- 9 نوفمبر 2009
- 1,243
- 25
- 0
مُلَحُ الآيَاتِ القُرْآنِيَّةِ فِي حَيَاةِ سَلَفِنَا العَمَلِيَّةِ
لقد تَمَتَّعَ سلفنا الصالح بحسٍّ واعٍ تجاه الآيَّات القرآنية والسنن النبوية، فطبقوها في الحياة العملية، فلم تكن الحياة خارج المسجد بمعزل عنه، ولم تكن الحياة العملية في جانب والدين في جنب آخر، بل كلاهما يكمل الآخر، فكان تفاعلهم مع الآيات القرآنية والسنن النبوية يظهر في حركاتهم وسكناتهم، فهذا عبد الله بن عمر يتفاعل مع قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران92] "فكان إذا أعجبه شيء من ماله يقربه إلى الله عز وجل وكأن عبيده قد عرفوا ذلك منه فربما لزم أحدهم المسجد فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال أعتقه فيقال له: إنهم يخدعونك، فيقول: من خدعنا لله انخدعنا له، وكان له جارية يحبها كثيرًا فأعتقها وزوجها لمولاه نافع، وقال: إن الله تعالى يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران92]، واشترى مرة بعيرًا فأعجبه لما ركبه فقال: يا نافع أدخله في إبل الصدقة، وأعطاه ابن جعفر في نافع عشرة آلاف فقال أو خيرًا من ذلك؛ هو حُرّ لوجه الله، واشترى مرة غلامًا بأربعين ألفًا وأعتقه فقال الغلام: يا مولاي قد أعتقتني فهَبْ لي شيئًا أعيش به فأعطاه أربعين ألفًا، واشترى مرة خمسة عبيد فقام يصلي فقاموا خلفه يصلون فقال: لمن صليتم هذه الصلاة فقالوا: لله فقال: أنتم أحرار لمن صليتم له فأعتقهم".
فهذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} لو طُبقت في عصرنا هذا لن تجد فقيرًا أو معدمًا بين المسلمين، ولو طبقها عُشر المسلمين فقط؛ لأن العمل بها خارج عن نطاق الزكاة المفروضة إلى باب أوسع وهو باب الصّدقات وساحة أرحب وهي ساحة الإنفاق مما يحبه الإنسان ويستبقيه لخاصة نفسه.
فهذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} لو طُبقت في عصرنا هذا لن تجد فقيرًا أو معدمًا بين المسلمين، ولو طبقها عُشر المسلمين فقط؛ لأن العمل بها خارج عن نطاق الزكاة المفروضة إلى باب أوسع وهو باب الصّدقات وساحة أرحب وهي ساحة الإنفاق مما يحبه الإنسان ويستبقيه لخاصة نفسه.
وهذا عليّ بن الحسين يتفاعل مع قوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران134] "قال عبد الرزاق: سكبت جارية لعلي بن الحسين عليه ماء ليتوضأ فسقط الأبريق من يدها على وجهه فشجه فرفع رأسه إليها فقالت الجارية: إن الله يقول والكاظمين الغيظ فقال: قد كظمت غيظي قالت: والعافين عن الناس فقال: عفا الله عنك، فقالت: والله يحب المحسنين، قال: أنت حرة لوجه الله تعالى".
وهذا عمر بن عبد العزيز يتفاعل مع قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف196] "قيل له وهو على فراش الموت: هؤلاء بنوك -وكانوا اثنى عشر- ألا توصي لهم بشيء فإنهم فقراء؟! فقال: إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، والله لا أعطيهم حقّ أحد، وهم بين رجلين: إما صالح فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح فما كنت لأعينه على فسقه، ولا أبالي في أيِّ واد هلك، ولا أدع له ما يستعين به على معصية الله فأكون شريكه فيما يعمل بعد الموت، ثم استدعى أولاده فودعهم وعزاهم بهذا وأوصاهم بهذا الكلام ثم قال: انصرفوا عصمكم الله وأحسن الخلافة عليكم.
قالوا: فلقد رأينا بعض أولاد عمر بن عبد العزيز يحمل على ثمانين فرسًا في سبيل الله وكان بعض أولاد سليمان بن عبد الملك مع كثرة ما ترك لهم من الأموال يتعاطى ويسأل من أولاد عمر بن عبد العزيز؛ لأن عمر وَكَلَ ولده إلى الله عز وجل وسليمان وغيره إنما يَكِلِوْنَ أولادهم إلى ما يَدَعُوْنَ لهم فيضيعون وتذهب أموالهم في شهوات أولادهم".
بآية واحدة تفاعل معها عمر بن عبد العزيز في حقّ أبنائه فعصمهم بإذن الله وضمن لهم خيري الدنيا والآخرة، ألا فليعلم المسلمون كيف تكون تربية الذرية؟ وكيف يكون الحرص على الأبناء من وجهة نظر الإسلام؟.
قالوا: فلقد رأينا بعض أولاد عمر بن عبد العزيز يحمل على ثمانين فرسًا في سبيل الله وكان بعض أولاد سليمان بن عبد الملك مع كثرة ما ترك لهم من الأموال يتعاطى ويسأل من أولاد عمر بن عبد العزيز؛ لأن عمر وَكَلَ ولده إلى الله عز وجل وسليمان وغيره إنما يَكِلِوْنَ أولادهم إلى ما يَدَعُوْنَ لهم فيضيعون وتذهب أموالهم في شهوات أولادهم".
بآية واحدة تفاعل معها عمر بن عبد العزيز في حقّ أبنائه فعصمهم بإذن الله وضمن لهم خيري الدنيا والآخرة، ألا فليعلم المسلمون كيف تكون تربية الذرية؟ وكيف يكون الحرص على الأبناء من وجهة نظر الإسلام؟.
وهذا عبد الملك بن مروان الذي بلغت فتوح الدولة الإسلامية في عهده أوجهَا، ينام على فراش الموت ويتفاعل مع قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} "قال أبو مسهر: قيل لعبد الملك في مرض موته كيف تجدك؟ فقال: أجدني كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام94] وقال: يا ليتني كنت قصارًا أعيش من عمل يدي فلما بلغ سعيد بن المسيب قوله قال: الحمد لله الذي جعلهم عند موتهم يفرون إلينا ولا نفر إليهم".
هذه هي الأجيال التي فتحت الدنيا بأسرها، كان الكتاب والسنة يسير في دمها، مخلوطًا بلحمها وشحمها.
المصدر: صيد الفوائد