- 27 فبراير 2006
- 4,050
- 12
- 0
- الجنس
- ذكر
السفـــيـــنـــة...... اعتبر مع ابن القيّم.....
للدنيا و أهلها في اشتغالهم بنعيمها عن الآخرة, و ما يعقبهم من الحسرات: مثل قوم ركبوا سفينة, فانتهت بهم إلى جزيرة, فأمرهم الملاّح بالخروج لقضاء الحاجة, و حذّرهم الإبطاء, و خوّفهم مرور السفينة, فتفرّقوا في نواحي الجزيرة, فقضى بعضهم حاجته و بادر إلى السفينة, فصادف المكان خالياً, فأخذ أوسع الأماكن و ألينها و أوفقها لمراده.....
و وقف بعضهم في الجزيرة ينظر إلى أزهارها و أنوارها العجيبة, و يسمع نغمات طيورها, و يعجبه حسن أحجارها. ثم حدّثته نفسه بفوت السفينة و سرعة مرورها و خطر ذهابها فلم يصادف إلا مكاناً ضيّقاً فجلس فيه, و أكبّ بعضهم على تلك الحجارة المستحسنة و الأزهار الفائقة فجعل منها حمله, فلمّا جاء لم يجد في السفينة إلا مكاناً ضيقاً, فصار محموله ثقلاً عليه و وبالاً, و لم يقدر على نبذه, بل لم يجد من حمله بدّاً و لم يجد له في السفينة موضعاً فحمله على عنقه, و ندم على أخذه, فلم تنفعه الندامة, ثمّ ذبلت الأزهار, و تغيّرت رائحتها, و آذاه نتنها.
و تولّغ بعضهم في تلك الغياض, و نسي السفينة, و أبعد في نزهته, حتى أنّ الملاح نادى بالناس عند دفع السفينة فلم يبلغه صوته لانشغاله في حسن الأشجار, و هو على ذلك خائف من سبُع يخرج عليه, غير منفكّ من شوك يتشبّث في ثيابه و يدخل في قدميه, أو غصن يجرح بدنه, أو عوسج يخرق ثيابه, و يهتك عورته, أو صوت هائل يفزعه..
ثم من هؤلاء من لحق السفينة و لم يبق فيها موضع فمات على الساحل. و منهم من شغله لهوٌ فافترسته السباع و نهشته الحيّات. و منهم من تاهَ فهَامَ على وجهه حتى هلك.
فهذا مثال أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة, و نسيانهم موردهم و عاقبة أمرهم... و ما أقبح بالعاقل أن تغُرّه أحجار و نبات يصير هشيماً قد شغل باله و عوّقه عن نجاته و لم يصحبه...
للدنيا و أهلها في اشتغالهم بنعيمها عن الآخرة, و ما يعقبهم من الحسرات: مثل قوم ركبوا سفينة, فانتهت بهم إلى جزيرة, فأمرهم الملاّح بالخروج لقضاء الحاجة, و حذّرهم الإبطاء, و خوّفهم مرور السفينة, فتفرّقوا في نواحي الجزيرة, فقضى بعضهم حاجته و بادر إلى السفينة, فصادف المكان خالياً, فأخذ أوسع الأماكن و ألينها و أوفقها لمراده.....
و وقف بعضهم في الجزيرة ينظر إلى أزهارها و أنوارها العجيبة, و يسمع نغمات طيورها, و يعجبه حسن أحجارها. ثم حدّثته نفسه بفوت السفينة و سرعة مرورها و خطر ذهابها فلم يصادف إلا مكاناً ضيّقاً فجلس فيه, و أكبّ بعضهم على تلك الحجارة المستحسنة و الأزهار الفائقة فجعل منها حمله, فلمّا جاء لم يجد في السفينة إلا مكاناً ضيقاً, فصار محموله ثقلاً عليه و وبالاً, و لم يقدر على نبذه, بل لم يجد من حمله بدّاً و لم يجد له في السفينة موضعاً فحمله على عنقه, و ندم على أخذه, فلم تنفعه الندامة, ثمّ ذبلت الأزهار, و تغيّرت رائحتها, و آذاه نتنها.
و تولّغ بعضهم في تلك الغياض, و نسي السفينة, و أبعد في نزهته, حتى أنّ الملاح نادى بالناس عند دفع السفينة فلم يبلغه صوته لانشغاله في حسن الأشجار, و هو على ذلك خائف من سبُع يخرج عليه, غير منفكّ من شوك يتشبّث في ثيابه و يدخل في قدميه, أو غصن يجرح بدنه, أو عوسج يخرق ثيابه, و يهتك عورته, أو صوت هائل يفزعه..
ثم من هؤلاء من لحق السفينة و لم يبق فيها موضع فمات على الساحل. و منهم من شغله لهوٌ فافترسته السباع و نهشته الحيّات. و منهم من تاهَ فهَامَ على وجهه حتى هلك.
فهذا مثال أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة, و نسيانهم موردهم و عاقبة أمرهم... و ما أقبح بالعاقل أن تغُرّه أحجار و نبات يصير هشيماً قد شغل باله و عوّقه عن نجاته و لم يصحبه...
التعديل الأخير: