طويلة ( وهي امتدادات سايتوبلازمية ) كبيرة نوعاً ما .
وتقوم خلايا " سرتولي" باحتضان خلايا " سايتوبلازم " بقوة بواسطة أذرعها وتغمرها ضمن ساريتوبلازمها، وهكذا يتم تأمين غذائها طوال فترة نموها وتطورها كما تضعها تحت رقابتها الدائمة[3]
لا شك أن معجزة كبيرة تكمن في هذه العمليات التي قدمنا معلومات موجزة جداً عنها، فالنطف التي تديم نسل الإنسان وخلايا " سارتولي " تتركب جميعها من البروتينات ومن الأحماض الأمينية .و الآن لنفكر : أليس من الإعجاز قيام خلايا " ستارتولي " التي لا تملك لا عقلاً ولا شعوراً ولا دماغاً بوقف نفسها لتحقيق هذه الوظيفة ومثل هذا الهدف ؟ إن تحقيق هذا الحدث دليل واضح على أنها منقادة لذي عقل وإرادة ثم إن وجود هذه الخلايا في الموضع المناسب تماماً ( أي في القنوات المنوية التي تتطور فيها لنطف ) وتمتعها بالمواصفات والخواص المناسب تماماً ( أي في القنوات المنوية التي تتطور فيها النطف ) وتمتها بالمواصفات والخواص المطلوبة تماماً ( مثلاً كونها بحجم أكبر من خلايا (سبارماتيد) دليل واحد من ملايين الأدلة على كمال تصميم جسم الإنسان، فقد وزع الله تعالى خلايا جسم الإنسان (البالغ عددها مئة تريليون خلية تقريباً) كلاً في مكانها المناسب وأعطى كل واحد منها الصفات والخواص الضرورية لعلمها ولوظيفتها وألهمها كيفية القيام بمهامها وبأعمالها . وهو يخبرنا بهذا في القرآن الكريم فيقول :
(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). (هود:56) .
نظام مترابط الأجزاء
ذكرنا سابقا دور خلايا " سارتولي " في تحويل خلايا " سبارماتيد " إلى الحُوينات . فما التأثير المادي الذي يحفز هذه الخلايا للحركة ويكفل تغذية خلايا " سبارماتيد " والسيطرة على نموها كهدف وكوظيفة لها ؟
إن العامل المؤثر والذي يساعد على قيام هذه الخلايا بوظائفها هو هرمون يدعى " فوليكل ستيميوليتنج " ( وسمه المختصر FSH)وهو أختصار لعبارة ( Follicle Stimulating Hormone).
فهذا الهرمون الذي يتم إفرازه من الغدة النخامية يقوم بتنبيه خلايا سارتولي، وفي حالة عدم إنتاج هذا الهرمون أو عدم وصوله إلى المكان المخصص فلا يمك إنتاج وتوليد هذا الهرمون أوعدم وصوله إلى المكان المخصص فلا يمكن إنتاج وتوليد الحُوينات .وعندما تتلقى خلايا " سارتولي " هذا التنبيه والتحفيز تقوم بإفراز هرمون ضروري لتوليد الحُوينات هو هرمون الإستروجين .
وهناك نوع آخر من الخلايا تلعب دوراً مؤثراً في نمو الحُوينات وتطورها وهي خلايا " لايدج " الموجودة بين القنوات المنوية، ومهمة هذه الخلايا هي القيام بإفراز هرمون آخر يساعد على تطوير وتنمية النطف، وهو هرمون LH الذي يتم إفرازه من نسيج الغدة النخامية والذي ينبه خلايا " لايدج " فتقوم بتوليد هرمون التستسترون " وهو أهم هرمون في مجال تنمية الأعضاء التناسلية وتنمية مختلف الغدد في هذه الأعضاء وفي ظهور صفت الرجولة وفي توليد الحُوينات .
ولخلايا " سارتولي " مهمات أخرى مثل توليد وإنتاج البروتين، ويقوم هذا البروتين بنقل هرمون الإستروجين وهرمون التستسرون إلى السائل الموجود في القنوات المنوية
.
نشاهد هنا مراحل نمو الحيامن في القنوات المنوية وتوجد الخلايا الجرثومية الذكرية حول جدران القنوات المنوية وبانقسام هذه الخلايا تتحول إلى خلايا تسمى (سيرماتيد ) وفي نهاية المراحل يتكون رأس وذنب الحيمن ) وبعد أنتهاء هذه العمليات المعقدة يتم نمو الحيمن الذي يحمل جميع المعلومات المتعلقة بذلك الشخص .
ولخلايا " لايدج " وظيفة ثانية، فهي تمد خلايا النطف بحاجتها من الطاقة الضرورية من سكر الفركتوز (سنتناول في الفصول القادمة أهمية هذا الموضوع ) .
وكما رأينا فإن النظام الهرموني يقوم بعمله في النظام التتناسلي ضمن تنظيم دقيق كدقة كدقة عمله في المناطق الأخرى من الجسم، فكل هرمون يعرف مضمون الرسالة التي يحملها أي هرمون آخر ويقوم بما يجب عليه القيام به، فمثلاً نرى أن الغدد النخامية الموجودة في الدماغ تعرف أنه قد آن الأوان المناسب فتقوم بإرسال الأوامر إلى مختلف الخلايا الموجودة في الخصية، وتحيط الأنسجة والأعضاء علماً بما يجب عليها جميعاً عمله . وهناك منطقة في الدماغ اسمها " الهايبوتولاموس " تقوم بتحفيز الغدة النخامية للحركة والنشاط .
إن المرحلة الأولى من تكون الإنسان ونشأته مرتبطة بهذه المعلومات المنقولة بواسطة الهرمونات ثم العمل بموجبها ؟ وكيف تنتجح في فهم البنية الكيمياوية لبعضها البعض ؟ وكيف ومن أين تستطيع معرفة كيفية التأثير على هذه البنى ؟ لا شك أن قيام خلايا " سارتولي " وخلايا " لايدج " بالتعاون من أجل إنتاج الحُوينات وتكوينها، وقيامها بنشاطات معينة حسب أوامر الغدة النخامية البعيدة والمختلفة عنها، هذا كله أمر لا يمكن تفسيره بالمصادفات . ومن المستحيل اكتساب الهرمونات مثل هذه الخواص نتيجة المصادفات المتعاقبة ضمن شريط زمني لأن وقوع أي خلل في أي حلقة من حلقات هذا النظام سيؤدي إلى خلل النظام بأكمله . فمثلاً إذا لم تفهم خلايا " سارتولي " الأوامر التي أرسلتها الغدة النخامية بواسطة هرمون FSH ولم تقوم بإفراز مادة الإستروجين يصبح إنتاج الحُوينات مستحيلاً، وإذا لم تقم خلايا " لايدج " بإنجاز وظيفة توفير الفركتوز أو لم توفره بشكل كاف فإن الحُوينات ـ على الرغم من نضوجها من جميع النواحي ـ لن تجد الغذاء الضروري لها عند انتقالها إلى رحم الأم وسوف تموت أو تعجز عن إخصاب البويضة لفشلها في الوصول إليها .
هذا الأمر يرينا حقيقة واضحة، وهي أن الله تعالى الذي يؤسس العلاقات بين الأعضاء وبين الخلايا وهو الذي يلهم الغدة النخامية والهايبوتولاموس وخلايا لايدج وسارتولي وكل عنصر أو عضو يساهم في تكوين الحوينات، ويجعل هذه الغدد والخلايا والأعضاء يفهم أحدها لغة الآخر، فكل شيء يتحقق بأمره سبحانه وتعالى .
البنى والتراكيب الأخرى المساعدة للنطف في بلوغ هدفها :
تكتسب خلايا الحُوينات ( الناضجة نوعاً ما ) قابلية الحركة وقابلية الإخصاب في جزء من أجزاء النظام التناسلي يدعى " قناة ابيديدمس " (Epididymis )وترتبط قناة ابيديدمس بشكل رخو مع القسم الخارجي للخصية، وهي منحنية وطولها نحو ستة أمتار وقطره حوالي ملم واحد . ويخزن قسم من الحُوينات ( قبل شروعها في رحلتها ) في هذه القناة لفترة من الوقت . وترتبط هذه القناة بقناة تدعى " القناة الدافقة "حيث تخزن الحُوينات في هذه القناة مدة طويلة دون أن تفقد قدرتها على الإخصاب، وعندما يحين الوقت تقذف هذه الحُوينات إلى جسد المرأة وتبدأ برحلتها الطويلة للقاء البويضية وإخصابها . [4]
غير أن النطف تحتاج إلى مساعدين آخرين يعاونونها للبدء في عملية الإخصاب ولتوفير حاجاتها في رحلتها الشاقة . وكذلك لبقائها حية .
أحد المعاونين لها في رحلتها الطويلة هو غدة البروستات . والثاني هو الغدد الإفرازية في الأكياس المنوية الموجودة على طرفي البروستات . وتبدأ هذه الغدد بوظيفتها هذه حالما تنتهي عملية إنتاج النطف، وتقوم بإنتاج سائل خاص يرافق النطف في رحلتها .
يرافق هذا السائل الذي تفرزه البروستات النطف حالما تبدأ برحلتها، وهو يحتوي على أيونات السيترات والكالسيوم والفوسفات، وعلى إنزيم " فيبرونوليزين " ( وهو إنزيم للتخثر " إن الأعضاء التناسلية لدى المرأة تحتوي على خليط كثيف من الحوامض التي تمنع تكاثر البكتريات، ولخليط الحوامض هذا إضافة إلى كونه عائقاُ أمام حرية النطف تأثير مميت ومهلك للنطف، غير أن للسائل الذي تفرزه البروستات تأثيراً مهدئاً وبفضله تستطيع النطف السباحة بسهولة متوجهة نحو البويضة[5].
لنتوقف الآن قليلاً للتفكر والتأمل : إن غدة البروستات الموجودة في النظام التناسلي للرجل تتصرف وكأنها تعرف طبيعة البيئة الموجودة في جسد المرأة، أي أن غدة البروستات تعلم أن النطف سوف تصادف في خلال رحلتها بيئة حامضية وتعلم أن النطف لا تستطيع العيش في تلك البيئة . وفوق هذا فهي تعرف كيفية درء هذه المخاطر، لذا تقوم بإنتاج السائل الضروري لوقاية هذه النطف . لا شك أن معجزة كبيرة يتم تحقيقها هنا، فليس في الإمكان القول بأن غدة إفرازية في جسد الرجل على علم ببنية أخرى وبجسد آخر لا علاقة لها به، وأنها تتخذ بنفسها وبقرارها الخاص جميع الاحتياطيات والتدابير اللازمة . فكروا معي ! إن الإنسان المدرك العاقل وصاحب الشعور والوعي والذي يملك حواس البصر والسمع والذي يستطيع اتخاذ التدابير وحل المشاكل ومعالجة الصعوبات لا يستطيع تخمين الأخطار التي سيواجهها في بيئة يجهلها ولا يعلم ظروفها، فلا يستطيع القيام بالتخمين الصحيح لأخذ التدابير اللازمة لمواجهة هذه الأخطار، ولكن غدة البروستات ( وهي كتلة من اللحم مؤلفة من خلايا ) تستطيع إنجاز مثل هذا النجاح .
وكما هو واضح فإن من العبث الادعاء بأن غدة البروستات هي التي اتخذت قرارها في هذا الشأن وهي التي نفذت هذا القرار، فالله تعالى هو الذي ألهم هذه الغدة القيام بمثل هذه الوظيفة لأنه يعرف كل صغيرة وكبيرة عن جسد الرجل وعن جسد المرأة، لأنه هو الذي خلقهما .
وبالإضافة إلى ذلك فإن غدة البروستات ليست الغدة الوحيدة في جسد الرجل التي تفرز مواد حيوية لمساعدة النطف في رحلتها، لأن السائل الذي تفرزه الأكياس المنوية ( الموجودة بجوار غدة البروستات ) سائل مهم لا يمكن للنطف الاستغناء عنه في رحلتها الطويلة ويحتوي هذا السائل على كميات كبيرة من الفركتوز وغيرها من المواد الغذائية وعلى كمية كبيرة من " البوستاجلاندين" (prostaglandin ) و" الفيبرونوجين " .
يقوم الفركتوز والمواد الغذائية الأخرى بتغذية النطف منذ دخولها إلى جسد المرأة وحتى قيامها بإخصاب البويضة، وتقوم مادة " البروستاكلاندين " الموجودة في هذا السائل بمساعدة النطف من زوايا أخرى في الوصل إلى البويضة . فإحدى وظائف هذه المادة هي الدخول في تفاعل مع الغشاء المخاطي الموجود في قناة الرحم لتوفير جو صالح لحركة النطف، أما وظيفتها الثانية فهي تأمين تقلص الرحم وقناة فالوب في اتجاه معاكس لتسهيل حركة النطف .
وهنا تظهر أمامنا حالة إعجازية مهمة، فالسائل الذي تفرزه غدة البروستات لا يعرف فقط جسد الرجل الذي يتم إنتاجه فيه بل أيضاً بنية جسد المرأة بشكل دقيق وتفصيلي، فهو يعرف مسبقاً أن تقلص قنوات فالوب في رحم المرأة يساعد حركة النطف ويسهلها، لذلك فإنه، وبنظرة حكيمة ومستقبلية يضيف مادة " البروستاكلاندين " الكيماوية إلى جسد المرأة ولنتصور ـ للحظة ـ أننا طلبنا من أحد الكيميائيين تنفيذ هذه المهمة، فكيف كان سيتصرف ؟
كان سيقوم أولاً بفحص النطفة وتركيبها والبحث عن كيفية تحقيق الإخصاب وعن الظروف التي تحتاجها عملية الإخصاب هذه إلخ .
ثم كان سيقوم بفحص جسد المرأة وهرموناتها والبويضة وقناة فالوب التي تنقل البويضة إلى الرحم، ثم سيفحص الرحم وأنسجته ونظام الأعصاب الموجودة فيه لمعرفة كيفية تحقيق عملية التقلص فيه، ثم سيحاول الاستفادة من درسته ومن تجاربه التي استمرت عدة سنوات للعثور على المادة التي تملك مثل هذا التأثير، ثم سيقوم بإجراء التجارب والبحث في الكتب للوصول إلى النسب الصحيحة لاتحاد هذه المواد .
يحتاج الإنسان صاحب العقل والشعور إلى مثل هذه الدراسة الشاقة التي تحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير للوصول إلى بعض النجاح في هذا الأمر، أما الذي يقوم حقيقة ـ بمثل هذا الإنتاج فليس عالم كيمياء صرف سنوات عديدة من عمره في هذا المجال ليصبح مختصاً فيه، بل هي أعضاء وأنسجة تتألف من جزيئات وذرات لا تملك شعوراً أو إدراكاً لذلك لا يمكننا القول بأنها تملك عقلاً ومعرفة تفوق عقل ومعرفة الكيميائين أو أنها تعمل كل هذا بإرادتها . لا شك أن هذا السائل المنتج في النظام التناسلي للرجل والمصمم لتوجيه النظام التناسلي لدى المرأة ( وكذلك الخلايا المكونة له)، كل هذا مخلوق ـ لا شك ـ من قبل الله تعالى.
من الواضح استحالة تكون وتشكل هذه الأنظمة المترابطة بعضها مع البعض الآخر نتيجة المصادفات . وكل إنسان له شيء من عقل ومن إنصاف سيدرك فوراً بأن هذه الحوادث الخارقة التي تحدث حالياً ( والتي حدثت سابقاً ) في أجساد المليارات من الناس أثر ونتيجة لعلم ولقدرة لا نهائيتين، فيكون لله تعالى وحده صاحب هذا العلم وهذه القدرة .
قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) الشورى:29
عندما تبدأ الحيوانات المنوية رحلتها يلتحق بها أولاً السائل الذي تفرزه غدة البروستات ثم السائل المفرز من الأكياس المنوية، وهكذا يكتمل تكوين المني . وتستمر النطف بالرحلة في جسد الأم، ولهذه السوائل ( كما ذكرنا سابقاً) وظيفة تأمين الوسط والبيئة الملائمة لحركة الحيوانات المنوية، وذلك بتوفير الغذاء والطاقة اللذين تحتاجهما النطف في رحلتها هذه من جهة، ومن جهة أخرى بقيامها ـ نتيجة طبيعتها القاعدية ـ بعملية تعادل للحوامض الموجودة في مدخل رحم المرأة .
يطلق اسم " المني " على مجموعة هذه السوائل المقذوفة من جسد الرجل إلى جسد المرأة لغرض إخصاب البويضة، وهو يتكون من النطف ( الحُوينات ) ومن السوائل التالية بالنسب المحددة : 10% من القنوات المنوية، 60% من الأكياس المنوية ،30% من غدة البروستات، كما يحتوي السائل المنوي على سوائل أخرى تفرزها غدد أخرى ولكن بنسب قليلة . إن السائل المنوي سائل معقد يحتوي على مواد عديدة معقدة مثل : الفركتوز، والفوسفور نكلولين، والأركوفيرفوئين، وحامض الأسكوربيك، والفلادينات .
والبروستاغلانات، وحامض الستريك، والكولسترول، والفوسفولبيرات، والفيبرونوليزين، والقصدير ،والفوسفات، والهيالوردنيداز، وعلي الحيوانات المنوية ! وهنا تظهر أمامنا معجزة أخبرنا بها القرآن الكريم .(1)
لقد لفت القرآن الكريم الأظار في آيات عديدة إلى خلق الإنسان وحض على التأمل فيه وقد صادف العلماء الذين بحثوا ودرسوا هذه الآيات القرآنية حول خلق الإنسان العديد من المعجزات الكامنة فيه، فمثلاً اكتشف العلم بوسائله التكنولوجية أن المني عبارة عن مواد مختلطة عديدة ( أمشاج )، مع أن هذه المعلومة قد وضحت في القرآن قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة :
(إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (سورة الإنسان:2).
وضمن هذا السائل المعقد التركيب تملك الحيوانات المنوية وحدها قابلية الإخصاب .
فبينما يظن الناس أن جميع أقسام مني الإنسان يملك هذه القابلية، تنحصر هذه القابلية في جزء صغير فقط من مني الإنسان وهو الحيوانات المنوية (الحُوينات ) . أي أن الإنسان يظهر للوجود ليس من السائل المنوي بأجمعه بل من الحيوانات المنوية فقط .
حين يلتقي الزوجان يتم قذف عدد يتراوح بين مئتين وثلاثمئة مليون حيوان منوي، غير أن ألفاً من هذه الحيوانات فقط ينجح في الوصول إلى البويضة، ومن ضمن هذه الحُوينات الألف تختار البويضة واحداً . أي أن الإنسان ليس إلا نتيجة جزء صغير مختار من المني . وهذا الأمر الذي يملك عنه معظم الناس ( حتى في أيامنا الحالية ) معلومات خاطئة قد أخبرنا الله تعالى عنه في القرآن قبل أكثر من ألف سنة : قال الله تعالى :
(أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى {36}أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى {37} ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى {38} فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى {39} أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى {40}.
وهذا يبين لنا ـ بكل جلاء ـ أن القرآن هو كلام الخالق الذي يحيط علماً بكل دقائق وتفصيلات خلق الإنسان .
تتمة وتكملة التحضيرات الأخيرة :
إلى هنا تكون بنية الحيوان المنوي ( المدعم بسوائل المني ) قد تكاملت : الرأس، والعنق والذنب، ثم الجزء الأخير ولكل جزء من هذه الأجزاء وظيفته الخاصة به .
ولا يتجاوز حجم رأس الحوين ( الذي يعد نواة له ) خمسة ميكرونات ( يساوي الميكرون الواحد جزءاً من مليون جزء من الملليمتر الواحد ) . وجميع المعلومات المتعلقة بجسم الإنسان، والتي تستطيع تحويل خلية واحدة إلى إنسان كامل وسوي، محفوظة وموضوعة في مثل هذا الجزء والحيز الصغير، وتنقل هذه العلبة الصغيرة المتكونة من 23 كروموسوماً والمحتوية على جميع هذه المعلومات إلى البويضة . أي أن جميع المعلومات المتعلقة بأعضاء جسم الإنسان وكيفية عمل هذه الأعضاء وتعيين أماكنها وفي أي وقت تقوم أي خلية بالنمو والتغير والتمايز، وباختصار فإن جميع المعلومات المتعلقة بكيفية تكون الإنسان وإنشائه محفوظة ومصانة بشكل جيد في نواة الخلية المجهرية للحوين .
إلى جانب المعلومات الجينية الموجودة في رأس الحوين توجد تراكيب أخرى أيضاً، فمثلاً يوجد في الطبقة الخارجية قسم حافظ يدعى " الأكروزوم "، ويقوم الحوين باستعماله في القسم الأخير والأهم من رحلته.
ويحتوي هذا "الأكروزوم " على الإنزيمات التي تمتلك القدرة على تفتيت الأنسجة وثقبها، ويقوم الحوين باستخدام هذه الإنزيمات لثقب غلاف البويضة للدخول فيها لإخصابها .(2)
الجزء الثاني والمهم للحوين هو الذنب الذي يساعده على السباحة بسهولة في الوسط السائل . وحركة الذنب هي التي تعين اتجاه حركة الحوين وتساعده في الوصول إلى البويضة . حسناً ولكن من أين يحصل الحوين على الطاقة اللازمة للحركة الدائبة لذنبه ؟
لقد أخذ هذا الأمر أيضاً بعين الاعتبار وتم تأمين هذه الحاجة بشكل كامل ورائع، فالقسم الأوسط من جسم الحوين يعد مخزناً للوقود يمده بالطاقة طوال رحلته . فطوال هذه الرحلة وحتى وصوله إلى البويضة تقوم الميتوكوندريات الموجودة في هذا الجزء الوسطي بإمداده بالطاقة اللازمة، وتقوم الميتوكوندريات باستعمال علب الطاقة الموجودة أسفل عنق الحوين وتحرر الطاقة اللازمة التي تضمن حركة الحوين بسهولة .[3]
كما رأينا فهناك تصميم رائع من جميع الوجوه في بنية وتركيب الحوين . فلو لم يكن له ذنب لما استطاع الحركة، ولو لم تكون هناك الميتوكوندريات في القسم الأوسط منه لما استطاع توليد الطاقة ولما استطاع الحركة أيضاً، ولو كان قسم الرأس عنده كاملاً ولكن دون وجود قسم " الأكروزوم " فيه لما كانت هناك أي فائدة في وصول الحوين إلى البويضة لعدم وجود الإنزيم الذي يستطيع به ثقب غلاف البويضة لتحقيق الإخصاب .
لذا فإن الحوين لا يمكن أن يكون قد اكتسب خواصه هذه خطوة خطوة وبشكل تدريجي كما تدعي نظرية التطور، لأن من الضروري أن تكون جميع هذه الخواص متوفرة وموجودة بشكل كامل في الحوين منذ ظهور الإنسان الأول في هذه الدنيا، لأن نقص أي خاصية أو أي تركيب من تراكيبه معناه استحالة قيامه بعملية الإخصاب . ولو وجدت في الماضي حوينات غير كاملة الخواص ( كما يدعي أنصار نظرية التطور !) لا نقرض نسل الإنسان من هذه الدنيا قبل أن يتمكن من التكاثر . وهذا يثبت لنا أن الحُوينات قد وجدت في لحظة واحدة وبشكل كامل ،أي أنها قد خلقت، والتصميم الكامل والبديع الذي تملكه يعود إلى الله خالق كل شيء .
النظم المخلوقة بعضها للبعض الأخر :
عندما تفارق الحُوينات الموجودة في السائل المنوي جسد الرجل لا تكون في الحقيقة ـ مستعدة بعد لإخصاب البويضة، فبسبب بعض الإفرازات من الموضع الذي كان الحُوينات مخزونة فيه فإن حركتها تكون مقيدة ،ولهذا السبب فإنها لا تكون مستعدة ولا مهيأة تماماً لعملية الإخصاب عندما تصل إلى البويضة .
إذن فكيف تحصل الحُوينات التي خرجت من جسد الرجل على قابلية إخصاب البويضة .
لكي تتحقق عملية الإخصاب تهيئت نظم عديدة في جسد المرأة لهذا الغرض . هنا تعب السوائل المفرزة في العضو التناسلي للمرأة لمساعدة الحُوينات وزيادة قابلية الإخصاب عندها، ويمكن تلخيص التغيرات التي تطرأ على الحُوينات بعد وصولها إلى جسد المرأة كما يأتي :
(1).السوائل التي يفرزها رحم المرأة وقناة فالوب هي سوائل تملك خواص كيماوية تزيل أثر العوامل التي كانت تقلص من حركة الحُوينات عندما كانت هذه الحُوينات موجودة في جسد الرجل . لذا نلاحظ زيادة قابلية الحركة عند الحُوينات التي وصلت إلى القناة التناسلية للمرأة .
(2). نرى وجود الكوليسترول بنسبة كبيرة في الخصيتين ( اللتين كانت هذه الحُوينات موجودة فيهما ) نتيجة لورود مادة الكولسترول هذه من الأكياس المنوية فيها، وتأخذ مادة الكوليسترول مكانها في غشاء " الأكروزوم" الموجود في القسم الرأسي من الحوين وهذا الأمر يفيد في تقوية هذا الغشاء ويحول دول خروج الإنزيمات الموجودة فيه وانسكابها قبل أوانها، لأن هذه الإنزيمات تقوم بثقب جدار البويضة، لذلك كان على الحُوينات التخلص من هذه الخاصية.
وهكذا نرى أن نظاماً قد تمت تهيئته لهذا الأمر، مثل آلاف التفصيلات الأخرى والمهيأة في المراحل المختلفة لتكوين الإنسان ونموه .
بعد فترة من دخول الحُوينات جسد المرأة تمتزج مع السوائل التي يفرزها رحمها، وبعد هذا الاختلاط والامتزاج تخف نسبة الكوليسترول الموجودة في المني مما يؤدي إلى ضعف الغشاء الموجود في "الأكروزوم " وهكذا تستطيع الإنزيمات المغادرة إلى الخارج بسهولة عند وصول الحوين إلى البويضة، فتقوم هذه الإنزيمات بثقب غلاف البويضة لتحقيق عملية الإخصاب .
(3). عندما تصل الحُوينات إلى جسد المرأة تزداد قابلية نفوذ أيونات الكالسيون في غشاء الرأس عندها . إن دخول كميات كبيرة من الكالسيون إلى خلية الحوين يزيد من قابليتها للحركة، ويبدأ الذنب ( وهو بشكل سوط يساعد الحوين على الحركة ) بحركة قوية بدلاً من حركته التموجية الضعيفة التي كانت في السابق، مما يساعد على الوصول بسرعة إلى البويضة[4].
ولاشك في وجود إشارات ودلائل ذات معانٍٍ للإنسان الذي يتأمل بعمق حجم الانسجام بين الحوين وبين جسد المراة وكيف أنهما قد خلقا بحيث يكمل أحدهما الآخر، فكل من جسد المرأة والحوين يبديان شعوراً وإدراكاً كبيراً مع أن كل واحد منهما مستقل عن الآخر ،فكأن جسد المرأة يعرف أن الحوين الذي دخل في هذا الجسد يشكو من نواقص فيدرك هذه النواقص ويقوم بتكلملتها وإفراز ما يلزم لهذه التكملة . لقد تمت تهيئة جو خاص جداً لخلية الحوين الصغيرة والتي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وكأن جسد المرأة يعرف أن رحلة طويلة تنتظر هذا الحوين وأنه يحتاج إلى طاقة وإلى سرعة حركة لقطع مسافة هذه الرحلة، وكأنه يدرك أيضاً أي تركيب كيميائي يمكنه ثقب غلاف بويضته، وأن هناك بعض النواقص عند الحوين بسبب الكولسترول الذي يحمله، فيقوم بإفراز مادة لتخفيف نسبة الكوليسترول لتهيئة الجو لثقب غلاف البويضة بسهولة . وهو يعمل كل هذا بسبب القابلية التي تيمتع بها .
ومن المفيد أن نذكر أن الأمثلة التي أعطيناها حتى الآن تشمل جزءاً صغيراً من الحوادث التي تبدأ بدخول الحوين إلى جسد المرأة وحتى قيامه بإخصاب البويضة، لأن ما ذكرناه يتحقق بعد حدوث الآلآف من العمليات الكيميائية المعقدة التي تشترك فيها العديد من البروتينات والإنزيمات والسوائل . ولكن علينا أن نذكر بأن هدفنا من إيراد هذه التفصيلات ليس
إعطاء معلومات فقط، بل البرهنة على حقيقة أن نشوء الإنسان ومجيئه إلى الدنيا عملية معقدة جداً ولا يمكن أن تتم بالمصادفة العمياء ( كما يزعم أنصار نظرية التطور ) .
وأن هذه العمليات المعقدة مسيرة في إطار عمل رائع لنظم معقدة ومنسجمة بعضها مع البعض الآخر انسجاماً كبيراً . فكيف يمكن لأي إنسان عاقل أن يصدق قصة نشوء إنسان كامل بطريق المصادفات إذا كان نشوء إنزيم واحد محفز لحركة الحوين أو نشوء جزيئة واحدة مستحيلاً عن طريق المصادفات العمياء ؟
بحثنا ـ حتى الآن ـ كيف أن خلية الحوين المنتجة في جسد الرجل تكتسب بمساعدة المواد الكيميائية الموجودة في جسد المرأة قابلية إخصاب البويضة . والآن لنقف هنا لنفكر :
هل يمكن تكون مثل هذه الأنظمة ( كما تدعي نظرية التطور !) بشكل تدريجي ومرحلة إثر مرحلة ؟ لا شك أن هذا مستحيل، ولكن ـ مع هذا ـ لنطرح هذا السيناريو لفحصه وتدقيقه .
هل يمكن أن يجد الحوين ( الذي تشكل في جسد الرجل مصادفة ) عندما يصل إلى جسد المرأة السوائل التي تكتسب قابلية الإخصاب جاهزة أمامه مصادفة ؟ أم تقوم الخلايا التناسلية في المرأة باتخاذ قرار بإنتاج المواد الكيميائية اللازمة والضرورية لأن الحوين الواصل لا يملك قابلية الإخصاب ؟
لا شك أن كل بديل من هذين البديلين يضادّ العقل والمنطق، وهما أمران خياليان لا يمكن أن يتحققا . وهذا المثال الذي ذكرناه يشير إلى حقيقة واحدة، وهي أن كل نظام من هذه الأنظمة الدقيقة الموجودة دليل على العلم غير المحدود لله تعالى الخالق المصور، الذي يخلق معجزات عديدة في أعماق الإنسان وفي أجزاء صغيرة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة وهذه الأدلة الإيمانية التي يخلقها الله تعالى في جسم الإنسان خارجة عن إرادة الإنسان وعن علمه، والله ـ عز و جل ـ يذكّر الإنسان بأنه هو المتحكم في كل شيء ( بما في ذلك الإنسان نفسه ) .
قال تعالى :
(إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)(لنجم: من الآية32).
البويضة ودورها في تكوين إنسان جديد :
التغيرات التي تحدث في جسم الرجل عند مرحلة البلوغ يتم مثيل لها في جسم المرأة .
فإلى بجانب البويضة ( التي تعد خلية تناسلية أنثوية ) يتهيأ النظام التناسلي لدى المرأة بشكل مناسب ولائم لنظام التناسل عند الرجل .
عند وصول النساء مرحلة البلوغ يدرك الهايبوثلامس كما هو الحال عند الرجال ـ بأن الزمن قد حان فيصدر أوامره إلى الغدة النخامية لإنتاج الهرمونات التي تنضج خلايا البويضات، وتقوم الغدة النخامية بتنفيذ هذه الأوامر فوراً وتبدأ بإنتاج الهرمونات الضرورية .
وكما في الرجال أيضاً، فإن إنتاج الخلايا التناسلية في المرأة لا يكون مستمراً، فهذا الإنتاج يتم في فترات معينة، وتعيين هذه الفترات يقع ضمن وظائف الغدة النخامية . تقوم هذه الغدة في فترات معينة بإفراز هرمون لإنضاج الخلايا الأم للبويضات الموجودة في المبيض، ويعرف هذا الهرمون المكان الذي يذهب إليه جيداً، لذا نراه يتوجه نحو المبيض مباشرة ويعلمه بأنه قد حان الأوان لنضج البويضة . وتفهم خلايا المبيض فوراً هذا الأمر فتبدأ فعاليات نشطة في المبيض لإنضاج البويضة .[5]
والآن لنتفحص هذه المعلومات بشكل أعمق، كيف يستطيع الهابوتولاموس ( وهو غدة صغيرة ) حساب الزمن ؟ كيف يقوم بهذا الحساب للزمن دون أي خطأ عند مليارات النساء اللائي عشن سابقاً واللائي يعشن حالياً ؟ تقع غدة الهايبوتولاموس في المنطقة الوسطى من الدماغ ولا تملك أي آلية لحساب الزمن، ولا تملك كذلك أي آلية لحساب الزمن، ولا تملك كذلك أي علاقة مع الدنيا في الحقيقة وهي مجرد قطعة لحم مؤلفة من خلايا . وليس قيام قطعة اللحم هذه بحساب الزمن بالأمر الذي يمكن أن يمر عليه الإنسان وكأنه أمر اعتيادي لا غرابة فيه، غير أن هذا التفصيل الصغير ليس إلا معجزة واحدة من المعجزات العديدة الجارية في جسم الإنسان . وتقع مثل هذه الحوادث التي تدهش الإنسان في جسمه ف يكل آن وفي كل ميللمتر مربع في جسمه دون توقف، فمثلاً نرى تحقق معجزة مدهشة في الغدة النخامية التي تتلقى الأمر من الهايبوتولاموس وتستطيع فك شيفرات هذا الأمر وفهمه، ثم القيام باتخاذ قرار لأنتاج المادة المطلوبة، ثم إرسالها ـ دون أي خطأـ إلى مكان بعيد عنها لم تره من قبل . والغدة النخامية أيضاً عبارة عن مجموعة من الخلايا، فكيف تستطيع مجموعة الخلايا هذه " فهم " الأوامر الآتية إليها ؟ إن مجرد فهم وتنفيذ هذه الأوامر بواسطة هذه الخلايا أمر خارق بحد ذاته، فبأي قدرة تستطيع هذه المجموعة من الخلايا " فهم " واستيعاب " و" استخراج النتائج " واتخاذ قرار " وتطبيق هذا القرار " ؟ .
إن جسم الإنسان مكان مظلم ومعقد ومزدحم تجري فيه سوائل عديدة في الأوعية الدموية بسرعة كبيرة، وفيه مواصلات معقدة ومزدحمة جداً . إن قيام مجموعة من الخلايا في مثل هذا المحيط المزدحم والمعقد بمواجهة مواد أكبر منها كثيراً وإرسال مواد بواسطة بعض الوسائل إلى المكان الذي تريده دون أن تضل طريقها ودون أن تتضرر في الطريق … كيف هذا أمر يستحيل على أنصار نظرية التطور القيام بإيضاحه، ذلك لأن الملجأ الوحيد لهؤلاء التطوريين والجواب الوحيد عندهم هو " المصادفات "، مع أنه لا يوجد أي مكان للمصادفات في الجسم المعقد للإنسان ولا في أجسام الكائنات الحية الأخرى !ولنكرر هنا مرة أخرى : إن العقل الذي يقابلنا هنا وفي جميع أمثال هذه الفعاليات ليس عقلاً عائداً لهذه الخلايا، فهذه الخلايا لا تملك أعيناً ترى بها بعضها البعض ولا ألسنة تتكلم وتتفاهم بها ولا آذاناً تسمع بها، بل هي مجرد مخلوقات تقوم بتنفيذ أوامر خالقها وتكون وسيلة لتحقيق هذه المعجزات بإلهام منه وحده سبحانه وتعالى.
تكون البويضة داخل جسم الأم
بقلم الكاتب التركي هارون يحيى
تم إنتاج البويضات في عضو يدعى " المبيض " مصمم خصيصاً لهذا الأمر، ويوجد في كل امرأة مبيضان أحدهما في الجهة اليسرى والآخر في الجهة اليمنى . وفي كل مبيض يوجد فراغ يسمح بدخول وخروج الأوعية الدموية والأوعية اللمفاوية والأعصاب، وهناك في
هذا التجويف أنسجة ألياف غنية بالدم، وبفضل هذه الأنسجة يتم تأمين إنتاج خلايا البويضات وتغذيتها وحفظها بأمان . ويوجد في هذا العضو العديد من الحويصلات وتحتوي كل حويصلة على خلية أم لبويضة واحدة، وفي كل شهر تنضج بويضة واحدة في إحدى هذه الحويصلات وتترك خارج المبيض تمهيداً لإخصابها .
ولكن عملية الإنتاج هذه ليست عملية مؤلفة من مرحلة واحدة فقط، فإنضاج بويضة واحدة يستدعي إجراء وإتمام عمليات ذات مراحل متعاقبة ومتعددة . إن نضوج خلية أم لبويضة تحولها إلى خلية تناسلية يستدعي انقسام من النوع الفتيلي(Mitosis )وانقسامين من النوع المنصف ويجب ألا يحدث أي خطأ في توقيت وفي تسلسل هذه الانقسامات، لأن تغيراً سيحدث في عدد الكروموسومات الموجودة في الخلية التي تتحول إلى نوع آخر من الخلايا . وكما يحدث في الخلايا التناسلية في الذكور يقل هنا أيضاً الكروموسومات في خلية البويضة من 46 كروموسوماً إلى 23.
وفي نهاية الانقسامات الفتيلية والمنصفة التي تحدث في خلية البويضة تنتج ثلاثة خلايا صغيرة وخلية واحدة كبيرة هي خلية البويضة الناضجة، وبينما تموت الخلايا الصغيرة بسبب نقص الغذاء تمر الخلايا الكبيرة ببعض التغيرات حتى تتحول إلى بويضة كاملة . ولو كان لجميع هذه الخلايا الحجم نفسه لتعذر تغذية البويضة المخصبة ـ فيما بعد ـ التغذية الكافية غير أن كون إحدى هذه الخلايا خلية كبيرة ولها مخزون غذائي أكبر يحول منذ البداية دون حدوث هذه المشكلة .
ولا تكون عملية نضوج البويضة عملية تلقائية، فكما ذكرنا سابقاً فإن الغدة النخامية الموجودة في القسم السفلي من الدماغ هي التي تقود مراحل هذه العملية بواسطة الهرمونات التي تفرزها .
يمكن تلخيص الهرمونات المؤثرة في المراحل المختلفة لنضوج البويضة كما يأتي :
(1) المرحلة الحويصلية :
وهي المرحلة التي تبدأ فيها خلية البويضة بالتكون، وتوجد الخلية الأم للبويضة ( كما ذكرنا سابقاً ) في أكياس صغيرة تدعى " الحويصلات " وتدوم هذه المرحلة 14 يوماً . ويأتي هرمون FSH ( وهو هرمون تفرزه الغدة النخامية ) إلى المبيض عن طريق الدم، ويقوم هذا الهرمون بعدة وظائف في المبيض منها تكوين الحويصلات وتطويرها وإنتاج البوضة من الخلية الأم، كما يتسبب هذا الهرمون في أفراز هرمون الإستروجين من الحويصلات الناضجة .
وهرمون الاستروجين هرمون مؤثر على بنية الرحم خاصة، فهو يسرع الانقسامات الفتيلية لخلايا الرحم، مما يؤدي إلى زيادة سمك هذه المنطقة لتأمين التصاق الجنين على جدار ناعم ولين بعد إتمام عملية الإخصاب، كما يؤدي إلى زيادة ورود الدم إلى هذه المنطقة . وتتكرر هذه العمليات مرة كل شهر، فإن تم إخصاب البويضة استقرت البويضة المخصبة على هذا النسيج الميهأ لها وبدأت بالتغذية والنمو هنا .
وكما هو حادث في كل مرحلة من مراحل نشوء الإنسان وتكونه في رحم أمه، فهنا أيضاً ـ نجد حادثة خارقة، حيث نرى أن خلايا النظام التناسلي الأنثوي تدرك مسبقاً حاجات الجنين المستقبلية وتتهيأ لها، وتعمل جاهدة على تأمين أفضل وأنسب جو ومحيط لنمو الجنين . فكيف تستطيع مجموعة من الخلايا تحقيق كل هذه العمليات التي تستدعي شعوراً ووعياً وإدراكاً كبيراً ؟ من المستحيل طبعاً القول بأن هذه الخلايا تملك كل هذا الوعي وهذا الإدراك ولكن الخلايا الموجودة في النظام التناسلي للمرأة (بل حتى الخلايا الغدية النخامية ) تستطيع تحقيق هذه العمليات التي تبدو مستحيلة، وتقوم مسبقاً بتهيئة أفضل جو ومحيط لحاجات الجنين الذي لم تعرفه من قبل .
ويستحيل ـ طبعاً ـ على كل صاحب عقل ومنطق الادعاء بأن الخلايا تقوم بكل هذه العمليات بعقلها وشعورها وبقرار صادر من عندها، فهذه الأمور التي يعجز عن تحقيقها الإنسان العاقل لا يمكن عزوها إلى مجموعة من الخلايا المتكونة من ذرات غير عاقة، ومن يدّعي هذا يقع في تناقض منطقي صارخ، وهكذا فالحقيقة تظهر أمامنا واضحة وبينة، وهي أن هذه الخلايا تقوم بأداء هذه الوظائف بإلهام من خالقها، وأن هذه المعجزات تتكرر عند ولادة كل إنسان منذ ظهور الإنسان على وجه هذه الأرض .
(2) مرحلة البويضة :
في هذه المرحلة تنشق الحويصلات المحتوية علىالبويضة وتتحرر هذه البويضة ولكن هناك حاجة إلى مساعدة يتلقف خلية البويضة هذه المتروكة للفراغ، وإلا تعذر على البويضة التقدم نحو المكان الذي ستلتقي فيه بالحوين، أي تعذر مثل هذا اللقاء . وهنا يظهر دور قناة فالوب ( وهي قناة تصل ما بين المبيض والرحم ) في حل هذه المشكلة، فهذه القناة التي تملك أذرعاً ضخمة كأذرع الأخطبوط تقوم بتلقف خلية البويضة الخارجة من المبيض، وحسب وجود الحوين في قناة فالوب ( وهي الموضع الذي يتم فيه عملية الإخصاب ) أو عدم وجوده تتحدد المراحل القادمة .
تتكون خلايا البويضة في المبيض داخل تراكيب تدعى الجريب ونشاهد في هذا الرسم التمثيلي مراحل تكون خلية بويضة واحدة وخروجها من الجريب ، وتتكرر كل هذه المراحل عند جميع النساء خلال فترة معينة ، ففي كل شهر تتكون خلية جديدة ويتكرر إفراز الغدد نفسها ، ويتهيأ جسم المرأة وكأنه ستم الإخصاب . ولكن اتجاه الاستعدادات في الجسم يتغير في المرحلة حسب وجود الحوين أو عدم وجوده ، وهذا الأمر معجزة واضحة من معجزات الخلق .
يقوم هرمون LH( وهو هرمون تفرزه الغدة النخامية ) بتوجيه دفة هذه العمليات وبتحرر البويضة . ومن المفيد الإشارة إلى نقطة هامة تتعلق بهذا الهرمون، فعلمية انشقاق كيس الحويصلة " فوليكل "( الذي يحتوي على خلية البويضة ) وبدء خلية البويضة بالتقدم للقاء الحوين ،هذه العملية تحتاج إلى هذا الهرمون .
وعدم وجوده يعني عدم نضوج كيس فوليكول وعدم الوصول إلى مرحلة وضع خلية البويضة، حتى وإن كانت جميع الهرمونات الأخرى متوفرة دون نقص . ولكن مثل هذه المشكلة لا تحدث، فقبل يومين من المرحلة الثانية ( مرحلة تحرير البويضة ) يلاحظ أن الغدة النخامية ـ ولسبب لا يزال مجهولاً حتى الآن وغير معروف من قبل العلماء ـ تبدأ بزيادة إنتاج هرمون LH، كما تظهر زيادة في إفراز هرمون FSH، وبتأثير من هذين الهرمونين تتحقق كل شهر وبانتظام عملية وضع البويضة . أي أن الغدة النخامية تقوم ـ هنا أيضاً ـ بحساب دقيق لا يخطئ للزمن، حيث تبدأ بإفراز الهرمون اللازم وبالمقدار الضروري وفي الوقت الملائم تماماً.!
لا شك أنه لا يمكن توقع وقوع مثل هذا التصرف الواعي والعاقل من قبل الغدة النخامية أو من الخلايا التي تكونها، فإن كان لها عقل سامٍ وإرادة فلا شكل أن هناك صاحباً لهذا العقل ولهذه الإرادة ،وهذا العقل والإرادة الواضحة في جميع مراحل خلق الإنسان وجميع المعجزات المتجلية في هذه الحوادث تعود إلى الله تعالى صاحب العقل والقدرة اللانهائيتين .
(3) مرحلة الجسم الأصفر:
بعد خروج البويضة من كيس فوليكول وفراغه منها بملأ الدم هذا الفراغ، وتبدأ خلايا خاصة تحيط بهذه الأكياس ( تدعى "الخلايا الحبيبية " " granulose cell "بالتكاثر والحلول محل الدم المتخثر في هذه الأكياس ،وهذه الخلايا صفراء اللون وغنية بمادة الليبيد . وهكذا تتحول الحويصلة ( التي خرجت منها البويضة ) بالتمدد نتيجة هذا السائل الذي ملأها وتتحول إلى بنية وتركيب فعال يدعى " الجسم الأصفر".
يلعب هذا الجسم الأصفر دوراً مهماً جداً في تحضير وتهيئة الرحم للجنين بشكل جيد ولكي يستمر الحمل بشكل جيد ودون مشكلات . ومن أهم مميزات هذه البيئة إفراز هرمون البروجسترون بتأثير وتحفيز من هرمون LH ويقوم هرمون البرجسترون (الذي يملك صفات ترطيبية ) بتنبيه جدار الرحم، وأهم تغير حاصل في الرحم يكون في طبقة " موكوزا "، فبتأثير هرمون الأوجستروجين والبروجسترون يزداد سمك جدار الغشاء المخاطي حتى تصل الشعيرات الدموية والغدد إلى سطح هذه الطبقة، ويأخذ جدار الرحم شكلاً متعرجاً وملتوياً، وتزداد فعاليات إفرازات الغدد .
والغاية من هذه التغيرات هي تهيئة أفضل بيئة وأنسب وسط لاستقرار الجنين، كما يجبر الرحم عضلاته على الراحة من أجل استمرار الحمل . وإضافة إلى هذا يقوم هرمون البروجسترون بالتأثير في نمو وتوسعة الغدد الحليبية .
إن قيام هرمون ما بالتأثير على هرمون آخر وفي الوقت المناسب تماماً وامتلاكه حدساً في هذا الخصوص أمرٌ لا يمكن تفسيره بالمصادفات . وهنا ترد عدة أسئلة على الخاطر : إذ كيف تستطيع جزئية متكونة من ذرات لا تعقل أن تملك حدساً إلى هذه الدرجة ؟ وكيف تبادر إلى تنظيم هذه الفعاليات بأفضل شكل وأكثره ملاءمة لراحة الإنسان ؟ من الواضح أن الجزيئات التي تشكل الهرمونات لا تملك لا عقلاً ولا شعوراً، وهذا الأمر يرينا أن قدرة فائقة هي التي خلقت هذه النظم المتكاملة بعضها مع البعض الآخر، وهي التي وهبتها هذه الخواص والمميزات . أي أن الله تعالى ـالذي خلق السماوات والأرض ـ هو الذي يلهم الجزيئات المكونة للهرمونات والذرات المكونة للجزيئات كيفية التصرف الواعي .
تستمر هذه المرحلة بين اثني عشر يوماً وأربعة عشر يوماً، فإن لم تتم عملية الإخصاب في نهايتها ينحل الجسم الأصفر وتتكرر المراحل نفسها من جديد وبانحلال الجسم الأصفر يتوقف إفراز هرموني الأوجستروجين والبروجستروجين, غيرهما من الهرمونات (أي أن هذه الوظيفة تقع أيضاً على عاتق الغدة النخامية ) ثم تبدأ هذه الغدة مرة أخرى بأفراز هرمون FSH وهرمون LH مما يؤدي إلى نمو وزيادة حجم الحويصلات ،ولكن هذا النمو يكون محدوداً لأن عدم وجود هرموني الأستروجين والبروجسترون في الرحم يكون عاملاً في بدء مرحلة جديدة هي مرحلة الحيض .
(4) مرحلة الحيض:
وهي مرحلة التخلص من البويضة غير المخصبة وقذفها خارج الجسم . فبسبب عدم تحقق الإخصاب يتوتر جدار الرحم الذي كان قد تهيأ للجنين، وبانفصال العروق الشعرية تخرج البويضة خارج الجسم . وبعد هذه المرحلة يبدأ الجسم بالتهيؤ لتكرار هذه العمليات والمراحل مرة أخرى .
تتكرر هذه المراحل عند جميع النساء بصورة متكررة لسنوات معينة من العمر، حيث يتم إنتاج خلية بويضة كل شهر وإفراز الهرمونات نفسها . وتتكرر هذه المراحل بعينها ويتهيأ جسد المرأة لعملية الإخصاب، ولكن يتغير اتجاه التحضيرات في المرحلة الأخيرة حسب وجود الحوين أو عدم وجوده .
التحضيرات قبل عملية الإخصاب :
تقع خلية البويضة على مسافة تتراوح بين عشرين وخمسة وخمسة وعشرين سنتمتراً من الحُوينات الواصلة إلى جسد المرأة، وتبلغ هذه المسافة 3000 ضعف حجم الحوين تقريباً، وهي تعد مسافة طويلة بالنسبة لحجمه ،ولذلك تحتاج الحُوينات إلى مساعدة جادة لقطعها .
لذلك نرى أن تحضيرات معينة تبدأ في جسد الرجل وفي جسد المراة قبل تحقق التقاء الحوين مع البويضة، ومعظم هذه التحضيرات يستهدف مساعدة ومعاونة الحُوينات في رحلتها في جسد المرأة وتسهيل هذه الرحلة . مثلاً : تحدث تموجات من التقلصات في رحم المرأة، وهذه الحركات التي تحدث في الرحم وفي قناة فالوب بشكل متميز عن الأوقات الاعتيادية تقوم بتسهيل حركة الحُوينات نخو البويضة . والذي يلفت الانتباه في هذه الخصوص هوالمادة التي تسبب هذه الحركات التقلصية والتموجية، وتوجد هذه المادة التي تدعى (بروستاجلاندين" prostaglandin ") في السائل المنوي الذي تتحرك فيه الحُوينات المفرزة من جسد الرجل، أي ضمن السائل الذي يفرزه الكيس المنوي . وعلى الرغم من أنها تأتي من جسد آخر فإنها تعرف بنية رحم المرأة وتستطيع التأثير فيه لتسهيل رحلة الحُوينات وتقدمها .[1]
ولا تنحصر التغيرات التي تحدث في الرحم لتحقيق الإخصاب على هذا، فالقنوات تتوسع في هذه المرحلة ،وبتأثير هرمون الإستروجين يزداد إفراز الرحم ( إفراز المادة المخاطية ) . وتقوم هذه المادة ( وكأنها تعرف ضرورة إغناء مادة كلوريد الصوديوم الموجودة فيها ) بتهيئة نفسها فتصبح مرنة وشفافة، وفي نهاية هذه التغيرات يظهر تركيب خاص وبنية خاصة في هذه المادة المخاطية بفجوات طويلة ومتوازنة ومستقيمة، ثم تتحول هذه البنية إلى شكل يسهل على الحوينات، فهذه القنوات تسمح فقط للحوينات ذات البنية الاعتيادية والطبيعية بالمرور خلالها، أي أنها تعمل عمل منخل ومصفات لأن الحُوينات تملك أحياناً شكلاً غير ملائم وبنية غير صالحة للإخصاب فتتم تصفيتها في هذه القنوات .
وكما يتبين مما شرحناه حتى الآن : إن كل حركة في الرحم وفي المبيض تستهدف وصول الحوين إلى البويضة، فمثلاً بعد انتهاء عملية وضع البويضة وبعد أن يتم التقاء البويضة بالحوين تبدأ المادة المخاطية بعمليات عكسية، إذ يصبح لونها غامقاً ولا يعود شفافاً مما يحول دون عبور الحُوينات إلى الداخل .
والتغيرات التي تحدث في النظام التناسلي للمرأة تستهدف وصول الحُوينات (الداخلة إلى جسد المرأة ) إلى البويضة ،وهذا أمر ـ كما قلنا في السابق ـ مثير ويلفت الانتباه لأن العناصر الموجودة في النظام التناسلي للمراة تقوم بمساعدة خلايا آتية من جسد آخر .
كيف يتسنى لخلية أن تملك كل هذه المعلومات التفصيلية عن خلايا غير موجودة في محيطها ؟ وكيف تسنت لها معرفة حاجات تلك الخلايا ( مثل كيفية إكسابها سرعة الحركة ) ؟ لا شك بأن من المستحيل على الخلايا التي تقوم بإنتاج سائل الرحم معرفة الخصائص التي تملكها الحوينات، ويستحيل عليها أيضاً تهيئة الوسط المناسب لها .
تتحقق هذه الفعاليات ( التي تم شرحها حتى الآن ) في جميع النساء بنفس التسلسل وبنفس الدقة ،وعندما تتأمل هذه الأنظمة التي تعمل بتوافق وانسجام مع بعضها البعض يظهر أمامنا وجود تخطيط واضح، فالحوين مصمم لجسد الأم، والنظام التناسلي للأم منظم لاستقبال الحوين، ولو حدث أي نقص في هذا التلاؤم ( مثلاً لو لم يكن للحوين ذنب مساعد لحركته أولم يملك الحوين السائل الذي يعادل المحيط الحامضي لجسد الأم ) لما تحقق التناسل.
وهذا يبين بوضوح أن التلاؤم والتوافق الموجودين بين الخلايا التناسلية للرجل والخلايا التناسلية للمرأة ليسا سوى أثر لحظة خلق واعية، والذي يحقق هذا التلاؤم والتوافق هو الله رب العالمين الذي خلق الرحل والمراة وأودع هذا التلاؤم بينهما . وما على الإنسان إلا تأمل بديع خلق الله وتسليم نفسه لربه القادر على كل شيء قال تعالى: (وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (الجاثـية:4).
التصرفات الواعية لقناة فالوب :
كما ذكرنا سابقاُ فإن خلية البويضة الناضجة في المبيض حين تترك حرة في الفراغ تقوم قناة فالوب (التي تملك بنية خاصة ) بتلقفها، فإن لم تتلقفها هذه القناة سقطت البويضة بين الأعضاء الأخرى للمرأة فلا تستطيع لقاء الحوين .
قناة فالوب هي مكان التقاء البويضة بالحوين، ولكي تنجح هذه القناة في أداء هذه المهمة تقوم بأداء حركتين : أولاهما استلام البويضة الناضجة من المبيض وإيصالها إلى مكان لقائها مع الحوين ،والثانية استلام الحوين من جوف الرحم وإيصاله إلى المكان الذي يلتقي فيه البويضة .
التصرفات الواعية لقناة فالوب :
كما ذكرنا سابقاً فإن خلية البويضة الناضجة في المبيض حين تترك حرة في الفراغ تقوم قناة فالوب (التي تملك بنية خاصة ) بتلقفها، فإن لم تتلقفها هذه القناة سقطت البويضة بين الأعضاء الأخرى للمرأة فلا تستطيع لقاء الحوين .
قناة فالوب هي مكان التقاء البويضة بالحوين، ولكي تنجح هذه القناة في اداء هذه المهمة تقوم بأداء حركتين : أولاهما استلام البويضة الناضجة من المبيض وإيصالها إلى مكان لقائها مع الحوين، والثانية استلام الحوين من جوف الرحم وأيصالها إلى المكان الذي يلتقي فيه البويضة .
خلايا لا تعود إليها ؟ لا شك أن أن قطعة لحم مساحتها بضعة سنتمترات مربعة لا يمكن أن تكون هي صاحبة مثل هذه القابلية ومثل هذه المعرفة والمعلومات، بل هي تتحرك (مثل غيرها من الأنسجة والخلايا ) حسب الإلهام الالهي لها، وهذا هو السبب في قيامها بهذه الوظيفة الصعبة بنجاح وبيسر دون ارتكاب أي خطأ . لذا تجد خلية البويضة فرصة لإخصابها في ظروف أربع وعشرين ساعة في أكثر تقدير .
تحقق لقاء الحوين بالبويضة :
بعد المرور في مراحل عديدة تقع البويضة الناضجة في قناة فالوب حاملة معها العديد من الخلايا المحيطة بها . أما الحوين الواصل إلى قناة فالوب فعليه أولاً تجاوز وتخطي هذه الخلايا المسماة بالغشاء المحبب ثم عليه ثقب الستار السميك المحيط بالبويضة .
فكيف يستطيع الحوين تجاوز هذه الموانع والعراقيل؟
هنا أيضاً نلاحظ وجود تصميم واعٍ ورائع .كما هو معلوم يوجد أنزيمات بين الغشاء الخارجي والغشاء الداخلي للجسم القمي Acrosome هي هيالورونديز hyaluronidase وإنزيم مفكك الطبقة الشفافة zona lysine و إنزيم مخترق التاجية الشعاعية corona penetrating enzyme وإليك عمل كل واحد منها.
أما وظيفة هذه الأنزيمات الثلاثة فهي : يعمل انزيم هيالورونديز hyaluronidase على تفكيك مادة حمض هيالوريك hyaluronic acid التي تربط خلايا الكتلة البيضية فيخترق الحيوان الموي هذا الغلاف .
إنزيم مخترق التاجية الشعاعية corona penetrating enzyme يساعد في اختراق غلاف التاجية الشعاعية وإنزيم مفكك الطبقة الشفافة zona lysine (أكروسينacrosin ) يساعد الحيوان المنوي على اختراق المنطقة الشفافة zona pellicida بشكل افقي وهكذا يستطيع الحوين ـ بمساعدة هذين الإنزيمين ـ شق طريقه إلى داخل البويضة .[2]
كيف يتسنى للحوينات المنتجة في جسد الرجل بعيدأ جداً عن البويضة أن تملك إنزيمات لها قابلية التأثير على بنية وتركيب البويضة ؟ من أوجد هذه المواد ؟ ومن الذي وضع هذه المواد في رأس هذه الحُوينات التي هي كائنات مجهرية، أي في أفضل مكان يمكن وضعها فيه ؟
ليست الحُوينات هي القائمة بهذا لأنه يستحيل عليها معرفة وجود حوامض يستطيع إنزيم الهيالورونيداس إزالة أثرها . وليس المطلوب فقط معرفة تركيب هذا الإنزيم، بل يجب أيضاً القيام بصنعه وإنتاجه، ولا شك أن من المستحيل على الحوين القيام بنفسه بوضع نظام في جسم الإنسان يقوم بهذا كله . إن الحُوينات تقوم بعمل لا يستطيع القيام به الإنسان الواعي وتملك مواد تساعدها على بلوغ هدفها وكأنها تعرف عن قرب جميع تراكيبها الكيميائية التي لا يستطيع الإنسان العادي معرفتها .ولا ريب أن الادعاء بان الحوين هو الذي يحقق وينجز هذه الأمور مما يرفضه العقل ويرفضه المنطق . فإن وضعنا جانباً مثل هذه الادعاءات المناقضة للعقل والمنطق سنرى أن امتلاك الحوين للإنزيمات المفككة لغشاء البويضة دليل من أدلة الخلق، فمثل هذا التلاؤم والتوافق البديعين لا يمكن إرجاعه إلى المصادفات . إن كون الحُوينات على علم بالتركيب الكيميائي لخلية أخرى في وسط آخر وقيامها بتحليل هذه المواد الكيميائية الضرورية لتفكيك تلك المواد لا يمكن تفسيره إلا بقيام الخالق بخلق الحُوينات المالكة لمثل هذه الخصائص.
يضاف تباعا
التعديل الأخير: