- 26 يونيو 2015
- 111
- 164
- 43
- الجنس
- أنثى
- القارئ المفضل
- محمود خليل الحصري
- علم البلد
نامت الدّنيا ذات شتاء في قناديل الشّوارع المطوية بين أجنحة المدينة ، تلك الشّوارع التي كتبها إلهام السّنين الماضية بيوتا تطلّ على الدّنيا بشرفات تحمل أواني الورد و تيجان الياسمين و أهداب اللّبلاب و تتثاءب في دروبها بأبوابٍ خشبية تقابلت ، تجاورت ، تكاتفت لتنسج بكلّ الحبّ حارة ، لا حائر فيها غير الجمال ... جمال النّفس الكريمة و الطّقوس القديمة . لا حائر فيها غير شذا كؤوس الشّاي المعبّقة بلثم وريقات النّعناع ... تتوسّط جموع جُلساء من زمن وردي تاهت الأحقاد في طيبة قلوبهم و غرقت الكراهية في لجّة حبٍّ ممّا يحملون ، فذابت الصّراعات و النّزاعات في فناجين قهوة جذلى في غيبوبة من حبّهان .
نامت الدّنيا و سكنت الخطوات و تجرّدت من بهائها الشّرفات و ما بقيّ من تلك الحياة التي كانت غير أطلال تحكي و تبكي ... كانوا هنا ثم غادروا ... غيّبتهم أبراج المدينة و ساحات المدينة و طرقات المدينة . لم يبق من أهل المكان الذي كان غير عجوز بلغت من العمر عُتيّا ... و لكن ظلّ قلبُها بهواها الذي كان نديّا ، لازالت تأنس إلى القنديل ، لازالت تنكت تراب أواني الورد ، لازالت تغنّي للصّباح مع قهوتها على كانون من جمار ، لازالت تحكي و تتذكّر ، و لكن هذه المرّة شعرت بقسوة في أنفاس الشّتاء مع ضعف في البصر و وهن في القدمين و خدر في اليدين ، هذه المرّة لم تقوَ على مجاراة نحيب الريّاح التي أقتلعت جناح إحدى نوافذها ، لم تقدر على رطوبة غزت الجدران و نخرتها و استبدّت بهواء الغرفة تنفثُ به ألف علّة و وباء ، بل الأدهى تسلّلت إلى رئتيها لتحرمها غفوة اللّيالي الباردة فينفضها السّعال ليجرّعها أقداحَ السّهاد ثم السّهاد ... تعِبتْ .. كَبُرتْ ... ارتجفت ... تزلزلتْ و بكت حينما اكتشفت وحدتها و غربتها ليس عن المكان و لكن عن ملامح الزّمان الذي أُفرغ من كلّ موجوداته خلا الحمائم تأتيها كلّ صباح تحطّ في الشّرفة لتطلق الهديل رسالة للّقاء و تطرق زجاج النافذة بجناحيها تبحث عن حبّات البُرّ ، لكنّها هي الأخرى منذ أيام تأتي و تأتي فلا تجد غير الهدوء و السّكون و الجفاء ... جافتها العجوز المدثّرة بالبرد و العلّة و الوحدة . فمنْ سيخبر الحمام أنّ كفّا تحمل إليها الحَبَّ و الحُبّ قد شدّ وثاقها العجز ، من سيرسل أنّات تلك الموجوعة إلى بشر وراء أزقّة الحارة الآيلة للانهيار ... من سيخبرهم أنّ هناك بين أضلاع الماضي أسطورة تمّحي ببطء من سيحكي للدّفاتر و القلوب حكاية التي عشقت المكان حتى أضحى حيّا في عينيها في مسامعها تحت خُفّها ، في لمسات يديها و لهفة روحها إلى الرّجوع كلّما عغادرت لتعود سيلَ شوق للجدران و الأرصفة و الحجارة و المئذنة و الطّريق من سيخبرهم أنّها تغفو غفوتها الأخيرة من سيرسم آخر دمعاتها تشقّ تجاعيد حفرتها أيام من بهاء ... لا أحد ، لا أحد سيخبرهم ... أمّا الحمام فبقيَ يزور المكان حتى تغلغلت مخالب الجّرافات تقتلع الرّماد لتشيّد الفنادق و الملاهي و ما علم النّاس أن رفات من هوى عبّقت الحجارة و الثّرى ...
نامت الدّنيا و سكنت الخطوات و تجرّدت من بهائها الشّرفات و ما بقيّ من تلك الحياة التي كانت غير أطلال تحكي و تبكي ... كانوا هنا ثم غادروا ... غيّبتهم أبراج المدينة و ساحات المدينة و طرقات المدينة . لم يبق من أهل المكان الذي كان غير عجوز بلغت من العمر عُتيّا ... و لكن ظلّ قلبُها بهواها الذي كان نديّا ، لازالت تأنس إلى القنديل ، لازالت تنكت تراب أواني الورد ، لازالت تغنّي للصّباح مع قهوتها على كانون من جمار ، لازالت تحكي و تتذكّر ، و لكن هذه المرّة شعرت بقسوة في أنفاس الشّتاء مع ضعف في البصر و وهن في القدمين و خدر في اليدين ، هذه المرّة لم تقوَ على مجاراة نحيب الريّاح التي أقتلعت جناح إحدى نوافذها ، لم تقدر على رطوبة غزت الجدران و نخرتها و استبدّت بهواء الغرفة تنفثُ به ألف علّة و وباء ، بل الأدهى تسلّلت إلى رئتيها لتحرمها غفوة اللّيالي الباردة فينفضها السّعال ليجرّعها أقداحَ السّهاد ثم السّهاد ... تعِبتْ .. كَبُرتْ ... ارتجفت ... تزلزلتْ و بكت حينما اكتشفت وحدتها و غربتها ليس عن المكان و لكن عن ملامح الزّمان الذي أُفرغ من كلّ موجوداته خلا الحمائم تأتيها كلّ صباح تحطّ في الشّرفة لتطلق الهديل رسالة للّقاء و تطرق زجاج النافذة بجناحيها تبحث عن حبّات البُرّ ، لكنّها هي الأخرى منذ أيام تأتي و تأتي فلا تجد غير الهدوء و السّكون و الجفاء ... جافتها العجوز المدثّرة بالبرد و العلّة و الوحدة . فمنْ سيخبر الحمام أنّ كفّا تحمل إليها الحَبَّ و الحُبّ قد شدّ وثاقها العجز ، من سيرسل أنّات تلك الموجوعة إلى بشر وراء أزقّة الحارة الآيلة للانهيار ... من سيخبرهم أنّ هناك بين أضلاع الماضي أسطورة تمّحي ببطء من سيحكي للدّفاتر و القلوب حكاية التي عشقت المكان حتى أضحى حيّا في عينيها في مسامعها تحت خُفّها ، في لمسات يديها و لهفة روحها إلى الرّجوع كلّما عغادرت لتعود سيلَ شوق للجدران و الأرصفة و الحجارة و المئذنة و الطّريق من سيخبرهم أنّها تغفو غفوتها الأخيرة من سيرسم آخر دمعاتها تشقّ تجاعيد حفرتها أيام من بهاء ... لا أحد ، لا أحد سيخبرهم ... أمّا الحمام فبقيَ يزور المكان حتى تغلغلت مخالب الجّرافات تقتلع الرّماد لتشيّد الفنادق و الملاهي و ما علم النّاس أن رفات من هوى عبّقت الحجارة و الثّرى ...