إعلانات المنتدى


شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة و السّلام على رسولنا محمد وعلى آله و أصحابه أجمعين .

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.


شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم




شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 184 كتاب الصيام

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


شرح الحديث الـ 184
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه .

لفظه عند البخاري : لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم .


فيه مسائل :

1 = الصيام لغة : الإمساك
وفي الشرع : إمساك مخصوص من شخص مخصوص عن شيء مخصوص في زمن مخصوص بقصد التعبد لله .

2 = فُرض الصوم في السنة الثانية من الهجرة .
وهو الركن الرابع ، وعند بعض العلمـاء هو الخامس ، كما هو صنيع الإمام البخاري فإنه روى حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – بلفظ : بُني الإسلام على خمس : شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقامِ الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصومِ رمضان .

والمُلاحظ أن أمة الإسلام تهتم بالصيام وبشهر الصيام ولا غرابة في ذلك ، ولكن أن يكون الاهتمام بما فُرِض في السنة الثانية من الهجرة أولى بما فُرِض قبل الهجرة بل فُرِض على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من فوق سبع سماوات لما عُرِج به هذا مثار الغرابة .
والحكمة من الصوم هي تحقيق التقوى ( كُتِبَ عَلَيْكُم الصِّيام ) الآية .


3 = أول ما فُرض الصيام كان صيام يوم عاشوراء .
قالت عائشة رضي الله عنها : كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فُرِض شهر رمضان قال : من شاء صامه ، ومن شاء تركه .
وفي رواية قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيامه قبل أن يُفرض رمضان فلما فرض رمضان كان من شاء صام يوم عاشوراء ، ومن شاء أفطر . رواه البخاري ومسلم .
وهذا من التدرّج في التشريع .


4 = على مَن يجب الصيام ؟
يجب على كلّ مسلم بالغ عاقل قادر مقيم خالٍ من الموانع .

5 = لا تتقدّموا . أصلها لا تتقدّموا ، كما في قوله تعالى : ( وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ ) يعني لا تتيمموا الخبيث ولا تقصدوه .

6 = فيه رد على مَن كرِه أن يُقال " رمضان " دون تقييده بشهر .
والحديث الوارد في ذلك ضعيف جداً بل حكم جمع من العلماء بأنه موضوع
وهو : لا تقولوا رمضان ، فإن رمضان اسم من أسماء الله ، ولكن قولوا : شهر رمضان .


7 = النهي محمول على الكراهة .
قال عمار – رضي الله عنه – : من صام اليوم الذي يَشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم . روا أبو داود والترمذي والنسائي .

8 = حكمة النهي تتمثل في :
أ – تمييز العبادات بعضها عن بعض ، فتُميّز النوافل عن الفرائض

ب – النهي عن التكلّف والغلو . لقوله صلى الله عليه وسلم : إياكم والغلو في الدين ، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين . رواه النسائي وابن ماجه .
وليس هذا من باب الاحتياط مما يدلّ على أن هذا الباب ليس على إطلاقه ، أعني ما يتعلق بالاحتياط ؛ لأنك لو أخذت بالأحوط في كل مسألة لأخذت بالأشدّ ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن الدِّين يُسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا . رواه البخاري .

أما تمييز العبادات بعها عن بعض ، فتُميّز النوافل عن الفرائض فليس هو في الصيام فحسب

روى مسلم في صحيحه عن عمر بن عطاء أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابنِ أختِ نَمِر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة فقال : نعم .صليت معه الجمعة في المقصورة ، فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصلّيت ، فلما دخل أرسل إلي فقال : لا تعد لما فعلت . إذا صليت الجمعة فلا تَصِلْها بصلاةٍ حتى تكلّم أو تخرج ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك . أن لا تُوصلَ صلاةٌ بصلاة حتى نتكلم أو نخرج رواه مسلم .

وروى أبو داود عن الأزرق بن قيس قال : صلى بنا إمام لنا يُكني أبا رمثة فقال : صليت هذه الصلاة أو مثل هذه الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم . قال وكان أبو بكر وعمر يقومان في الصف المقدم عن يمينه ، وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة فصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم سلم عن يمينه وعن يساره حتى رأينا بياض خديه ، ثم انفتل كانفتال أبي رمثة - يعني نفسه - فقام الرجل الذي أدرك معه التكبيرة الأولى من الصلاة يشفع ، فوثب إليه عمر فأخذ بمنكبه فهزه ثم قال : اجلس ! فإنه لم يهلك أهل الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلواتهم فصل . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره فقال : أصاب الله بك يا ابن الخطاب . ورواه الإمام أحمد ( عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) ورواه الحاكم وصححه ورواه البيهقي .

ومثله النهي الوارد هنا ، فإن من فوائده أن لا تُوصل فريضة بنافلة .

فصيام رمضان لا يُتقدّم بصيام يوم ولا يومين ، ولا يوصل بصيام الست ، وإنما يُفصل بينه وبين صيام الست من شوال بيوم العيد .


9 = فيه الردّ على أهل البدع المتنطّعين الذين يتقدّمون صيام رمضان بيوم أو يومين ؛ إما مُخالفة لأهل السنة كالرافضة ، وإما احتياطاً ، وإما أنهم يقولون بالعدد دون اعتبار الرؤية .

10 = فيه فضيلة لمن كان يُحافظ على النوافل .
فالذي يُحافظ على النوافل يُشرع له قضاء النافلة إذا فاتته
ومثل الذي يُحافظ على صيام النوافل ، فإنه – عليه الصلاة والسلام – قال هنا :
إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه .
فلم يستثنِ إلا من كان له صيام يصومه ، كمن يصوم يوماً ويُفطر يوماً ، ومثله من يصوم الاثنين والخميس ، فإذا وافق نهاية شعبان يوم خميس أو يوم اثنين وكان تعودّ صيام تلك الأيام فإنه يصوم ولا يشمله النهي .

والله تعالى أعلى وأعلم .




يتبع بإذن الرحمن.....

اضافة رمضان 1442
مشاهدة المرفق WhatsApp Video 2021-04-24 at 10.45.47 AM.mp4
 
التعديل الأخير:

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 185 رؤية الهلال

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

شرح الحديث الـ 185
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غُـمّ عليكم فاقدروا له .

فيه مسائل :

1 = إذا رأيتموه . المقصود به الهلال ، ويُفهم من سياق الكلام . كما في قوله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) فالضمير يعود على القرآن .
وقد جاء في رواية لمسلم : الشهر تسع وعشرون فإذا رأيتم الهلال فصوموا .
وفي راية للبخاري : لا تصوموا حتى تروا الهلال .
وفي رواية له من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – : إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا .
2 = قوله : فصوموا . يعني انووا الصيام ؛ لأن اللي ليس محلا للصيام .
وفيه دليل على وجوب تبييت نية الصيام من الليل .

3 = إذا رأيتموه .
الأولى لدخول هلال رمضان ، والثانية لدخول هلال شوال .

4 = فإن غُـمّ عليكم .
أي حال بينكم وبينه غيم أو قتر .
وفي رواية البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وفيه : فإن غُـمّ عليكـم فصوموا ثلاثين يوما .

وجاءت رواية لهذا اللفظ ( غُـمّ ) بلفظ : غُـبّـي
فقد روى البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم ، فأكملوا عِدة شعبان ثلاثين .

5 = فاقدروا له .
هذا فيما يتعلق بشهر شعبان وفيما يتعلق بشهر رمضان .
فالمعتبر شرعاً هو أحد أمرين :
لأجل الصيام :
إما رؤية هلال رمضان
وإما إكمال شعبان ثلاثين يوماً

وبالنسبة للإفطار :
رؤية هلال شهر شوال
أو إكمال رمضان ثلاثين يوماً

وبهذا جاءت الروايات :
فأكملوا عِـدة شعـبان ثلاثين . كما في رواية البخاري .
فإن غُـمّ عليكـم فصوموا ثلاثين يوما . كما في رواية البخاري أيضا .

6 = لا عِبرة بمعرفة منازل القمر ، أو الحساب الفلكي .
إذ المعتبر شرعاً ما كان مُعتبراً في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
والمعتبر كما في الأحاديث المتقدمة هو الرؤية أو إكمال العِـدّة .
والله – عز وجل – لا يكلف العباد إلا ما يُطيقون .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – رسالة حول الحساب الفلكي .

7 = رؤية الثقة لدخول الهلال كافية للحكم بوجوب الصوم على أهل ذلك البلد ، إذ المسلمون يسعى بِذمّتهم أدناهم ، وهم كالجسد الواحد . كما قال – عليه الصلاة والسلام – .

8 = فيما لو لم يُعلم بدخول الشهر إلا بعد طلوع الفجر .
يجب عليهم الإمساك والقضاء بعد رمضان .

9 = لو نام الإنسان ليلة الثلاثين من شعبان – وهي ليلة يوم الشك – ثم قال : إن كان غداً من رمضان فأنا صائم . فهل يصح صومه ؟



يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 186 السحور



عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

شرح الحديث الـ 186
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسحروا فإن في السَّـحور بركة .

فيه مسائل :

1 = السّحور : بالضم الفعل . وبالفتح ما يُتسحّر به .

2 = السُّحور : مأخوذ من وقته ، وهو السّحر ، وبهذا يُعلم أن وقته آخر الليل .

3 = الأمر في : تسحروا . للاستحباب وليس للوجوب ، والصارف له عن الوجوب فعله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم : يا عائشة ثم هل عندكم شيء ؟ قالت : فقلت : يا رسول الله ما عندنا شيء . قال : فإني صائم . رواه مسلم .
قال ابن الملقن : أجمع العلماء على استحباب السَّحور ، وأنه ليس بواجب .

4 = إذا كان الأمر للاستحباب فهو يدلّ على سُنيّة السُّحور .

5 = البركة . هي النماء والزيادة ، وهي دنيوية وأخروية .

6 = البركة تكون في عِـدّة أمور :

1 – اتباع السنة ، وموافقة السنة مطلوبة ومُتعبد بها .

2 – مخالفة أهل الكتاب ، وهي مقصودة لذاتها ، لقوله – عليه الصلاة والسلام – : فصل ما بين صيامنا وصيامِ أهل الكتاب ؛ أكلة السحر . رواه مسلم .

3 – التّقوّي به على طاعة الله . قال – عليه الصلاة والسلام – : تسحروا ولو بجرعة من ماء . رواه ابن حبان ، وهو حديث صحيح .
ولقوله – عليه الصلاة والسلام – : نعم سَحور المؤمن التمر . رواه ابن حبان ، وهو حديث صحيح .

4 – الاستيقاظ في وقت السحر والاستغفار ، فيدخلون تحت قوله سبحانه : ( وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )


يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 187 وقت السحور

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


شرح الحديث الـ 187
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام إلى الصلاة . قال أنس : قلت لزيد : كم كان بين الأذان والسَّحور ؟ قال : قدرُ خمسين آية .

فيه مسائل :

1 = في هذا الحديث رواية صحابي عن صحابي
وهنا صرّح أنس – رضي الله عنه – بأنه يروي عن زيد بن ثابت – رضي الله عنه – ولو لم يُصرّح فإن جهالة الصحابي لا تضرّ .

2 = قدر خمسين آية . هذا تقدير ، والتقدير لا يكون دقيقاً بل هو نسبي وتقريبي .
تدلّ عليه رواية للبخاري : عن أنس أن زيد بن ثابت حدثه أنهم تسحروا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قاموا إلى الصلاة . قال أنس : قلت : كم بينهما ؟ قال : قدر خمسين أو ستين يعني آية .

3 = الوقت هل هو ما بين الأذان والإقامة أو ما بين الأذان والسحور ؟
الذي يظهر من الجمع بين الروايات أنه بين الأذان والسحور .
ففي رواية للبخاري : عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحّرا فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ، فصلى . قال قتادة : قلنا لأنس : كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة ؟ قال : قدر ما يقـرأ الرجل خمسين آية .

ولقوله – عليه الصلاة والسلام – : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم . قال : ولم يكن بينهما إلا أن ينـزل هذا ويَرقى هـذا . متفق عليه .
وفي رواية : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم ، ثم قال : وكان رجلا أعمى لا يُنادي حتى يُقال له : أصبحت أصبحت .
ولقوله – عليه الصلاة والسلام – : إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده ، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه . رواه أحمد وأبو داود .

ويُحمل الأذان الوارد في حديث الباب في قوله : كم كان بين الأذان والسَّحور ؟
على الإقامة ؛ لأن الإقامة يُطلق عليها أذان ، كما في قوله – عليه الصلاة والسلام – : بين كل أذانين صلاة . متفق عليه .
والمقصود بين الأذان والإقامة .

3 = قدر خمسين آية . متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ، والقراءة لا سريعة ولا بطيئة .
والمسألة تقدير ، والتقدير أمر نسبي كما تقدّم .
قال ابن حجر : قال المهلب وغيره : فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن ، وكانت العرب تُقدر الأوقات بالأعمال ؛ كقولهم : قدر حلب شاة ، وقدر نحر جزور . فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة .

4 = قوله : تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قام إلى الصلاة .
قوله في الأول : تسحرنا
وفي الثاني : ثم قام
فالأول بلفظ الجمع ، والثاني بلفظ الإفراد ؛ فهم داخلون فيه بطريق الأولى وبالتبعيّة ؛ لأنه لا يُتصوّر أن يتخلّفوا عن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

5 = فيه جواز مؤانسة الفاضل للمفضول بالمؤاكلة .

6 = أفضلية تأخير السُّحـور ، خلافاً لمن يتسحّر ثم ينام .

7 = استحباب الاجتماع على السَّحور .

8 = فيه حرص الصحابة – رضي الله عنهم – على العِلم ، فهذا أنس – رضي الله عنه – يسأل زيد بن ثابت عن هذه السنة التي خَفيت عليه .

9 = مقدار الوقت بين أذان الفجر والإقامة .
.


يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 188 إدراك الفجر وهو جنب

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


شرح الحديث الـ 188
عن عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُدركه الفجر ، وهو جُنب من أهله ، ثم يغتسل ويصوم .

فيه مسائل :

1 = في رواية مسلم : كان يُصبح جُنباً من غير حُلُم ثم يصوم .
وفي رواية له : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُصبح جنبا من جماعٍ غيرِ احتلام في رمضان ، ثم يصوم .
وفي رواية لـه عن عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُدركه الفجر في رمضان وهو جُنب من غير حُلُم فيغتسل ويصوم .
وفي رواية له عن أم سلمة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصبح جُنُباً من جماعٍ لا مِن حُلُم ، ثم لا يُفطر ولا يقضي .

2 = العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
فليس ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فقد روى مسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه ، وهي تسمع من وراء الباب ، فقال : يا رسول الله ! تُدركني الصلاة وأنا جنب . أفأصوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا تُدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم . فقال : لست مثلنا يا رسول الله ! قد غَـفَـر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّـر فقال : والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله ، وأعلمكم بما أتّقي .

3 = يُدركه الفجر . يعني وقت الفجر ، فيلزمه الصوم وهو جُنُب .
لا أنها تُدركه الصلاة فيتأخر عنها .

4 = وهو جُنب من أهله .
تُفسّره الروايات الأخرى ، ومنها :
يُصبح جُنُباً من جماعٍ لا مِن حُلُم

فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحتلم ؛ لأن الاحتلام من الشيطان .

5 = لا يعني ذلك أن الذي يُدركه الفجر من احتلام أنه لا يجوز له الصيام ، فليس الحُـكم خاص بمن أصابته الجنابة من أهله .
وإنما أن ذلك كان باختياره ، فغيره الذي لا يقع باختياره كالمحتلم أولى بأن يُعذر .

6 = ثم يغتسل ويصوم
لا علاقة للصيام بالجنابة
فلو أن إنساناً لا يستطيع الاغتسال أو كان فاقداً للماء فإن صومه صحيح وعليه التيمم للصلاة لا للصيام .

من أدركه الفجر وهو جُنُب فإنه يصوم ولا يُفطر يومه ذلك ولا يجب عليه قضاء .

قالت أم سلمة – رضي الله عنها – : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصبح جُنُباً مِـن جماعٍ لا مِن حُـلُـم ، ثم لا يُفطر ولا يقضي . رواه مسلم .

7 = لا فرق بين صوم النفل وصوم الفرض في ذلك .

8 = مثله الحائض فإنها إذا طهرت قبل الفجر فإنها تصوم ولو لم تغتسل إلا بعـد طلـوع الفجر .
لكن إذا لم تطهر ولم ينقطع الدم إلا بعد طلوع الفجر ، فإنه لا يلزمها الإمسـاك وعليها القضاء .

9 = تيسير الإسلام ، ويُسر الدِّين .
وإنما يكون اليسر في الدِّين والتيسير على العباد فيما يسّر الله فيه .



يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 189 من أكل ناسيا


عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


شرح الحديث الـ 189

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من نسي - وهو صائم - فأكل أو شرب فليتمّ صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه .

فيه مسائل :

1 = في رواية للبخاري : من أكل ناسيا وهو صائم ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه
وفي رواية له : إذا نسي فأكل وشرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه .

2 = هذا من فضل الله ومِنّتِه وكرمِه أن عفا لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان .
كما في قوله تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) قال : نعم ( رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ) قال : نعم ( رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) قال : نعم . ( وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) قال : نعم . وفي رواية قال الله تبارك وتعالى : قد فعلت . رواه مسلم .

وكما في قوله – عليه الصلاة والسلام – : إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ، ما لم يتكلموا ، أو يعملوا به . متفق عليه .
وقوله : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه . رواه ابن ماجه .

3 = لماذا خصّ الأكل والشرب دون غيرهما ؟ وهل تلحق به بقية المًفطِّرات ؟
لأن الغالب في المفطّرات هو الأكل والشرب ، بخلاف الجماع فإن الرجل إذا نسي ذكرته زوجته .
والحكم عام فيمن أتى مُفطِّراً ناسياً أو جاهلا أو مُخطئاً .

4 = هل يُنكر على مَن أكل أو شرب ناسياً ؟ وهل يُذكّـر ؟
نعم يُنكر عليه ، ويُذكّر بأنه صائم ؛ لأن هذا من التعاون على البر والتقوى ، والصائم وإن كان معذوراً لنسيانه فالذي يراه ليس معذوراً ، فيُذكّره بأنه صائم .

5 = هل يقضي من أكل أو شرب ناسياً ؟
لقوله – عليه الصلاة والسلام – : من أفطر في رمضان فلا قضاء عليه ولا كفارة . رواه الحاكم .

6 = من وقع في شيء من المُفطّرات فلا بُـد أن يكون عالما عامداً ذاكراً ، وسيأتي تفصيله لاحقا إن شاء الله .

7 = معنى أطعمه الله وسقاه .
أي أن الله تصدّق عليه فلما أكل وشرب ناسياً عفا الله عنه .

8 = هذا عام في صيام الفريضة من رمضان وفي صيام النافلة ولا فرق .




يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 190 في الجماع في رمضان وكفّارته

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


شرح الحديث الـ 190
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكت ! قال : ما لك ؟ قال : وقعت على امرأتي ، وأنا صائم – وفي رواية : أصبتُ أهلي في رمضان - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تجد رقبة تعتقُها ؟ قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا . فقال : فهل تجد إطعامَ ستين مسكينا ؟ قال : لا . قال : فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أُتيَ النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَق فيه تمر - والعَرَق : المكتل - قال : أين السائل ؟ فقال : أنا . قال : خذ هذا ، فتصدّق به ، فقال الرجل : أعلى أفقرَ مِنِّي يا رسول الله ؟! فو الله ما بين لابتيها - يريد الحرّتين - أهلَ بيت أفقر من أهل بيتي ! فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : أطعمه أهلك .
الحرّة : أرض تركبها حجارة سُود .

في الحديث مسائل :

1 = من روايات الحديث :
وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : أتى رجل النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المسجد ، قال : احترقت ! قال : ممّ ذاك ؟ قال : وقعت بامرأتي في رمضان . قال له : تصدق . قال : ما عندي شيء ، فجلس ، وأتاه إنسان يسوق حماراً ومعه طعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أين المحترق ؟ فقال : ها أنا ذا . قال : خذ هذا فتصدّق به . قال : على أحوج مني ؟ ما لأهلي طعام ! قال : فكلوه . رواه البخاري ومسلم .

* في بعض نُسخ العمدة : " فسَكَتَ النبي صلى الله عليه وسلم " بدل " فمكث " .
والمثبت هو ما في صحيح البخاري .

في رواية للبخاري : والعَرَق : الزبيل .
وفي رواية لمسلم : بعرق فيه تمر ، وهو الزنبيل .
وهذا من تفسير الرواة .
والزبيل والزنبيل والمكتل والعَرَق هو الوعاء الذي يُحمل فيه ، ويكون من الخوص أو من الجلد .

2 = قول الرجل : " هلكت "
وقوله أيضا : وقعت على امرأتي ، وأنا صائم – وفي رواية : أصبتُ أهلي في رمضان –
كل ذلك يدلّ على أنه كان يعرف الـحُـكم .
لأن المؤاخذة في ارتكاب المحظورات إنما تتمّ بـ :
1 - العِلم وضده الجهل
2 - الذِّكر وضدّه النسيان
3 - العمد وضده الخطأ

فلو كان عالِماً بالـحُـكم جاهلا بالحد أو العقوبة المترتبة على فعله لم يُعذر .
وعلى سبيل المثال : لو أسلم شخص ولم يعلم بحرمة الجماع في نهار رمضان ولا بالعقوبة المقدّرة شرعاً لم يؤاخذ لا في الدنيا ولا في الآخرة . بمعنى لا تلزمه الكفارة .
ولو فعل شيئا من المفطِّرات – أكل أو شرِب أو جامع – ناسياً لم يؤاخذ ، ولا تجب عليه كفارة .
ومثله لو أخطأ ، كأن يظن أنه لا زال في الليل ثم بان له أنه فعل ذلك بعد طلوع الفجر فلا شيء عليه .
وسبقت الإشارة إلى ذلك في شرح الحديث السابق .
ومثل ذلك يُقال في محظورات الإحرام .
لعموم قوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال الله : قد فعلت .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه . رواه ابن حبان والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين .

3 = السؤال عما أُبهم من قِبل السائل ، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام للرجل : ما لك ؟
وهذا من الاستفصال قبل السؤال .

4 = الرّفق بمن أتى تائبا نادماً ، خاصة إذا كان في حق الخالق سبحانه وتعالى ، بخلاف ما إذا كان ذلك في حق المخلوق .
فإن هذا الرجل قد أتى أعظم المُفطِّرات ، ومع ذلك لم يُعنّفه النبي صلى الله عليه وسلم .
ومثله قصة معاوية بن الحكم السّلمي رضي الله عنه ، وهي في صحيح مسلم .
وفيه قوله : فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، فو الله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني .
ولكنه لما ذكر ما صنعه بالجارية وأنه لطمها عظّم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .

5 = حُرمة الزمان ، كحرمة المكان
فالله حرّم انهتاك بعض الأزمنة وبعض ألأمكنة .
فشهر رمضان من الأزمنة المحرّمة .
والصحيح أن هذه الحُرمة لا تسري إلى القضاء .
فلا كفارة على من أفطر في قضاء رمضان ، وإن كان يؤمر بإتمام صومه ، لكن لو أفطر من يصوم قضاء بعد رمضان فلا كفارة عليه عند جمهور العلماء .

6 = كفارة من جامع في نهار رمضان – عالما مُتعمّداً ذاكراً –
وهي هنا على الترتيب :
عتق رقبة مؤمنة – عند الجمهور -
صيام شهرين متتابعين
إطعام ستين مسكيناً

7 = هل الكفّارة على الترتيب أم هي على التخيير ؟
بمعنى هل له أن يُطعم ستين مسكيناً ولو استطاع أن يُعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين ؟
في المسألة خلاف قديم ولكن الصحيح أنها على الترتيب لسببين :
أ - أن النبي صلى الله عليه وسلم رتّبها ، فبدأ بالأشد ثم الذي يليه ، ولو كانت على التخيير لقال : هل تجد رقبة تُعتقها أو تصوم شهرين متتابعين أو تُطعم ستين مسكينا ؟
ب - أنه عليه الصلاة والسلام ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثماً . كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها . وهو هنا اختار الأشد ثم الذي يليه في المرتبة .

8 = اتفق العلماء على وجوب الكفارة على من جامَعَ في نهار رمضان عالما مُتعمّداً ذاكرا ، وكان ممن يلزمه الصيام ، واختلفوا في قضاء ذلك اليوم الذي أفطر فيه .
فأما تحريم الجماع على الصائم في نهار رمضان فثابت بالكتاب في قوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )
روى البخاري عن البراء رضي الله عنه قال :كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يُفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وإن قيس بن صِـرْمَة الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته ، فقال لها : أعندك طعام ؟ قالت : لا ، ولكن أنْطَلِقُ فأطْلُبُ لك ، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه ، فجاءته امرأته فلما رأته قالت : خيبة لك ! فلما انتصف النهار غُشِيَ عليه ، فَذُكِرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنـزلت هذه الآية : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) ففرحوا بها فرحا شديدا ، ونزلت : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ )
وفي رواية له قال : لما نـزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله ، وكان رجال يخونون أنفسهم ، فأنزل الله : ( عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ )

9 = هل يجب قضاء اليوم الذي وقع فيه الجماع في نهار رمضان ؟
نقل البغوي في شرح السنة الإجماع على أن من جامَع في نهار رمضان مُتعمّداً فسد صومه ، وعليه القضاء .
والخلاف في قضاء ذلك اليوم الذي جامَع فيه قديم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأما أمره للمجامِع بالقضاء فضعيف ضعّفه غير واحد من الحفاظ ، وقد ثبت هذا الحديث من غير وجه في الصحيحين من حديث أبي هريرة ومن حديث عائشة ولم يذكر أحد أمره بالقضاء ، ولو كان أمَرَه بذلك لما أهمله هؤلاء كلهم ، وهو حكم شرعي يجب بيانه ، ولمّا لم يأمره به دل على أن القضاء لم يبق مقبولا منه ، وهذا يدل على أنه كان متعمدا للفطر ، لم يكن ناسيا ولا جاهلا . اهـ .
إذ كيف يؤمر بالكفارة مع القضاء ؟
أليس يُكلّف بصيام شهرين متتابعين إذا لم يجد عتق رقبة ؟ أفلا يُجزئه ذلك عن اليوم الذي أفسده ؟
وإنما كانت الكفّارة أصلا لحُرمة الشهر ، وكل يوم له حُرمته .

10 = من وقع منه الجماع في نهار رمضان ، هل يؤمر بالإمساك بقية يومه ؟
هذا الذي يظهر لأنه انتهك حُرمة الشهر .
بخلاف المسافر إذا قدِم لأنه لم يُخاطب بالصيام من أول النهار .

11 = فيه التلميح المغني عن التصريح في قول الرجل : هلكت .. وقعت على امرأتي .. أصبت أهلي .

12 = هل يجوز للفقير أن يصرف الكفّارة إلى عياله كما فعل هذا الرجل ؟
ما في هذا الحديث واقعة عين لا عموم لها .

13 = المرأة شقيقة الرجل فإذا وقع منها ذلك راضية عالمة ذاكِرة ، وكانت ممن يجب عليها الصوم فعليها الكفارة المغلظة أيضا ، وهو قول الجمهور .

14 = لم يرد ذِكر للمرأة هنا ولا سؤال عنها .
ومثله حديث ماعز رضي الله عنه لما جاء تائبا لم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي زنى بها .
والجواب عن هذا :
أن من سأل أُجيب بقدر مسألته .
ولعل المرأة كانت مُكرهة
أو ناسية
أو ممن يُباح لها الفِطر ، كأن تكون حاملاً أو مُرضعاً فأفطرت ، أو طهُرت من حيض فواقعها .

15 = لابتيها : جاء تفسيرها في الحديث : يريد الحرّتين
وفسّرها المصنّف بقوله : الحرّة : أرض تركبها حجارة سُود .

16 = تعجّب النبي صلى الله عليه وسلم من حال هذا الرجل ، حيث جاء خائفاً شاكيا هلاكه ، ولما رأى من هشاشة النبي صلى الله عليه وسلم له قال ما قال في آخر الحديث ، من أجل ذلك :
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه .

17 = صِفَة ضحكه عليه الصلاة والسلام ، حيث لم يكن يضحك قهقهة بل كان يبتسم ، وإذا ضحك بدت أنيابه ، كما في هذا الحديث .



يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح الحديث الـ 191 في الصوم في السفر

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


شرح الحديث الـ 191
عن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أأصوم في السفر ؟ - وكان كثير الصيام - فقال : إن شئت فصُم ، وإن شئت فأفطر .

في الحديث مسائل :

1 = من روايات الحديث :
في رواية لمسلم : إني رجل أسرد الصوم ، أفأصوم في السفر ؟ قال : صُم إن شئت ، وأفطر إن شئت

في رواية لمسلم عن أبي مُراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر ، فهل عليّ جناح . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه .

2 = فيه حرص الصحابة رضي الله عنهم على السُّنة .

3 = وفيه مسارعتهم ومسابقتهم إلى فعل الخيرات ولو مع وجود المشقّة .

4 = فيه منقبة لهذا الصحابي رضي الله عنه حيث ذُكِر عنه أنه كثير الصيام .

5 = تفاضل الناس بالأعمال حتى في الدنيا .
فربما يُفتح لرجل في العِلم ما لا يُفتح لغيره .
ويُفتح لآخر في قراءة القرآن حتى يُعرف بأنه من أهل القرآن .
ويُفتح لآخر في الجهاد في سبيل الله .
وهذا يؤكد ما أشرت إليه – غير مرّة – أن وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم إنما تفاوتت بحسب تفاوتهم وقُدراتهم وبحسب أحوالهم أيضا .

6 = هذا الصحابي رضي الله عنه يجد من نفسه القوّة على الصيام في السفر ، ولا يجد المشقّة .
وأما إذا وُجدت المشقة فسوف يأتي الكلام عليها بالتفصيل – إن شاء الله - .

7 = المتنفّل أمير نفسه ، إن شاء أمضى ، وإن شاء قطع ، إلا في حج أو عمرة لقوله تعالى : ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )
فإذا صام الإنسان ثم سافر فله أن يُفطر وإن لم توجد المشقّة .
يستوي في ذلك صيام الفرض والنّفل ( صيام رمضان وصيام التطوّع في غير رمضان ) .

8 = لو دُعي إلى طعام وكان صائما فليدعُ لمن دعاه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا دُعي أحدكم فليُجب ، فإن كان صائما فليُصلِّ ، وإن كان مفطراً فليطعم . رواه مسلم .

ولكن إذا عَلِم أن هذا سوف يؤدي للغضب أو القطيعة فليأكل إذا كان صيامه تطوّعاً .



يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 192 في الصيام في السفر

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

شرح الحديث الـ 192
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كُـنّـا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يَعِب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم .

في الحديث مسائل :

1 = يستوي في هذا الصوم صيام الفريضة وصيام النافلة .

2 = عدم عيب المفطر على الصائم إذا كان الصائم يجد من نفسه قوّة ، ولم يكن فيه مشقّة .
أما إذا وُجدت المشقة البالغة فسوف يأتي فيها حديث جابر رضي الله عنه ، وهو الحديث الـ 194

3 = سعة الأفق في مسائل الخلاف عند السلف .
فالمفطر إذا رأى أن الفطر أفضل لعموم الأحاديث الواردة في الرخصة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله يحب أن تُؤتى رُخصه كما يكره أن تُؤتى معصيته . رواه الإمام أحمد .
لو رأى ذلك فإنه لا يعيب على المفطر
إذ أن المفطر معه دليله أيضا ، وهو الإذن بالصيام في السفر لمن وجد في نفسه قوة على الصيام .
وهذا فيما يُستساغ من الخلاف في المسائل الاجتهادية .

4 = جواز الصيام والإفطار في السفر ، وأنه لا يجب على الصائم أن يُفطر إلا حيث توجد المشقة والضرر .




يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 193 في صيام النبي صلى الله عليه وسلم في السفر

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

شرح الحديث الـ 193
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حرّ شديد حتى إنْ كان أحدُنا ليضع يده على رأسه من شدّة الحرّ ، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة

في الحديث مسائل :

1 = جواز الصيام في السفر لمن لم يشق عليه ، ولا توجد معه مضرّة ، أما يسير المشقة فهو موجود مع الصيام في السفر خاصة مع وجود الحرّ .

2 = لا تعارض بين هذا الحديث من فعله عليه الصلاة والسلام وبين ما سبق من قوله عليه الصلاة والسلام ، وما سيأتي في قوله : ليس من البرّ الصوم في السفر . وغيره من الأحاديث .

3 = اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة رغم أنه غُفِر له ما تقدّم مِن ذنبِه وما تأخّر .

4 = مَن صام في السفر أجزأه ولا يلزمه الإفطار إلا أن يشق عليه الصيام .

5 = فيه منقبة وفضيلة لعبد الله بن رواحة رضي الله عنه .

6 = لا يضرّ الصائم أن يعلم الناس بصومه من غير إظهار منه لذلك إلا عند الحاجة نحو قوله عليه الصلاة والسلام : فإن سابّـه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم . رواه البخاري ومسلم .


يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 194 في الصوم في السفر مع المشقة
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


شرح الحديث الـ 194
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فرأى زحاما ورجلاً قد ظُلل عليه ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : صائم . فقال : ليس من البرّ الصوم في السفر
ولمسلم : عليكم برخصة الله الذي رخّص لكم .

في الحديث مسائل :

1 = تنبيه :
أوهم كلام صاحب العمدة أن قوله صلى الله عليه وسلم : " عليكم برخصة الله التي رخّص لكم " مما أخرجه مسلم بشرطه ، وليس كذلك ، وإنما هي بقية في الحديث لم يُوصل إسنادها كما تقدم بيانه . نعم وقعت عند النسائي موصولة في حديث يحيى بن أبي كثير بسنده . اهـ . نـبّـه عليه الحافظ في الفتح .
وهذه الزيادة رواها مسلم بإسناده ، فقال :
وحدثناه أحمد بن عثمان النوفلي حدثنا أبو داود حدثنا شعبة بهذا الإسناد نحوه ، وزاد قال شعبة : وكان يبلغني عن يحيى بن أبي كثير أنه كان يزيد في هذا الحديث وفي هذا الإسناد أنه قال : عليكم برخصة الله الذي رخّص لكم . قال : فلما سألته لم يحفظه .
وهذا كما نبّه عليه الحافظ ليست برواية موصولة ؛ لأن شعبة قال : وكان يَبلُغني .. فلما سأل شعبة شيخه محمد بن عبد الرحمن بن سعد عن هذه الزيادة لم يعرفها.

وهذه الزيادة ثابتة عند النسائي وغيره ، ومعناها ثابت في أحاديث أخرى في الحثّ على الأخذ بالرخصة .

2 = كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، يعني في حال السفر وأثناء الطريق .

3 = لا تعارض بين هذا الحديث وبين الأحاديث السابقة واللاحقة .
لأن الصيام في السفر يجوز في حالات ، ويُمنع في حالات .

4 = معنى البِـرّ : التوسّع في الطاعة . وقيل معنى البِرّ : الطاعة .

5 = متى يكون الصيام في السفر ليس من البر ؟
إذا وُجدت المشقة أو غلب على الظن حصول الضرر .
إذا ظُن به الإعراض عن رخصة الله التي رخّص لعباده .
من خاف على نفسه العجب أو الرياء إذا صام في السفر .
إذا كان ذلك مدعاة للقعود عن العمل ، والتطلّع لخدمة الآخرين له .
[ أشار إليها الحافظ ابن حجر في الفتح ] .

أما مَن يسهل عليه الصيام ولا توجد معه مشقة ، كأن يكون سافر سفراً قصيراً ، أو بوسيلة مُريحة ، ولم يحتَجْ إلى خدمة الناس له ، ومَن يشقّ عليه القضاء بعد ذلك ، فالصيام في حقه أفضل .
لأنه أبرأ للذمّـة أولاً .
وثانياً : لا توجد المشقة .
وثالثاً : لتخيير النبي صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عمرو الأسلمي ، يدلّ على تساوي الطرفين في المسألة ، وأنه مُخيّر بين الصيام والإفطار في حال السفر في مثل هذه الحالات .

6 = تقييد قاعدة : العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
فقوله عليه الصلاة والسلام : ليس من البرّ الصوم في السفر .
لا عِبرة في عموم اللفظ ، وإنما العِبرة هنا بخصوص السبب .

7 = رواية : ليس من أم بر أم صيام في أم سفر . لا تصحّ ، وانظر لذلك الإرواء ( 4 / 58 ) .



يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 195 " ذهب المفطرون بالأجر "

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

شرح الحديث الـ 195
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فمِنّـا الصائم ، ومِنّـا المفطر . قال : فنـزلنا منـزلا في يوم حار ، وأكثرنا ظِلاًّ صاحب الكساء ، فمنا من يتقي الشمس بيده . قال : فسقط الصوّام ، وقام المفطرون ، فضربوا الأبنية ، وسقوا الرِّكاب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذهب المفطرون اليوم بالأجر .

في الحديث مسائل :

1 = قوله : " فمِنّـا الصائم ، ومِنّـا المفطر " هذا كما تقدّم في حديثه ( 192 ) : كُـنّـا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يَعِب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم .

فلا يُعاب على الصائم في السفر ، كما لا يُعاب على المفطر في السفر ، إذ الكلّ على خير .

2 = قوله : " وأكثرنا ظلا صاحب الكساء " يعني الذي يتّقي الشمس بكسائه من رداء ونحوه .

3 = قوله : " فسقط الصوّام " يعني أن الذين كانوا صاموا سقطوا من شدّة الإعياء ، وهذا لا شكّ يدلّ على جَهد ومشقّة .

4 = ألأبنية : جمع بناء ، والمقصود به البيوت التي تُنصب وتُنـزع ، كالخباء والقبة ونحوها .

5 = الرِّكاب : الإبل ، وجمعها : ركائب .

6 = ذهب المفطرون اليوم بالأجر .
أجر العامل بقدر عمله ، وكلما كان نفع العمل متعدّياً كان أكثر في الأجر ، لارتباطه بمصالح الخلق
والمعنى هنا : ذهب المفطرون اليوم بأجر يزيد على أجر الصائمين .


7 = حث الإسلام على العمل وعدم الاتكالية ، بحيث يتطلّع الإنسان إلى خدمة الآخرين له ، أو كفايته دون بذل جهد .

8 = الإسلام دين الكمال والشمولية ، فالصحابة رضي الله عنهم لما بنوا الأبنية لأنفسهم لم ينسوا دوابّهم من سقي وإطعام .

9 = تقديم الإحسان إلى الآخرين دون التطلّع إلى مكافئة منهم .

10 = تقديم الأهم فالأهم .
فحقوق الناس مُقدّمة على حقوق الحيوان .

11 = الأخذ بالرخصة قد يكون أفضل من الأخذ بالعزيمة ، كما هنا .
فالصوم عزيمة ، والفطر رُخصة .




يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 196 في تأخير قضاء رمضان


عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

شرح الحديث الـ 196
عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان .

في الحديث مسائل :

1 = وجوب قضاء الصوم على المستطيع .

2 = أن الحائض تقضي الصوم دون الصلاة ، وقد تقدّمت الإشارة إلى هذه المسألة في شرح الحديث الـ 49

3 = القضاء يجب على التراخي ، فجوز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان ، إلا أنه لا يجوز تأخيره إلى أن يأتي رمضان الآخر .

4 = هل يُتصوّر أن عائشة رضي الله عنها لم تكن تصوم صيام تطوّع ؟
الجواب : نعم
وذلك لأمور :

الأول : انه لا يجوز للمرأة أن تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه .
لقوله عليه الصلاة والسلام : لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه . رواه البخاري ومسلم .
الثاني : أن القضاء واجب وهو مُقدّم على صيام التطوّع ، فلا يُتصوّر تقديم التطوّع والذمّة مشغولة بالواجب .
الثالث : تعليل عائشة رضي الله عنها لعدم صومها بأنه شغلها برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت أحب أزواجه إليه ، ولذا جاء في تتمة حديث الباب : الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم .

لكن قد يَرِد إشكال ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له تسع نسوة ، أي أن عائشة رضي الله عنها تستطيع أن تصوم في غير يومها .
والجواب عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة ، وله يومئذ تسع نسوة . رواه البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه .

وأطلت في هذه المسألة لأن من الناس من يستدل بمفهوم قول عائشة رضي الله عنها ولا يستدل بمنطوقه .
فيقول : لا يُتصوّر أن عائشة رضي الله عنها على فضلها لا تصوم تطوّعا .
وقد علمت الجواب عن هذا القول .
والحلاف المبني على ذلك :
هل تُصام الستة أيام من شوال قبل القضاء ؟
والجواب أن الحديث صريح في ذلك : من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر . رواه مسلم .
فإنه قال : مَن صام رمضان .
والذي عليه قضاء لم يَصُم رمضان بل صام بعضه .

5 = فضل عائشة رضي الله عنها ومكانتها عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد سأل عمرو بن العاص النبي عليه الصلاة والسلام : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال قلت : من الرجال ؟ قال : أبوها . قلت : ثم من ؟ قال : عمر ، فَعَدّ رجالا . رواه البخاري ومسلم .

6 = تؤجر المرأة إذا تركت بعض النوافل لرعاية بيتها وزوجها .
فإذا نوت صيام التطوّع ومنعها زوجها فإنها تؤجر على ذلك .

7 = عِظم حق الزوج ، إذ يُقدّم حق الزوج على نوافل الطاعات ، ومثله حق الأهل يُقدّم على نوافل الطاعات ؛ لأن الحقوق واجبة لازمة ، بخلاف النوافل .


يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 197 في من مات وعليه صيام

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

شرح الحديث الـ 197
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من مات وعليه صيام صام عنه وليّه .
وأخرجه أبو داود ، وقال : هذا في النذر خاصة ، وهو قول أحمد بن حنبل رحمه الله .

في الحديث مسائل :

1 = المصنف رحمه الله ليس من عادته سياق الأقوال ولا الإشارة إلى الخلاف ، وإنما أشار إليه ، لوجود الخلاف وقوّته .

2 = قوله عليه الصلاة والسلام " مَنْ مات وعليه صيام " نكرة في سياق الشرط فتعُمّ .
وهذا منشأ الخلاف وسببه .
في حين أن العبادات البدنية المحضة لا تدخلها النيابة .
قال ابن عبد البر رحمه الله : أما الصلاة فإجماع من العلماء أنه لا يُصلِّي أحد عن أحد فرضا عليه من الصلاة ، ولا سنة ، ولا تطوعا لا عن حي ولا عن ميت ، وكذلك الصيام عن الحي لا يجزئ صوم أحد في حياته عن أحد ، وهذا كله إجماع لا خلاف فيه .
وأما من مات وعليه صيام فهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا . اهـ . ثم ذكر الخلاف .

وقال ابن قدامة في المغني : من مات وعليه صيام من رمضان لم يَخْلُ من حالين :
أحدهما : أن يموت قبل إمكان الصيام ، إما لضيق الوقت ، أو لعذر من مرض أو سفر ، أو عجز عن الصوم ؛ فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم . وحُكي عن طاوس وقتادة أنهما قالا : يجب الإطعام عنه ؛ لأنه صوم واجب سقط بالعجز عنه فوجب الإطعام عنه كالشيخ الهِمّ إذا ترك الصيام لعجزه عنه .
ولنا إنه حق لله تعالى وجب بالشرع مات من يجب عليه قبل إمكان فعله ، فسقط إلى غير بدل كالحج
الحال الثاني : أن يموت بعد إمكان القضاء ، فالواجب أن يُطعم عنه لكل يوم مسكين ، وهذا قول أكثر أهل العلم . رُوي ذلك عن عائشة وابن عباس ، وبه قال مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي والخزرجي وابن علية وأبو عبيد في الصحيح عنهم . اهـ .

وبهذا أفتى غير واحد من الصحابة :
قال عمر بن الخطاب : إذا مات الرجل وعليه صيام رمضان آخر أُطعم عنه عن كل يوم نصف صاع من بُـرّ . رواه عبد الرزاق .
وابن عباس رضي الله عنهما رُوي عنه أنه أفتى في قضاء رمضان ، فقال : يُطعم . وفي النذر : يُصام عنه . رواه عبد الرزاق .

وقال ابن عبد البر في الاستذكار : لولا الأثر المذكور لكان الأصل القياس على الأصل المجتمع عليه في الصلاة ، وهو عمل بدن لا يصوم أحد عن أحد ، كما لا يُصلي أحد عن أحد . اهـ .

يعني الأصل أن لا يُصام عنه لا في النذر ولا في غيره ، ولكن لورود الحديث عُدِل عن الأصل .

3 = ما المقصود بالوليّ هنا ؟
هو القريب عموماً .
ويجوز أن يصوم عنه غير القريب ؛ لأن الولي هنا خرج مخرج الغالب ، أو لأنه الأوْلى .
قال ابن قدامة : ولا يختص ذلك بالولي ، بل كل من صام عنه قضى ذلك عنه وأجزأ ؛ لأنه تبرع فأشبه قضاء الدين عنه . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وشبّه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالدَّين يكون على الميت ، والدَّين يصحّ قضاؤه من كل أحد ، فدل على أنه يجوز أن يفعل ذلك من كل أحد لا يختص ذلك بالولد . اهـ .

وسيأتي مزيد بيان وبسط في شرح الأحاديث التالية .


يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم


شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 198 في قضاء صيام النذر عن الميت

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

شرح الحديث الـ 198
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر ، أفأقضيه عنها ؟ فقال : لو كان على أمِّك دَين أكنت قاضيه عنها ؟ قال : نعم . قال : فَدَيْن الله أحق أن يُقضى .
وفي رواية : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر ، أفأصوم عنها ؟ قال : أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه ، أكان يؤدّي ذلك عنها ؟ قالت : نعم . قال : فصومي عن أمك .

في الحديث مسائل :

1 = من روايات الحديث :
ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة الأنصاري استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه ، فتوفيت قبل أن تقضيه ، فأفتاه أن يقضيه عنها ، فكانت سنة بعد

وفي رواية للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أمي نذرت أن تحج ، فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟ قال : نعم ، حجي عنها . أرأيت لو كان على أمك دين ، أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء .
وبوّب عليه الإمام البخاري فقال : باب من شبّه أصلا معلوماً بأصل مُبيَّن وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم حكمهما ليفهم السائل .

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال : بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة ، فقالت : إني تصدقت على أمي بجارية ، وإنها ماتت . قال : فقال : وجب أجرك وردّها عليك الميراث . قالت : يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر ، أفأصوم عنها ؟ قال : صومي عنها . قالت : إنها لم تحج قط ، أفأحج عنها ؟ قال : حجي عنها .

فالذي يظهر من مجموع الروايات أن السؤال كان عن صيام نذر .
والنذر يُباين الصوم ويُخالفه في كونه ليس بواجب أصلاً ، إنما أوجبه العبد على نفسه ، فصار كالدّين الذي ألزمه ذمّته .

وفي المسألة خلاف ، سبقت الإشارة إليه
والخلاف في قضاء رمضان لمن قدر عليه ولم يقضِ .
أما قضاء النذر فالحديث صريح فيه .
وأما من مات ولم يتمكن من القضاء فلا شيء عليه .
ومن مات وعليه إطعام بدل الصيام أُطعِم عنه .

2 = إثبات القياس ، حيث قاس النبي صلى الله عليه وسلم قضاء النذر بقضاء الدَّين .

فيجوز أن يُقاس ما يخفى على ما هو معلوم مُبيّن .
ولذا قال الإمام البخاري : باب مَنْ شبّه أصلا معلوماً بأصل مُبيَّن .
ولكن ينبغي التنبّه إلى أن أكثر ما يُخطئ فيه الناس : التأويل والقياس ، كما قال الإمام أحمد رحمه الله

فمن الخطأ القياس على ما ليس بـمُبيّن ، كأن يقيس على مسألة خلافية
كقياس بعض الناس تدخين السجائر في رمضان على البخور .
فيقول بعضهم : هذا دخّان وهذا دخّان !
فيُقال له : هذا القياس باطل ، لعدّة أسباب ، منها :
أنه قياس مع الفارِق ، والقياس مع الفارق باطل .
فهو يقيس الخبيث على الطِّيب الطَّيِّب .
فالطِّيب مما حُبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
والتدخين ما يُجمع العقلاء على أنه خبيث كريه الرائحة ، ويُجمع الأطباء على ضرره .
ويقيس ما يضرّ على ما ينفع
ويقيس ما يُشرب على ما لا يُشرب
فالناس يقولون : فلان يشرب الدخّان !
ثم إنه يضع السيجارة بين شفتين ويمصّها ، بخلاف البخور .

إلى غير ذلك من الفُروق التي يُعلم معها بطلان مثل هذا القياس .

3 = مشروعية القضاء عن الميت ، وإبراء ذمّته .
سواء كان ذلك نذراً أو كان مما لزمه كالحج .
والوقوف مع النصوص هو جادة السلف الصالح .

فلا يجوز تعدّي النصوص وقياس ما لا يُقاس كإهداء ثواب العمل من صلاة أو قراءة للقرآن ونحو ذلك .

4 = لا يجب قضاء النذر وإنما هو تبرّع من قريب أو بعيد عن الميت .
كما لا يجب قضاء دينه ، إنما هو من باب التبرّع وإبراء الذمّة .



يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 199 في تعجيل الإفطار


عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

شرح الحديث الـ 199
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر .

في الحديث مسائل :

1= ورد في بعض نسخ العُمدة زيادة : وأخّروا السّحور .
وهي ليست في الصحيحين بل ولا في الكُتب الستة ، وهي زيادة ضعيفة .
ويظهر أنها من زيادة بعض النُّسّاخ .

ويُغني عنها قوله عليه الصلاة والسلام : إنا معاشر الأنبياء أُمرنا بثلاث : بتعجيل الفطر ، وتأخير السحور ، ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة . رواه الحاكم وغيره ، وهو في صحيح الجامع

2= ما هي العلّة في تعجيل الإفطار ؟
مُخالفة اليهود ومن وافقهم ممن ينتسب إلى الإسلام !
قال صلى الله عليه وسلم : لا يزال الدِّين ظاهرا ما عجل الناس الفطر ، إن اليهود والنصارى يؤخرون . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان .
وفي رواية : لا يزال الناس بخير ما عَجَّلُوا الفطر . عَجِّلُوا الفطر ، فإن اليهود يؤخرون .

والتميّز مطلوب وإن اختلف القصد
ففي السحور قوله عليه الصلاة والسلام : فصل ما بين صيامِنا وصيامِ أهل الكتاب أكلة السحر . رواه مسلم .

3= استحباب تعجيل الإفطار ولو على ماء .
قال أنس : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط صلى صلاة المغرب حتى يُفطر ، ولو على شربة من ماء . رواه ابن حبان وغيره .
وقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفطر على رطبات قبل أن يُصلي ، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات ، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال أمتي على سنتى ما لم تنتظر بِفطرها النجوم . رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .

4= التّمسّك بالسنة سبب لحصول الخير .

5= مِن فقه الرجل المبادرة إلى الإفطار ولو بشيء يسير قبل صلاة المغرب ، وعدم تأخير الإفطار احتياطاً .
روى مسلم عن أبي عطية قال : دخلت أنا ومسروق على عائشة فقلنا : يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة ، والآخر يؤخّر الإفطار ويؤخر الصلاة . قالت : أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة ؟ قال : قلنا : عبد الله يعني بن مسعود . قالت : كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفي الصحيحين عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال لرجل : انزل فاجدح لنا . قال : يا رسول الله الشمس ! قال : انزل فاجدح لنا . قال : يا رسول الله الشمس ! قال : انزل فاجدح لنا ، فنـزل فجدح له ، فشرب ، ثم رمى بيده ها هنا ثم قال : إذا رأيتم الليل أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشز ، فإذا قال : قد غابت الشمس . أفطر . رواه الحاكم .

وهذا خلاف حال المتنطّعين الذين يطلبون الاحتياط خلافا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .



يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 200 في وقت إفطار الصائم


عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

شرح الحديث الـ 200

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا . وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا : فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ .

فيه مسائل :


1= " أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا " يعني : مِن جهة المشرق .

2= " وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا " يعني : مِن جهة المغرب .

3= " أفطر الصائم " : هل هو حقيقة أو حُكْمًا ؟
هو حُكمًا ، أي : جاز له الإفطار ، وإطاره بِمباشرة الْمُفطِّرَات .

4= لو حُمِل على الحقيقة لم يكن للحثّ على تعجيل الإفطار معنى !
قال الصنعاني : الْمُرَادَ بِأَفْطَرَ دَخَلَ فِي وَقْتِ الإِفْطَارِ ، لا أَنَّهُ صَارَ مُفْطِرًا حَقِيقَةً ، كَمَا قِيلَ ؛ لأَنَّهُ لَوْ صَارَ مُفْطِرًا حَقِيقَةً لَمَا وَرَدَ الْحَثُّ عَلَى تَعْجِيلِ الإِفْطَارِ ، وَلا النَّهْيُ عَنْ الْوِصَالِ ، وَلا اسْتَقَامَ الإِذْنُ بِالْوِصَالِ إلَى السَّحَرِ . اهـ .

ولو حُمِل على الحقيقة ، لم يكن للوصال معنى .
قال ابن القيم : ليس المراد به أنه أفطر حُكْمًا ، وإن لم يُباشِر الْمُفَطِّرَات ، بِدَليل إذنه لأصحابه في الوصال إلى السَّحَر ، ولو أفطروا حُكْمًا لاستحال منهم الوصال . اهـ .
وحَمَله الخطابي على الإفطار حقيقة ، واستدلّ به على بُطلان الوصال !

ولو حُمِل على الحقيقة لكان " مَن اغتاب في صومه أو شَهِد بِزُور مُفْطِر حُكْمًا ، ولا فَرْق بينهما " كما قال القرطبي .

5= قال النووي : معناه : انقضى صومه وتَمّ ، ولا يُوصَف الآن بأنه صائم ، فإن بغروب الشمس خرج النهار ودخل الليل ، والليل ليس مَحَلاًّ للصوم . وقوله صلى الله عليه و سلم : " أقبل الليل ، وأدبر النهار ، وغَرَبت الشمس " قال العلماء : كل واحد مِن هذه الثلاثة يتضمن الآخَرين ويُلازمهما ، وإنما جَمَع بينها لأنه قد يكون في وادٍ ونحوه بحيث لا يُشَاهِد غُروب الشمس ، فيعتمد إقبال الظلام وإدبار الضياء. اهـ .

6 = انعقد الإجماع على أن وقت الإفطار هو وقت صلاة المغرب ، ووقت صلاة المغرب مِن مغيب الشمس . وفي حديث بريدة رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة ، فقال له : صلِّ معنا هذين - يعني اليومين - فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذّن ثم أمره فأقام الظهر ، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاءُ نقية ، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس .. الحديث . رواه مسلم .
قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أنه إذا حَلَّتْ صلاة المغرب فقد حَلّ الفطر للصائم فرضا وتطوعا ، وأجمعوا أن صلاة المغرب مِن صلاة الليل ، والله - عز وجل - يقول : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) . اهـ .
وقال الباجي : تَمَامُ الصَّوْمِ وَوَقْتِ الْفِطْرِ : هُوَ إِذَا انْقَضَى غُرُوبُ الشَّمْسِ وَكَمُلَ ذَهَابُ النَّهَارِ . اهـ .

7 = العبرة بِغروب قرص الشمس ، ولا عِبرة ببقاء الحمرة والصفرة .
وسبق ما يتعلق تعجيله صلى الله عليه وسلم للإفطار ، في شرح حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ، وهو الحديث السابق .
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ : هَلْ يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يُفْطِرَ بِمُجَرَّدِ غُرُوبِهَا ؟
فَأَجَابَ : إذَا غَابَ جَمِيعُ الْقُرْصِ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ، وَلا عِبْرَةَ بِالْحُمْرَةِ الشَّدِيدَةِ الْبَاقِيَةِ فِي الأُفُقِ .
وَإِذَا غَابَ جَمِيعُ الْقُرْصِ ظَهَرَ السَّوَادُ مِنْ الْمَشْرِقِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنَا ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَهُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ . اهـ .

8 = اسْتُدِلّ بهذا الحديث على إثبات الوصال ، واخْتُلِف في حُكم الوصال وبقائه . وسيأتي في حديث ابن عمر بعد هذا الحديث حُكم الوصال .

وبالله التوفيق .



يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 201 في النهي عَن الْوِصَال


عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

شرح الحديث الـ 201

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوِصَالِ . قَالُوا : إنَّكَ تُوَاصِلُ . قَالَ : إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ , إنِّي أُطْعَمَ وَأُسْقَى .
وَرَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ .
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه : فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ .

فيه مسائل :


1= معنى الوصال :
قال القاضي عياض : هو متابعة الصوم دون الإفطار بالليل .
وقال ابن الأثير : هو أن لا يُفْطِرَ يَوْمَيْن أو أيَّاما .

2= الحكمة من النهي عن الوصال :
أ – رحمة بهم ، وإبقاء عليهم ، وفي التنزيل : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت : نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رَحمة لهم . رواه البخاري ومسلم .
ب – النهي عن التعمّق والتكلّف .
قال الإمام البخاري : باب الوصال . ومَن قال ليس في الليل صيام لقوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه رحمة لهم وإبقاء عليهم ، وما يُكْرَه مِن الـتَّعَمُّق .
وفي حديث أنس رضي الله عنه : قال : وَاصَل النبي صلى الله عليه وسلم آخر الشهر ، وواصَل أناس مِن الناس ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالاً يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ . رواه البخاري ومسلم .
جـ - لِمَا فيه مِن ضعف القوة ، وإنهاك الأبدان . قاله القرطبي .
د – دَفْع الْملل ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! عَلَيْكُمْ مِنْ الَْعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ . رواه البخاري ومسلم .
ولَمَا نَهى عن الوصال صلى الله عليه وسلم قال : فَاكْلَفُوا مِنْ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ . رواه البخاري ومسلم مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
هـ - يُنهَى عن الوصال مِن أجل مُخالفة أهل الكتاب . ولذلك كانت أكلة السَّحَر مِما يُخالَف به أهل الكتاب .
و – لِمَا في الوصال مِن تضييع الحقوق والتقصير فيها ، وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يصوم النهار ويقوم الليل ، فلمّا زاره سلمان رضي الله عنه قال له سلمان : إن لربك عليك حقّا ، ولنفسك عليك حقّا ، ولأهلك عليك حقّا ، فأعطِ كل ذي حق حقّه ، فأتى أبو الدرداء النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق سلمان . رواه البخاري . وسيأتي في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما .

3 = قول الصحابة رضي الله عنهم : " إنك تُواصِل " ليس فيه اعتراض ، وإنما هو سؤال واستفسار عن شأنه صلى الله عليه وسلم ، أنه يُواصِل وَيَنْهَى عن الوصال . لأنه صلى الله عليه وسلم كان قدوة لأصحابه ، وكان إذا أمرهم بأمر فَعَله ، وكان إذا أمرهم بأمر ابتدروا أمْرَه .
وأما نهيه صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، ووصَال أناس منهم ، فإنه ليس معصية ولا على سبيل المنازعة له صلى الله عليه وسلم ، بل فهموا أن النهي ليس على سبيل المنع ، وإنما كان إبقاء عليهم .

قال القرطبي : واحتج مَن أجاز الوصال بأن قال : إنما كان النهي عن الوصال لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام ، فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكلفوا الوصال وأعلى المقامات ، فيفتروا أو يَضعفوا عَمَّا كان أنفع منه مِن الجهاد والقوة على العدو ، ومع حاجتهم في ذلك الوقت .
وكان هو يلتزم في خاصة نفسه الوصال وأعلى مقامات الطاعات ، فلما سألوه عن وصالهم أبْدَى لهم فارِقًا بينه وبينهم ، وأعلمهم أن حالته في ذلك غير حالاتهم ، فقال : " لَسْتُ مثلكم إني أبيت يُطعمني ربي ويَسقيني " .
فلما كَمُل الإيمان في قلوبهم واستحكم في صدورهم ورَسَخ ، وكَثُر المسلمون وظهروا على عدوهم ، واصل أولياء الله وألزموا أنفسهم أعلى المقامات . اهـ .

وقال ابن كثير : يحتمل أنهم كانوا يَفهمون مِن النهي أنه إرْشَاد ، أي : مِن باب الشفقة ، كما جاء في حديث عائشة : "رحمة لهم" . اهـ .

4 = حرص الصحابة رضي الله عنهم على الخير ، وإن كان فيه مشقّة .

5 = الخلاف في الوصال :
اخْتُلِف في حُكم الوصال على ثلاثة أقوال :
القول الأول : جائز مع الكراهة ، وحكمه باقٍ .
والقول الثاني : منهي عنه ، وهو منسوخ . وحُجة أصحاب هذا القول أن الليل ليس محلاًّ للصوم .
والجواب عنه ما قاله أبو الوليد الباجي : إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوِصَالُ وَيَصِحُّ ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُصَامُ زَمَنَ اللَّيْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ لِلنَّهَارِ ، فَأَمَّا أَنْ يُفْرَدَ بِالصَّوْمِ فَلا يَجُوزُ . اهـ .
والقول الثالث : أنه خاص بِرسول الله صلى الله عليه وسلم .

6 = الراجح في حُكم الوصال :
قال القرطبي : وعلى كراهية الوصال - ولِمَا فيه مِن ضعف القوى وإنهاك الابدان - جمهور العلماء .
وقد حَرَّمَه بعضهم لِمَا فيه من مخالفة الظاهر والتشبه بأهل الكتاب . اهـ .
وسبب الكراهية : ترك الإفطار ، وقد جاء الحثّ على تعجيل الإفطار ، وترك أكلة السحور التي جاء الحثّ عليها أيضا ، وما فيها من البركة .
فإن أدّى الوصال إلى ضرر فإنه مُحرّم .
وكان ابن الزبير رضي الله عنهما يُواصِل سبعة أيام .
وكان أبو الجوزاء يُواصِل سبعا . ولو قَبَض على ذراع الرجل الشديد لَحَطمها !

7 = الوصال الجائز ، هو ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام : " فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ " .
قال القرطبي : قالوا : وهذا إباحة لتأخير الفطر إلى السَّحَر ، وهو الغاية في الوصال لمن أراده ، ومنع من اتصال يوم بيوم ، وبه قال أحمد وإسحاق . اهـ .

8 = يُؤجر الصائم على الوصال المشروع ، وإن كان الليل ليس محلاًّ للصوم ؛ لأن صيام الليل تَبَع لِصيام النهار .

9 = في حديث سهل بن سعد الحثّ على تعجيل الأفطار ، والوصال يُفوِّت ذلك . فكيف الجمع بينهما ؟
الجمع بينهما ، أن يُقال :
أ – حديث سهل هو الأصل ، وهو في حقّ أكثر الناس .
وحديث أبي سعيد في حالات مُستثناة ، وهو خلاف الأصل .
ب – حديث أبي سعيد لا يُعارِض ما في حديث سهل ؛ لأن من أراد الوصال لا يُخاطَب بتعجيل الإفطار .
جـ - تأخير الأفطار في حال الوصال لا يُراد منه الاحتياط والتنطّع ، وليس فيه شُبهة موافقة أهل الكتاب .
د – الوصال المشروع تأخير الإفطار إلى السحر ، بحيث يكون الإفطار والسحور في وقت واحد .

10 = جواز التعزير على مُخالفة أمر الإمام ورئيس القوم إذا كان الأمر لمصلحتهم .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم نَكّل بأصحابه – فواصل بهم – كالْمُنكِّل بهم .
ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه : فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال ، واصَل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال ، فقال : لو تأخر لَزِدْتكم ، كالْمُنَكِّل بهم حين أبَوا . رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث أنس رضي الله عنه : قال : وَاصَل النبي صلى الله عليه وسلم آخر الشهر ، وواصَل أناس مِن الناس ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لَوْ مُدَّ لَنَا الشَّهْرُ لَوَاصَلْنَا وِصَالاً يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ . رواه البخاري ومسلم .

11 = " إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ " حُمِل على قوّة تحمّله عليه الصلاة والسلام . وما اختُصّ به عليه الصلاة والسلام .

12 = " إنِّي أُطْعَمَ وَأُسْقَى " ليس على حقيقته .
قال ابن كثير : الأظهر أن ذلك الطعام والشراب في حقه إنما كان معنويًّا لا حِسيًّا ، وإلا فلا يكون مُواصِلاً مع الحسي . اهـ .
وقال ابن حجر : وقال الجمهور : قوله : " يطعمني ويسقيني " مجاز عن لازِم الطعام والشراب ، وهو القوة ، فكأنه قال : يعطيني قوة الآكِل والشارِب ، ويُفيض عليّ ما يَسِدّ مَسَدّ الطعام والشراب ، ويَقْوَى على أنواع الطاعة من غير ضعف في القوة ولا كِلال في الإحساس . أو المعنى : إن الله يخلق فيه مِن الشبَع والرّيّ ما يغنيه عن الطعام والشراب ، فلا يحس بجوع ولا عطش . اهـ .
وحُمِل على اكتفائه صلى الله عليه وسلم بالذِّكر في حال الوصال .
قال ابن القيم عن الذِّكْر : قُوت القلب والروح ، فإذا فقده العبد صار بِمَنْزِلة الجسم إذا ِحيل بينه وبين قُوتِه ، وحَضَرْت شيخ الإسلام ابن تيمية مَرَّة صَلَّى الفجر ، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب مِن انتصاف النهار ، ثم التفتَ إليّ ، وقال : هذه غَدْوَتي ، ولو لم أتَغَدّ الغداء سقطت قوتي ، أو كلاما قريبا من هذا . اهـ .

13 = الأحاديث التي أشار إليها المصنف رحمه الله ، مُخرّجة في الصحيحين .

14 = قول المصنف : " وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " هذه الرواية ليست عند مسلم ، وقد رواها البخاري بلفظ : لا تُواصِلوا ، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر .

وبالله التوفيق .



يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 202 في الاقتصاد في الطاعة

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

شرح الحديث الـ 202

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ : أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَقُولُ : وَاَللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ , وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ . فَقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أنت الذي تقول ذلك ؟ فَقُلْتُ لَهُ : قَدْ قُلْتُهُ , بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي . فَقَالَ : فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ . فَصُمْ وَأَفْطِرْ , وَقُمْ وَنَمْ . وَصُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا . وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ . قُلْتُ : فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ . قُلْتُ : أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : فَصُمْ يَوْماً وَأَفْطِرْ يَوْما . فَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ دَاوُد عليه الصلاة والسلام . وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ . فَقُلْتُ : إنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ .
وَفِي رِوَايَةٍ : لا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ أَخِي دَاوُد – شَطْرَ الدَّهْرِ – صُمْ يَوْما وَأَفْطِرْ يَوْما .
وعَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُد . وَأَحَبَّ الصَّلاةِ إلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُد . كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ , وَيَقُومُ ثُلُثَهُ . وَيَنَامُ سُدُسَهُ . وَكَانَ يَصُومُ يَوْما وَيُفْطِرُ يَوْما .

فيه مسائل :


1 = " : أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ " : فيه مسائل :
أ – جواز الإخبار باسم الشخص عند الاستفتاء .
ب – جواز شكاية مَن خالف السنة ، ورفع أمره إلى من بيده إصلاحه ، وليس هذا من النميمة ، ونقل الكلام المذموم .
جـ - في هذه الرواية " أُخْبِرَ " ، وفي روايات أن الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك هو عمرو بن العاص والد عبد الله .
د – سبب شكاية عمرو لابنه : أنه زوّجه امرأة مِن قريش ، فلم يكن يلتفت إليها لقوّته على العبادة !
قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أنكحني أبي امرأة ذات حسب ، فكان يتعاهد كَنَّتَهُ فيسألها عن بعلها ، فتقول : نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا ، ولم يَفْتش لنا كَنَفاً مذ أتيناه ! فلما طال ذلك عليه ذَكَر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : القني به . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية قال رضي الله عنه : زوّجني أبي امرأة من قريش ، فلما دخلت على جعلت لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة ، فجاء عمرو بن العاص إلى كَـنَّـتَه حتى دخل عليها ، فقال لها : كيف وَجَدْتِ بَعْلك ؟ قالت : خير الرجال - أوْ كَخَير البعولة - مِنْ رجل لم يَفْتِش لنا كَنَفًا ، ولم يَعْرف لنا فِرَاشا ، فأقبل عليّ فَعذلني وعضّني بِلِسَانِه ، فقال : أنكحتك امرأة من قريش ذات حسب فَعَضَلْتَها وفَعَلْتَ وفَعَلْتَ ، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكاني ، فأرسل إليّ النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته ... الحديث . رواه الإمام أحمد .
ومعنى ( عضّني ) أي شدّد علي القول .

2 = لا تعارُض بين هذه الروايات وبين رواية " بَلَغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أسرد الصوم وأصلي الليل ، فإما أرسل إليّ ، وإما لقيته ... " ؛ لأن بلوغ الخبر في سرد الصوم وصلاة الليل هو سبب شكايته !
ويُحتَمل أن يكون أن النبي صلى الله عليه وسلم أُخْبِر ، ثم جاء والده يشكوه .

3 = كراهية سرد الصوم لِمَا فيه مِن الملال ، ولِمَا يترتّب عليه من تفويت بعض الحقوق .
وهذا ما حدث لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بعدما كبُر .
قال عبد الله : فليتني قَبِلْتُ رُخْصَة رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري ومسلم .
وسبب قوله هذه أنه كَرِه أن يُغيِّر من أمْر الْتَزَمه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكراهية ترك ما لَزِمَه وداوم .
وليس معنى ذلك أنه أوْجَبه على نفسه .

4 = " وَاَللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ , وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ " هذا يمين ، وهو في معنى النذر ، ولم يُنْه عنه ؛ لأن المراد منه التبرُّر .
ولم يُذكر أنه صلى الله عليه وسلم أمره بالكفارة ؛ فإما أن يكون ما خرج عن حدّ يمينه ؛ لأنه سيصوم صيام داود ، وهو في معنى صيام الدهر وأكثر ؛ لأن من صام ثلاثة أيام من كل شهر ، فكأنما صام الدهر .
وكذلك بالنسبة للقيام .
وإما أن يكون أُمِر بالكفارة ، ولم يُنقل لخصوص الأمر بِصاحبه .

5 = قوله عليه الصلاة والسلام : " أنت الذي قلتَ ذلك ؟ " فيه : التثبّت والسؤال عما يُنقَل قبل العِتاب .

6 = قوله عليه الصلاة والسلام : " "فإنك لا تستطيع ذلك " : محمول على الدوام وما يُفضي إليه إذا كبُر .
أو أنه محمول على أنه لا يستطيع ذلك مع أداء الحقوق الواجبة عليه .
ولذلك قال له عليه الصلاة والسلام : فإن لزوجك عليك حقا ، ولِزَوْرِك عليك حقا ، ولجسدك عليك حقا .

7 = " فَصُمْ وَأَفْطِرْ , وَقُمْ وَنَمْ " موازنة الإسلام بين حاجات الجسد وحاجات الروح ، والاعتدال في أداء الحقوق .

8 = فيه الأدب في مراجعة الْمربِّي والعالِم والكبير ، " فإني أُطِيق أكثر من ذلك " .

9 = " لا صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ أَخِي دَاوُد " : فيه الاقتداء بالأبياء والصالحين ، كما قال تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) .

10 = بيان أفضل الصيام لِمن أطاقه ، وهو صوم نبي الله داود عليه الصلاة والسلام .
ولا تعارض بين هذا التفضيل مع تفضيل صيام شهر االله الْمُحرَّم .
قال المناوي : وتفضيل صوم داود باعتبار الطريقة وهذا [صيام شهر محرّم ] باعتبار الزمن . اهـ .

11 = " وَصُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا . وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ " سيأتي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الوصية بِصيام ثلاثة أيام من كل شهر .

12 = الحديث في الأصل أطول من هذا ، وفيه : الأمر بقيام بعض الليل لا كلّه ، وفيه الأمر بقراءة القرآن كل سبعة أو كل ثلاثة أيام .
قال البخاري رحمه الله عن مسألة القراءة والْخَتْمة : وقال بعضهم في ثلاث ، وفي خمس ، وأكثرهم على سَبْع .

13 = مَن فُتِح عليه في عبادة أو في عِلْم أو في عمل خير ، فلا يُنكَر عليه ما لم يُخالِف السنة ، ولا يُصْرَف إلى غيره .
وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مثال على ذلك ، فقد فُتِح له في العبادة أكثر من غيرها ، مما جعله ينصرف عن العِلْم إلى العبادة أكثر .
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول : ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثًا عنه مِنِّي إلاَّ ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يَكتب ولا أَكْتُب . رواه البخاري .

وكَتَبَ عبد الله بن عبد العزيز العُمَريّ العابد إلى الإمام مالك يحضُّه إلى الانفراد والعمل ، ويَرْغَب به عن الاجتماع إليه في العِلْم ، فكتب إليه مالك : إن الله عز وجل قَسَم الأعمال كما قَسَم الأرزاق ، فَرُبّ رَجُلٍ فُتِح له في الصلاة ولم يُفتح له في الصوم ، وآخر فُتِح له في الصدقة ولم يُفتح له في الصيام ، وآخر فُتِح له في الجهاد ولم يُفتح له في الصلاة ، ونشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر ، وقد رضيت بما فُتِحَ الله لي فيه من ذلك ، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه ، وأرجو أن يكون كلانا على خير ، ويجب على كل واحد منا أن يرضى بما قُسِمَ له ، والسلام .

14 = فيه تفقّد الإمام رعيته , وتفقّد الرجل أصحابه .

15 = تفقّد الرجل لِحال ابنه ، والسؤال عن أحواله على سبيل الإصلاح ، لا على سبيل الفضول والإفساد ! وهو التدخّل في خصوصيات حياتهم .
ولهذا السؤال والتفقّد أصل في عَمَل الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع ابنه إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، وخبره في صحيح البخاري .

16 = ترتيب الأولويات :
قال ابن حجر : الأولى في العبادة تقديم الواجبات على المندوبات ، وأن مَن تَكَلَّف الزيادة على ما طُبِع عليه يَقَع له الخلل في الغالب .

17 = الأمر بالاقتصاد في العبادة ، وكراهية التشديد على النفس .
قال عليه الصلاة والسلام : والقصد القصد تبلغوا . رواه البخاري .

18 = الإشارة إلى المداومة على العمل ، وإن قَـلّ . وهذا كان هديه عليه الصلاة والسلام ، كما قالت عائشة رضي الله عنها ، وقد تقدّم هذا .
وأن قليل دائم خير من كثير مُنقطِع .

18 = العِبْرَة بِحُسن العمل وموافقته للسنة ، وليست العِبرة بِكثرة العمل .
قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) قال الفضيل بن عياض : هو أخلص العمل وأصوبه ، قالوا : يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يُقْبَل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يُقْبَل ، حتى يكون خالصا وصوابا ، فالخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة .

19= " إنَّ أَحَبَّ الصِّيَامِ إلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُد " فيه فوائد :
أ – إثبات صِفة الحبّ لله عزّ وجلّ .
ب – عِظَم أجْر مَن صام يوما وأفطر يوما ، وأن ذلك ليس من التشدّد .
جـ - فضْل هذه العبادات ، فيما يتعلّق بالطاعات اللازمة ، فيما بينها مِن تفاضُل .
د – تفاضل الأعمال .

20 = " صُم يوما وأفطر يوما " إذا وافَق يوم عيد فإنه يَحرُم صيامه ، ولا يحرم صيام يوم السبت ولا يوم الجمعة مُفْرَدًا ، وسيأتي مزيد بيان – إن شاء الله – في الأحاديث التالية عن الأيام التي نُهي عن صيامها .

وبالله تعالى التوفيق .



يتبع بإذن الرحمن.....
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,337
4,547
113
الجنس
ذكر
رد: شرح أحاديث الصيام من عمدة الأحكام للشيخ السحيم

شرح أحاديث عمدة الأحكام
شرح الحديث الـ 203 في صيام ثلاثة أيام من كل شهر

عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


شرح الحديث الـ 203

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاثٍ : صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ , وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى , وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ .

فيه مسائل :

1 = تعريف الْخُلَّة :
قال ابن الأثير : الْخلَّة بالضَّم : الصَّدَاقة والمَحَبَّة التي تَخَلَّلَت القَلْب فصارت خِلاَلَه ، أي : في باطنه .

2 = لا تعارُض بين قول أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " خليلي " ، وبيْن نَفْي النبي صلى الله عليه وسلم الْخُلّة عن أحد ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : لو كنت مُتَّخِذًا مِن أهل الأرض خليلا لاتخذت ابن أبي قُحافة خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الله . رواه البخاري ومسلم .
فإن أبا هريرة لم يُخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم اتَّخَه خليلا ، ولكنه هو يُخبر عن نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم خليله ، أي : أن الْخُلّة مِن جِهة أبي هريرة رضي الله عنه .

3 = هذا مِن أفضل الصيام ؛ لأن الحسنة بِعشرة أمثالها ، وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : إن بِحَسْبِك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام ، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها ، فإن ذلك صيام الدهر كله . رواه البخاري ومسلم .
وسبق أنه لا تعارُض بين تفضيل صيام داود عليه الصلاة والسلام وبين صيام شهر مُحَرَّم .
فصيام ثلاثة أيام من كل شهر يعدل صيام الشهر .

4 = اخْتُلِف في تعيين هذه الأيام على أقوال :
أ – فسّره جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بأيام البيض ( 13 ، 14 ، 15 ) .
ب – مِن أوّل الشهر .
جـ - مِن أيام الاثنين والخميس . واستدلّوا بقوله عليه الصلاة والسلام : تُعْرَض الأعمال يوم الاثنين والخميس ، فأحب أن يُعرض عملي وأنا صائم . رواه الترمذي .

ومَن فسّره بأيام البِيض ، استدلّ بـ :
حديث عائشة رضي الله عنها وقد سُئلت : أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ؟ قالت : نعم . قيل : من أيِّه كان يصوم ؟ قالت : كان لا يُبالي مِن أيِّه صام . رواه أبو داود والترمذي والنسائي .
وبِحَدِيث أبي ذر رضي الله عنه : أمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض : ثلاث عشر وأربع عشرة وخمس عشرة . رواه ابن حبان وغيره .
وبِحَدِيث جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : صيام ثلاثة أيام مِن كل شهر صيام الدهر ، أيام البيض : صبيحة ثلاثة عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة . رواه النسائي .
وبقوله عليه الصلاة والسلام : إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام ، فَصُم ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة . رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي .
قال الإمام البخاري رحمه الله : باب صيام أيام البيض : ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة .
ثم روى بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث ...

فالذي يظهر أن البخاري يُرجِّح صيام أيام البيض ، لِمن كان يصوم ثالثة أيام من كل شهر .
ويظهر أنه يُقيِّد حديث أبي هريرة هذا بِأيام البيض .

وهذا أقوى الأقوال ؛ لأنه فِعْل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله .

5 = اْخْتُلِف في سُنّيَة صلاة الضحى .
والصحيح أن صلاة الضحى سُنة ، فقد صلاّها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفَتْح ، كما في حديث أم هانئ رضي الله عنها ، وهو مُخرّج في الصحيحين .
وصلاّها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت رجل مِن الأنصار ، كما في حديث أنس ، وهو مُخَرَّج في الصحيحين .
وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الضّحى .
ومَن صَلى صلاة الضحى كانت له عِدْل ثلاثمائة وستّين حَسَنة .
ففي حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ؛ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى . رواه مسلم .
وأما ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت عن ركعتي الضحى : بِدعة . كما في صحيح البخاري .
وما رواه البخاري من طريق مورّق قال : قلت لابن عمر رضي الله عنهما : أتُصَلّي الضحى ؟ قال : لا . قلت : فَعُمَر ؟ قال : لا . قلت : فأبو بكر ؟ قال : لا . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا إخاله .
فهذا محمول منهما رضي الله عنهما على عدم العلْم بهذه السُّنَّة ، فإن ابن عمر رضي الله عنهما قال في الأخير : " لا إخاله " يعني : لا أظنه !
وكون المسألة تَخْفى على بعض الصحابة ، بل وعلى بعض كبارهم ؛ غير مُستبْعَد ، وهو أمْر وارِد .
فقد خَفْي على أبي بكر مسائل ، وخَفْي على عمر مسائل .
ولذلك كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول في بعض المسائل : كتاب الله أحق أن يُتَّبَع أم عمر ؟!
هذا مِن جهة .
ومِن جهة ثانية فالقاعِدة أن الْمُثْبِت مُقدَّم على النَّافِي .
فأبو هريرة وأبو ذر وأنس وأم هانئ - وغيرهم - أثْبَتوا سُنيّة صلاة الضحى ، فَقَولُهم مُقَدَّم على قَول مَن نَفَاها ؛ لأنَّ مَن أثْبَتَها عنده زِيادة عِلْم .
مع أن من أثْبَت سُنيّة صلاة الضحى أكثر ممن نفاها .
ومِن جهة ثالثة فإن قول الصحابي إنما يكون حُجّة في غير موضع النص .

6 = اختلاف وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : مبني على عِلْمه صلى الله عليه وسلم بأحوال أصحابه ، وما يُناسب كل واحد منهم ، فالقوي يُناسبه الجهاد ، والعابد تُناسبه العبادة ، والعالِم يُناسبه العِلْم ، وهكذا .
وفي هذا إشارة إلى الْمُربِّين والقائمين على التربية والتعليم والتوجيه : أن يُوجِّهوا كل مُتعلِّم لِمَا يُناسبه .

7 = اْخْتُلِف في حُكم الوتر بين الوجوب وبين السنية المؤكَّدَة .
والصحيح أنه سُنة مُؤكَّدَة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حافظ عليها ، وأمَر به من غير إيجاب .

وبالله تعالى التوفيق .
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع