- 22 يوليو 2008
- 16,039
- 146
- 63
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
-
بسم الله الرحمن الرحيم
الالتفات لغة:
العدول عن وجهة إلى وجهة أخرى،
وهو مأخوذ من التفات الإنسان عن يمينه وشماله، فهو يُقبل تارة كذا وتارة كذا.
أما اصطلاحاً فهو:
التعبير عن معنى بإحدى الطرق الثلاث: التكلم والخطاب والغَيْبَة، بعد التعبير
عن ذلك المعنى بطريق آخر، فقد يكون الالتفات من الغَيبة إلى الخطاب أو من الخطاب
إلى الغَيْبَة أو من الغَيبة إلى التكلم أو بالعكس.
والالتفات من الأساليب التي جاءت على سَنَن العرب في كلامهم. قال السيوطي:
ومن سَنَن العرب أن تخاطب الشاهد ثم تحوّل الخطاب إلى الغائب أو تخاطب
الغائب ثم تحوّله إلى الشاهد وهكذا..
ولا يكون ذلك إلا لفوائد، من ذلك أن الالتفات:
- صيانة للسامع من الضجر والملل؛ لأن النفوس مجبولة على حب الانتقال والتغيير
وهي تسأم من الاستمرار على منوال واحد.
- استرعاء للانتباه والاهتمام وجلب النشاط للسامع.
- إيقاظ للإصغاء بدلاً من إجراء الحديث على أسلوب واحد.
4- زيادة في التأكيد والمبالغة في الأخذ بالأحسن.
5- هو أدخل في القبول عند السامع.
من أهم صور الالتفات في القرآن الكريم:
أولاً: من التكلم إلى الخطاب كقوله تعالى: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:22]، والقياس: (وإليه أرجع).
ثانياً: من الخطاب إلى التكلم كقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود:90]، والقياس: (إن ربكم).
ثالثاً: من الغَيبة إلى الخطاب كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، ثم بعدها {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، بدلاً من (إيّاه).
رابعاً: من الخطاب إلى الغَيبة كقوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ الله لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:9]، والقياس (إن ربنا لا يُخلف).
ومن الالتفات أنواع أخرى كالعدول من الواحد إلى الاثنين نحو: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ} [يونس:78]، ومن المفرد إلى الجمع نحو: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:1].
ومنه العدول من الاثنين إلى الجمع نحو: {أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس:87]، والقياس: (واجعلا).
ومنه العدول من الاثنين إلى الواحد: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49].
ومن الالتفات ما يكون من فعل ماض إلى مضارع نحو: {أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً} [فاطر:9]، {خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} [الحج:31]، ومن الماضي إلى الأمر: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ} [الأعراف:29]، ومن المضارع إلى الماضي: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ} [النمل:87].
شرح لمثال الالتفات في سورة الفاتحة:
قال تعالى: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ فمقتضى السياق أن يقال: {إيّاه} بدلاً من (إيّاك)، فيلاحظ اختيار لفظ الغَيبة للحمد ولفظ الخطاب للعبادة، ففيه إشارة إلى أن الحمد دون العبادة فأنت تحمد صاحبك ولا تعبده، وهنا يُنسب إلى العظيم حال المخاطبة ما هو أعلى رُتبة تأدّباً فتقول {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛ لأن في الخطاب من التلطُّف على بلوغ المقصود ما لا يكون في لفظ الغيبة (إيّاه)، ثم في الخطاب بقولك (إيّاك) توطئة للدعاء بعدها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، لهذا فلفظ الخطاب هو الأنسب لذلك، بينما عند الحمد تقول: {الحَمْدُ لله} وليس (الحمد لك)؛ لأن الحمد معناه الثناء الكامل على الجميل والإفضال وهو أعمّ من الشكر، يقول الإمام الطبري: قال البعض: "الشكر ثناءٌ على الله بأفعاله وإنعامه، والحمد ثناء عليه بأوصافه، فقد يُمدح الإنسان بشجاعته أو علمه ولكنه لا يُشكر على ذلك بينما يُشكر إذا أعطى شيئاً أو أسدى معروفاً؛ فالشكر تخصيص للحمد، لهذا فإن كل شكر حمد وليس كل حمد شكراً، وكل حمد مدح وليس كل مدح حمداً".
والحمد نقيض الذم؛ فأنت تقول: حمدتُ الرجل أحمده حمداً فهو حميد ومحمود، والتحميد أبلغ من الحمد، والحمد أعمّ من الشكر، والمحمّد هو الذي كثرت خصاله المحمودة، وبذلك سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم محمداً.
والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
المرجع: الالتفات نحويّاً للدكتور شوكت درويش / من منشورات أمانة عمان 2008م.
الالتفات لغة:
العدول عن وجهة إلى وجهة أخرى،
وهو مأخوذ من التفات الإنسان عن يمينه وشماله، فهو يُقبل تارة كذا وتارة كذا.
أما اصطلاحاً فهو:
التعبير عن معنى بإحدى الطرق الثلاث: التكلم والخطاب والغَيْبَة، بعد التعبير
عن ذلك المعنى بطريق آخر، فقد يكون الالتفات من الغَيبة إلى الخطاب أو من الخطاب
إلى الغَيْبَة أو من الغَيبة إلى التكلم أو بالعكس.
والالتفات من الأساليب التي جاءت على سَنَن العرب في كلامهم. قال السيوطي:
ومن سَنَن العرب أن تخاطب الشاهد ثم تحوّل الخطاب إلى الغائب أو تخاطب
الغائب ثم تحوّله إلى الشاهد وهكذا..
ولا يكون ذلك إلا لفوائد، من ذلك أن الالتفات:
- صيانة للسامع من الضجر والملل؛ لأن النفوس مجبولة على حب الانتقال والتغيير
وهي تسأم من الاستمرار على منوال واحد.
- استرعاء للانتباه والاهتمام وجلب النشاط للسامع.
- إيقاظ للإصغاء بدلاً من إجراء الحديث على أسلوب واحد.
4- زيادة في التأكيد والمبالغة في الأخذ بالأحسن.
5- هو أدخل في القبول عند السامع.
من أهم صور الالتفات في القرآن الكريم:
أولاً: من التكلم إلى الخطاب كقوله تعالى: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:22]، والقياس: (وإليه أرجع).
ثانياً: من الخطاب إلى التكلم كقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود:90]، والقياس: (إن ربكم).
ثالثاً: من الغَيبة إلى الخطاب كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، ثم بعدها {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، بدلاً من (إيّاه).
رابعاً: من الخطاب إلى الغَيبة كقوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ الله لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:9]، والقياس (إن ربنا لا يُخلف).
ومن الالتفات أنواع أخرى كالعدول من الواحد إلى الاثنين نحو: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ} [يونس:78]، ومن المفرد إلى الجمع نحو: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:1].
ومنه العدول من الاثنين إلى الجمع نحو: {أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس:87]، والقياس: (واجعلا).
ومنه العدول من الاثنين إلى الواحد: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} [طه:49].
ومن الالتفات ما يكون من فعل ماض إلى مضارع نحو: {أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً} [فاطر:9]، {خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} [الحج:31]، ومن الماضي إلى الأمر: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ} [الأعراف:29]، ومن المضارع إلى الماضي: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ} [النمل:87].
شرح لمثال الالتفات في سورة الفاتحة:
قال تعالى: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ فمقتضى السياق أن يقال: {إيّاه} بدلاً من (إيّاك)، فيلاحظ اختيار لفظ الغَيبة للحمد ولفظ الخطاب للعبادة، ففيه إشارة إلى أن الحمد دون العبادة فأنت تحمد صاحبك ولا تعبده، وهنا يُنسب إلى العظيم حال المخاطبة ما هو أعلى رُتبة تأدّباً فتقول {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛ لأن في الخطاب من التلطُّف على بلوغ المقصود ما لا يكون في لفظ الغيبة (إيّاه)، ثم في الخطاب بقولك (إيّاك) توطئة للدعاء بعدها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، لهذا فلفظ الخطاب هو الأنسب لذلك، بينما عند الحمد تقول: {الحَمْدُ لله} وليس (الحمد لك)؛ لأن الحمد معناه الثناء الكامل على الجميل والإفضال وهو أعمّ من الشكر، يقول الإمام الطبري: قال البعض: "الشكر ثناءٌ على الله بأفعاله وإنعامه، والحمد ثناء عليه بأوصافه، فقد يُمدح الإنسان بشجاعته أو علمه ولكنه لا يُشكر على ذلك بينما يُشكر إذا أعطى شيئاً أو أسدى معروفاً؛ فالشكر تخصيص للحمد، لهذا فإن كل شكر حمد وليس كل حمد شكراً، وكل حمد مدح وليس كل مدح حمداً".
والحمد نقيض الذم؛ فأنت تقول: حمدتُ الرجل أحمده حمداً فهو حميد ومحمود، والتحميد أبلغ من الحمد، والحمد أعمّ من الشكر، والمحمّد هو الذي كثرت خصاله المحمودة، وبذلك سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم محمداً.
والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
المرجع: الالتفات نحويّاً للدكتور شوكت درويش / من منشورات أمانة عمان 2008م.