- 22 مارس 2007
- 37
- 0
- 0
- الجنس
- ذكر
[align=center](بسم الل) [/align]
:
:
[align=center]الناقد الإسلامي وتحقيب تاريخ الأدب[/align]
[align=left]الأستاذ عبد الرزاق المساوي
الدار البيضاء - المغرب[/align]
تحقيب تاريخ الأدب:
[align=justify]بسط تاريخي:[/align]
[align=justify] نلحظ أن مجموعة من الأدباء المؤرخين والباحثين، ولفيفا من الدارسين والنقدة المتمرسين قد اهتموا بالأدب وتاريخه أيما اهتمام.. وخصصوا له عدة مؤلفات وكتب، كل حسب منهجه في البحث، وطريقته في الدرس والتفكير.. ولإتمام عملهم هذا وتسهيلا لمهمتهم فيه وتيسيرا لفهم الأدب وتفهمه ثم تقديمه مادة دسمة وأكلة فكرية / أدبية طازجة لبني قومهم وجلدتهم.. حاولوا تقسيم حياة هذا الأدب إلى عصور وحقب أطلقوا عليها تسميات أو مصطلحات حددوها بفترات زمنية أو فنية معينة، وقسموها عصورا أدبية.. والتحديدات الزمنية والتسميات المختارة لها قد تعاورتها كتب التاريخ العام وتاريخ الأدب على الخصوص.. وليس هذا الأخير إلا من ذاك الأول..
وأشهر هذه التقسيمات وأكثرها رواجا تلك التي تنبني على مسميات ارتبطت أصلا بالعشائر الحاكمة، بالبلاطات وأصحابها، بتلك الدول التي تعاقبت عبر تاريخنا، كالعصر الأموي والأعصر العباسية وعصر الإمارات.. أو على مفاهيم أحدثها إسلام فانتشرت في البقاع، ولم يجد أحد فكاكا منها، على الرغم من الموقف العدائي ضدها عند بعضهم كتسمية ما قبل الإسلام بالفترة الجاهلية أو العصر الجاهلي..
هذا ما نجد في كثير من كتب تاريخ الأدب العام، كما عند أحمد حسن الزيات وشوقي ضيف وغيرهما، مع اختلافات طفيفة أحيانا في تسمية بعض الفترات التاريخية، أو تحديد الإطار الزمني لها أحيانا أخرى.. والعصور التي اشتهرت في تقسيم تاريخ الأدب هي:
1* العصر الجاهلي: ويتحدد زمنيا بما قبل الإسلام بنحو مائة وخمسين سنة أو أكثر حسب المؤرخين..
2* العصر الإسلامي: وقد قسموه إلى فترتين زمنيتين اثنتين:
أ+ تبدأ الأولى بظهور الإسلام وتختتم بانقضاء الخلافة مع الإمام علي كرم الله وجهه حوالي سنة 40 هجرية..
ب+ وتنطلق الثانية من تولي بني أمية الحكم ابتداء من السنة 41 للهجرة تقريبا إلى قيام الدولة العباسية سنة 131 هجرية..
3* العصر العباسي: ويبتدئ انطلاقا من استيلاء بني العباس على الحكم سنة 132 هجرية وينتهي بهجوم المغول على بغداد وسقوطها سنة 656 هجرية.. وقد قسم بعضهم هذه العصر إلى فترات أسموها العصر العباسي الأول والثاني ..إلخ.
4* العصر الحديث: وجعلوه يبتدئ بقيام دولة محمد علي بمصر إلى وقتنا الحاضر وقسموه بدوره إلى حديث ومعاصر..
ومن بين الباحثين من جعل ضمن هذه التقسيمات المذكورة عصورا أخرى كعصر الانحطاط والعصر التركي.. إلى غير ذلك من التسميات والتحقيبات التي تعين الدارس على البحث العلمي في تاريخ الأدب.. وتيسر له مهمة إصدار هذا الأدب إلى المتلقي في أبهى صورة، وأخف ظل..
ولا بأس هنا من الإشارة إلى إحدى التقسيمات الاستشراقية لتاريخ هذا الأدب، فقد قسم "كارل بروكلمان" على سبيل المثال تاريخ الأدب العربي إلى مرحلتين زمنيتين، كل مرحلة قسمها بدورها إلى مراحل تاريخية.. يقول(5): "ومن هنا نقسم نحن الأدب العربي إلى مرحلتين أساسيتين:
1/ أدب الأمة العربية من أوليته إلى سقوط الأمويين سنة 132 هـ / 750 م وتنقسم هذه المرحلة إلى الأقسام التالية:
· الأدب العربي إلى ظهور الإسلام..
· محمد (ص) وعصره..
· عصر الدولة الأموية..
2/ الأدب الإسلامي باللغة العربية {....} نقسم تاريخ الأدب الإسلامي إلى خمسة أعصر:
· عصر ازدهار الأدب في عهد العباسيين بالعراق منذ حوالي 750م إلى سنة 1000م تقريبا..
· عصر الازدهار المتأخر للأدب منذ 1000م تقريبا إلى سقوط بغداد على يد هولاكو سنة 1258م..
· عصر الأدب العربي منذ سيادة المغول إلى فتح مصر على يد السلطان سليم 1517م..
· عصر الأدب العربي من سنة 1517م حتى أواسط القرن 19..
· الأدب العربي الحديث..
كما تجدر الإشارة إلى قضية جد مهمة ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه التقسيمات والتسميات، وهي أن هذه التقسيمات بمفاهيمها كان لها أثر واضح عند أصحابها في دراستهم لهذا الأدب لأنها ارتبطت عندهم بفلسفة تعتمد السياسة والاجتماع أساسا في البحث الأدبي، يقول أحمد حسن الزيات: "آثرنا أن نجاري كثرة كتابنا في تقسيم تاريخ أدبنا إلى خمسة أعصر على حسب ما نال الأمم العربية والإسلامية من التقلبات السياسية والاجتماعية.."(6)[/align]
طرح نقدي:
[align=justify] إلا أن هذه النظرة - والتي أطلق عليها اسم "النظرة المدرسية" - التي تقيم درس الأدب العربي على قسمة العصور قسمة تاريخية(7) تعرضت لكثير من الانتقادات والمعارضات التي تتبنى الوجهة التاريخية، والهجمات والحملات الأدبية من طرف ثلة من النقاد والأدباء المحدثين.. يقول طه حسين(8) – وقد أصيب الرجل حينا من الدهر بعقدة النقد والنقض -: "ونحن لا نحب هذه الطريقة ولا نريد أن نسلكها..." ويقول الدكتور شكري فيصل الذي أفرد فصلا مهما في كتابه: "مناهج الدراسة الأدبية" لعرض ونقد هذه النظرية المدرسية كما يسميها (9): "يبدو أن النظرية المدرسية لا تحقق المنهج السليم في الدراسة الأدبية: لا تحققه في نفسها ولا تحققه فيما يكون عنها من تفرعاتها أو إيحاءاتها..". أما الأستاذ أنور الجندي رحمه الله فيؤكد: "أن تقسيم الأدب إلى عصور : أموي وعباسي وغيرهما هو تقسيم أجنبي ظالم، فضلا عن وصف عصري الممالك والدولة العثمانية باسم (عصر الانحطاط) بينما هذا العصر عصارة ثمرات تطور الأدب العربي والفكر الإسلامي مما يجعله خليقا بأن يسمى عصر الموسوعات." (10).
وعندما نقد المحدثون النظرية المدرسية لم يكتفوا بالنقد فقط بل حاول بعضهم أن يطرح البديل الذي يراه مناسبا والعوض الذي يجده أفضل من غيره أو مما هو موجود بحدة في ساحة الأدب من هذه التقسيمات التي اعتمدت تحقيب الأدب على الشكل الذي سبق ذكره.. ونجد في هذا المضمار عدة محاولات منها على سبيل المثال محاولة الدكتور نجيب محمد البهبيتي الذي يقترح وبإلحاح تسميات وتقسيمات وتحقيبات يرى أنها أقرب للدلالة على المراد من تاريخ الشعر العربي - الذي هو جزء من تاريخ الأدب - في زعمه، لذلك نجده يقترح العصر الفني بدل العصر الجاهلي، والعصر العاطفي عوض الإسلامي بشقيه، والعصر العقلي مكان العصر العباسي، يقول البهبيتي في مقدمة الطبعة الأولى من كتابه إنه (11): " قد قسم أقساما جعل كل منها لعصر من عصور تاريخ هذا الشعر. فقسم منه لشعر "العصر الفني" أو الجاهلي، وقسم منه لشعر "العصر العاطفي" وهو العصر الأول من عصر الشعر الجديد، وقسم منه لشعر "العصر العقلي" وهو الثاني من عصري ذلك الجديد" ونجد كذلك أحمد أمين قد خط لنفسه طريقا أخرى في التقسيم والتسمية على العموم.. إذ خص كتابه "فجر الإسلام" مثلا للدولة الأموية مع صدر الإسلام.. وكتابه "ضحى الإسلام" للمائة الأولى من العصر العباسي.. وكتابه "ظهر الإسلام" إلى آخر القرن الرابع الهجري.. وينسب أيضا إلى المفكر الجزائري ذي الثقافة الغربية - والفرنسية منها على الخصوص – محمد أركون تقسيمات وتسميات أخر تعتمد على المنهج المعرفي (الإبستيمولوجي حسب ادعائه) والتي تميز بشكل عام بين خمس فترات أساس هي: "فترة العصر الافتتاحي أو التجربة التأسيسية، ثم الفترة الكلاسيكية، ثم العصر السكولاستيكي الأرثدوكسي، ثم عصر النهضة، ثم مرحلة الثورة"(12)…
وهناك محاولات عديدة في هذا الباب منها ما لم يكتب له الشيوع ولم يجد له من القوم سندا، ومنها ما لم تتضح معالمه بجلاء كتلك التي تعتمد على الفكر الماركسي في تحقيبه للتاريخ..
وبعيدا عن كل تشنج فكري أو تعنت أدبي وثقافي أو تعصب غير مضبوط بضوابط الشرع والعقل نناقش النظرية المدرسية من وجهة نظر إسلامية ونفككها ونعيد تركيبها ونضبط إوالياتها من خلال مصطلحاتها التي استعملتها وتقسيماتها التي اختارتها ومنهجها الذي اتبعته في كتابتها لتاريخ أدبنا العربي والإسلامي.. فالحق والحق أقول ليس كل ما يناقش يعاب عليه وليس ما أثبت ضعفه أو عجزه يترك وليس كل رأي خطأ، وليس كل فكرة مظلمة.. فنحن نعمل في إطار المنهج الرباني الذي يوضح أن "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها" (الترمذي وابن ماجة).. ولذلك فإن النظرية المدرسية ليست شرا كل الشر كما أنها ليست خيرا كل الخير، أو أن منهجها غير صالح بتاتا، بل إن لها مسوغات يمكن قبولها إلى حد ما إذا ما نظرنا إلى الظروف والأحوال الحياتية التي أحاطت بالعالم الإسلامي في فترة من فتراته جعلت أدباءه ومؤرخيه ينهجون هذا المنهج ويختارونه ويستعينون بتلك التقسيمات، وإن كنا لا نعذرهم على كل حال..
والآن نعود لنقول بأن لنا أولا وقبل كل شيء موقفا من المصطلحات / التسميات والتقسيمات سنوضحه فيما بعد إن شاء الله تعالى.. أما بالنسبة لتأثير السياسة والمجتمع على الأدب، أي بالنسبة لمنهج هذه النظرية ففيه شيء من التجوز، إذ لا يمكن ربط الأدبي بالسياسي والاجتماعي فحسب إذ لا يعقل أن نجعل من نشاط إنساني متكامل يحمل كثيرا من القضايا الإنسانية ويعبر عن عديد من الهموم الكونية ويتأثر بكل أشكال الحياة في هذا الوجود العريض ثم نربط هذا النشاط الحيوي بكل حمولته بعنصرين اثنين فقط دون باقي العناصر المكونة لدائرة الحياة ومقوماتها، فهناك مؤثرات عديدة أخرى تفعل في النتاج الأدبي بنسب متفاوتة حسب قرب المبدع والإبداع أو بعدهما من هذه المؤثرات جميعها أو بعضها، كما لا يجوز أن يصبح ربط السياسي والاجتماعي وغيرهما من المكونات الحياتية بالأدبي ربطا آليا (ميكانيكيا) ينسى أو يتناسى الحياة بما فيها وما لها من آثار على الظاهرة الأدبية ذاتها أو يبعد ويقصي الجانب النفسي والشخصي والتكويني للأديب المبدع نفسه الذي يمكن أن يكون فوق الواقع السياسي أو الاجتماعي وغيرهما أثناء الإبداع تحت طائلة المعتقد، أو يغفل أو يتجاهل خصوصيات الأدب ككائن حي يستقل بذاته أحيانا، فيستعصي حتى على الأديب نفسه الذي قد يكون وقع لإبداعه في فترة مخاض قد تكون طويلة وقد تكون عسيرة وفي الأخير وبعد الولادة يعق ذاك الأدب أديبه فلا يسلم له قياده ولا يكشف له عن جماليته ولا عن بلاغة صوره التي قد يكتشفها آخر غريب عنه أديبا مبدعا كان أو ناقدا أو باحثا أو دارسا أو مؤرخا.. كما أن هذا الأدب قد يستعلي على التداول التاريخي والتغيير الاجتماعي والتقلب السياسي إلى حد ما أحيانا أخرى ليرسم صورا محض أدبية وفنية.. يقول طه حسين: "لست من الذين يحبون أن يؤرخوا الآداب بالأحداث السياسية، لأني أشك في استقامة هذا النوع من التاريخ، لكن بعض الأحداث التي تصيب حياة الأمم السياسية قد تكون دليلا، وقد تميز بعض الظروف الأدبية، فليس هناك بأس أن نعتمد على بعض الحوادث السياسية أحيانا، لا على أنها تؤرخ تطور الحياة الأدبية بل كدليل على بعض الوجود والأنحاء لهذا التطور.."(13)... فالأدب الذي عاش مثلا –أو ترعرع ونما مبدعه- في حضن (الدولة الأموية) لا يعني أبدا أنه قام مع قيا مها و ظهر بوجودها و اندحر أو انقرض مع قيام (الدولة العباسية), كما لا يعني أنه ا ستمر على وتيرة واحدة ونهج واحد لم يحد عنهما طيلة السنوات الممتدة مثلا بين سنتي 41ه و 656ه . كما أنه لم يعش حياة ذل و خنوع تتحكم في رقبته الأحداث السياسية و تلوي عنقه ا لقضايا الاجتماعية فيدور حيت دارت, ويمشي حيت مشت أو يحط حيث رسمت له, لا لشيء إلا لأن الأدب أولا كائن حي منفعل ومتفاعل ومن طبيعته أنه يسير في حركات (حلزونية) غير ثابتة ولا مستقرة على خط واحد مستقيم.. ولكونه ثانيا يحمل في ذاته شروط التغير و التطور والتحول المستمر لتركيبه الخاص.. و لكونه قبل هذا و ذاك يصدر عن إنسان حي عاقل عاطفي وجداني سلوكي يتفاعل مع الحياة برمتها فيتأثر و يؤثر, ويفعل و ينفعل, وارتباط الأدب بالإنسان هو ارتباط بالحياة بكل ما تحمله من معان و دلالات وممارسات.. فالحياة ليست سياسة فقط بل هي أكبر من ذلك, إنها الحياة كما نعيشها بكل مستوياتها وبكل مقوماتها وبجميع غاياتها وتطلعاتها.. وبكل ما ظهر منها و ما بطن. [/align]
[align=left]وللبحث بقية إن شاء الله تعالى..[/align]
:

[align=center]الناقد الإسلامي وتحقيب تاريخ الأدب[/align]
[align=left]الأستاذ عبد الرزاق المساوي
الدار البيضاء - المغرب[/align]
تحقيب تاريخ الأدب:
[align=justify]بسط تاريخي:[/align]
[align=justify] نلحظ أن مجموعة من الأدباء المؤرخين والباحثين، ولفيفا من الدارسين والنقدة المتمرسين قد اهتموا بالأدب وتاريخه أيما اهتمام.. وخصصوا له عدة مؤلفات وكتب، كل حسب منهجه في البحث، وطريقته في الدرس والتفكير.. ولإتمام عملهم هذا وتسهيلا لمهمتهم فيه وتيسيرا لفهم الأدب وتفهمه ثم تقديمه مادة دسمة وأكلة فكرية / أدبية طازجة لبني قومهم وجلدتهم.. حاولوا تقسيم حياة هذا الأدب إلى عصور وحقب أطلقوا عليها تسميات أو مصطلحات حددوها بفترات زمنية أو فنية معينة، وقسموها عصورا أدبية.. والتحديدات الزمنية والتسميات المختارة لها قد تعاورتها كتب التاريخ العام وتاريخ الأدب على الخصوص.. وليس هذا الأخير إلا من ذاك الأول..
وأشهر هذه التقسيمات وأكثرها رواجا تلك التي تنبني على مسميات ارتبطت أصلا بالعشائر الحاكمة، بالبلاطات وأصحابها، بتلك الدول التي تعاقبت عبر تاريخنا، كالعصر الأموي والأعصر العباسية وعصر الإمارات.. أو على مفاهيم أحدثها إسلام فانتشرت في البقاع، ولم يجد أحد فكاكا منها، على الرغم من الموقف العدائي ضدها عند بعضهم كتسمية ما قبل الإسلام بالفترة الجاهلية أو العصر الجاهلي..
هذا ما نجد في كثير من كتب تاريخ الأدب العام، كما عند أحمد حسن الزيات وشوقي ضيف وغيرهما، مع اختلافات طفيفة أحيانا في تسمية بعض الفترات التاريخية، أو تحديد الإطار الزمني لها أحيانا أخرى.. والعصور التي اشتهرت في تقسيم تاريخ الأدب هي:
1* العصر الجاهلي: ويتحدد زمنيا بما قبل الإسلام بنحو مائة وخمسين سنة أو أكثر حسب المؤرخين..
2* العصر الإسلامي: وقد قسموه إلى فترتين زمنيتين اثنتين:
أ+ تبدأ الأولى بظهور الإسلام وتختتم بانقضاء الخلافة مع الإمام علي كرم الله وجهه حوالي سنة 40 هجرية..
ب+ وتنطلق الثانية من تولي بني أمية الحكم ابتداء من السنة 41 للهجرة تقريبا إلى قيام الدولة العباسية سنة 131 هجرية..
3* العصر العباسي: ويبتدئ انطلاقا من استيلاء بني العباس على الحكم سنة 132 هجرية وينتهي بهجوم المغول على بغداد وسقوطها سنة 656 هجرية.. وقد قسم بعضهم هذه العصر إلى فترات أسموها العصر العباسي الأول والثاني ..إلخ.
4* العصر الحديث: وجعلوه يبتدئ بقيام دولة محمد علي بمصر إلى وقتنا الحاضر وقسموه بدوره إلى حديث ومعاصر..
ومن بين الباحثين من جعل ضمن هذه التقسيمات المذكورة عصورا أخرى كعصر الانحطاط والعصر التركي.. إلى غير ذلك من التسميات والتحقيبات التي تعين الدارس على البحث العلمي في تاريخ الأدب.. وتيسر له مهمة إصدار هذا الأدب إلى المتلقي في أبهى صورة، وأخف ظل..
ولا بأس هنا من الإشارة إلى إحدى التقسيمات الاستشراقية لتاريخ هذا الأدب، فقد قسم "كارل بروكلمان" على سبيل المثال تاريخ الأدب العربي إلى مرحلتين زمنيتين، كل مرحلة قسمها بدورها إلى مراحل تاريخية.. يقول(5): "ومن هنا نقسم نحن الأدب العربي إلى مرحلتين أساسيتين:
1/ أدب الأمة العربية من أوليته إلى سقوط الأمويين سنة 132 هـ / 750 م وتنقسم هذه المرحلة إلى الأقسام التالية:
· الأدب العربي إلى ظهور الإسلام..
· محمد (ص) وعصره..
· عصر الدولة الأموية..
2/ الأدب الإسلامي باللغة العربية {....} نقسم تاريخ الأدب الإسلامي إلى خمسة أعصر:
· عصر ازدهار الأدب في عهد العباسيين بالعراق منذ حوالي 750م إلى سنة 1000م تقريبا..
· عصر الازدهار المتأخر للأدب منذ 1000م تقريبا إلى سقوط بغداد على يد هولاكو سنة 1258م..
· عصر الأدب العربي منذ سيادة المغول إلى فتح مصر على يد السلطان سليم 1517م..
· عصر الأدب العربي من سنة 1517م حتى أواسط القرن 19..
· الأدب العربي الحديث..
كما تجدر الإشارة إلى قضية جد مهمة ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه التقسيمات والتسميات، وهي أن هذه التقسيمات بمفاهيمها كان لها أثر واضح عند أصحابها في دراستهم لهذا الأدب لأنها ارتبطت عندهم بفلسفة تعتمد السياسة والاجتماع أساسا في البحث الأدبي، يقول أحمد حسن الزيات: "آثرنا أن نجاري كثرة كتابنا في تقسيم تاريخ أدبنا إلى خمسة أعصر على حسب ما نال الأمم العربية والإسلامية من التقلبات السياسية والاجتماعية.."(6)[/align]
طرح نقدي:
[align=justify] إلا أن هذه النظرة - والتي أطلق عليها اسم "النظرة المدرسية" - التي تقيم درس الأدب العربي على قسمة العصور قسمة تاريخية(7) تعرضت لكثير من الانتقادات والمعارضات التي تتبنى الوجهة التاريخية، والهجمات والحملات الأدبية من طرف ثلة من النقاد والأدباء المحدثين.. يقول طه حسين(8) – وقد أصيب الرجل حينا من الدهر بعقدة النقد والنقض -: "ونحن لا نحب هذه الطريقة ولا نريد أن نسلكها..." ويقول الدكتور شكري فيصل الذي أفرد فصلا مهما في كتابه: "مناهج الدراسة الأدبية" لعرض ونقد هذه النظرية المدرسية كما يسميها (9): "يبدو أن النظرية المدرسية لا تحقق المنهج السليم في الدراسة الأدبية: لا تحققه في نفسها ولا تحققه فيما يكون عنها من تفرعاتها أو إيحاءاتها..". أما الأستاذ أنور الجندي رحمه الله فيؤكد: "أن تقسيم الأدب إلى عصور : أموي وعباسي وغيرهما هو تقسيم أجنبي ظالم، فضلا عن وصف عصري الممالك والدولة العثمانية باسم (عصر الانحطاط) بينما هذا العصر عصارة ثمرات تطور الأدب العربي والفكر الإسلامي مما يجعله خليقا بأن يسمى عصر الموسوعات." (10).
وعندما نقد المحدثون النظرية المدرسية لم يكتفوا بالنقد فقط بل حاول بعضهم أن يطرح البديل الذي يراه مناسبا والعوض الذي يجده أفضل من غيره أو مما هو موجود بحدة في ساحة الأدب من هذه التقسيمات التي اعتمدت تحقيب الأدب على الشكل الذي سبق ذكره.. ونجد في هذا المضمار عدة محاولات منها على سبيل المثال محاولة الدكتور نجيب محمد البهبيتي الذي يقترح وبإلحاح تسميات وتقسيمات وتحقيبات يرى أنها أقرب للدلالة على المراد من تاريخ الشعر العربي - الذي هو جزء من تاريخ الأدب - في زعمه، لذلك نجده يقترح العصر الفني بدل العصر الجاهلي، والعصر العاطفي عوض الإسلامي بشقيه، والعصر العقلي مكان العصر العباسي، يقول البهبيتي في مقدمة الطبعة الأولى من كتابه إنه (11): " قد قسم أقساما جعل كل منها لعصر من عصور تاريخ هذا الشعر. فقسم منه لشعر "العصر الفني" أو الجاهلي، وقسم منه لشعر "العصر العاطفي" وهو العصر الأول من عصر الشعر الجديد، وقسم منه لشعر "العصر العقلي" وهو الثاني من عصري ذلك الجديد" ونجد كذلك أحمد أمين قد خط لنفسه طريقا أخرى في التقسيم والتسمية على العموم.. إذ خص كتابه "فجر الإسلام" مثلا للدولة الأموية مع صدر الإسلام.. وكتابه "ضحى الإسلام" للمائة الأولى من العصر العباسي.. وكتابه "ظهر الإسلام" إلى آخر القرن الرابع الهجري.. وينسب أيضا إلى المفكر الجزائري ذي الثقافة الغربية - والفرنسية منها على الخصوص – محمد أركون تقسيمات وتسميات أخر تعتمد على المنهج المعرفي (الإبستيمولوجي حسب ادعائه) والتي تميز بشكل عام بين خمس فترات أساس هي: "فترة العصر الافتتاحي أو التجربة التأسيسية، ثم الفترة الكلاسيكية، ثم العصر السكولاستيكي الأرثدوكسي، ثم عصر النهضة، ثم مرحلة الثورة"(12)…
وهناك محاولات عديدة في هذا الباب منها ما لم يكتب له الشيوع ولم يجد له من القوم سندا، ومنها ما لم تتضح معالمه بجلاء كتلك التي تعتمد على الفكر الماركسي في تحقيبه للتاريخ..
وبعيدا عن كل تشنج فكري أو تعنت أدبي وثقافي أو تعصب غير مضبوط بضوابط الشرع والعقل نناقش النظرية المدرسية من وجهة نظر إسلامية ونفككها ونعيد تركيبها ونضبط إوالياتها من خلال مصطلحاتها التي استعملتها وتقسيماتها التي اختارتها ومنهجها الذي اتبعته في كتابتها لتاريخ أدبنا العربي والإسلامي.. فالحق والحق أقول ليس كل ما يناقش يعاب عليه وليس ما أثبت ضعفه أو عجزه يترك وليس كل رأي خطأ، وليس كل فكرة مظلمة.. فنحن نعمل في إطار المنهج الرباني الذي يوضح أن "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها" (الترمذي وابن ماجة).. ولذلك فإن النظرية المدرسية ليست شرا كل الشر كما أنها ليست خيرا كل الخير، أو أن منهجها غير صالح بتاتا، بل إن لها مسوغات يمكن قبولها إلى حد ما إذا ما نظرنا إلى الظروف والأحوال الحياتية التي أحاطت بالعالم الإسلامي في فترة من فتراته جعلت أدباءه ومؤرخيه ينهجون هذا المنهج ويختارونه ويستعينون بتلك التقسيمات، وإن كنا لا نعذرهم على كل حال..
والآن نعود لنقول بأن لنا أولا وقبل كل شيء موقفا من المصطلحات / التسميات والتقسيمات سنوضحه فيما بعد إن شاء الله تعالى.. أما بالنسبة لتأثير السياسة والمجتمع على الأدب، أي بالنسبة لمنهج هذه النظرية ففيه شيء من التجوز، إذ لا يمكن ربط الأدبي بالسياسي والاجتماعي فحسب إذ لا يعقل أن نجعل من نشاط إنساني متكامل يحمل كثيرا من القضايا الإنسانية ويعبر عن عديد من الهموم الكونية ويتأثر بكل أشكال الحياة في هذا الوجود العريض ثم نربط هذا النشاط الحيوي بكل حمولته بعنصرين اثنين فقط دون باقي العناصر المكونة لدائرة الحياة ومقوماتها، فهناك مؤثرات عديدة أخرى تفعل في النتاج الأدبي بنسب متفاوتة حسب قرب المبدع والإبداع أو بعدهما من هذه المؤثرات جميعها أو بعضها، كما لا يجوز أن يصبح ربط السياسي والاجتماعي وغيرهما من المكونات الحياتية بالأدبي ربطا آليا (ميكانيكيا) ينسى أو يتناسى الحياة بما فيها وما لها من آثار على الظاهرة الأدبية ذاتها أو يبعد ويقصي الجانب النفسي والشخصي والتكويني للأديب المبدع نفسه الذي يمكن أن يكون فوق الواقع السياسي أو الاجتماعي وغيرهما أثناء الإبداع تحت طائلة المعتقد، أو يغفل أو يتجاهل خصوصيات الأدب ككائن حي يستقل بذاته أحيانا، فيستعصي حتى على الأديب نفسه الذي قد يكون وقع لإبداعه في فترة مخاض قد تكون طويلة وقد تكون عسيرة وفي الأخير وبعد الولادة يعق ذاك الأدب أديبه فلا يسلم له قياده ولا يكشف له عن جماليته ولا عن بلاغة صوره التي قد يكتشفها آخر غريب عنه أديبا مبدعا كان أو ناقدا أو باحثا أو دارسا أو مؤرخا.. كما أن هذا الأدب قد يستعلي على التداول التاريخي والتغيير الاجتماعي والتقلب السياسي إلى حد ما أحيانا أخرى ليرسم صورا محض أدبية وفنية.. يقول طه حسين: "لست من الذين يحبون أن يؤرخوا الآداب بالأحداث السياسية، لأني أشك في استقامة هذا النوع من التاريخ، لكن بعض الأحداث التي تصيب حياة الأمم السياسية قد تكون دليلا، وقد تميز بعض الظروف الأدبية، فليس هناك بأس أن نعتمد على بعض الحوادث السياسية أحيانا، لا على أنها تؤرخ تطور الحياة الأدبية بل كدليل على بعض الوجود والأنحاء لهذا التطور.."(13)... فالأدب الذي عاش مثلا –أو ترعرع ونما مبدعه- في حضن (الدولة الأموية) لا يعني أبدا أنه قام مع قيا مها و ظهر بوجودها و اندحر أو انقرض مع قيام (الدولة العباسية), كما لا يعني أنه ا ستمر على وتيرة واحدة ونهج واحد لم يحد عنهما طيلة السنوات الممتدة مثلا بين سنتي 41ه و 656ه . كما أنه لم يعش حياة ذل و خنوع تتحكم في رقبته الأحداث السياسية و تلوي عنقه ا لقضايا الاجتماعية فيدور حيت دارت, ويمشي حيت مشت أو يحط حيث رسمت له, لا لشيء إلا لأن الأدب أولا كائن حي منفعل ومتفاعل ومن طبيعته أنه يسير في حركات (حلزونية) غير ثابتة ولا مستقرة على خط واحد مستقيم.. ولكونه ثانيا يحمل في ذاته شروط التغير و التطور والتحول المستمر لتركيبه الخاص.. و لكونه قبل هذا و ذاك يصدر عن إنسان حي عاقل عاطفي وجداني سلوكي يتفاعل مع الحياة برمتها فيتأثر و يؤثر, ويفعل و ينفعل, وارتباط الأدب بالإنسان هو ارتباط بالحياة بكل ما تحمله من معان و دلالات وممارسات.. فالحياة ليست سياسة فقط بل هي أكبر من ذلك, إنها الحياة كما نعيشها بكل مستوياتها وبكل مقوماتها وبجميع غاياتها وتطلعاتها.. وبكل ما ظهر منها و ما بطن. [/align]
[align=left]وللبحث بقية إن شاء الله تعالى..[/align]