من جراءات الأدباء في جواب النبلاء

[الموجودة]

السلام عليكم ورحمة االله وبركاته​

​

من جراءات الأدباء في جواب النبلاء ​

​

1- معاوية بن أبي سفيان وشريك بن الأعور:​

​

قيل: إن شريك بن الأعور دخل على معاوية(1) وهو يختال في مشيته(2) فقال له معاوية: والله إنك لشريك وليس لله من شريك، وإنك لأعور، والصحيح خير(3) من الأعور، وإنك لدميم، والوسيم(4) خير من الدميم، ففيمَ سوّدك قومُكَ ؟(5) فقال شريك لمعاوية: والله إنك لمعاوية وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت فسميتْ معاوية، وإنك ابن حرب، والسِلم خير من الحرب، وإنك ابن صخر، والسهل خير من الصخر، وإنك ابن أمية، وما أُمية إلاّ أمَةً صفرتْ فسميتْ أميّة(6)، فكيف صرتَ أمير المؤمنين؟ فقال معاوية أقسمتُ عليك إلا ما خرجتَ عني 0 وخرج وهو يقول:​

ايشتمني معاوية ابـن حـربٍوسيفي صارمٌ ومعي لسانـي

وحولي من ذوي يزن ليـوثضراغمة تهش إلى الطعانِ(7)

يعير بالدمامـة مـن سفـاهٍوربات الحِجالِ من الفواني(8)

​

الحاشية:
====
(1)- شريم بن الأعور: ملك قبيلة، لأي بمعنى شيخ قبيلة في عصرنا الحالي 0 ومعاوية: الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، أول من أسس الخلافة الأموية في دمشق، وهو ابن أبي سفيان من سادات قريش في العصر الجاهلي 0
(2)- يختال في مشيته: يمشى مشية المتكبر المعجب بنفسه 0
(3)- خير: أخير 0 أي أفضل 0 3
(4)- الدميم: قبيح المنظر 0 الوسيم: الحسن الوجه 0
(5)- ففيمَ سوّدك قومك ؟: لأي سببٍ جعلك قومك سيّداً عليهم ؟ 0
(6)- أُميّة: جويرية 0 تصغير أمَة وجارية 0
(7)- ضراغمة: أسود أي شجعان يشبهون في شجاعتهم الأسود 0
(8)- يعير بالدمامة: يعيب بقبح المنظر، أي يعدّ قبح منظري عيب في، وهو ليس عيب 0 ربات الحجال: صاحبات الحجول، كناية عن الفتيات الوسيمات 0 من الفواني: من الذين لا يعرف ممن هم 0 والمعنى: الرجال مخابر ليس مناظر، والجمال ما يغني عن من لا أصل له 0 ​

​

2- الأمير الحاكم من الرشيد والشاعرة المرهوصة العتيبة:​

​

يروى إن الأمير الحاكم من أسرة الرشيد، عند ما بلغه ما قالت الشاعرة المرهوصة العتيبة في قصيدتها التي تفدي بها عشيرها جميع الناس، وخاصةً الفرسان الشجعان المهابين، والشيوخ بالذات منهم، وكافة الناس من بدوٍ وحضرٍ، وحتى الحاكم أبن رشيد، الذي انتزع الحكم، وهيمن عليه، بنفوذه، وقدراته التي لا تضاهى، وهو قولها:​

يفدى عشيري كل برقاء على روقواللي بعيـد الـدار واللـي هنيـا

ويفداه من يركب على الخيل بعروقمع خيل ابن هندي وخيـل المحيـا

ويفداه ما نجنج من الحضر بالسوقوابن رشيد اللي على الحكم عيا(1)

​

عند ما سمع ابن رشيد هذه الأبيات بعد أن نُقلت إليها طلب حضور الشاعرة المرهوصة إليه بحائل، فأتت إليه، فلما قدمت على مجلسه، قيل له له: ها هي الشاعرة المرهوصة أتت إليك كما طلبت يا طويل العمر، فقال لها: حيا الله قعادة على شاربها 0 فقالت: الله يسلّمك يا اللي شاربك طالعاً من شاربها 0
فأحسن وفادتها إليه، وتركها تعود إلى أهلها معززة مكرمة0​

(1)- وابن رشيد اللي على الحكم عيا: احتمال كبير أن يكون المقصود بذلك هو الأمير محمد بن عبد الله بن رشيد، لأنه أول من حكم نجد، سنة 1302 هـ0 ​

​

3- ابن رشيد والفارس شليويح العطاوي العتيبي:​

​

كذلك قال الشيخ الفارس المعروف شليويح العطاوي:​

وابن رشد الشمري فـدوةٍ لـهويفداه من لبس العبي والخزاري

الطيب يسمح لي ثمانيـن زلـهواللاش ماني عن زراويه داري

​

قال هذين لبيتين وقبلهما بيت لا أحفظه كامل، وإنما منه يفدى عشري من عظامه تقله 00الخ، فلما أوصلت هذه القصيدة إلى ابن رشيد رد عليه بقصيدةٍ على نفس القافية، منها قوله:​

يا رايـحٍ نيـة شليويـح قلـهتراه بوجهي عن جميع الزواري

والله ما ألومه لو فداني بخلـهلحيث جارٍ لي من الحب جاري

قبله حسين الدل روحي يسلـهسل السلوك بمبهمات الأبـاري

​

​

4- الأمير عبيد العلي الرشيد وابن حطاب:​

​

يروى إن ابن حطاب أمير الجوف السابق أتى يستأذن للدخول على أمير الجوف الحالي وقت ذلك، فقيل للأمير عبيد بن علي بن رشيد أمير الجوف: ابن حطاب يستأذت للدخول إليك، فقال عبيد معتقداً أن ابن حطاب لا يسمعه: خله يدخل الله يلعن حطاب الأقصى 0
فدخل ابن حطاب على المير عبيد الرشيد، وهو يقول:​

يا لاعنٍ حطاب يلعن أبوك أنتيلعن أبوك وصيرة العمر فاني

​

فلم يؤثر ذلك القول على الأمير عبيد الرشيد، لأن الحديث النبوي الشريف يقول: " إذا تسابا المتسابان، فالبادي أظلم، مهما بلغ الأمر "، وعبيد هو البادي بالسب أي اللعن 0​

​

5- وطبان الدويش وزيد بن بحير:​

​

يروى أن للبراعصة من مطير صانعٌ يحذي الخيل، يدعى زيد بن بحير، وكان فارساً ورجلاً يحسب له كل حساب، وذات مرّةً فك زيد بن بحير حديدَ حصانِ وطبانِ الدويش بطريقته الخاصة، وشباه فرساً له، معتقداً أن لا أحد يراه، ولكنه رُرئي فبلغ بما فعله بحصانِ وطبانِ وطبانَ نفسه، فلما حضر ابن بحير برفقة شيوخ البراعصة وهم السورة، ذات يومٍ إلى وليمة غداء عند الدويش الشيخ آنذاك، وكان وطبان الدويش الآخر موجوداً في المجلس ضمن الحضور، فقال وطبان:​

يا ابا القنص حطيت بالصـدر لنّـهخلْ الخياله صنع ابوك الزنانيح(1)

ابـوك دايـم فـوق عيـرٍ وشنّـهجرّة حميره للمضبّه مشاويـح(2)

جـرّة حميـره كـل مقـرٍ وطنّـهيرفا جنوبه بالحصى والصلافيح (3)

​

​

فرد عليه زيد بن بحير قائلاً:​

​

حطيتهـا مـن شـان خلفاتهنّـهشعلٍ ترايع يم حس المصاليـح(4)

افك عليهـا فاطـرٍ لـي مضنّـهلا عطّفوها نطحت خشمها الريح(5)

أركب عليها وألحـق العـود فنّـهإن كان هجو عاشقين الطماميح(6)

والطيب أخذته غصب من غير منّهوالأصل ما ينفع على خامد الريـح

​

فيروى إن وطبان الدويش قال: تعقب 0 قال ابن بحير: يعقب اللي ما يقول الصحيح، فقال الدويش: قم انقلع، فقام، فقاموا معه البراعصة، وجلوا إلى قبيلة قحطان، حفاظاً على كرامة جارهم، وصانعهم، ابن بحير، فندم وطبان الدويش على ما بدر منه، فاسترضاهم، فعادوا 0
الحاشية:
=====
(1)- أبا القنص: كنية الصلبي، بمعنى يا كثير القنص، ويعني بها هنا يا الصانع هافي الأصل 0 لنّة: حكة في الصدر، أي شك، ووسواس، ويوضح معنى اللنة أي الحكة في الصدر الحديث الشريف: " والإثم ما حَكَّ في صدرك، وخشيت أن يطلع عليه الناس "، والحديث " وإياكم والحَكَاكَات فإنّها المآثم " أي احذروا فعل الشكوك، والوساوس، فإنها آثام، والمآثم أو الآثام: جمع الإثم، وهو فعل ما لا يحل فعله، ومن معاني الإثم الخطيئة جمع الخطايا 0 الزنانيح: الحديد 0
(2)- عير وشنة: حمار ذكر، وعليه قربة ماء بالية قديمة 0 للمضبة: إلى مكان وجود الضبان بكثرة0 مشاويح: مساريع0
(3)- مقر: آبار مياه صغيرة متجاورة متقاربة 0
(4)- حطيتها من شأن خلفاتهنه: فعلت ذلك من أجل تلد فرسي حصاناً أو فرساً فأحمي عليه خلفات إبلي0 أي وضعت اللنّة في صدرك، من أجل خلفات إبلي مثلما لك، ولغيرك إبل، تعدون العدّة للدفاع عنها، وأنا كما يعرف الجميع رجلٌ فارسٌ شجاع، مثله مثل غيره 0





(5)- مضنّة: نفيسة جديرة بأن يضن بها،أي يبخل بها0 لاعطّفوها: إذا درروها ليحلبوها في واجبات الضيافة أو غيرها 0
(6)- أركب عليها وألحق العود فنّه:أي من عادتي أنني أركب على فرسي التي شبيتها حصانك أو أركب على انتاجها من حصانك وأفعل ما كنت أفعله في الماضي وهو أنني أفتك لإبلي عليها أي اهزم الغزو إذا هجموا عليها0 ألحق العود فنّه: أفعل بالرمح الذي هو عودٌ طويل وفي رأسه حربه كما يجب عليّ وعلى غيري أن أفعل به عند اللزوم للفعل به0
​

والملاحظ في هذه الجُرأة الأدبيّة الحسنة إن ابن بحير قد أُلهم حكمةً بالغةً وضعها في بيتٍ شعري صالحٍ أن يضرب مثلاً دائماً وأبداً، وهو قوله:





​

والطيب أخذته غصب من غير منّهوالأصل ما ينفع على خامد الريح

​

ويشهد لذلك قول الشاعر الشعبي:​

المراجل مـا تسـوا هالسويـاكود من عض النواجذ في سنونه

​

أي الطيب لا يحصل لمن لا يجتهد في السعي للحصول على، ومتى أجتهد المرء بفعل ما يحمد، ويشكر عليه، وتروّى في معرفة كيف يدرك مكارم الأخلاق، والمحامد، والخصال الحميدة، استطاع أن يعرف كيف ينالها، كذلك يشهد له بالشجاعة الأدبية قول الشاعر العربي:​

رتب الشجاعة في الرجال جلائلوأجلـهـا شـجـاعـة الآراءِ

​

ويقول الآخر: ​

يرى الجبناء أن العجز عقلٌوتلك خديعة الطبـع اللئيـمِ

وكلُّ شجاعةٍ في المرءِ تُغنيولا مثل الشجاعة في الحكيمِ

وكم من عائبٍ قولٍ صحيحاًوآفته من الفهـم السقيـمِ

​

 

[ابنةُ اليمِّ]

رد: من جراءات الأدباء في جواب النبلاء

جزاكِ الله خيرًا أختي الموجودة على هذا الموضوع الثري

 

[الموجودة]

رد: من جراءات الأدباء في جواب النبلاء

جزاكِ الله خيرًا أختي الموجودة على هذا الموضوع الثري

هلا غاليتي
جزاااااااك الله خيرا على هذه الاطلالة الطيبة
لاحرمني الله منك ​

 

[شذى الروح]

رد: من جراءات الأدباء في جواب النبلاء

جزاك الله خير ،،

 

[أبـو حـسـن]

رد: من جراءات الأدباء في جواب النبلاء

مشكورين ويعطيكم العافية

 

[ابو العزام]

رد: من جراءات الأدباء في جواب النبلاء

بارك الله فيك أختي الكريمة ..

 

[الموجودة]

رد: من جراءات الأدباء في جواب النبلاء

أسعدني ردكم
شاكرة لكم مروركم الطيب
حفظكم الرحمن ورعاكم ​