إعلانات المنتدى


مقدمة بن الصلاح في مصطلح الحديث 3

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

كمال المروش

مشرف سابق
2 يوليو 2006
8,187
128
63
الجنس
ذكر
(بسم الل) :x18: :x3:

القسم الثاني من أقسام الأخذ والتحمل
القراءة على الشيخ وأكثر المحدثين يسمونها عرضا من حيث إن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه كما يعرض القرآن على المقرئ وسواء كنت أنت القارئ أو قرأ غيرك وأنت تسمع أو قرأت من كتاب أو من حفظك أو كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه أو لا يحفظه لكن يمسك أصله هو أو ثقة غيره ولا خلاف أنها رواية صحيحة إلا ما حكي عن بعض من لا يعتد بخلافه والله أعلم واختلفوا في أنها مثل السماع من لفظ الشيخ في المرتبة أو دونه أو فوقه فنقل عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه وروي ذلك عن مالك أيضا وروي عن مالك وغيره أنهما سواء وقد قيل إن التسوية بينهما مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة و مذهب مالك وأصحابه وأشياخه من علماء المدينة ومذهب البخاري وغيرهم والصحيح ترجيح السماع من لفظ الشيخ والحكم بأن القراءة عليه مرتبة ثانية وقد قيل إن هذا مذهب جمهور أهل المشرق والله أعلم وأما العبارة عنها عند الرواية بها فهي على مراتب أجودها وأسلمها أن يقول قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به فهذا سائغ من غير إشكال ويتلو ذلك ما يجوز من العبارات في السماع من لفظ الشيخ مطلقة إذا أتى بها ههنا مقيدة بأن يقول حدثنا فلان قراءة عليه أو أخبرنا قراءة عليه ونحو ذلك وكذلك أنشدنا قراءة عليه في الشعر وأما إطلاق حدثنا وأخبرنا في القراءة على الشيخ فقد اختلفوا فيه على مذاهب فمن أهل الحديث من منع منهما جميعا وقيل إنه قول بن المبارك ويحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن حنبل والنسائي وغيرهم ومنهم من ذهب الى تجويز ذلك وأنه كالسماع من لفظ الشيخ في جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا وأنبنأنا وقد قيل إن هذا مذهب معظم الحجازيين والكوفيين وقول الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان في آخرين من الأئمة المتقدمين وهو مذهب البخاري صاحب الصحيح في جماعة من المحدثين ومن هؤلاء من أجاز فيها أيضا أن يقول سمعت فلانا والمذهب الثالث الفرق بينهما في ذلك والمنع من إطلاق حدثنا وتجويز إطلاق أخبرنا وهو مذهب الشافعي وأصحابه وهو منقول عن مسلم صاحب الصحيح وجمهور أهل المشرق وذكر صاحب كتاب الإنصاف محمد بن الحسن التميمي الجوهري المصري أن هذا مذهب الأكثر من أصحاب الحديث الذين لا يحصيهم أحد وأنهم جعلوا أخبرنا علما يقوم مقام قول قائله أنا قرأته عليه لا أنه لفظ به لي قال وممن كان يقول به من أهل زماننا أبو عبد الرحمن النسائي في جماعة مثله من محدثينا قلت وقد قيل إن أول من أحدث الفرق بين هذين اللفظين بن وهب بمصر وهذا يدفعه أن ذلك مروي عن بن جريج والأوزاعي حكاه عنهما الخطيب أبو بكر إلا أن يعني أنه أول من فعل ذلك بمصر والله أعلم قلت الفرق بينهما صار هو الشائع الغالب على أهل الحديث والاحتجاج لذلك من حيث اللغة عناء وتكلف وخير ما يقال فيه إنه اصطلاح منهم أرادوا به التمييز بين النوعين ثم خصص النوع الأول بقول حدثنا لقوة اشعاره بالنطق والمشافهة والله أعلم ومن أحسن ما يحكى عمن يذهب هذا المذهب ما حكاه الحافظ أبو بكر البرقاني عن أبي حاتم محمد بن يعقوب الهروي أحد رؤساء أهل الحديث بخراسان أنه قرأ على بعض الشيوخ عن الفربري صحيح البخاري وكان يقول له في كل حديث حدثكم الفربري فلما فرغ من الكتاب سمع الشيخ يذكر أنه إنما سمع الكتاب من الفربري قراءة عليه فأعاد أبو حاتم قراءة الكتاب كله وقال له في جميعه أخبركم الفربري والله أعلم
تفريعات

الأول
إذا كان أصل الشيخ عند القراءة عليه بيد غيره وهو موثوق به مراع لما يقرأ أهل لذلك فإن كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه فهو كما لو كان أصله بيد نفسه بل أولى لتعاضد ذهني شخصين عليه وإن كان الشيخ لا يحفظ ما يقرأ عليه فهذا مما اختلفوا فيه فرأى بعض أئمة الأصول أن هذا سماع غير صحيح والمختار أن ذلك صحيح وبه عمل معظم الشيوخ وأهل الحديث وإذا كان الأصل بيد القارئ وهو موثوق به دينا ومعرفة فكذلك الحكم فيه وأولى بالتصحيح وأما إذا كان أصله بيد من لا يوثق بإمساكه له ولا يؤمن إهماله لما يقرأ فسواء كان بيد القارئ أو بيد غيره في أنه سماع غير معتد به إذا كان الشيخ غير حافظ للمقروء عليه والله أعلم
الثاني
إذا قرأ القارئ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو قلت أخبرنا فلان أو نحو ذلك والشيخ ساكت مصغ إليه فاهم لذلك غير منكر له فهذا كاف في ذلك واشترط بعض الظاهرية وغيرهم إقرار الشيخ نطقا به وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وأبو الفتح سليم الرازي وأبو نصر بن الصباغ من الفقهاء الشافعيين قال أبو نصر ليس له أن يقول حدثني أو أخبرني وله أن يعمل بما قرئ عليه وإذا أراد روايته عنه قال قرأت عليه أو قرئ عليه وهو يسمع وفي حكاية بعض المصنفين للخلاف في ذلك أن بعض الظاهرية شرط إقرار الشيخ عند تمام السماع بأن يقول القارئ للشيخ هو كما قرأته عليك فيقول نعم والصحيح أن ذلك غير لازم وأن سكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه بتصديق القارئ اكتفاء بالقرائن الظاهرة وهذا مذهب الجماهير من المحدثين والفقهاء وغيرهم والله أعلم
الثالث
فيما نرويه عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ رحمه الله قال الذي اختاره في الرواية وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول في الذي يأخذه من المحدث لفظا وليس معه أحد حدثني فلان وما يأخذه من المحدث لفظا ومعه أحد حدثني فلان وما يأخذه من المحدث لفظا ومعه غيره حدثنا فلان وما قرأ على المحدث بنفسه أخبرني فلان وما قرئ على المحدث وهو حاضر أخبرنا فلان وقد روينا نحو ما ذكره عن عبد الله بن وهب صاحب مالك رضي الله عنهما وهو حسن رائق فإن شك في شيء عنده أنه من قبيل حدثنا أو أخبرنا أو من قبيل حدثني أو أخبرني لتردده في أنه كان عند التحمل والسماع وحده أو مع غيره فيحتمل أن نقول ليقل حدثني أو أخبرني لأن عدم غيره هو الأصل ولكن ذكر علي بن عبد الله المديني الإمام عن شيخه يحيى بن سعيد القطان الإمام فيما إذا شك أن الشيخ قال حدثني فلان أو قال حدثنا فلان أنه يقول حدثنا وهذا يقتضي فيما إذا شك في سماع نفسه في مثل ذلك أن يقول حدثنا وهو عندي يتوجه بأن حدثني أكمل مرتبة حدثنا أنقص مرتبة فليقتصر إذا شك على الناقص لأن عدم الزائد هو الأصل وهذا لطيف ثم وجدت الحافظ أحمد البيهقي رحمه الله قد اختار بعد حكايته قول القطان ما قدمته ثم إن هذا التفصيل من أصله مستحب وليس بواجب حكاه الخطيب الحافظ عن أهل العلم كافة فجائز إذا سمع وحده أن يقول حدثنا أو نحوه لجواز ذلك للواحد في كلام العرب وجائز إذا سمع في جماعة أن يقول حدثني لأن المحدث حدثه وحدث غيره والله أعلم
الرابع
روينا عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال اتبع لفظ الشيخ في قوله حدثنا وحدثني وسمعت وأخبرنا ولا تعدوه قلت ليس لك فيما تجده في الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن تبدل في نفس الكتاب ما قيل فيه أخبرنا ب حدثنا ونحو ذلك وإن كان في إقامة أحدهما مقام الآخر خلاف وتفصيل سبق لاحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية بينهما ولو وجدت من ذلك إسنادا عرفت من مذهب رجاله التسوية بينهما فإقامتك أحدهما مقام الآخر من باب تجويز الرواية بالمعنى وذلك وإن كان فيه خلاف معروف فالذي نراه الامتناع من إجراء مثله في إبدال ما وضع في الكتب المصنفة والمجامع المجموعة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وما ذكره الخطيب أبو بكر في كفايته من إجراء ذلك الخلاف في هذا فمحمول عندنا على ما يسمعه الطالب من لفظ المحدث غير موضوع في كتاب مؤلف والله أعلم
الخامس
اختلف أهل العلم في صحة سماع من ينسخ وقت القراءة فورد عن الإمام إبراهيم الحربي وأبي أحمد بن عدي الحافظ والأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني الفقيه الاصولي وغيرهم نفي ذلك وروينا عن أبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي أحد أئمة الشافعيين بخراسان أنه سئل عمن يكتب في السماع فقال يقول حضرت ولا يقل حدثنا ولا أخبرنا وورد عن موسى بن هارون الحمال تجويز ذلك وعن أبي حاتم الرازي قال كتبت عند عارم وهو يقرأ وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو يقرأ وعن عبد الله بن المبارك أنه قرئ عليه وهو ينسخ شيئا آخر غير ما يقرأ ولا فرق بين النسخ من السامع والنسخ من المسمع قلت وخير من هذا الإطلاق التفصيل فنقول لا يصح السماع إذا كان النسخ بحيث يمتنع نمعه فهم الناسخ لما قيقرأ حتى يكون الواصل الى سمعه كأنه صوت غفل ويصح إذا كان بحيث لا يمتنع معه الفهم كمثل ما رويناه عن الحافظ العالم أبي الحسن الدارقطني أنه حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار فجلس بنسخ جزءا كان معه وإسماعيل يملي فقال له بعض الحاضرين لا يصح سماعك وأنت تنسخ فقال فهمي للإملاء خلاف فهمك ثم قال تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن فقال لا فقال الدارقطني أملى ثمانية عشر حديثا فعدث الأحاديث فوجدت كما قال ثم قال أبو الحسن الحديث الأول منها عن فلان عن فلان ومتنه كذا والحديث الثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها فتعجب الناس منه والله أعلم
السادس
ما ذكرناه في النسخ من التفصيل يجري مثله فيما إذا كان الشيخ أو السامع يتحدث أو كان القارئ خفيف القراءة يفرط في الإسراع أو كان يهينم بحيث يخفي بعض الكلم أو كان السامع بعيدا عن القارئ وما أشبه ذلك ثم الظاهر أن يعفى في كل ذلك عن القدر اليسير نحو الكلمة والكلمتين ويستحب للشيخ أن يجيز لجميع السامعين رواية جميع الحزء أو الكتاب الذي مسعوه وإن جرى على كله اسم السماع وإذا بذل لأحد منهم خطه بذلك كتب له سمع مني هذا الكتاب وأجزت له روايته عني أو نحو هذا كما كان بعض الشيوخ يفعل وفيما نرويه عن الفقيه أبي محمد بن أبي عبد الله بن عتاب الفقيه الأندلسي عن أبيه رحمهما الله أنه قال لا غنى في السماع عن الإجازة لأنه قد يغلط القارئ ويغفل الشيخ أو يغلط الشيخ إن كان القارئ ويغفل السامع فينجبر له ما فاته بالإجازة هذا الذي ذكرناه تحقيق حسن وقد روينا عن صالح بن أحمد بن حنبل رضي الله عنهما قال قلت لأبي الشيخ يدغم الحرف يعرف أنه كذا وكذا ولا يفهم عنه ترى أن يروي ذلك عنه قال أرجو أن لا يضيق هذا وبلغنا عن خلف بن سالم المخرمي قال سمعت بن عيينة يقول نا عمرو بن دينار يريد حدثنا عمرو بن دينار لكن اقتصر من حدثنا على النون والألف فإذا قيل له قل حدثنا عمرو قال لا أقول لأني لم أسمع من قوله حدثنا ثلاثة أحرف وهي حدث لكثرة الزحام قلت قد كان كثير من أكابر المحدثين يعظم الجمع في مجالسهم جدا حتى ربما بلغ ألوفا مؤلفة ويبلغهم عنهم المستملون فيكتبون عنهم بواسطة تبليغ المستملين فأجاز غير واحد لهم رواية ذلك عن المملي روينا عن الأعمش رضي الله عنه قال كنا نجلس الى إبراهيم فتتسع الحلقة فربما يحدث بالحديث فلا يسمعه من تنحى عنه فيسأل بعضهم بعضا عما قال ثم يروونه وما سمعوه منه وعن حماد بن زيد أنه سأله رجل في مثل ذلك فقال يا أبا إسماعيل كيف قلت فقال استفهم من يليك وعن بن عيينة أن أبا مسلم المستملي قال له إن الناس كثير لا يسمعون قال أتسمع أنت قال نعم قال فأسمعهم وأبى آخرون ذلك روينا عن خلف بن تميم قال سمعت من سفيان الثوري عشرة آلاف أو نحوها فكنت أستفهم جليسي فقلت لزائدة فقال لي لا تحدث منها إلا بما تحفظ بقلبك وسمع أذنك قال فألقيتها وعن أبي نعيم أنه كان يرى فيما سقط عنه من الحرف الواحد والاسم مما سمعه من سفيان والأعمش واستفهمه من أصحابه أن يرويه عن أصحابه لا يرى غير ذلك واسعا له قلت الأول تساهل بعيد وقد روينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ الأصبهاني أنه قال لواحد من أصحابه يا فلان يكفيك من السماع شمه وهذا إما متأول أو متروك على قائله ثم وجدت عن عبد الغني بن سعيد الحافظ عن حمزة بن محمد الحافظ بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال يا فلان يكفيك من الحديث شمه قال عبد الغني قال لنا حمزة يعني إذا سئل عن أول شيء عرفه وليس يعني التسهل في السماع والله أعلم
السابع
يصح السماع ممن هو وراء حجاب إذا عرف صوته فيما إذا حدث بلفظه وإذا عرف حضوره بمسمع منه فيما إذا قرئ عليه وينبغي أن يجوز الاعتماد في معرفة صوته وحضوره على خبر من يوثق به وكانوا يسمعون من عائشة رضي الله عنها وغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب ويروونه عنهن اعتمادا على الصوت واحتج عبد الغني بن سعيد الحافظ في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم أن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بن أم مكتوم وروى بإسناده عن شعبة أنه قال إذا حدثك المحدث فلم تر وجهه فلا ترو عنه فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول حدثنا وأخبرنا والله أعلم
الثامن
من سمع من شيخ حديثا ثم قال له لا تروه عني أو لا آذن لك في روايته عني أو قال لست أخبرك به أو رجعت عن إخباري إياك به فلا تروه عني غير مسند ذلك إلى أنه أخطأ فيه أو شك فيه ونحو ذلك بل منعه من روايته عنه مع جزمه بأنه حديثه وروايته فذلك غير مبطل لسماعه ولا مانع له من روايته عنه وسأل الحافظ أبو سعيد بن عليك النيسابوري ألاستاذ أبا إسحاق الإسفرائيني رحمها الله عن محدث خص بالسماع قوما فجاء غيرهم وسمع منه من غير علم المحدث به هل تجوز له رواية ذلك عنه فأجاب بأنه تجوز ولو قال المحدث إني أخبرك ولا أخبر فلانا لم يضره والله أعلم
القسم الثالث من أقسام طرق نقل الحديث وتحمله

الإجازة
وهي متنوعة أنواعا
أولها
أن يجيز لمعين في معين مثل أن يقول أجزت لك الكتاب الفلاني أو ما اشتملت عليه فهرستي هذه فهذا على أنواع الإجازة المجردة عن المناولة وزعم بعضهم أنه لا خلاف في جوازها ولا خالف فيها أهل الظاهر وإنما خلافهم في غير هذا النوع وزاد القاضي أبو الوليد الباجي المالكي فأطلق نفي الخلاف وقال لا خلاف في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها وادعى الإجماع من غير تفصيل وحكى الخلاف في العلم بها والله أعلم قلت هذا باطل فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة جماعات من أهل الحديث والفقهاء والأصوليين وذلك إحدى الروايتين عن الشافعي رضي الله عنه روي عن صاحبه الربيع بن سليمان قال كان الشافعي لا يرى الإجازة في الحديث قال الربيع أنا أخالف الشافعي في هذا وقد قال بإبطالها جماعة من الشافعيين منهم القاضيان حسين بن محمد المروروذي وأبو الحسن الماوردي وبه قطع الماوردي في كتابه الحاوي وعزاه الى مذهب الشافعي وقالا جميعا لو جازت الإجازة لبطلت الرحلة وروي أيضا هذا الكلام عن شعبة وغيره وممن أبطلها من أهل الحديث الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي وأبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني الملقب بأبي الشيخ والحافظ أبو نصر الوايلي السجزي وحكى أبو نصر فسادها عن بعض من لقيه قال أبو نصر وسمعت جماعة من أهل العلم يقولون قول المحدث قد أجزت لك أن تروي عني تقديره أجزت لك ما لا يجوز في الشرع لأن الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع قلت ويشبه هذا ما حكاه أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي أحد من أبطل الإجازة من الشافعية عن أبي طاهر الدباس أحد أئمة الحنفية قال من قال لغيره أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع فكأنه يقول أجزت لك أن تكذب علي ثم إن الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث وغيرهم القول بتجويز الإجازة وإباحة الرواية بها وفي الاحتجاج لذلك غموض ويتجه أن يقول إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته فقد أخبره بها جملة فهو كما لو أخبره تفصيلا وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ كما سبق وإنما الغرض حصول الإفهام والفهم وذلك يحصل بالإجازة المفهمة والله أعلم ثم إنه كما تجوز الرواية بالإجازة يجب العمل بالمروي بها خلافا لمن قال من أهل الظاهر ومن تابعهم إنه لا يجب العمل به وإنه جار مجرى المرسل وهذا باطل لأنه ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها وفي الثقة به والله أعلم
النوع الثاني
من أنواع الإجازة أن يجيز لمعين في غير معين مثل أن يقول اجزت لك أو لكم جميع مسموعاتي أو جميع مروياتي وما أشبه ذلك فالخلاف في هذا النوع أقوى وأكثر والجمهور من العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم على تجويز الرواية بها أيضا وعلى إيجاب العمل بما روي بها بشرطه والله أعلم
النوع الثالث
من أنواع الإجازة أن يجيز لغير معين بوصف العموم مثل أن يقول أجزت للمسلمين أو أجزت لكل أحد أو أجزت لمن أدرك زماني وما أشبه ذلك فهذا نوع تكلم فيه المتأخرون ممن جوز أصل الإجازة واختلفوا في جوازه فإن كان ذلك مقيدا بوصف حاصر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب وممن جوز ذلك كله أبو بكر الخطيب الحافظ وروينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ أنه قال أجزت لمن قال لا إله إلا الله وجوز القاضي أبو الطيب الطبري أحد الفقهاء المحققين فيما حكاه عنه الخطيب الإجازة لجميع المسلمين من كان منهم موجودا عند الإجازة وأجاز أبو محمد بن سعيد أحد الجلة من شيوخ الأندلس لكل من دخل قرطبة من طلبة العلم ووافقه على جواز ذلك منهم أبو عبد الله بن عتاب رضي الله عنهم وأنبأني من سأل الحازمي أبا بكر عن الإجازة العامة هذه فكان من جوابه أن من أدركه من الحفاظ نحو أبي العلاء الحافظ وغيره كانوا يميلون إلى الجواز والله أعلم قلت ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى بها ولا عن الشرذمة المستأخرة الذين سوغوها والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغي احتماله والله أعلم
النوع الرابع
من أنواع الإجازة الإجازة للمجهول أو بالمجهول ويتشبث بذيلها الإجازة المعلقة بالشرط وذلك مثل أن يقول أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي وفي وقته ذلك جماعة مشتركون في هذا الاسم والنسب ثم لا يعين المجاز له منهم أو يقول أجزت لفلان أن يروي عني كتاب السنن وهو يروي جماعة من كتب السنن المعروفة بذلك ثم لا يعين فهذه إجازة فاسدة لا فائدة لها وليس من هذا القبيل ما إذا أجاز لجماعة مسمين معينين بأنسابهم والمجيز جاهل بأعيانهم غير عارف بهم فهذا غير قادح كما لا يقدح عدم معرفته به إذا حضر شخصه في السماع منه والله أعلم وإن أجاز للمسلمين المنتسبين في الاستجازة ولم يعرفهم بأعيانهم ولا بأنسابهم ولم يعرف عددهم ولم يتصفح أسماءهم واحدا فواحدا فينبغي أن يصح ذلك أيضا كما يصح سماع من حضر مجلسه للسماع منه وإن لم يعرفهم أصلا ولم يعرف عددهم ولا تصفح أشخاصهم واحدا واحدا وإذا قال أجزت لمن يشاء فلان أو نحو ذلك فهذا فيه جهالة وتعليق بشرط فالظاهر أنه لا يصح وبذلك أفتى القاضي أبو الطيب الطبر يالشافعي إذ سأله الخطيب الحافظ عن ذلك وعلل بأنه إجازة لمجهول فهو كقوله أجزت لبعض الناس من غير تعييين وقد يعلل ذلك أيضا بما فيها من التعليق بالشرط فإن ما يفسد بالجهالة يفسد بالتعليق على ما عرف عند قوم وحكي الخطيب عن أبي يعلي بن الفراء الحنبلي وأبي الفضل بن عمروس المالكي انهما اجازا ذلك وهؤلاء الثلاثة كانوا مشايخ مذاهبهم ببغداد إذ ذاك وهذه الجهالة ترتفع في ثاني الحال عند وجود المشيئة بخلاف الجهالة الواقعة فيما إذا أجاز لبعض الناس وإذا قال اجزت لمن شاء فهو كما لو قال اجزت لمن شاء فلان بل هذه أكثر جهالة وانتشارا من حيث انها معلقة بمشيئة من لا يحصر عددهم بخلاف تلك ثم هذا فيما إذا أجاز لمن شاء الإجازة منه له فان أجاز لمن شاء الرواية عنه فهذا أولي بالجواز من حيث ان مقتضي كل إجازة تفويض الرواية بها الي مشيئة المجاز له فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق تصريحا بما يقتضيه الإطلاق وحكاية للحال لا تعليقا في الحقيقة ولهذا أجاز بعض أئمة الشافعيين في البيع ان يقول بعتك هذا بكذا ان شئت فيقول قبلت ووجد بخط أبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي الحافظ اجزت رواية ذلك لجميع من احب ان يروي ذلك عني اما إذا قال اجزت لفلان كذا و كذا ان شاء روايته عني أو لك ان شئت أو أحببت أو أردت فالاظهر الاقوي ان ذلك جائز إذ قد انتفت فيه الجهالة وحقيقة التعليق ولم يبق سوي صيغته والعلم عند الله تعالى
النوع الخامس
من أنواع الإجازة الإجازة للمعدوم ولنذكر معه الإجازة للطفل الصغير هذا نوع خاض فيه قوم من المتأخرين واختلفوا في جوازه ومثاله ان يقول اجزت لمن يولد لفلان فان عطف المعدوم في ذلك علي الموجود بان قال اجزت لفلان ولمن يولد له أو اجزت لك ولولدك وعقبك ما تناسلوا كان ذلك أقرب الي الجواز من الأول ولمثل ذلك أجاز أصحاب الشافعي رضي الله عنه في الوقف القسم الثاني دون الأول وقد أجاز أصحاب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما أو من قال ذلك منهم في الوقف القسمين كليهما وفعل هذا الثاني في الإجازة من المحدثين المتقدمين أبو بكر بن أبي داود السجستاني فانا روينا عنه انه سئل الإجازة فقال قد اجزت لك ولاولادك ولحبل الحبلة يعني الذين لم يولدوا بعد واما الإجازة للمعدوم ابتداء من غير عطف علي موجود فقد اجازها الخطيب أبو بكر الحافظ وذكر انه سمع أبا يعلي بن الفراء الحنبلي وأبا الفضل بن عمروس المالكي يجيزان ذلك وحكي جواز ذلك أيضا أبو نصر بن الصباغ الفقيه فقال ذهب قوم الي انه يجوز ان يجيز لمن يخلق قال وهذا انما ذهب اليه من يعتقد ان الإجازة اذن في الرواية لا محادثة ثم بين بطلان هذه الإجازة وهو الذي استقر عليه رأي شيخه القاضي أبي الطيب الطبري الامام وذلك هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره لان الإجازة في حكم الاخبار جملة بالمجاز علي ما قدمناه في بيان صحة أصل الإجازة فكما لا يصح الاخبار للمعدوم لا تصح الإجازة للمعدوم ولو قدرنا ان الإجازة اذن فلا يصح أيضا ذلك للمعدوم كما لا يصح الإذن في باب الوكالة للمعدوم لوقوعه في حالة لا يصح فيها الماذون فيه من الماذون له وهذا أيضا يوجب بطلان الإجازة للطفل الصغير الذي لا يصح سماعه قال الخطيب سألت القاضي أبا الطيب الطبري عن الإجازة للطفل الصغير هل يعتبر في صحتها سنه أو تمييزه كما يعتبر ذلك في صحة سماعه فقال لا يعتبر ذلك قال فقلت له ان بعض أصحابنا قال لا تصح الإجازة لمن لا يصح سماعه فقال قد يصح ان يجيز للغائب عنه ولا يصح السماع اه واحتج الخطيب لصحتها للطفل بان الإجازة انما هي إباحة المجيز له ان يروي عنه والاباحة تصح للعاقل وغير العاقل قال وعلي هذا رأينا كافة شيوخنا يجيزون للأطفال الغيب عنهم من غير ان يسالوا عن مبلغ اسنانهم وحال تمييزهم ولم نرهم اجازوا لمن يكن مولودا في الحال قلت كانهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع من أنواع تحمل الحديث ليؤدي به بعد حصول اهليته حرصا علي توسيع السبيل الى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه الأمة وتقريبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم
النوع السادس
من أنواع الإجازة إجازة ما لم يسمعه المجيز ولم يتحمله أصلا بعد ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز بعد ذلك أخبرني من أخبر عن القاضي عياض بن موسى من فضلاء وقته بالمغرب قال هذا لم أر من تكلم عليه من المشايخ ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه ثم حكى عن أبي الوليد يونس بن مغيث قاضي قرطبة أنه سئل الإجازة لجميع ما رواه إلى تاريخها وما يرويه بعد فامتنع من ذلك فغضب السائل فقال له بعض أصحابه يا هذا يعطيك ما لم يأخذه هذا محال قال عياض وهذا هو الصحيح قلت ينبغي أن يبنى هذا على أن الإجازة في حكم الإخبار بالمجاز جملة أو هي إذن فإن جعلت في حكم الإخبار لم تصح هذه الإجازة إذ كيف يخبر بما لا خبر عنده منه وإن جعلت إذنا انبنى هذا على الخلاف في تصحيح الإذن في باب الولكالة فيما لم يملكه الآذن الموكل بعد مثل أن يوكل في بيع العبد الذي يريد أن يشتريه وقد أجاز ذلك بعض أصحاب الشافعي والصحيح بطلان هذه الإجازة وعلى هذا يتعين على من يريد أن يروي بالإجازة عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته مثلا أن يبحث حتى يعلم أن ذاك الذي يريد روايته عنه مما سمعه قبل تاريخ الإجازة وأما إذا قال أجزت لك ما صح ويصح عندك من مسموعاتي فهذا ليس من هذا القبيل وقد فعله الدارقطني وغيره وجائز أن يروي بذلك عنه ما صح عنده بعد الإجازة أنه سمعه قبل الإجازة ويجوز ذلك وإن اقتصر على قوله ما صح عندك ولم يقل وما يصح لأن المراد أجزت لك أن تروي عني ما صح عندك فالمعتبر إذا فيه صحة ذلك عنده حالة الرواية والله أعلم
النوع السابع
من أنواع الإجازة إجازة المجاز مثل أن يقول الشيخ أجزت لك مجازاتي أو أجزت لك رواية ما أجيز لي روايته فمنع من ذلك بعض من لا يعتد به من المتأخرين والصحيح والذي عليه العمل أن ذلك جائز ولا يشبه ذلك ما امتنع من توكيل الوكيل بغير إذن الموكل ووجدت عن أبي عمرو السفاقسي الحافظ المغربي قال سمعت أبا نعيم الحافظ يعني الأصبهاني يقول الإجازة على الإجازة قوية جائزة وحكى الخطيب الحافظ تجويز ذلك عن الحافظ الإمام أبي الحسن الدارقطني والحافظ أبي العباس المعروف بابن عقدة الكوفي وغيرهما وقد كان الفقيه الزاهد نصر بن إبراهيم المقدسي يروي بالإجازة عن الإجازة حتى ربما والى في روايته بين إجازات ثلاث وينبغي لمن يروي بالإجازة عن الإجازة أن يتأمل كيفية إجازة شيخ شيخه ومقتضاها حتى لا يروي بها ما لم يندرج تحتها فإذا كان مثلا صورة إجازة شيخ شيخه أجزت له ما صح عنده من سماعاتي فرأى شيئا من مسموعات شيخ شيخه فليس له أن يروي ذلك عن شيخه عنه حتى يستبين أنه مما كان قد صح عند شيخه كونه من سماعات شيخه الذي تلك إجازته ولا يكتفي بمجرد صحة ذلك عنده الآن عملا بلفظه وتقييده ومن لا يتفطن لهذا وأمثاله يكثر عثاره والله أعلم هذه أنواع الإجازة التي تمس الحاجة إلى بيانها ويتركب منها أنواع أخر سيتعرف المتأمل حكمها مما أمليناه إن شاء الله تعالى
ثم إنا ننبه على أمور

أحدها
روينا عن أبي الحسين أحمد فارس الأديب المصنف رحمه الله قال معنى الإجازة في كلام العرب مأخوذ من جواز الماء الذي يسقاه المال من الماشية والحرث يقال منه استجزت فلانا فأجازني إذا أسقاك ماء لأرضك أو ماشيتك كذلك طالب العلم يسأل العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه قلت فللمجيز على هذا أن يقول أجزت فلانا مسموعاتي أو مروياتي فيعديه بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية أو نحو ذلك ويحتاج إلى ذلك من يجعل الإجازة بمعنى التسويغ والإذن والإباحة وذلك هو المعروف فيقول أجزت لفلان رواية مسموعاتي مثلا ومن يقول منهم أجزت له مسموعاتي فعلى سبيل الحذف الذي لا يخفى نظيره والله أعلم
الثاني
إنما يستحسن الإجازة إذا كان المجيز عالما بما يجيز والمجاز له من أهل العلم لأنها توسع وترخيص يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها وبالغ بعضهم في ذلك فجعله شرطا فيها وحكاه أبو العباس الوليد بن بكر المالكي عن مالك رضي الله عنه وقال الحافظ أبو عمر الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة وفي شيء معين لا يشكل إسناده والله أعلم
الثالث
ينبغي للمجيز إذا كتب أجازته أن يلفظ بها فإن اقتصر على الكتابة كان ذلك إجازة جائزة إذا اقترن بقصد الإجازة غير أنها أنقص مرتبة من الإجازة الملفوظ بها وغير مستبعد تصحيح ذلك بمجرد هذه الكتابة في باب الرواية الذي جعلت فيه القراءة على الشيخ مع أنه لم يلفظ بما قرئ عليه إخبارا منه بما قرئ عليه على ما تقدم بيانه والله أعلم
القسم ال
النوع الخامس والعشرون

في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده

اختلف الصدر الأول رضي الله عنهم في كتابة الحديث فمنهم من كره كتابة الحديث والعلم وأمرو ا بحفظه ومنهم من أجاز ذلك وممن روينا عنه كراهة ذلك عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى وأبو سعيد الخدري في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين وروينا عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تكتبو عني شيئا الا القرآن ومن كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه أخرجه مسلم في صحيحه وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعله علي وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن عمرو بن العاص في جمع آخرين من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين ومن صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على جواز ذلك حديث أبي شاه اليمني في التماسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام فتح مكة وقوله صلى الله عليه وسلم اكتبوا لأبي شاه ولعله صلى الله عليه وسلم أذن في الكتابة عنه لمن خشي عليه النسيان ونهى عن الكتابة عنه من وثق بحفظه مخافة الاتكال على الكتاب أو نهى عن كتابة ذلك حين خاف عليهم اختلاط ذلك بصحف القرآن العظيم وأذن في كتابته حين أمن من ذلك وأخبرنا أبو الفتح بن عبد المنعم الفراوي قراءة عليه بنيسابور جبرها الله أخبرنا أبو المعالي الفارسي أخبرنا الحافظ أبو بكر البيهقي أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو عمرو بن السماك ثنا حنبل بن إسحاق ثنا سليمان بن أحمد ثنا الوليد هو بن مسلم قال كان الأوزاعي يقول كان هذا العلم كريما يتلاقاه الرجال بينهم فلما دخل في الكتب دخل فيه غير أهله ثم إنه زال ذلك الخلاف وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة والله أعلم ثم إن على كتبة الحديث وطلبته صرف الهمة الى ضبط ما يكتبونه أو يحصلونه بخط الغير من مروياتهم على الوجه الذي رووه شكلا ونقطا يؤمن معهما الالتباس وكثيرا ما يتهاون بذلك الواثق بذهنه وتيقظه وذلك وخيم العاقبة فان الإنسان معرض للنسيان وأول ناس أول الناس واعجام المكتوب يمنع من استعجامه وشكله يمنع من اشكاله ثم لا ينبغي أن يتعنى بتقييد الواضح الذي لا يكاد يلتبس وقد أحسن من قال إنما يشكل ما يشكل وقرأت بخط صاحب كتاب سمات الخط ورقومه علي بن إبراهيم البغدادي فيه أن أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب إلا في الملتبس وحكى غيره عن قوم أنه ينبغي أن يشكل ما يشكل وما لا يشكل و ذلك لأن المبتدئ وغير المتبحر في العلم لا يميز ما يشكل مما لا يشكل ولا صواب الأعراب من خطئه والله أعلم
وهذا بيان أمور مفيدة في ذلك

أحدها
ينبغي أن يكون اعتناؤه من بين يلتبس بضبط الملتبس من أسماء أكثر فإنها لا تستدرك بالمعنى ولا بستدل عليها بما قبل وبعد
الثاني
يستحب في الألفاظ المشكلة أن يكرر ضبطها بأن يضبطها في متن الكتاب ثم يكتبها قبالة ذلك في الحاشية مفردة مضبوطة فإن ذلك ابلغ في إبانتها وأبعد من التباسها وما ضبطه في أثناء الأسطر ربما داخله نقط غيره وشكله مما فوقه وتحته لا سيما عند دقة الخط وضيق الأسطر وبهذا جرى رسم جماعة من أهل الضبط والله أعلم
الثالث
يكره الخط الدقيق من غير عذر يقتضيه روينا عن حنبل بن إسحاق قال رآني أحمد بن حنبل وأنا أكتب خطا دقيقا فقال لا تفعل أحوج ما تكون إليه يخونك وبلغنا عن بعض المشايخ أنه كان إذا رأى خطا دقيقا قال هذا خط من لا يوقن بالخلف من الله والعذر في ذلك هو مثل أن لا يجد في الورق سعة أو يكون رحالا يحتاج إلى تدقيق الخط ليخف عليه محمل كتابه ونحو هذا والله أعلم
الرابع
يختار له في خطه التحقيق دون المشق والتعليق بلغنا عن بن قتيبة قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه شر الكتابة المشق وشر القراءة الهذرمة وأجود الخط أبينه والله أعلم
الخامس
كما تضبط الحروف المعجمة بالنقط كذلك ينبغي أن تضبط المهملات غير المعجمة بعلامة الإهمال لتدل على عدم إعجامها وسبيل الناس في ضبطها مختلف فمنهم من يقلب النقط فيجعل النقط الذي فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من المهملات فينقظ تحت الراء والصاد والطاء والعين ونحوها من المهملات وذكر بعض هؤلاء أن النقط التي تحت السن المهملة تكون مبسوطة صفا والتي فوق الشين المعجمة تكون كالأثافي ومن الناس من يجعل علامة الإهمال فوق الحروف المهملة كقلامة الظفر مضطجعة على قفاها ومنهم من يجعل تحت الحاء المهملة حاء مفردة صغير وكذا تحت الدال والطاء والصاد والسين والعين وسائر الحروف المهملة الملتبسة مثل ذلك فهذه وجوه من علامات الإهمال شائعة معروفة وهناك من العلامات ما هو موجود في كثير من الكتب القديمة ولا يفطن له كثيرون كعلامة من يجعل فوق الحرف المهمل خطا صغير وكعلامة من يجعل تحت الحرف المهمل مثل الهمزة والله أعلم
السادس
لا ينبغي أن يصطلح مع نفسه في كتابه بما لا يفهمه غيره فيوقع غيره في حيرة كفعل من يجمع في كتابه بين روايات مختلفة ويرمز إلى رواية كل راو بحرف واحد من اسمه أو حرفين وما أشبه ذلك فإن بين في أول كتابه أو آخره مراده بتلك العلامات والرموز فلا بأس ومع ذلك فالأولى أن يتجنب الرمز ويكتب عند كل رواية اسم راويها بكماله مختصرا ولا يقتصر على العلامة ببعضه والله أعلم
السابع
ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دارة تفصل بينهما وتميز وممن بلغنا عنه ذلك من الأئمة أبو الزناد وأحمد بن حنبل وإبراهيم بن إسحاق الحربي ومحمد بن جرير الطبري رضي الله عنهم واستحب الخطيب الحافظ أن تكون الدارات غفلا فإذا عارض فكل حديث يفرغ من عرضه ينقظ في الدارة التي تليه نقطة أو يخط في وسطها خطا قال وقد كان بعض أهل العلم لا يعتد من سماه إلا بما كان كذلك أو في معناه والله أعلم
الثامن
يكره له في مثل عبد الله بن فلان بن فلان أن يكتب عبد في آخر سطر والباقي في أول السطر الآخر وكذلك يكره في عبد الرحمن بن فلان وفي سائر الأسماء المشتملة على التعبيد لله تعالى أن يكتب عبد في آخر سطر واسم الله مع سائر النسب في أول السطر الآخر وهكذا يكره أن يكتب قال رسول في آخر سطر ويكتب في أول السطر الذي يليه الله صلى الله تعالى عليه وسلم وما أشبه ذلك والله أعلم
التاسع
ينبغي له أن يحافظ على كتبة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما وقد روينا لأهل ذلك منامات صالحة وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية ولا يقتصر فيه على ما في الأصل وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه عند ذكر اسمه نحو عز وجل وتبارك وتعالى وما ضاهى ذلك وإذا وجد شيء من ذلك قد جاءت به الرواية كانت العناية بإثباته وضبطه أكثر وما وجد في خط أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه من إغفال ذلك عند ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم فلعل سببه أنه كان يرى التقيد في ذلك بالرواية وعز عليه اتصالها في ذلك في جميع من فوقه من الرواة قال الخطيب أبو بكر وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نطقا لا خطا قال وقد خالفه غيره من الأئمة المتقدمين في ذلك وروى عن علي بن المديني وعباس بن عبد العظيم العنبري قالا ما تركنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل حديث سمعناه وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه والله أعلم ثم ليتجنب في إثباتها نقصين
أحدهما
أن يكتبها منقوصة صورة رامرا إليها بحرفين أو نحو ذلك
والثاني
أن يكتبها منقوصة معنى بأن لا يكتب وسلم وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين سمعت أبا القاسم منصور بن عبد المنعم وأم المؤيد بنت أبي القاسم بقرائتي عليهما قالا سمعنا أبا البركات عبد الله بن محمد الفراوي لفظا قال سمعت المقرئ ظريف بن محمد يقول سمعت عبد الله بن محمد بن إسحاق الحافظ قال سمعت أبي يقول سمعت حمزة الكناني يقول كنت أكتب الحديث وكنت أكتب عند ذكر النبي صلى الله عليه ولا أكتب وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال لي ما لك لا تتم الصلاة علي قال فما كتبت بعد ذلك صلى الله عليه إلا كتبت وسلم وقع في الأصل في شيخ المقري ظريف عبد الله وإنما هو عبيد الله بالتصغير ومحمد بن إسحاق أبوه هو أبو عبد الله بن منده فقوله الحافظ إذا مجرور قلت ويكره أيضا الاقتصار على قوله عليه السلام والله أعلم
العاشر
على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه وكتاب شيخه الذي يرويه عنه وإن كان إجازة روينا عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أنه قال لابنه هشام كتبت قال نعم قال عرضت كتابك قال لا قال لم تكتب وروينا عن الشافعي الإمام وعن يحيى بن أبي كثير قالا من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج وعن الأخفش قال إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم نسخ ولم يعارض خرج أعجميا ثم إن أفضل المعارضة أن يعارض الطالب بنفسه كتابه بكتاب الشيخ مع الشيخ في حال تحديثه إياه من كتابه لما يجمع ذلك من وجوه الاحتياط والإتقان من الجانبين وما لم تجتمع فيه هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها وما ذكرناه أولى من إطلاق أبي الفضل الجارودي الحافظ الهروي قوله أصدق المعارضة مع نفسك ويستحب أن ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ممن ليس معه نسخة لا سيما إذا أراد النقل منها وقد روي عن يحيى بن معين أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ هل يجوز أن يحدث بذلك عنه فقال أما عندي فلا يجوز ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم قلت وهذا من مذاهب أهل التشديد في الرواية وسيأتي ذكر مذهبهم ان شاء الله تعالى والصحيح أن ذلك لا يشترط وأنه يصح السماع وإن لم ينظر أصلا في الكتاب حالة القراءة وأنه لا يشترط أن يقابله بنفسه بل يكفيه مقابلة نسخته بأصل الراوي وإن لم يكن ذلك حالة القراءة وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه قلت وجائز أن تكون مقابلته بفرع قد قوبل المقابلة المشروطة بأصل شيخه أصل السماع وكذلك إذا قابل بأصل أصل الشيخ المقابل به أصل الشيخ لأن الغرض المطلوب أن يكون كتاب الطالب مطابقا لأصل سماعه وكتاب شيخه فسواء حصل ذلك بواسطة أو بغير واسطة ولا يجزئ ذلك عند من قال لا يصح مقابلته مع أحد غير نفسه ولا يقلد غيره ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة وليقابل نسخته بالأصل بنفسه حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له وهذا مذهب متروك وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في أعصارنا والله أعلم أما إذا لم يعارض كتابه بالأصل أصلا فقد سئل الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائيني عن جواز روايته منه فأجاز ذلك وأجازه الحافظ أبو بكر الخطيب أيضا وبين شرطه فذكر أنه يشترط أن تكون نسخته نقلت من الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض وحكى عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي هل للرجل أن يحدث بما كتب عن الشيخ ولم يعارض بأصله فقال نعم ولكن لا بد ان يبين انه لم يعارض قال وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاوي فإنه روي لنا أحاديث كثيرة قال فيها أخبرنا فلان ولم اعارض بالأصل قلت ولا بد من شرط ثالث وهو ان يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل بل صحيح النقل قليل السقط والله اعلم ثم انه ينبغي ان يراعي في كتاب شيخه بالنسبة الي من فوقه مثل ما ذكرنا انه يراعيه من كتابه ولا يكونن كطائفة من الطلبة إذا رأوا سماع شيخ لكتاب قرؤوه عليه من أي نسخة اتفقت والله اعلم
الحادي عشر
المختار في كيفية تخريج الساقط في الحواشي ويسمي اللحق بفتح الحاء وهو ان يخط من موضع سقوطه من السطر خطا صاعدا الي فوقه ثم يعطفه بين السطرين عطفه يسيرة الي جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق ويبدا في الحاشية بكتبة اللحق مقابلا للخط المنعطف وليكن ذلك في حاشية ذات اليمين وان كانت تلي وسط الورقة ان اتسعت له وليكتبه صاعدا الي اعلي الورقة لا نازلا به الي أسفل قلت فإذا كان اللحق سطرين أو سطورا فلا يبتديء بسطوره من أسفل الي اعلي بل يبتديء بهامن اعلي الي أسفل بحيث يكون منتهاها الي جهة باطن الورقة إذا كان التخريج في جهة اليمين وإذا كان في جهة الشمال وقع منتهاها الي جهة طرف الورقة ثم يكتب عند انتهاء اللحق صح ومنهم من يكتب مع صح رجع ومنهم من يكتب في اخر اللحق الكلمة المتصلة به داخل الكتاب في موضع التخريج ليؤذن باتصال الكلام وهذا اختيار بعض أهل الصنعة من أهل المغرب واختيار القاضي أبي محمد بن خلاد صاحب كتاب الفاصل بين الراوي والواعي من أهل المشرق مع طائفة وليس ذلك بمرضي إذ رب كلمة تجئ في الكلام مكررة حقيقة فهذا التكرير يوقع بعض الناس في توهم مثل ذلك في بعضه واختار القاضي بن خلاد أيضا في كتابه ان يمد عطفه خط التخريج من موضعه حتي يلحقه باول اللحق في الحاشية وهذا أيضا غير مرضي فإنه وان كان فيه زيادة بيان فهو تسخيم للكتاب وتسويدك لا سيما عند كثرة الالحاقات والله اعلم وانما اخترنا كتبه اللحق صاعدا الي اعلي الورقة لئلا يخرج بعده نقص اخر فلا يجد ما يقابله من الحاشية فارغا له لو كان كتب الأول نازلا الي أسفل وإذا كتب الأول صاعدا فما يجد بعد ذلك من نقص يجد ما يقابله من الحاشية فارغا له وقلنا أيضا يخرجه في جهة اليمين لأنه لو خرجه إلى جهة الشمال فربما ظهر من بعده في السطر نفسه نقص آخر فإن خرجه قدامه الى جهة الشمال أيضا وقع بين التخريجين إشكال وإن خرج الثاني إلى جهة اليمين التقت عطفة تخريج جهة الشمال وعطفة تخريج جهة اليمين أو تقابلتا فأشبه ذلك الضرب على ما بينهما بخلاف ما إذا خرج الأول إلى جهة اليمين فإنه حينئذ يخرج الثاني إلى جهة الشمال فلا يلتقيان ولا يلزم إشكال اللهم إلا أن يتأخر النقص إلى آخر السطر فلا وجه حينئذ إلا تخريجه إلى جهة الشمال لقربه منها ولا نتفاء العلة المذكورة من حيث إنا لا نخشى ظهور نقص بعده وإذا كان النقص في أول السطر تأكد تخريجه إلى جهة اليمين لما ذكرناه من القرب مع ما سبق وأما ما يخرج في الحواشي من شرح أو تنبيه على غلط أو اختلاف رواية أو نسخة أو نحو ذلك مما ليس من الأصل فقد ذهب القاضي الحافظ عياض رحمه الله إلى أنه لا يخرج لذلك خط تخريج لئلا يدخل اللبس ويحسب من الأصل وأنه لا يخرج إلا لما هو من نفس الأصللكن ربما جعل على الحرف المقصود بذلك التخريج علامة كالضبة أو التصحيح إيذانا به قلت التخريج أولى وأدل وفي نفس هذا المخرج ما يمنع الإلباس ثم هذا التخريج يخالف التخريج لما هو من نفس الأصل في أن خط ذلك التخريج يقع بين الكلمتين اللتين بينهما سقط الساقط وخط هذا التخريج يقع على نفس الكلمة التي من اجلها خرج المخرج في الحاشية والله اعلم
الثاني عشر
من شان الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح والتضبيب والتمريض أما التصحيح فهو كتابة صح على الكلام أو عنده ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رواية ومعنى غير أنه عرضة للشك أو الخلاف فيكتب عليه صح ليعرف أنه لم يغفل عنه وانه قد ضبط وصح على ذلك الوجه وأما التضبيب ويسمى أيضا التمريض فيجعل على ما صح وروده كذلك من جهة النقل غير أنه فاسد لفظا أو معنى أو ضعيف أو ناقص مثل أن يكون غير جائز من حيث العربية أو يكون شاذا عند أهلها بأباه أكثرهم أو مصحفا أوينقص من جملة الكلام كلمة أو أكثر وما أشبه ذلك فيمد على ما هذا سبيله خط أوله مثل الصاد ولا يلزق بالكلمة المعلم عليها كيلا يظن ضربا وكأنه صاد التصحيح بمدتها دون حائها كتبت كذلك ليفرق بين ما صح مطلقا من جهة الرواية وغيرها وبين ما صح من جهة الرواية دون غيرها فلم يكمل عليه التصحيح وكتب حرف ناقص على حرف ناقص إشعارا بنقصه ومرضه مع صحة نقله وروايته وتنبيها بذلك لمن ينظر في كتابه على أنه قد وقف عليه ونقله على ما هو عليه ولعل غيره قد يخرج له وجها صحيحا أو يظهر له بعد ذلك في صحته ما لم يظهر له الآن ولو غير ذلك وأصلحه على ما عنده لكان متعرضا لما وقع فيه غير واحد من المتجاسرين الذين غيروا وظهر الصواب فيما أنكروه والفساد فيما أصلحوه وأما تسمية ذلك ضبة فقد بلغنا عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد اللغوي المعروف بابن الإفليلي أن ذلك لكون الحرف مقفلا بها لا يتجه لقراءة كما أن الضبة مقفل بها والله أعلم قلت ولأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التي تجعل على كسر أو خلل فاستعير لها اسمها ومثل ذلك غير مستنكر في باب الاستعارات ومن موضاع التضبيب أن يقع في الإسناد إرسال أو انقطاع فمن عادتهم تضبيب موضع الإرسال والانقطاع وذلك من قبيل ما سبق ذكره من التضبيب على الكلام الناقص ويوجد في بعض أصول الحديث القديمة في الإسناد الذي يجتمع فيه جماعة معطوفة أسماؤهم بعضها على بعض علامة تشبه الضبة فيما بين أسمائهم فيتوهم من لا خبرة له أنها ضبة وليست بضبة وكأنها علامة وصل فيما بينها أثبتت تأكيدا للعطف خوفا من أن تجعل عن مكان الواو والعلم عند الله تعالى ثم إن بعضهم ربما اختصر علامة التصحيح فجاءت صورتها تشبه صورة التضبيب والفطنة من خير ما أوتيه الإنسان والله أعلم
الثالث عشر
إذا وقع في الكتاب ما ليس منه فإنه ينفي عنه بالضرب أو الحك أو المحو أو غير ذلك والضرب خير من الحك والمحو روينا عن القاضي أبي محمد بن خلاد رحمه الله قال قال أصحابنا الحك تهمة وأخبرني من أخبر عن القاضي عياض قال سمعت شيخنا أبا بحر سفيان بن العاص الأسدي يحكي عن بعض شيوخه أنه كان يقول كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع حتى لا يبشر شيء لأن ما يبشر منه ربما يصح في رواية أخرى وقد يسمع الكتاب مرة أخرى على شيخ آخر يكون ما بشر وحك من رواية هذا صحيحا في رواية الآخر فيحتاج إلى إلحاقه بعد أن بشر وهو إذا خط عليه من رواية الأول وصح عند الآخر اكتفي بعلامة الآخر عليه بصحته ثم إنهم اختلفوا في كيفية الضرب فروينا عن أبي محمد بن خلاد قال أجود الضرب أن لا يطمس المضروب عليه بل يخط من فوقه خطا جيدا بينا يدل على إبطاله ويقرأ من تحته ما خط عليه وروينا عن القاضي عياض ما معناه أن اختبارات الضابطين اختلفت في الضرب فأكثرهم على مد الخط على المضروب عليه مختلطا بالكلمات المضروب عليها ويسمى ذلك الشق أيضا ومنهم من لا يخلطه ويثبته فوقه لكنه يعطف طرفي الخط على أول المضروب عليه وآخره ومنهم من يستقبح هذا ويراه تسويدا وتطليسا بل يحوق على أول الكلام المضروب عليه بنصف دائرة وكذلك في آخره وإذا كثر الكلام المضروب عليه فقد يفعل ذلك في أول كل سطر منه وآخره وقد يكتفي بالتحويق على أول الكلام وآخره أجمع ومن الأشياخ من يستقبح الضرب والتحويق ويكتفي بدائرة صغير أول الزيادة وآخرها ويسميها صفرا كما يسميها أهل الحساب وربما كتب بعضهم عليه لا في أوله وإلى في آخره ومثل هذا يحسن فيما صح في رواية وسقط في رواية أخرى والله أعلم وأما الضرب على الحرف المكرر فقد تقدم بالكلام فيه القاضي أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي رحمه الله على تقدمه فروينا عنه قال قال بعض أصحابنا أولاهما بأن يبطل الثاني لأن الأول كتب على صواب والثاني كتب على الخطأ فالخطأ أولى بالإبطال وقال آخرون إنما الكتاب علامة لما يقرأ فأولى الحرفين بالإبقاء أدلهما عليه وأجودهما صورة وجاء القاضي عياض آخرا ففصل تفصيلا حسنا فرأى أن تكرر الحرف إن كان في أول سطر فليضرب على الثاني صيانة لأول السطر عن التسويد والتشويه وإن كان في آخر سطر فليضرب على أولهما صيانة لآخر السطر فإن سلامة أوائل السطور وأواخرها عن ذلك أولى فإن اتفق أحدهما في آخر سطر ولا الآخر في أول سطر آخر فليضرب على الذي في آخر السطر فإن أول السطر أولى بالمراعاة فإن كان التكرر في المضاف أو المضاف إليه أو في الصفة أو في المصوف أو نحو ذلك لم نراع حينئذ أول السطر وآخره بل نراعي الاتصال بين المضاف والمضاف إليه ونحوهما في الخط فلا نفصل بالضرب بينهما ونضرب على الحرف المتطرف من المتكرر دون المتوسط وأما المحو فيقابل الكشط في حكمه الذي تقدم ذكره وتتنوع طرقه ومن أغربها مع أنه أسلمها ما روى عن سحنون بن سعيد التنوخي الإمام المالكي أنه كان ربما كتب الشيء ثم لعقه وإلى هذا يومي ما روينا عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه كان يقول من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد والله أعلم
الرابع عشر
ليكن فيما تختلف فيه الروايات قائما بضبط ما تختلف فيه في كتابه جيد التمييز بينها كيلا تختلط وتشتبه فيفسد عليه أمرها وسبيله أن يجعل أولا متن كتابه على رواية خاصة ثم ما كانت من زيادة لرواية أخرى ألحقها أو من نقص أعلم عليه أو من خلاف كتبه إما في الحاشية وإما في غيرها معينا في كل ذلك من رواه ذاكرا اسمه بتمامه فإن رمز إليه بحرف أو أكثر فعليه ما قدمنا ذكره من أنه يبين المراد بذلك في أول كتابه أو آخره كيلا يطول عهده به فينسي أو يقع كتابه إلى غيره فيقع من رموزه في حيرة وعمى وقد يدفع إلى الاقتصار على الرموز عند كثرة الروايات المختلفة واكتفى بعضهم في التمييز بأن خص الرواية الملحقة بالحمرة فعل ذلك أبو ذر الهروي من المشارقة وأبو الحسن القابسي من المغاربة مع كثير من المشايخ وأهل التقييد فإذا كان في الرواية الملحقة زيادة على التي في متن الكتاب كتبها بالحمرة وإن كان فيها نقص والزيادة في الرواية التي في متن الكتاب حوق عليها بالحمرة ثم على فاعل ذلك تبيين من له الرواية المعلمة بالحمرة في أول الكتاب أو آخره على ما سبق والله أعلم
الخامس عشر
غلب على كتبة الحديث الاقتصار على الرمز في قولهم حدثنا وأخبرنا غير أنه شاع ذلك وظهر حتى لا يكاد يلتبس أما حدثنا فيكتب منها شطرها الأخير وهو الثاء والنون والألف وربما اقتصر على الضمير منها وهو النون والألف وأما أخبرنا فيكتب منها الضمير المذكور مع الألف أولا وليس بحسن ما يفعله طائفة من كتابة أخبرنا بألف مع علامة حدثنا المذكورة أولا وإن كان الحافظ البيهقي ممن فعله وقد يكتب في علامة أخبرنا راء بعد الألف وفي علامة حدثنا دال في أولها وممن رأيت في خطه الدال في علامة حدثنا الحافظ أبو عبد الله الحاكم وأبو عبد الرحمن السلمي والحافظ أحمد البيهقي رضي الله عنهم والله أعلم وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر فإنهم يكتبون عند الانتقال من إسناد إلى إسناد ما صورته ح وهي حاء مفردة مهملة ولم يأتنا عن أحد ممن يعتمد بيان لأمرها غير أني وجدت بخط الأستاذ الحافظ أبي عثمان الصابوني والحافظ أبي مسلم عمر بن علي الليثي البخاري والفقيه المحدث أبي سعيد الخليلي رحمه الله تعالى في مكانها بدلا عنها صح ههنا لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد قد سقط ولئلا يركب الإسناد الثاني على الإسناد الأول فيجعلا إسنادا واحدا وحكى لي بعض من جمعتني وإياه الرحلة بخراسان عمن وصفه بالفضل من الإصبهانيين أنها حاء مهملة من التحويل أي من إسناد إلى إسناد آخر وذاكرت فيها بعض أهل العلم من أهل الغرب وحكيت له عن بعض من لقيت من أهل الحديث أنها حاء مهملة إشارة إلى قولنا الحديث فقال لي أهل المغرب وما عرفت بينهم اختلافا يجعلونها حاء مهملة ويقول أحدهم إذا وصل إليها الحديث وذكر لي أنه سمع بعض البغداديين يذكر أيضا أنها حاء مهملة وأن منهم من يقول إذا انتهى إليها في القراءة حا ويمر وسألت أنا الحافظ الرحال أبا محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي رحمه الله عنها فذكر أنها حاء من حائل أي تحول بين الإسنادين قال ولا يلفظ بشيء عند الانتهاء إليها في القراءة وأنكر كونها من الحديث وغير ذلك ولم يعرف غير هذا عن أحد من مشايخه وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته قال المؤلف وأختار أنا والله الموفق أن يقول القارئ عند الانتها ءإليها حا ويمر فإنه أحوط الوجوه وأعدلها والعلم عند الله تعالى
السادس عشر
ذكر الخطيب الحافظ أنه ينبغي للطالب أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه ثم يسوق ما سمعه منه على لفظه قال وإذا كتب الكتاب المسموع فينبغي أن يكتب فوق سطر التسمية أسماء من سمع معه وتاريخ وقت السماع وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب فكلا قد فعله شيوخنا قلت كتبة التسميع حيث ذكره أحوط له وأحرى بأن لا يخفى على من يحتاج إليه ولا بأس بكتبته آخر الكتاب وفي ظهره وحيث لا يخفى موضعه وينبغي أن يكون التسميع بخط شخص موثوق به غير مجهول الخط ولا ضير حينئذ في أن لا يكتب الشيخ المسمع خطه بالتصحيح وهكذا لا بأس على صاحب الكتاب إذا كان موثوقا به أن يقتصر على إثبات سماعه بخط نفسه فطالما فعل الثقات ذلك وقد حدثني بمرو الشيخ أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد المروزي عن أبيه عمن حدثه من الأصبهانية أن عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن منده قرأ ببغداد جزءأ على أبي أحمد الفرضي وسأله خطه ليكون حجة له فقال له أبو أحمد يا بني عليك بالصدق فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد وتصدق فيما تقول وتنقل وإذا كان غير ذلك فلو قيل لك ما هذا خط أبي أحمد الفرضي ما ذا تقول لهم ثم إن على كاتب التسميع التحري والاحتياط وبيان السامع والمسموع منه بلفظ غير محتمل ومجانبة التساهل فيمن يثبت اسمه والحذر من إسقاط اسم أحد منهم لغرض فاسد فإن كان مثبت السماع غير حاضر في جميعه لكن أثبته معتمدا على إخبار من يثق بخبره من حاضريه فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى ثم إن من ثبت سماعه في كتابه فقبيح به كتمانه إياه ومنعه من نقل سماعه ومن نسخ الكتاب وإذا أعاره إياه فلا يبطيء به روينا عن الزهري أنه قال إياك وغلول الكتب قيل له وما غلول الكتب قال حبسها عن أصحابها وروينا عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه أنه قال ليس من فعال أهل الورع ولا من فعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل فيحبسه عنه ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه وفي رواية ولا من فعال العلماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه عليه فإن منعه إياه فقد روينا أن رجلا ادعى على رجل بالكوفة سماعا منعه إياه فتحاكما إلى قاضيها حفص بن غياث فقال لصاحب الكتاب أخرج إلينا كتبك فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك ألزمناك وما كان بخطه أعفيناك منه قال بن خلاد سألت أبا عبد الله الزبيري عن هذا فقال لا يجيء في هذا الباب حكم أحسن من هذا لأن خط صاحب الكتاب دال على رضاه باستماع صاحبه معه قال بن خلاد وقال غيره ليس بشيء وروى الخطيب الحافظ أبو بكر عن إسماعيل بن إسحاق القاضي أنه تحوكم إليه في ذلك فأطرق مليا ثم قال للمدعى عليه إن كان سماعه في كتابك بخطك فيلزمك أن تعيره وإن كان سماعه في كتابك بخط غيرك فأنت أعلم قلت حفص بن غياث معدود في الطبقة الأولى من أصحاب أبي حنيفة وأبو عبد الله الزبيري من أئمة أصحاب الشافعي وإسماعيل بن إسحاق لسان أصحاب مالك وإمامهم وقد تعاضدت أقوالهم في ذلك ويرجع حاصلها إلى أن سماع غيره إذا ثبت في كتابه برضاه فيلزمه إعارته إياه وقد كان لا يبين لي وجهه ثم وجهته بأن ذلك بمنزلة شهادة له عنده فعليه أداؤها بما حوته وإن كان فيه بذل ماله كما يلزم متحمل الشهادة أداؤها وإن كان فيه بذل نفسه بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها والعلم عند الله تبارك وتعالى ثم إذا نسخ الكتاب فلا ينقل سماعه ألى نسخته إلا بعد المقابلة المرضية وهكذا لا ينبغي لأحد أن ينقل سماعا إلى شيء من النسخ أو يثبته فيها عند السماع ابتداء الا بعد المقابلة المرضية بالمسموع كيلا يغتر أحد بتلك النسخة غير المقابلة إلا أن يبين مع النقل وعنده كون النسخة غير مقابلة والله أعلم

النوع السادس والعشرون

في صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك

وقد سبق بيان كثير منه في ضمن النوعين قبله شدد قوم في الرواية فأفرطوا وتساهل فيها آخرون ففرطوا ومن مذاهب التشديد مذهب من قال لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه وتذكره وذلك مروي عن مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما وذهب إليه من أصحاب الشافعي أبو بكر الصيدلاني المروزي ومنها مذهب من أجاز الاعتماد في الرواية على كتابه غير أنه لو أعار كتابه وأخرجه من يده لم ير الرواية منه لغيبته عنه وقد سبقت حكايتنا لمذاهب عن أهل التساهل وإبطالها في ضمن ما تقدم من شرح وجوه الأخذ والتحمل ومن أهل التساهل قوم سمعوا كتبا مصنفة وتهاونوا حتى إذا طعنوا في السن واحتيج إليهم حملهم الجهل والشره على أن رووها من نسخ مشتراه أو مستعارة غير مقابلة فعدهم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في طبقات المجروحين قال وهم يتوهمون أنهم في روايتها صادقون وقال هذا مما كثر في الناس وتعاطاه قوم من أكابر العلماء والمعروفين بالصلاح قلت ومن المتساهلين عبد الله بن لهيعة المصري ترك الاحتجاج بروايته مع جلالته لتساهله ذكر عن يحيى بن حسان أنه رأى قوما معهم جزء سمعوه من بن لهيعة فنظر فيه فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث بن لهيعة فجاء إلى بن لهيعة فأخبره بذلك فقال ما اصنع يجيؤوني بكتاب فيقولون هذا من حديثك فأحدثهم به ومثل هذا واقع من شيوخ زماننا يجيء إلى أحدهم الطالب بجزء أو كتاب فيقول هذا روايتك فيمكنه من قراءته عليه مقلدا له من غير أن يبحث بحيث يحصل له الثقة بصحة ذلك والصواب ما عليه الجمهور وهو التوسط بين الإفراط والتفريط فإذا قام الراوي في الأخذ والتحمل بالشرط الذي تقدم شرحه وقابل كتابه وضبط سماعه على الوجه الذي سبق ذكره جازت له الرواية منه وإن أعاره وغاب عنه إذا كان الغالب من أمره سلامته من التغيير والتبديل لا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه في الغالب لو غير شيء منه وبدل تغييره وتبديله وذلك لأن الاعتماد في باب الرواية على غالب الظن فإذا حصل أجزأ ولم يشترط مزيد عليه والله أعلم
تفريعات

أحدها
إذا كان الراوي ضريرا ولم يحفظ حديثه من فم من حدثه واستعان بالمأمونين في ضبط سماعه وحفظ كتابه ثم عند روايته في القراءة منه عليه واحتاط في ذلك على حسب حاله بحيث يحصل معه الظن بالسلامة من التغيير صحت روايته غير أنه أولى بالخلاف والمنع من مثل ذلك من البصير قال الخطيب الحافظ والسماع من البصير الأمي والضرير اللذين لم يحفظا من المحدث ما سمعاه منه لكنه كتب لهما بمثابة واحدة قد منع منه غير واحد من العلماء ورخص فيه بعضهم والله اعلم
الثاني
إذا سمع كتابا ثم أراد روايته من نسخة ليس فيها سماعه ولا هي مقابلة بنسخة سماعه غير انه سمع منها علي شيخه لم يجز له ذلك قطع به الامام أبو نصر بن الصباغ الفقيه فيما بلغنا عنه وكذلك لو كان فيها سماع شيخه أو روي منها ثقة عن شيخه فلا تجوز له الرواية منها اعتمادا علي مجرد ذلك إذ لا يؤمن ان تكون فيها زوائد ليست في نسخة سماعه ثم وجدت الخطيب قد حكي مصداق ذلك عن أكثر أهل الحديث فذكر فيما إذا وجد أصل المحدث ولم يكتب فيه سماعه أو وجد نسخة كتبت عن الشيخ تسكن نفسه الي صحتها ان عامة أصحاب الحديث منعوا من روايته من ذلك وجاء عن أيوب السختياني ومحمد بن بكر البرساني الترخص فيه قلت اللهم الا ان تكون له إجازة من شيخه عامة لمروياته أو نحو ذلك فيجوز له حينئذ الرواية منها إذ ليس فيه أكثر من رواية تلك الزيادات بالإجازة بلفظ أخبرنا أو حدثنا من غير بيان للاجازة فيها والأمر فيه ذلك قريب يقع مثله في محل التسامح وقد حكينا فيما تقدم انه لا غني في كل سماع عن الإجازة ليقع ما يسقط في السماع علي وجه السهو وغيره من كلمات أو أكثر مرويا بالإجازة وان لم يذكر لفظها فان كان الذي في النسخة سماع شيخ شيخه أو هي مسموعة علي شيخ شيخه أو مروية عن شيخ شيخه فينبغي له حينئذ في روايته منها ان تكون له إجازة شاملة من شيخه ولشيخه إجازة شاملة من شيخه وهذا تيسير حسن هدانا الله له وله الحمد والحاجة اليه ماسة في زماننا جدا والله اعلم
الثالث
إذا وجد الحافظ في كتابه خلاف ما يحفظه نظر فان كان انما حفظ ذلك من كتابه فليرجع الي ما في كتابه وان كان حفظه من فم المحدث فليعتمد حفظه دون ما في كتابه إذا لم يتشكك وحسن ان يذكر الأمرين في روايته فيقول حفظي كذا وفي كتابي كذا هكذا فعل شعبة وغيره وهكذا إذا خالفه فيما يحفظه بعض الحفاظ فليقل حفظي كذا وكذا وقال فيه فلان أو قال فيه غيري كذا وكذا أو شبه هذا من الكلام كذلك فعل سفيان الثوري وغيره والله أعلم
الرابع
إذا وجد سماعه في كتابه وهو غير ذاكر لسماعه ذلك فعن أبي حنيفة رحمه الله وبعض أصحاب الشافعي رحمه الله أنه لا يجوز له روايته ومذهب الشافعي رحمه الله وأكثر أصحابه وأبي يوسف ومحمد أنه يجوز له روايته قلت هذا الخلاف ينبغي أن يبنى على الخلاف السابق قريبا في جواز اعتماد الراوي على كتابه في ضبط ما سمعه فإن ضبط أصل السماع كضبط المسموع فكما كان الصحيح وما عليه أكثر أهل الحديث تجويز الاعتماد على الكتاب المصون في ضبط المسموع حتى يجوز له أن يروي ما فيه وإن كان لا يذكر أحاديثه حديثا حديثا كذلك ليكن هذا إذا وجد شرطه وهو أن يكون السماع بخطه أو بخط من يثق به والكتاب مصون بحيث يغلب على الظن سلامة ذلك من تطرق التزوير والتغيير إليه على نحو ما سبق ذكره في ذلك وهذا إذا لم يتشكك فيه وسكنت نفسه الى صحته فإن تشكك فيه لم يجز الاعتماد عليه والله أعلم
الخامس
إذا أراد رواية ما سمعه على معناه دون لفظه فإن لم يكن عالما عارفا بالألفاظ ومقاصدها خبيرا بما يحيل معانيها بصيرا بمقادير التفاوت بينها فلا خلاف أنه لا يجوز له ذلك وعليه أن لا يروي ما سمعه إلا على اللفظ الذي سمعه من غير تغيير فأما إذا كان عالما عارفا بذلك فهذا مما اختلف فيه السلف وأصحاب الحديث وأرباب الفقه والأصول فجوزه أكثرهم ولم يجوزه بعض المحدثين وطائفة من الفقهاء والأصوليين من الشافعيين وغيرهم ومنعه بعضهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازه في غيره والأصح جواز ذلك في الجميع إذا كان عالما بما وصفناه قاطعا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف الأولين وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة وما ذلك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريا ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب فليس لأحد أن يغير لفظ شيء من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه فإن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والنصب وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره والله أعلم
السادس
ينبغي لمن روى حديثا بالمعنى أن يتبعه بأن يقول أو كما قال أو نحو هذا أو ما أشبه ذلك من الألفاظ روي ذلك من الصحابة عن بن مسعود وأبي الدرداء وأنس رضي الله عنهم قال الخطيب والصحابة أرباب اللسان وأعلم الخلق بمعاني الكلام ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفا من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية على المعنى من الخطر قلت وإذا اشتبه على القاريء فيما يقرؤه لفظة فقرأها على وجه يشك فيه ثم قال أو كما قال فهذا حسن وهو الصواب في مثله لأن قوله أو كما قال يتضمن إجازة من الراوي وإذنا في رواية صوابها عنه إذا بان ثم لا يشترط إفراد ذلك بلفظ الإجازة لما بيناه قريبا والله أعلم
السابع
هل يجوز اختصار الحديث الواحد ورواية بعضه دون بعض اختلف أهل العلم فيه فمنهم من منع من ذلك مطلقا بناء على القول بالمنع من النقل بالمعنى مطلقا ومنهم من منع من ذلك مع تجويزه النقل بالمعنى إذا لم يكن قد رواه على التمام مرة أخرى ولم يعلم أن غيره قد رواه على التمام ومنهم من جوز ذلك وأطلق ولم يفصل وقد روينا عن مجاهد أنه قال انقص من الحديث ما شئت ولا تزد فيه والصحيح التفصيل وأنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما نقله غير متعلق به بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه فهذا ينبغي أن يجوز وإن لم يجز النقل بالمعنى لأن الذي نقله والذي تركه والحالة هذه بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر ثم هذا إذا كان رفيع المنزلة بحيث لا يتطرق إليه في ذلك تهمة نقلة أولا تماما ثم نقله ناقصا أو نقله أولا ناقصا ثم نقله تاما فأما إذا لم يكن كذلك فقد ذكر الخطيب الحافظ أن من روى حديثا على التمام وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان أن يتهم بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث لقلة ضبطه وكثرة غلطه فواجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه وذكر الإمام أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي الفقيه أن من روى بعض الخبر ثم أراد أن ينقل تمامه وكان ممن يتهم بأنه زاد في حديثه كان ذلك عذرا له في ترك الزيادة وكتمانها قلت من كان هذا حاله فليس له من الابتداء أن يروي الحديث غير تام إذا كان قد تعين عليه أداء تمامه لأنه إذا رواه أولا ناقصا أخرج باقيه الأحتجاج عن حيز الحتجاج به ودار بين أن لا يرويه أصلا فيضيعه رأسا وبين أن يرويه متهما فيه فيضيع ثمرته لسقوط الحجة فيه والعلم عند الله تعالى وأما تقطيع المصنف متن الحديث الواحد وتفريقه في الأبواب فهو إلى الجواز أقرب ومن المنع أبعد وقد مغله مالك والبخاري وغير واحد من أئمة الحديث ولا يخلو من كراهية والله أعلم
الثامن
ينبغي للمحدث أن لا يروي حديثه بقراءة لحان أو مصحف روينا عن النضر بن شميل قال جاءت هذه الأحاديث عن الأصل معربة وأخبرنا أبو بكر بن أبي المعالي الفراوي قراءة عليه أخبرنا الإمام أبو جدي أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي أنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا الإمام أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي حدثني محمد بن معاذ قال أنا بعض أصحابنا عن أبي داود السنجي قال سمعت الأصمعي يقول إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه قلت فحق على طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يتخلص به من شين اللحن والتحريف ومعرتهما روينا عن شعبة قال من طلب الحديث ولم يبصر العربية فمثله مثل رجل عليه برنس ليس له راس أو كما قال وعن حماد بن سلمة قال مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاة لا شعيرة فيها واما التصحيف فسبيل السلامة منه الاخذ من أفواه أهل العلم والضبط فان من حرم ذلك وكان اخذه وتعلمه من بطون الكتب كان من شانه التحريف ولم يفلت من التبديل والتصحيف والله اعلم
التاسع
إذا وقع في روايته لحن أو تحريف فقد اختلفوا فمنهم من كان بري انه يرويه علي الخطا كما سمعه وذهب الي ذلك من التابعين محمد بن سيرين وأبو معمر عبد الله بن سخبرة وهذا غلو في مذهب اتباع اللفظ والمنع من الرواية بالمعني ومنهم من رأي تغييره واصلاحه وروايته علي الصواب روينا ذلك عن الأوزاعي وابن المبارك وغيرهما وهو مذهب المحصلين والعلماء من المحدثين والقول به في اللحن الذي لا يختلف به المعني وأمثاله لازم علي مذهب تجويز رواية الحديث بالمعني وقد سبق انه قول الكثرين واما إصلاح ذلك وتغييره في كتابه واصله فالصواب تركه وتقرير ما وقع في الأصل علي ما هو عليه مع التضبيب عليه وبيان الصواب خارجا في الحاشية فان ذلك اجمع للمصلحة وانفي للمفسدة وقد روينا ان بعض أصحاب الحديث رئي في المنام وكأنه قد مر من شفته أو لسانه شيء فقيل له في ذلك فقال لفظه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي اله وسلم غيرتها برايي ففعل بي هذا وكثيرا ما نرى ما يتوهمه كثير من أهل العلم خطا وربما غيروه صوابا ذا وجه صحيح وان خفي واستغرب لا سيما فيما يعدونه خطا من جهة العربية وذلك لكثرة لغات العرب وتشعبها وروينا عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال كان إذا مر بابي لحن فاحش غيره وإذا كان لحنا سهلا تركه وقال كذا قال الشيخ وأخبرني بعض اشياخنا عمن أخبره عن القاضي الحافظ عياض بما معناه واختصاره ان الذي استمر عليه عمل أكثر الاشياخ ان ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم ولا يغيروها في كتبهم حتي في أحرف من القرآن استمرت الرواية فيها في الكتب على خلاف التلاوة المجمع عليها ومن غير أن يجيء ذلك في الشواذ ومن ذلك ما وقع في الصحيحين والموطأ وغيرها لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها عندالسماع والقراءة وفي حواشي الكتب مع تقريرهم ما في الأصول على ما بلغهم ومنهم من جسر على تغيير الكتب وإصلاحها منهم أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوقشي فإنه لكثرة مطالعته وافتتانه وثقوب فهمه وحدة ذهنه جسر على الإصلاح كثيرا وغلط في أشياء من ذلك وكذلك غيره ممن سلك مسلكه فالأولى سد باب التغيير والإصلاح لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن وهو أسلم مع التبيين فيذكر ذلك عند السماع كما وقع ثم يذكر وجه صوابه إما من جهة العربية وإما من جهة الرواية وإن شاء قرأه أولا على الصواب ثم قال وقع عند شيخنا أو في روايتنا أو من طريق فلان كذا وكذا وهذا أولى من الأول كيلا يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل وأصلح ما يعتمد عليه في الإصلاح أن يكون ما يصلح به الفاسد قد ورد في أحاديث أخر فإن ذاكره آمن من أن يكون منقولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل والله أعلم
العاشر
إذا كان الإصلاح بزيادة شيء قد سقط فإن لم يكن في ذلك مغايرة في المعنى فالأمر فيه على ما سبق وذلك كنحو ما روي عن مالك رضي الله عنه أنه قيل له أرأيت حديث النبي صلى الله عليه وسلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد فقال أرجو أن يكون خفيفا وإن كان الإصلاح بالزيادة يشتمل على معنى مغاير لما وقع في الأصل تأكد فيه الحكم بأنه يذكر ما في الأصل مقرونا بالتنبيه على ما سقط ليسلم من معرة الخطأ ومن أن يقول على شيخه ما لم يقل حدث أبو نعيم الفضل بن دكين عن شيخ له بحديث قال فيه عن بحينة فقال أبو نعيم إنما هو بن بحينة ولكنه قال بحينة وإذا كان من دون موضع الكلام الساقط معلوما أنه قد أتي به وإنما أسقطه من بعده ففيه وجه آخر وهو أن يلحق الساقط في موضعه من الكتاب مع كلمة يعني كما فعل الخطيب الحافظ إذ روى عن بن عمر بن مهدي عن القاضي المحاملي بإسناده عن عروة عن عمرة بنت عبد الرحمن يعني عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فأرجله قال الخطيب كان في أصل بن مهدي عن عمرة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فألحقنا فيه ذكر عائشة إذ لم يكن منه بد وعلمنا أن المحاملي كذلك رواه وإنما سقط من كتاب شيخنا أبي عمر وقلنا فيه يعني عن عائشة رضي الله عنها لأجل أن بن مهدي لم يقل لنا ذلك وهكذا رأيت غير واحد من شيوخنا يعفل في مثل هذا ثم ذكر بإسناده عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال سمعت وكيعا يقلو أنا أستعين في الحديث ب يعني قلت وهذا إذا كان شيخه قد رواه له على الخطأ فأما إذا وجد ذلك في كتابه وغلب على ظنه أن ذلك من الكتاب لا من شيخه فيتجه ههنا إصلاح ذلك في كتابه وفي روايته عند تحديثه به معا ذكر أبو داود أنه قال لأحمد بن حنبل وجدت في كتابي حجاج عن جريج عن أبي الزبير يجوز لي أن أصلحه بن جريج فقال أرجو أن يكون هذا لا بأس به والله أعلم وهذا من قبيل ما إذا درس من كتابه بعض الإسناد أو المتن فإنه يجوز له استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط من كتابه وإن كان في المحدثين من لا يستجيز ذلك وممن فعل ذلك نعيم بن حماد فيما روي عن يحيى بن معين عنه قال الخطيب الحافظ ولو بين ذلك في حال الرواية كان أولى وهكذا الحكم في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره أو من حفظه وذلك مروي عن غير واحد من أهل الحديث منهم عاصم وأبو عوانة وأحمد بن حنبل وكان بعضهم يبين ما ثبته فيه غيره فيقول حدثنا فلان وثبتني فلان كما روي عن يزيد بن هارون أنه قال أخبرنا عاصم وثبتني شعبة عن عبد الله بن سرجس وهكذا الأمر فيما إذا وجد في أصل كتابه كلمة من غريب العربية أو غيرها غير مقيدة وأشكلت عليه فجائز أن يسأل عنها أهل العم ويرويها على ما يخبرونه به روي مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وغيرهما رضي الله عنهم والله أعلم
الحادي عشر
إذا كان الحديث عند الراوي عن اثنين أو أكثر وبين روايتهما تفاوت في الفظ والمعنى واحد كان له أن يجمع بينهما في الإسناد ثم يسوق الحدي على لفظ أحدهما خاصة ويقول أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان أو هذا لفظ فلان قال أو قالا أنا فلان أو ما أشبه ذلك من العبارات ولمسلم صاحب الصحيح مع هذا في ذلك عبارة أخرى حسنة مثل قوله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج كلاهما عن أبي خالد قال أبو بكر حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش وساق الحديث فإعاذته ثانيا ذكر أحدهما خاصة إشاعر بأن اللفظ المذكور له وأما إذا لم يخص لفظ أحدهما بالذكر بل أخذ من فلظ هذا ومن لفظ ذاك وقال أخبرنا فلان وفلان وتقاربا في اللفظ قالا أخبرنا فلان فهذا غير ممتنع على مذهب تجويز الرواية بالمعنى وقول أبي داو د صاحب السنن حدثنا مسدد وأبو توبة المعنى قالا حدثنا أبو الأحوص مع أشباه لهذا في كتابه يحتمل أن يكون من قبيل الأول فيكون اللفظ لمسدد ويوافقه أبو توبة في المعنى ويحتمل أن يكون من قبيل الثاني فلان يكون قد أورد لفظ أحدهما خاصة بل رواه بالمعنى عن كليهما وهذا الاحتمال يقرب في قوله حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل المعنى واجد قالا حدثنا أبان وأما إذا جمع بين جماعة رواة قد اتفقوا في المعنى وليس ما أروده لفظ كل واحد منهم وسكت عن البيان لذلك فهذا مما عيب به البخاري أو غيره ولا بأس به على مقتضى مذهب تجويز الرواية بالمعنى وإذا سمع كتابا مصنفا من جماعة ثم قابل نسخته بأصل بعضهم دون بعض وأراد أن يذكر جميعهم في الإسناد ويقول واللفظ لفلان كما سبق فهذا يحتمل أن يجوز كالأول لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن ذكر أنه بلفظه ويحتمل أن لا يجوز لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين حتى يخبر عنها بخلاف ما سبق فإنه اطلع على رواية غير من نسب اللفظ اليه وعلى موافقتهما من حيث المعنى فأخبر بذلك والله أعلم
الثاني عشر
ليس له أن يزيد في نسب من فوق شيخه من رجال الإسناد على ما ذكره شيخه مدرجا عليه من غير فصل مميز فإن أتى بفصل جاز مثل أن يقول هو بن فلان الفلاني أو يعني بن فلان ونحو ذلك وذكر الحافظ الإمام أبو بكر البرقاني رحمه الله في كتاب اللقظ له بإسناده عن علي بن المديني قال إذا حدثك الرجل فقال حدثنا فلان ولم ينسبه فأحببت أن تنسبه فقل حدثنا فلان أن فلان بن فلان حدثه والله أعلم وأما إذا كمان شيخه قد ذكر نسب شيخه أو صفته في أول كتاب أو جزء عند أول حديث منه واقتصر فيما بعده من الأحاديث على ذكر اسم الشيخ أو بعض نسبه مثاله أن أروي جزءا عن الفراوي وأقول في أوله أخبرنا أبو بكر منصور بن عبد المنعم بن عبد الله الفراوي قال أخبرنا فلان وأقول في باقي أحاديثه أخبرنا منصور أخبرنا منصور فهل يجوز لمن سمع ذلك الجزء مني أن يروي عني الأحاديث التي بعد الحديث الأول متفرقة ويقول في كل واحد منها أنا فلان قال أنا أبو بكر منصور بن عبد المنعم بن عبد الله الفرراوي قال أنا فلان وإن لم أذكر له ذلك في كل واحد منها اعتمادا على ذكري له أولا فهذا قد حكى الخطيب الحافظ عن أكثر أهل العلم أنهم أجازوه وعن بعضهم أن الأولى أن يقول يعني بن فلان وروى بإسناده عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه كان إذا جاء اسم الرجل غير منسوب قال يعني بن فلان وروى عن البرقاني بإسناده عن علي بن المديني ما قدمنا ذكره عنه ثم ذكر أنه هكذا رأى أبا بكر أحمد بن علي الأصبهاني نزيل نيسابور يفعل وكان أحد الحفاظ المجودين ومن أهل الورع والدين وأنه سأله عن أحاديث كثيرة رواها له قال فيها أنا أبو عمرو بن حمدان أن أبا يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي أخبرهم وأخبرنا أبو بكر بن المقري أن إسحاق بن أحمد بن نافع حدثهم وأخبرنا أبو أحمد الحافظ أن أبا يوسف محمد بن سفيان الصفار أخبرهم فذكر له أنها أحاديث سمعها قراءة على شيوخه في جملة نسخ نسبوا الذين حدثوهم بها في أولها واقتصروا في بقيتها على ذكر أسمائهم قال وكان غيره يقول في مثل هذا أخبرنا فلان قال أنا فلان هو بن فلان ثم يسوق نسبه إلى منتهاه قال وهذا الذي أستحبه لأن قوما من الوراة كانوا يقولون فيما أجيز لهم أخبرنا فلان أن فلانا حدثهم قلت جميع هذه الوجوه جائز وأولاها أن يقول هو بن فلان أو يعني بن فلان ثم أن يقول إن فلان بن فلان ثم أن يذكر المذكور في أول الجزء بعينه من غير فصل والله أعلم
الثالث عشر
جرت العادة بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد خطا ولا بد من ذكره حالة القراءة لفظا ومما قد يغفل عنه من ذلك ما إذا كان في أثناء الإسناد قرئ على فلان أخبرك فلان فينبغي للقارئ أن يقول فيه قيل له أخبرك فلان ووقع في بعض ذلك قرئ على فلان ثنا فلان فهذا يذكر فيه قال فيقال قرئ على فلان قال ثنا فلان وقد جاء هذا مصرحا به خطأ هكذا في بعض ما رويناه وإذا تكررت كلمة قال كما في قوله في كتاب البخاري حدثنا صالح بن حيان قال قال عامر الشعبي حذفوا إحداهما في الخط وعلى القارئ أن يلفظ بهما جميعا والله أعلم
الرابع عشر
النسخ المشهورة المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة همام بن منبه عن أبي هريرة رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ونحوها من النسخ والأجزاء منهم من يجدد ذكر الإسناد في أول كل حديث منها ويوجد هذا في كثير من الأصول القديمة وذلك أحوط ومنهم من يكتفي بذكر الإسناد في أولها عند أول حديث منها أو في أول كل مجلس من مجالس سماعها ويدرح الباقي عليه ويقول في كل حديث بعده وبالإسناد أو وبه وذلك هو الأغلب الأكثر وإذا أراد من كان سماه على هذا الوجه تفريق لتلك الأحاديث ورواية كل حديث منها بالإسناد المذكور في أولها جاز له ذلك عند الأكثرين منهم وكيع بن الجراح ويحيى بن معين وأبو بكر الإسماعيلي وهذا لأن الجميع معطوف على الأول فالإسناد المذكور أولا في حكم المذكور في كل حديث وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله والله أعلم ومن المحدثين من أبي إفراد شيء من تلك الأحادي المدرجة بالإسناد المذكور أولا ورآه تدليسا وسأل بعض أهل الحديث الأستاذ أبا إسحاق الإسفرائيني الفقيه ألأصولي عن ذلك فقال لا يجوز وعلى هذا من كان سماعه على هذا الوجه فطريقه أن يبين ويحكي ذلك كما جرى كما فعله مسلم في صحيحه في صحيفة همام بن منبه نحو قوله ثنا محمد بن رافع قال ثنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة وذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة أن يقول له تمن الحديث وهكذا فعل كثير من المؤلفين والله أعلم
الخامس عشر
إذا قدم ذكر المتن على الإسناد أو ذكر المتن وبعض الإسناد ثم ذكر الإسناد عقيبه على الاتصال مثل أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو يقول روى عمرو بن دينا رعن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ثم يقول أخبرنا به فلان قال أخبرنا فلان ويسوق الإسناد حتى يتصل بما قدمه فهذا يلتحق بما إذا قدم الإسناد في كونه يصير به مسندا للحديث لا مرسلا له فلو أراد من سمعه منه هكذا أن يقدم الإسناد ويؤخر المتن ويلفقه كذلك فقد ورد عن بعض من تقدم من المحدثين أنه جوز ذلك قلت ينبغي أن يكون فيه خلاف نحو الخلاف في تقديم بعض متن الحديث على بعض وقد حكى الخطيب المنع من ذلك على القول بان الرواية على المعنى لا تجوز والجواز على القول بأن الرواية على المعنى تجوز ولا فرق بينهما في ذلك والله أعلم وأما ما يفعله بعضهم من إعادة ذكر الإسناد في آخر الكتاب أو الجزء بعد ذكره أولا فهذا لا يرفع الخلاف الذي تقدم ذكره في إفراد كل حديث بذلك الإسناد عند روايتها لكونه لا يقع متصلا بكل واحد منها ولكنه بفيد تأكيدا واحتياطا ويتضمن إجازة بالغة من أعلى أنواع الاجازات والله أعلم
السادس عشر
إذا روى المحدث الحديث بإسناد ثم اتبعه بإسناد آخر وقال عند انتهائه مثله فأراد الراوي عنه أن يقتصر على الإسناد الثاني ويسوق لفظ الحديث المذكور عقيب الإسناد الأول فالأظهر المنع من ذلك وروينا عن أبي بكر الخطيب الحافظ رحمه الله قال كان شعبة لا يجيز ذلك وقال بعض أهل العلم يجوز ذلك إذا عرف أن المحدث ضابط متحفظ يذهب الى تمييز الألفاظ وعد الحروف فان لم يعرف ذلك منه لم يجز ذلك وكان غير واحد من أهل العلم إذا روى مثل هذا يورد الإسناد ويقول مثل حدية قبله متنه كذا وكذا ثم يسوقه وكذلك إذا كان المحدث قد قال نحوه قال وهذا هو الذي أختاره أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن أبي منصور علي بن علي البغدادي شيخ الشيوخ بها بقراءتي عليه بها قال أنا والدي رحمه الله قال أنا أبو محمد عبد الله بن محمد الصريفيني قال أنا أبو القاسم بن حبابة قال حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال ثنا عمرو بن محمد الناقد قال ثنا وكيع قال قال شعبة فلان عن فلان مثله لا يجزئ قال وكيع وقال سفيان الثور ي يجزئ وأما إذا قال نحوه فهو في ذلك عند بعضهم كما إذا قال مثله ونبئنا بإسناد عن وكيع قال قال سفيان إذا قال نحوه فهو حديث وقال شعبة نحوه شك وعن يحيى بن معين أنه أجاز ما قدمنا ذكره في قوله مثله ولم يجزه في قوله نحوه قال الخطيب وهذا القول على مذهب من لم يجز الرواية على المعنى فأما على مذهب من أجازها فلان فرق بين مثله ونحوه قلت هذا له تعلق بما رويناه عن مسعود بن علي السجزي أنه سمع الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول إن مما يلزم الحديثي من الضبط والإتقان أن يفرق بين أن يقول مثله أو يقول نحوه فلا يحل له أن يقول مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظ واحد ويحل أن يقول نحوه إذا كان على مثل معانيه والله أعلم
السابع عشر
إذا ذكر الشيخ إسناد الحديث ولم يذكر من متنه الا طرفا ثم قال وذكر الحديث أو قال وذكر الحديث بطوله فأراد الراوي عنه أن يروي عنه الحديث بكماله وبطوله فهذا ألوى بالمنع مما سبق ذكره في قوله مثله أو نحوه فطريقه أن يبين ذلك بأن يقتص ما ذكره الشيخ على وجهه ويقول قال وذكر الحديث بطوله ثم يقول والحديث بطلوه هو كذا وكذا ويسوقه الى آخره وسأل بعض أهل الحديث أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الشافعي المقدم في الفقه والأصول عن ذلك فقال لا يجوز لمن سمع على هذا الوصف أن يروي الحديث بما فيه من الألفاظ على التفصيل وسأل أبو بكر البرقاني الحافظ الفقيه أبا بكر الإسماعيلي الحافظ الفقيه عمن قرأ إسناد حديث على الشيخ ثم قال وذكر الحديث هل يجوز أن يحدث بجميع الحديث فقال إذا عرف المحدث والقارئ ذلك الحديث فأرجو أن يجوز ذلك والبيان أولى أن يقول كما كان قلت إذا جوزنا ذلك فالتحقيق فيه أنه بطريق الإجازة فيما لم يذكره الشيخ لكنها إجازة أكيدة قوية من جهات عديدة فجاز لهاذ مع كون أوله سماعا ادراج الباقي عليه من غير افراد له بلفظ الإجازة والله أعلم
الثامن عشر
الظاهر أنه لا يجوز تغيير عن النبي الى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا بالعكس وإن جازت الرواية بالمعنى فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى والمعنى في هذا مختلف وثبت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه رأى أباه إذا كان في الكتاب النبي فقال المحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب وكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الخطيب أبو بكر هذا غير لازم وإنما استحب أحمد اتباع المحدث في لفظه وإلا فمذهبه الترخيص في ذلك ثم ذكر بإسناده عن صالح بن أحمد بن حنبل قال قلت لأبي يكون في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل الإنسان قال النبي صلى الله عليه وسلم قال أرجو أن لا يكون به بأس وذكر الخطيب بسنده عن حماد بن سلمة أنه كان يحدث وبين يديه عفان وبهز فجعلا يغيران النبي صلى الله عليه وسلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما حماد أما أنتما فلا تفقهان أبدا والله أعلم
التاسع عشر
إذا كان سماعه على صفة فيها بعض الوهن فعليه أن يذكرها في حالة الرواية فان في اغفالها نوعا من التدليس وفيما مضى لنا أمثلة لذلك ومن أمثلته ما إذا حدثه المحدث من حفظه في حالة المذاركة فليقل حدثنا فلان مذاكرة أو حدثناه في المذاكرة فقد كان غير واحد من متقدم العلماء يفعل ذلك وكان جماعة من حفاظهم يمنعون من أن يحمل عنهم في المذاكرة شيء منهم عبد الرحمن بن مهدي وأبو زرعة الرازي ورويناه عن بن المبارك وغيره وذلك لما قد يقع فيها من المساهلة مع أن الحفظ خوان ولذلك امتنع جماعة من أعلام الحفاظ من رواية ما يحفظونه إلا من كتبهم منهم أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين والله أعلم
العشرون
إذا كان الحديث عن رجلين أحدهما مجروح مثل أن يكون عن ثابت البناني وأبان بن أبي عياش عن أنس فلا يستحسن إسقاط المجروح من الإسناد والاقتصار على ذكر الفقه خوفا من أن يكون فيه عن المجروحين شيء لم يذكره الثقة قال نحوا من ذلك أحمد بن حنبل ثم الخطيب أبو بكر قال الخطيب وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما أسقط المجروح من الإسناد ويذكر الثقة ثم يقول وآخر كناية عن المجروح قال وهذا القول لا فائدة فيه قلت وهكذا ينبغي إذا كان الحديث عن رجلين ثقتين أن لا يسقط أحدهما منه لتطرق مثل الاحتمال المذكور إليه وإن كان محذور الاسقاط فيه أقل ثم لا يمتنع ذلك في الصورتين امتناع تحريم لأن الظاهر اتفاق الراويين وما ذكر من الاحتمال نادر بعيد فإنه من الادراج الذي لا يجوز تعمده كما سبق في نوع المدرج والله اعلم
الحادي والعشرون
إذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من شيخ اخر فخلطه ولم يميزه وعزي الحديث جمله إليهما مبينا ان عن أحدهما بعضه وعن الاخر بعضه فذلك جائز كما فعل الزهري في حديث الإفك حيث رواه عن عروة وابن المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها وقال وكلهم حدثني طائفة من حديثها قالوا قالت الحديث ثم انه ما من شيء من ذلك الحديث الا وهو في الحكم كأنه رواه عن أحد الرجلين علي الإبهام حتي إذا كان أحدهما مجروحا لم يجز الاحتجاج بشيء من ذلك الحديث وغير جائز لاحد بعد اختلاط ذلك ان يسقط ذكر أحد الراويين ويروي الحديث عن الاخر وحده بل يجب ذكرهما جميعا مقرونا بالإفصاح بان بعضه عن أحدهما وبعضه عن الاخر والله أعلم

النوع السابع والعشرون

معرفة اداب المحدث

وقد مضي طرف منها اقتضته الأنواع التي قبله علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وينافر مساوئ الأخلاق ومشاين الشيم وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا فمن أراد التصدي لاسماع الحديث أو لافادة شيء من علومه فليقدم تصحيح النية واخلاصها وليطهر قلبه من الاغراض الدنيوية وادناسها وليحذر بلية حب الرياسة ورعوناتها
وقد اختلف في السن الذي إذا بلغه استحب له التصدي لاسماع الحديث والانتصاب لروايته والذي نقوله انه متى احتيج الي ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان وروينا عن القاضي الفاضل أبي محمد بن خلاد رحمه الله انه قال الذي يصح عندي من طريق الأثر والنظر في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به ان يحدث هو ان يستوفي الخمسين لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الاشد قال سحيم بن وثيل
أخو خمسين مجتمع اشدي
ونجذني مداورة الشؤون قال وليس بمنكر ان يحدث عند استيفاء الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهي الكمال نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن أربعين وفي الأربعين تتناهي عزيمة الإنسان وقوته ويتوفر عقله ويجود رأيه وأنكر القاضي عياض ذلك علي بن خلاد وقال كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينته الي هذا السن ومات قبله وقد نشر من الحديث والعلم ما لا يحصي هذا عمر بن عبد العزيز توفي ولم يكمل الأربعين وسعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين وكذلك إبراهيم النخعي وهذا مالك بن أنس جلس للناس بن نيف وعشرين وقيل بن سبع عشرة والناس متوافرون وشيوخه احياء وكذلك محمد بن إدريس الشافعي قد اخذ عنه العلم في سن الحداثة وانتصب لذلك والله أعلم قلت ما ذكره بن خلاد غير مستنكر وهو محمول علي انه قاله فيمن يتصدي للتحديث ابنداء من من نفسه غير براعة في العلم تعجلت له قبل السن الذي ذكره فهذا انما ينبغي له ذلك بعد استيفاء السن المذكور فإنه مظنه الاحتياج الي ما عنده واما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك فاظاهر ان ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك أو لأنهم سئلوا ذلك اما بصريح السؤال واما بقرينة الحال
وأما السن الذي إذا بلغه المحدث انبغى له الإمساك عن التحديث فهو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف ويخاف عليه فيه أن يخلط ويروي ما ليس من حديثه والناس في بلوغ هذه السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم وهكذا إذا عمي وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه فليمسك عن الرواية وقال بن خلاد أعجب الي أن يمسك في الثمانين لأنه حد الهرم فإن كان عقله ثابتا ورأيه مجتمعا يعرف حديثه ويقوم به وتحرى أن يحدث احتسابا رجوت له خيرا ووجه ما قاله أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب وخيف عليه الاختلال والإخلال وأن لا يفطن له إلا بعد أن يخلط كما اتفق لغير واحد من الثقات منهم عبد الرزاق وسعيد بن أبي عروبة وقد حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن فساعدهم التوفيق وصحبتهم السلامة منهم أنس بن مالك وسهل بن سعد وعبد الله بن أبي أوفى من الصحابة ومالك والليث وابن عيينة وعلي بن الجعد في عدد جم من المتقدمين والمتأخرين وفيهم غير واحد حدثوا بعد استيفاء مائة سنة منهم الحسن بن عرفة وأبو القاسم البغوي وأبو إسحاق الهجيمي والقاضي أبو الطيب الطبري رضي الله عنهم أجمعين والله أعلم
ثم إنه لا ينبغي للمحدث ان يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك و كان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء وزاد بعضهم فكره الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه لسنه أو ليغر ذلك روينا عن يحيى بن معين قال إذا حدثت في بلد فيه مثل أبي مسهر فيجب للحيتي أن تحلق وعنه أيضا إن الذي يحدث بالبلدة وفيها من هو ألوى بالتحديث منه أحمق وينبغي للمحدث إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره في بلده أو غيره بإسناد أعلى من إسناده أو أرجح من وجه آخر أن يعلم الطالب به ويرشده إليه فإن الدين النصيحة ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فيه فإنه يرجى له حصول النية من بعد روينا عن معمر قال كان يقال إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكن لله عز وجل وليكن حريصا على نشره مبتغيا جزيل أجره وقد كان في السلف رضي الله عنهم من يتألف الناس على حديثه منهم عروة بن الزبير رضي الله عنهما والله أعلم
وليقتد بمالك رضي الله عنه فيما أخبرناه أبو القاسم الفراوي بنيسابور قال أنا أبو المعالي الفارسي قال أنا أبو بكر البيهقي الحافظ قال أنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني قال حدثنا جدي قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال كان مالك بن أنس إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة وحدث فقيل له في ذلك فقال أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث إلا على طهارة متمكنا وكان يكره أن يحدث في الطريق أو هو قائم أو يستعجل وقال أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي أيضا عنه أنه كان يغتسل لذلك ويتبخر ويتطيب فإن رفع أحد صوته في مجلسه زبره وقال قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي فمن رفع صوته عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وروينا أو بلغنا عن محمد بن أحمد بن عبد الله الفقيه أنه قال القارئ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام لأحد فإنه يكتب عليه خطيئة ويستحب له مع أهل مجلسه ما ورد عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال إن من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعا والله أعلم
ولا يسرد الحديث سردا يمنع السامع من إدراك بعضه وليفتتح مجلسه وليختتمه بذكر ودعاء يليق بالحال ومن أبلغ ما يفتتحه به أن يقول الحمد لله رب العالمين أكمل الحمد على كل حال والصلاة والسلام الأتمان على سيد المرسلين كلما ذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون اللهم صل عليه وعلى آله وسائر النبيين وآل كل وسائر الصالحين نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون
ويستحب للمحدث العارف عقد مجلس لإملاء الحديث فإنه من أعلى مراتب الراوين والسماع فيه من أحسن وجوه التحمل وأقواها وليتخذ مستمليا يبلغ عنه إذا كثر الجمع فذلك دأب أكابر المحدثين المتصدين لمثل ذلك وممن روي عنه ذلك مالك وشعبة ووكيع وأبو عاصم ويزيد بن هارون في عدد كثير من الأعلام السالفين وليكن مستمليه محصلا متيقظا كيلا يقع في مثل ما روينا أن يزيد بن هارون سئل عن حديث فقال حدثنا به عدة فصاح به مستمليه يا أبا خالد عدة بن من فقال له عدة بن فقدتك
وليستمل على موضع مرتفع من كرسي أو نحوه فإن لم يجد استملى قائما وعليه أن يتبع لفظ المحدث فيؤديه على وجهه من غير خلاف والفائدة في استملاء المستملي توصل من يسمع لفظ المملي على بعد منه الى تفهمه وتحققه بإبلاغ المستملي وأما من لم يسمع إلا لفظ المستملي فليس يستفيد بذلك جواز روايته لذلك عن المملي مطلقا من غير بيان للحال فيه وفي هذا كلام قد تقدم من النوع الرابع والعشرين
 

ابوعمرالشهري

مزمار داوُدي
4 أبريل 2007
6,384
9
0
الجنس
ذكر
رد: مقدمة بن الصلاح في مصطلح الحديث 3

احسنت اخي عبدربه



احسن الله اليك
 

الداعية

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
11 نوفمبر 2005
19,977
75
48
الجنس
أنثى
رد: مقدمة بن الصلاح في مصطلح الحديث 3

دا الاخ محب الشريم يا اخي ابو عمر جزاه الله الجنة
 

ابومالك الازدي

مزمار داوُدي
2 يونيو 2007
3,474
2
0
الجنس
ذكر
رد: مقدمة بن الصلاح في مصطلح الحديث 3

بارك الله فيك اخي محب الشريم
 

محمد الجنابي

عضو شرف
عضو شرف
9 فبراير 2007
15,361
18
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
رد: مقدمة بن الصلاح في مصطلح الحديث 3

بارك الله فيك
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع