ما هو الصلب و ما هي الترائب
لما كان من المعلوم بأن القرآن يفسر بعضه بعضا، فإن أول ما نعتمده في بحثنا هو كتاب الله نفسه. و لم تذكر كلمة الصلب إلا مرة أخرى واحدة ، و بصيغة الجمع، في قوله تعالى :
أما في الحديث الشريف المروي عن خاتم النبيي و أشرف الخلق و المرسلين محمد صلى الله عليه و سلم فقد ورد عنه أنه قال في وصفه للمشركين : " بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به "
و روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " إن الله خلق للجنة أهلا خلقها لهم، و هم في أصلاب آبائهم "
و هذه الأحاديث و غيرها تدل على أن الأصلاب هي نفسها مصدر للذرية " و ليس ما بينها و بين الترائب " و من غَيْر أن تدل هذه الأحاديث على توضيح أكثر لمعناها فيما قد وقعنا عليه منها
و أما كلمة الترائب فلم يرد ذكرها مرة أخرى في الكتاب العزيز
فلم يبق مناص من أن ننظر في أقوال علماء اللغة في ذلك ،
و أقوال المفسرين لكتاب الله العزيز،
ثم نُتبعها بآراء الباحثين من الأطباء ،
و من قبل أن نصل إلى ما نراه بتوفيق الله
لما كان من المعلوم بأن القرآن يفسر بعضه بعضا، فإن أول ما نعتمده في بحثنا هو كتاب الله نفسه. و لم تذكر كلمة الصلب إلا مرة أخرى واحدة ، و بصيغة الجمع، في قوله تعالى :
" ..... و حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم .... " النساء 23
و تقول المعاجم بأن الأصلاب هي جمع لكلمة الصلب، إلا أنني لم أجد لعالم أو باحث أنه قد وجد في آية الأصلاب مِعْوَاناً على فهم و تفسير آية الصلب و الترائب
أما في الحديث الشريف المروي عن خاتم النبيي و أشرف الخلق و المرسلين محمد صلى الله عليه و سلم فقد ورد عنه أنه قال في وصفه للمشركين : " بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به "
و روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : " إن الله خلق للجنة أهلا خلقها لهم، و هم في أصلاب آبائهم "
و هذه الأحاديث و غيرها تدل على أن الأصلاب هي نفسها مصدر للذرية " و ليس ما بينها و بين الترائب " و من غَيْر أن تدل هذه الأحاديث على توضيح أكثر لمعناها فيما قد وقعنا عليه منها
و أما كلمة الترائب فلم يرد ذكرها مرة أخرى في الكتاب العزيز
فلم يبق مناص من أن ننظر في أقوال علماء اللغة في ذلك ،
و أقوال المفسرين لكتاب الله العزيز،
ثم نُتبعها بآراء الباحثين من الأطباء ،
و من قبل أن نصل إلى ما نراه بتوفيق الله
آراء علماء اللغة :
في الصلب
القاموس المحيط للفيروزابادي :
" إنه عظم في الظهر ذو فقار من لَدُنّ الكاهل (1) إلى العَجْب ج أصلب و أصلاب "
لسان العرب المحيط لابن منظور :
عظم من لَدُن الكاهل إلى العجب ، و الجمع أصلب و أصلاب . الصُّلْب : الحسب
قال عدي بن زيد :
أجل إن الله قد فضلكم ** فوق ما أحكى بِصُلْبٍِ و إزار
متن اللغة للشيخ أحمد رضا :
الصُّلْب و الصُّلُب : عظم من لدن الكاهل إلى العجب
و الصلب : الحسب ، و قالوا هو عربي صليب ، أي خالص العروبة والنسب ، و امرأة صليبة : كريمة المنسب عريقة
المعجم الوسيط :
الصلب : فقار الظهر ، و يقال هو من صلب فلان : من ذريته ، و جمعها أصلاب
و الصلب أيضا الشديد القوي ، و كال مادة يثبت شكلها و حجمها في الأحوال العادية
و الصليب : كل ما كان شكل خطين متقاطعين
المنجد :
الصلب، جمعه أصلاب، عظم في الظهر ذو فقار يمتد من الكاهل إلى العجب أو أسفل الظهر (2) . و يقال عربي صليب أي خالص النسب ، و العجب هو أصل الذنب عند رأس العصعص (3)
و قالوا في الترائب :
القاموس المحيط :
الترائب واحدتها التريبة و هي عظام الصدر أو ما ولي الرقبة منه، أو ما بين الثديين و الترقوتين، أو أربع أضلاع من يمنة الصدر و أربع من يسرته، أو اليدان و الرجلان و العينان، أو موضع القلادة
الصحاح للجوهري :
الترائب عظام الصدر ما بين الترقوة إلى الثندوة (4)
مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي :
هي موضع القلادة من الصدر
زاد في المسير في علم التفسير لابن الجوزي : في الترائب ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه موضع القلادة
و الثاني : أنها اليدان و الرجلان و العينان
و الثالث : أنها أربعة أضلاع من يمنة الصدر، و أربعة أضلاع من يسرة الصدر
و روى الطبري عن الضحاك : الترائب اليدان و الرجلان
المعجم الوجيز :
هي عظام الصدر مما يلي الترقوتين ، و الواحدة تريبة ، و التريبة موضع القلادة
المنجد :
التريبة العظمة من الصدر أو أعلى الصدر
-----------------------------------------------
القاموس المحيط للفيروزابادي :
" إنه عظم في الظهر ذو فقار من لَدُنّ الكاهل (1) إلى العَجْب ج أصلب و أصلاب "
لسان العرب المحيط لابن منظور :
عظم من لَدُن الكاهل إلى العجب ، و الجمع أصلب و أصلاب . الصُّلْب : الحسب
قال عدي بن زيد :
أجل إن الله قد فضلكم ** فوق ما أحكى بِصُلْبٍِ و إزار
متن اللغة للشيخ أحمد رضا :
الصُّلْب و الصُّلُب : عظم من لدن الكاهل إلى العجب
و الصلب : الحسب ، و قالوا هو عربي صليب ، أي خالص العروبة والنسب ، و امرأة صليبة : كريمة المنسب عريقة
المعجم الوسيط :
الصلب : فقار الظهر ، و يقال هو من صلب فلان : من ذريته ، و جمعها أصلاب
و الصلب أيضا الشديد القوي ، و كال مادة يثبت شكلها و حجمها في الأحوال العادية
و الصليب : كل ما كان شكل خطين متقاطعين
المنجد :
الصلب، جمعه أصلاب، عظم في الظهر ذو فقار يمتد من الكاهل إلى العجب أو أسفل الظهر (2) . و يقال عربي صليب أي خالص النسب ، و العجب هو أصل الذنب عند رأس العصعص (3)
و قالوا في الترائب :
القاموس المحيط :
الترائب واحدتها التريبة و هي عظام الصدر أو ما ولي الرقبة منه، أو ما بين الثديين و الترقوتين، أو أربع أضلاع من يمنة الصدر و أربع من يسرته، أو اليدان و الرجلان و العينان، أو موضع القلادة
الصحاح للجوهري :
الترائب عظام الصدر ما بين الترقوة إلى الثندوة (4)
مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي :
هي موضع القلادة من الصدر
زاد في المسير في علم التفسير لابن الجوزي : في الترائب ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه موضع القلادة
و الثاني : أنها اليدان و الرجلان و العينان
و الثالث : أنها أربعة أضلاع من يمنة الصدر، و أربعة أضلاع من يسرة الصدر
و روى الطبري عن الضحاك : الترائب اليدان و الرجلان
المعجم الوجيز :
هي عظام الصدر مما يلي الترقوتين ، و الواحدة تريبة ، و التريبة موضع القلادة
المنجد :
التريبة العظمة من الصدر أو أعلى الصدر
-----------------------------------------------
(1)الكاهل في القاموس المحيط : هو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق، أي بعد العنق، و هو الثلث الأعلى وفيه ست فقر أو ما بين الكتفين "
و هو في المعجم الوجيز ،" ما بين كتفيه ، أو موصل العنق في الصلب "
و هو في المنجد : " أعلى الظهر مما يلي العنق"
و لقد ذهب الدكتور مأمون شقفة، في كتابه " القرار المكين "، إلى أن القاموس المحيط قد أخطأ في كلامه على عدد الفقرات، فقال : " وقوله و فيه ست فقر خطأ فهو لا شك يتكلم عن العمود الفقري الظهري-يقصد الصدري- و فيه اثنتا عشرة فقرة كما هو معلوم"
و نحن نذهب إلى ترجيح ماجاء به القاموس المحيط ، لأن المقصود بالكاهل، كما هو موضح في جميع المعاجم، هو النصف الأعلى من الفقرات الصدرية، و مجموعها 12 فقرة، و دليلنا في ذلك هو قولهم " أو ما بين الكتفين"، إذ من المعلوم أن الكتفين يقابلان القسم الأعلى من الفقرات الصدرية، لا الفقرات الصدرية جميعا
إن الغرض من التفصيل في هذا الكلام سوف يتضح للقارئ بعد ئذ
(2)لكني وجدت أن صاحب المنجد قد وضع رسما تحت عنوان" الصلب " جعل فيه كامل العمود الفقري مرادفا للصلب فقال : العمودالفقري أو الصلب، و هو تبسيط يناقض ما قد ورد في متن الكتاب
(3) لاحظ أن العجب ، و هو نفسه العَجُز ، يتكون من خمس فقرات ملتحمة، و هو أصل الذنب، لا الذنب نفسه. أما الآخير فإنه يتكون من عظم العصعص
(4) الثندوة للرجل : بمنزل الثدي للمرأة، أي أن الترائب لا تختص بالمرأة وحدهابل بالرجل أيضا
أقوال المفسرين :
قال الطبري في تفسيره :
"من بين الصلب " صلب الرجل (و الترائب ) ترائب المرأة، (و الترائب ) ما فوق الثديين ( موضع القلادة من الصدر )
و قال القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن
بأن الصلب هو الظهر ، لكنه نقل عن الحسن البصري بأن الماء يخرج من صلب الرجل و ترائبه و من صلب المرأة و ترائبها، و كذا قال الألوسي
و نقل القرطبي عن ابن جبير عن ابن عباس :
الترائب أربع أضلاع من كل جانب
و قال أيضا : و حكى الزجاج : أن الترائب أربع أضلاع من يمنة الصدر، و أربع أضلاع من يسرة الصدر
و عن ابن عباس
صلب الرجل و ترائب المرأة أصفر رقيق لا يكون الولد إلا منهما
و عنه قال : هذه الترائب، و وضع يده على صدره ، و عنه أيضا : هي ما بين الثديين
و سئل عكرمة عن الترائب فقال :
هذه و وضع يده على صدره بين ثدييه
و قال الحافظ ابن كثير في تفسير القرآن الكريم :
" خلق من ماء دافق " يعني المني يخرج دفقا من الرجل و من المرأة فيتولد منهما الولد بإذن الله عز و جل، و لهذا قال : " يخرج من بين الصلب والترائب " يعني صلب الرجل و ترائب المرأة و هي " صدرها "
و قال الحسن و روي عن قتادة :
يخرج من بين صلب كل واحد من الرجل و المرأة ، و ترائب كل منهما
و قال قتادة " يخرج من بين الصلب و الترائب " من صلبه و نَحْره (1)
و عن مجاهد :
الترائب ما بين المنكبين إلى الصدر ، و عنه أيضا الترائب أسفل من التراقي
و قال سفيان الثوري :
فوق الثديين
و عن الضحاك قال :
الترائب اليدان و الرِّجلان
و قال المديني :
إنه بلغه من قول الله يخرج من بين الصلب و الترائب قال هو عصارة القلب و منه يكون الولد
و في تفسير الشيخ محمد مصطفى المراغي (2) :
" و إذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشإ خصية الرجل و مبيض المرأة مايفسر لنا هذه الآيات التي حيرت الألباب . و يقول : فكل من الخصية و المبيض في بدء تكوينهما يجاور الكلى و يقع بين الصلب و الترائب أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريبا و مقابل أسفل الضلوع، و أن المبيض و الخصية يعتمدان على الأوعية و الأعصاب التي تتفرع من تلك المنطقة "
و قال الشيخ محمد جواد مغنية في تفسيره المبين :
الماء الدافق : النطفة ، و الصلب : كل عظم من الظهر فيه فقار، و المراد به هنا صلب الرجل ، و الترائب : موضع القلادة من الصدر ، و المراد بها هنا ترائب المرأة
أما الأستاذ الامام محمد عبده(3) فقد قال في تفسير الجزء " عم" :
كني بالصلب عن الرجل و بالترائب عن المرأة " و هو رأي قد رأيته في كتب الأقدمين
و أما الشيخ حسنين مخلوف (4) :
في تفسيره صفوة البيان لمعاني القرآن ، فقد قال : الصلب : الظهر ، و الترائب : جمع تريبة و هي ما بين الثديين، أو أطراف المرء: يداه و رجلاه و عيناه ، و هما كناية عن البدن كله
و الجملة صفة " ماء " أي يخرج هذا الماء الدافق من بين صلب كل واحد من الرجل و المرأة و ترائب كل منهما، أي أن أعضاء وقوى كل منهما تتعاون في تكوين ما هو مبدأ لتوالد الإنسان
و قال الدكتور مأمون شقفة في كتابه القرار المكين ، بعد أن جاء على ذكر بعض مما ذكرناه:
يتضح لنا أن المعنى الغالب للترائب أنها عظام الصدر و خاصة موضع القلادة من الصدر فإذا أضفنا إلى ذلك شرح مجاهد بأن الترائب أسفل من التراقي تبين لنا أن التراقي هي الأضلاع العلوية و الترقوتين (5) و أن الترائب هي الأضلاع السفلية و خاصة في مكان ارتكازها على عظم القص (6) و هذا هو موضع القلادة . إذا :
الصلب : هو العمود الفقري القطني و الحرقفتان من الخلف ..
و الترائب : هي الأضلاع السفلى و أسفل عظم القص
(6) لكن الأضلاع السفلية لا تستند أبدا على عظم القص، بل على نهايات الأضلاع التي تعلوها، كما أنها ليست موضعا للقلادة " المؤلف "
رأينا في المعنى اللغوي
لقد ذهب عامة المفسرين إلى أن كلمة الصلب التي أشار إليها الحَقُّ سبحانه مرادفة، بالمعنى الإصطلاحي، لكلمة الظهر، و لكن الاتفاق عام أيضا على أن معناها، لغة، هو جزء مخصوص منه، لا الظهر كله. و لو أراد تعالى الظهر كله لأشار إليه بهذا اللفظ . و يُزيدُكَ اطمئنانا إلى قولنا إشارتُه تعالى، مرة أخرى، إلى المعنى ذاتِه باللفظِ نفسه، في قوله:
" ......... و حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ...... " النساء 23
و أما كلمه الظهر و مشتقاتها فلقد وردت ما ينوف على الخمس عشرة مرة، و لو كان ما ذهبوا إليه صحيحا فلماذا جاء ذِكْرُ الظهر، في مرتين وحيدتين، بلفظ الصلب ؟ و لماذا قُرِنت معه الأضلاع بلفظ الترائب ؟
و لقد اتفق الجميع على أن المقصود بالترائب، ومفردها تَرِيبة، لغة، ليس هو كل الأضلاع، و إنما هي أضلاع مخصوصة. و لكنهم، عندما جاءوا إلى تفسيرها الاصطلاحي، في كلام الحق سبحانه، توقفوا على أنها الأضلاع على إطلاقها، و تناسوا، أو فاتهم معناها المخصوص
إذ لماذا ذكر سبحانه الأضلاع المخصوصة هذه، و المسماة بالترائب، و لم يذكر الأضلاع جميعا ؟ فلا بد من أن له تعالى في ذلك قصدا و هو ما سوف نتطرق إليه لاحقا
و أما رأينا في المعنى اللغوي لكلمتي الصلب و الترائب، من بعد مراجعة أقوال أعلام اللغة و الإسلام و الطب فهو كما يلي :
معلوم بأن العمود الفقري يتكون من 7 فقرات عنقية و 12 صدرية و 5 قطنية و 5 عجزية ملتحمة و 5 حُرْقُفِية (عصعصية) ضامرة
1- منظر خلفي
2- منظر جانبي
3- منظر أمامي
إن الصلب ليس، كما قد يتبادر إلى الذهن في النظرة الأولى، عظام الظهر كلها و على إطلاقها، و لنستذكر، مرة أخرى ما قاله القاموس المحيط من أن الصلب هو عظم من لدن الكاهل إلى العجب
إن كل ما قد سبق ذكره بوضوح إلى أن الصلب يبدأ من الكاهل الذي هو مُقَدّمُ أعلى الظهر مما يلي العنق . أي أن الفقرات العنقية ليست جزءا من الصلب . و أما نهايته فهي العجب ( العجز )
و عليه فيكون الصلب هو :
الفقرات الصدرية + القطنية + العجزية
أي ما يساوي 12+5+5 = 22 فقرة
و أما ما ذهب إليه الدكتور مأمون شقفة في استبعاده للفقرات الصدرية من تعريف الصلب فلا نرى له سندا في كل ما قد نقلناه
و أما الترائب، فليست فيما نراه، و إستنادا إلى المراجع التي قد ذكرنا، هي أضلاع الصدر على إطلاقها. و إنما هي، على التخصيص، و استنادا إلى المراجع نفسها، أربعة أضلاع من يمنة الصدر و أربعة من يسرته. فأي من الأضلاع هي ؟ هل هي الأضلاع الأربعة العليا، أم السفلى أم غيرها ؟
الجواب : هي في أعلى الصدر ( كما قد أشار إليه المنجد )، و يؤيد ذلك قولهم بأنها مما يلي الترقوتين (1) كما قد أشار إليه القاموس المحيط و مجاهد و المعجم الوجيز )
عظم الترقوة
و يؤيده أيضا قولهم بأنها موضع القلادة ( كما قد أشار إليه القاموس المحيط و ابن الجوزي و الطبري و مغنية و المنجد )، لأن القلادة لا تكون في أعلى الصدر .
كما يؤيده أيضا قولهم بأنها فوق الثديين ( كما قال الطبري و الثوري ) و قولهم بأنها ما بين الترقوة إلى الثندوة ( كما قال الجوهري)، إذا أنه من المعلوم، تشريحيا، في الطب أن الثُندُوَة أو حلمة الثدي تقع، عادة، بين الضلعين الرابع و الخامس
فهل قد بقي بعد ذلك من شك في أن الترائب، لغة، هي الأضلاع الأربعة العليا عن يمين و يسار ؟
ثم هل أن الضلع من هذه الأضلاع هو الضلع كله أم هو جزء منه ؟
إن التعابير التالية تدلنا على ذلك :
1- هي موضع القلادة
2- هي ما بين الترقوة و الثندوة من كل جهة
إذا فالترائب هي الجزء الأمامي الوسطي من الأضلاع الأربعة العليا عن يمين و يسار . أو هي اليدان و الرجلا على رأي البعض
و الصلب هو الفقرات الصدرية و القطنية و العجزية مجتمعة، و عددها 22 فقرة
نحن نرى بأنه لا بد من أن تصح المقدمات في البحث، أي بحث، حتى تأتي النتائج صحيحة، و كان لابد من أن نعمد، في شرح المعنى اللغوي للصلب و الترائب، إلى كل هذا التطويل، حتى لا نذهب في تفسيرها الاصطلاحي مذهبا خاطئا، و بذلك نكون مطمئنين فيما نحن مقدمون عليه من نبذ ما يصطدم بالمعنى اللغوي، واثقين في التفسير الاصطلاحي الصحيح، إن شاء الله تعالى
(1)الترقوتان هما عظم في أعلى الصدر عن كل من يمين و يسار . و أول ضلع يقع، تشريحيا، تحت الترقوة
جاء في المعجم الوجيز : الترقوة: عظمة مشرفة بين ثغرة النحر و العاتق ( ما بين المنكب و العنق ) و هما ترقوتان و جمعها تراق
و قال المنجد: الترقوة: العظم الذي في أعلى الصدر بين ثغرة الغر و العاتق
و من ذلك نرى بأن ما قد ذهب إليه الدكتور شقفة من " أن التراقي هي الأضلاع العلوية و الترقوتين " مجانب للصواب. و هو قد ذهب إلى ذلك، حتى يخلُص إلى القول بأن الترائب لأنها تقع " تحت التراقي" إنما هي الأضلاع السفلى لا العليا
و هو في المعجم الوجيز ،" ما بين كتفيه ، أو موصل العنق في الصلب "
و هو في المنجد : " أعلى الظهر مما يلي العنق"
و لقد ذهب الدكتور مأمون شقفة، في كتابه " القرار المكين "، إلى أن القاموس المحيط قد أخطأ في كلامه على عدد الفقرات، فقال : " وقوله و فيه ست فقر خطأ فهو لا شك يتكلم عن العمود الفقري الظهري-يقصد الصدري- و فيه اثنتا عشرة فقرة كما هو معلوم"
و نحن نذهب إلى ترجيح ماجاء به القاموس المحيط ، لأن المقصود بالكاهل، كما هو موضح في جميع المعاجم، هو النصف الأعلى من الفقرات الصدرية، و مجموعها 12 فقرة، و دليلنا في ذلك هو قولهم " أو ما بين الكتفين"، إذ من المعلوم أن الكتفين يقابلان القسم الأعلى من الفقرات الصدرية، لا الفقرات الصدرية جميعا
إن الغرض من التفصيل في هذا الكلام سوف يتضح للقارئ بعد ئذ
(2)لكني وجدت أن صاحب المنجد قد وضع رسما تحت عنوان" الصلب " جعل فيه كامل العمود الفقري مرادفا للصلب فقال : العمودالفقري أو الصلب، و هو تبسيط يناقض ما قد ورد في متن الكتاب
(3) لاحظ أن العجب ، و هو نفسه العَجُز ، يتكون من خمس فقرات ملتحمة، و هو أصل الذنب، لا الذنب نفسه. أما الآخير فإنه يتكون من عظم العصعص
(4) الثندوة للرجل : بمنزل الثدي للمرأة، أي أن الترائب لا تختص بالمرأة وحدهابل بالرجل أيضا
أقوال المفسرين :
قال الطبري في تفسيره :
"من بين الصلب " صلب الرجل (و الترائب ) ترائب المرأة، (و الترائب ) ما فوق الثديين ( موضع القلادة من الصدر )
و قال القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن
بأن الصلب هو الظهر ، لكنه نقل عن الحسن البصري بأن الماء يخرج من صلب الرجل و ترائبه و من صلب المرأة و ترائبها، و كذا قال الألوسي
و نقل القرطبي عن ابن جبير عن ابن عباس :
الترائب أربع أضلاع من كل جانب
و قال أيضا : و حكى الزجاج : أن الترائب أربع أضلاع من يمنة الصدر، و أربع أضلاع من يسرة الصدر
و عن ابن عباس
صلب الرجل و ترائب المرأة أصفر رقيق لا يكون الولد إلا منهما
و عنه قال : هذه الترائب، و وضع يده على صدره ، و عنه أيضا : هي ما بين الثديين
و سئل عكرمة عن الترائب فقال :
هذه و وضع يده على صدره بين ثدييه
و قال الحافظ ابن كثير في تفسير القرآن الكريم :
" خلق من ماء دافق " يعني المني يخرج دفقا من الرجل و من المرأة فيتولد منهما الولد بإذن الله عز و جل، و لهذا قال : " يخرج من بين الصلب والترائب " يعني صلب الرجل و ترائب المرأة و هي " صدرها "
و قال الحسن و روي عن قتادة :
يخرج من بين صلب كل واحد من الرجل و المرأة ، و ترائب كل منهما
و قال قتادة " يخرج من بين الصلب و الترائب " من صلبه و نَحْره (1)
و عن مجاهد :
الترائب ما بين المنكبين إلى الصدر ، و عنه أيضا الترائب أسفل من التراقي
و قال سفيان الثوري :
فوق الثديين
و عن الضحاك قال :
الترائب اليدان و الرِّجلان
و قال المديني :
إنه بلغه من قول الله يخرج من بين الصلب و الترائب قال هو عصارة القلب و منه يكون الولد
و في تفسير الشيخ محمد مصطفى المراغي (2) :
" و إذا رجعنا إلى علم الأجنة وجدنا في منشإ خصية الرجل و مبيض المرأة مايفسر لنا هذه الآيات التي حيرت الألباب . و يقول : فكل من الخصية و المبيض في بدء تكوينهما يجاور الكلى و يقع بين الصلب و الترائب أي ما بين منتصف العمود الفقري تقريبا و مقابل أسفل الضلوع، و أن المبيض و الخصية يعتمدان على الأوعية و الأعصاب التي تتفرع من تلك المنطقة "
و قال الشيخ محمد جواد مغنية في تفسيره المبين :
الماء الدافق : النطفة ، و الصلب : كل عظم من الظهر فيه فقار، و المراد به هنا صلب الرجل ، و الترائب : موضع القلادة من الصدر ، و المراد بها هنا ترائب المرأة
أما الأستاذ الامام محمد عبده(3) فقد قال في تفسير الجزء " عم" :
كني بالصلب عن الرجل و بالترائب عن المرأة " و هو رأي قد رأيته في كتب الأقدمين
و أما الشيخ حسنين مخلوف (4) :
في تفسيره صفوة البيان لمعاني القرآن ، فقد قال : الصلب : الظهر ، و الترائب : جمع تريبة و هي ما بين الثديين، أو أطراف المرء: يداه و رجلاه و عيناه ، و هما كناية عن البدن كله
و الجملة صفة " ماء " أي يخرج هذا الماء الدافق من بين صلب كل واحد من الرجل و المرأة و ترائب كل منهما، أي أن أعضاء وقوى كل منهما تتعاون في تكوين ما هو مبدأ لتوالد الإنسان
و قال الدكتور مأمون شقفة في كتابه القرار المكين ، بعد أن جاء على ذكر بعض مما ذكرناه:
يتضح لنا أن المعنى الغالب للترائب أنها عظام الصدر و خاصة موضع القلادة من الصدر فإذا أضفنا إلى ذلك شرح مجاهد بأن الترائب أسفل من التراقي تبين لنا أن التراقي هي الأضلاع العلوية و الترقوتين (5) و أن الترائب هي الأضلاع السفلية و خاصة في مكان ارتكازها على عظم القص (6) و هذا هو موضع القلادة . إذا :
الصلب : هو العمود الفقري القطني و الحرقفتان من الخلف ..
و الترائب : هي الأضلاع السفلى و أسفل عظم القص
--------------------------------------------------------
(1) النَّحْر : هو موضع الذبح
(2) شيخ الأزهر 1935 . و هذا القول المنقول هنا أصله من رد طويل للدكتور عبد الحميد العرابي على سؤال وجهه للشيخ المراغي إليه ، و تجده في الجزء 30 من ( تفسير المراغي) ، فهو إذا للعرّابي و ليس للمراغي
(3) مفتي الديار المصرية 1899
(4) مفتي الديار المصرية 1945
(5) كيف تكون التراقي هي " الترقوتان المعروفتان مضافا إليها أشياء أخرى هي الأضلاع العلوية " إن التراقي هي التراقي و حسب " المؤلف " (2) شيخ الأزهر 1935 . و هذا القول المنقول هنا أصله من رد طويل للدكتور عبد الحميد العرابي على سؤال وجهه للشيخ المراغي إليه ، و تجده في الجزء 30 من ( تفسير المراغي) ، فهو إذا للعرّابي و ليس للمراغي
(3) مفتي الديار المصرية 1899
(4) مفتي الديار المصرية 1945
(6) لكن الأضلاع السفلية لا تستند أبدا على عظم القص، بل على نهايات الأضلاع التي تعلوها، كما أنها ليست موضعا للقلادة " المؤلف "
رأينا في المعنى اللغوي
لقد ذهب عامة المفسرين إلى أن كلمة الصلب التي أشار إليها الحَقُّ سبحانه مرادفة، بالمعنى الإصطلاحي، لكلمة الظهر، و لكن الاتفاق عام أيضا على أن معناها، لغة، هو جزء مخصوص منه، لا الظهر كله. و لو أراد تعالى الظهر كله لأشار إليه بهذا اللفظ . و يُزيدُكَ اطمئنانا إلى قولنا إشارتُه تعالى، مرة أخرى، إلى المعنى ذاتِه باللفظِ نفسه، في قوله:
" ......... و حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ...... " النساء 23
و أما كلمه الظهر و مشتقاتها فلقد وردت ما ينوف على الخمس عشرة مرة، و لو كان ما ذهبوا إليه صحيحا فلماذا جاء ذِكْرُ الظهر، في مرتين وحيدتين، بلفظ الصلب ؟ و لماذا قُرِنت معه الأضلاع بلفظ الترائب ؟
و لقد اتفق الجميع على أن المقصود بالترائب، ومفردها تَرِيبة، لغة، ليس هو كل الأضلاع، و إنما هي أضلاع مخصوصة. و لكنهم، عندما جاءوا إلى تفسيرها الاصطلاحي، في كلام الحق سبحانه، توقفوا على أنها الأضلاع على إطلاقها، و تناسوا، أو فاتهم معناها المخصوص
إذ لماذا ذكر سبحانه الأضلاع المخصوصة هذه، و المسماة بالترائب، و لم يذكر الأضلاع جميعا ؟ فلا بد من أن له تعالى في ذلك قصدا و هو ما سوف نتطرق إليه لاحقا
و أما رأينا في المعنى اللغوي لكلمتي الصلب و الترائب، من بعد مراجعة أقوال أعلام اللغة و الإسلام و الطب فهو كما يلي :
معلوم بأن العمود الفقري يتكون من 7 فقرات عنقية و 12 صدرية و 5 قطنية و 5 عجزية ملتحمة و 5 حُرْقُفِية (عصعصية) ضامرة
1- منظر خلفي
2- منظر جانبي
3- منظر أمامي
إن الصلب ليس، كما قد يتبادر إلى الذهن في النظرة الأولى، عظام الظهر كلها و على إطلاقها، و لنستذكر، مرة أخرى ما قاله القاموس المحيط من أن الصلب هو عظم من لدن الكاهل إلى العجب
إن كل ما قد سبق ذكره بوضوح إلى أن الصلب يبدأ من الكاهل الذي هو مُقَدّمُ أعلى الظهر مما يلي العنق . أي أن الفقرات العنقية ليست جزءا من الصلب . و أما نهايته فهي العجب ( العجز )
و عليه فيكون الصلب هو :
الفقرات الصدرية + القطنية + العجزية
أي ما يساوي 12+5+5 = 22 فقرة
و أما ما ذهب إليه الدكتور مأمون شقفة في استبعاده للفقرات الصدرية من تعريف الصلب فلا نرى له سندا في كل ما قد نقلناه
و أما الترائب، فليست فيما نراه، و إستنادا إلى المراجع التي قد ذكرنا، هي أضلاع الصدر على إطلاقها. و إنما هي، على التخصيص، و استنادا إلى المراجع نفسها، أربعة أضلاع من يمنة الصدر و أربعة من يسرته. فأي من الأضلاع هي ؟ هل هي الأضلاع الأربعة العليا، أم السفلى أم غيرها ؟
الجواب : هي في أعلى الصدر ( كما قد أشار إليه المنجد )، و يؤيد ذلك قولهم بأنها مما يلي الترقوتين (1) كما قد أشار إليه القاموس المحيط و مجاهد و المعجم الوجيز )
عظم الترقوة
و يؤيده أيضا قولهم بأنها موضع القلادة ( كما قد أشار إليه القاموس المحيط و ابن الجوزي و الطبري و مغنية و المنجد )، لأن القلادة لا تكون في أعلى الصدر .
كما يؤيده أيضا قولهم بأنها فوق الثديين ( كما قال الطبري و الثوري ) و قولهم بأنها ما بين الترقوة إلى الثندوة ( كما قال الجوهري)، إذا أنه من المعلوم، تشريحيا، في الطب أن الثُندُوَة أو حلمة الثدي تقع، عادة، بين الضلعين الرابع و الخامس
فهل قد بقي بعد ذلك من شك في أن الترائب، لغة، هي الأضلاع الأربعة العليا عن يمين و يسار ؟
ثم هل أن الضلع من هذه الأضلاع هو الضلع كله أم هو جزء منه ؟
إن التعابير التالية تدلنا على ذلك :
1- هي موضع القلادة
2- هي ما بين الترقوة و الثندوة من كل جهة
إذا فالترائب هي الجزء الأمامي الوسطي من الأضلاع الأربعة العليا عن يمين و يسار . أو هي اليدان و الرجلا على رأي البعض
و الصلب هو الفقرات الصدرية و القطنية و العجزية مجتمعة، و عددها 22 فقرة
نحن نرى بأنه لا بد من أن تصح المقدمات في البحث، أي بحث، حتى تأتي النتائج صحيحة، و كان لابد من أن نعمد، في شرح المعنى اللغوي للصلب و الترائب، إلى كل هذا التطويل، حتى لا نذهب في تفسيرها الاصطلاحي مذهبا خاطئا، و بذلك نكون مطمئنين فيما نحن مقدمون عليه من نبذ ما يصطدم بالمعنى اللغوي، واثقين في التفسير الاصطلاحي الصحيح، إن شاء الله تعالى
انتهى هذا الجزء التتمة في موضوع مستقل ان شاء الله
--------------------------------------
(1)الترقوتان هما عظم في أعلى الصدر عن كل من يمين و يسار . و أول ضلع يقع، تشريحيا، تحت الترقوة
جاء في المعجم الوجيز : الترقوة: عظمة مشرفة بين ثغرة النحر و العاتق ( ما بين المنكب و العنق ) و هما ترقوتان و جمعها تراق
و قال المنجد: الترقوة: العظم الذي في أعلى الصدر بين ثغرة الغر و العاتق
و من ذلك نرى بأن ما قد ذهب إليه الدكتور شقفة من " أن التراقي هي الأضلاع العلوية و الترقوتين " مجانب للصواب. و هو قد ذهب إلى ذلك، حتى يخلُص إلى القول بأن الترائب لأنها تقع " تحت التراقي" إنما هي الأضلاع السفلى لا العليا
