- 3 ديسمبر 2020
- 355
- 154
- 43
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
- علم البلد
سورة النازعات هي من أوائل ما نزل من القرآن المكي ، و السورة تتحدث عن الموت وما بعد الموت ، فهي تتحدّث عن انتقال هذا العبد من دنيا عاشها إلى حياة أخرى سيعيشها
ويمكن القول أن السورة تدور على أربعة محاور:
( وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ) : تفك ملائكة الموت أرواح المؤمنين من أجسادهم في نشاط ويسر ، وهذه مقابلة مع الآية قبلها فتلك تغرق خوفاً وفزعاً مما رأت وتلك تتطلع وتنشط لتخرج طمعاً فيما عند الله ، وقُـدّم في السياق نزع أرواح الكافرين ربما تهديدا .
( وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ) الملائكة هنا سبحت بهذه الأرواح إلى بارئها جلّ وعلا ، وترتقي وترتفع إلى السموات وعند الرب تنادى بأحسن الأسماء ، وروح الكافر يغلق دونها الأبواب وتنادى بأقبح الأسماء إليها ثم ترمى في دركات العذاب
(فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة
(فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) دبرت ما أمر الله به من أرواح المؤمنين بإنعامها وإكرامها وتلك دبرت لها ما أمر الله عز وجل بها من إهانتها وعذابها .
ثم يأتي وصف بعض أحوال الساعة ، ( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ﴿٦﴾ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ) : والراجفة هي النفخة الأولى نفخة الصعق التي ترجف بها الأرض والرجف هو الاهتزاز الشديد ثم قال (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) اسمها الرادفة ، الرادفة هي نفخة رديفة لها والرادفة هي النفخة الثانية التي يخرج الناس بعدها من قبورهم .
ثم تذكر الآيات أنواع الناس حيال هذه القيامة (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ﴿٨﴾ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴿٩﴾) : الوجف هو الخوف مع الترقب ، وهذا حال الناس كلهم، فأول ما تقوم الساعة من شاهدها وحضرها لا بد أن يكون هذا حاله ، وذكر الله هنا جارحتين جارحة القلب والبصر ، وأضاف الأبصار إلى القلوب لأن ما جرى للأبصار من خشوع لهول يوم القيامة إنما حصل بسبب الوجف الذي حصل في القلوب و في الدنيا كذلك من وجف قلبه دمعت عينه مباشرة وانكسرت عن المعصية وفرحت بالطاعة ، وهكذا فكل ما يحصل في العبد ويظهر على جوارحه هو أثر لقلبه .
( يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ) قال مجاهد : الحافرة هي القبور ، وفيه ردّ على الكافرين الذين كانوا في الدنيا ينكرون البعث ، فكيف تكون حياة في ظنّهم َبَعْدَ تَمَزُّقِ أَجْسَادِهِمْ وَتَفَتُّتِ عِظَامِهِمْ وَنَخُورِهَا؛ وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً﴾ ؟ أَيُّ بَالِيَةً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ الْعَظَمُ إِذَا بَلِيَ ودَخَلت الرِّيحُ فِيهِ. ﴿قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾ أَيْ رَجْعَةٌ خَائِبَةٌ، خاسِرَةٌ عَلَى مَنْ كَذَّبَ بِهَا وَالْكَرُّ: الرُّجُوعُ
فكان الجواب من الله عز وجل (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴿١٣﴾ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) نفخة واحدة فقط وسماها الله عز وجل هنا زجرة لأن السورة سورة زجر ، والساهرة هي الأرض المسهرة أي الفلاة المبسوطة التي ليس فيها جبال ولا شجر ولا أودية و المقصود بها هما أرض القيامة .
(اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴿١٧﴾ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ﴿١٨﴾) مهمة الأنبياء أن يزكوا الناس وهي مهمة الدعاة ، ليس مهمتنا أن نهدي وإنما نزكي وأن ندعوا إلى تزكية النفوس
(وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴿١٩﴾) أي فتخاف الله عز وجل على علم منك؛ لأن الخشية هي الخوف المقرون بالعلم ، ومن خشي الله خضع له وأطاع أمره .
(فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى ﴿٢٠﴾ فَكَذَّبَ وَعَصَى ﴿٢١﴾) كان لموسى آيات كثيرة ولكن لآية الكبرى هنا فيما يتعلق بالعصا وتحويلها إلى حية واليد وما جرى لها ، وكل هذه آيات كبرى أراها الله عز وجل لفرعون (فَكَذَّبَ وَعَصَى ﴿٢١﴾ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ﴿٢٢﴾ فَحَشَرَ فَنَادَى ﴿٢٣﴾ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴿٢٤﴾) هذه كلها جاءت متتابعة ، الفاء لما جاءت هنا لأنه مباشرة كذب ومباشرة عصى ومباشرة حشر ونادى استعجل ولم يتلبث لأجل أن يحافظ على ملكه وجاهه الذي كان له بين الناس (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴿٢٤) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى ﴿٢٥﴾) (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) فأجرى الله الماء من فوقه، و قوبل فرعون بضد ما كان يزعم قال الأنهار تجري من تحتي فأجراها الله من فوقه .
النكال في لغة العرب لا يُطلق إلا إذا كان العذاب فيه ردعٌ للغير ، إنما النكال هو ما يجعل الغير ينكُل عن هذا الفعل بنفسه ، وفيه تعريض بكفار قريش فهم لمّا كذّبوا نبيهم وبالبعث ، أراد الله أن يذكّرهم بأمة سابقة كذبت أيضاً نبيهم موسى عليه السلام ، فكان جزاؤهم الغرق والهلاك .
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى) هذا هو المقصود العبرة والعظة بأحوال من سبق والسعيد من وُعظ بغيره
( رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ) وأن السماء فيها من عظمة الخلق وقوة السبك ما ليست فيكم فالذي خلق السماء أيعجز عن خلقكم مرة أخرى؟!
(وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴿٢٩﴾) أغطش ليلها أظلمه ظلمة شديدة، (وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) أخرج النور مع هذا الضحى
ثم انتقل سبحانه للحديث عن خلق الأرض (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا). والمقصود بالدحي هو أن الله عز وجل جعل فيها رزقها وجعل فيها ماءها وهواءها وما يحتاج إليه من خلقهم الله عز وجل عليها، فهذا هو الدحي، الدحي أنه جعل فيها قوامها وما يحتاج إليه من خلقهم فيها. ويوضح هذا المعنى ما جاء بعدها (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا)
( والجبال أرساها ) تثبيتا للأرض كي لا تميل وتضطرب .
( متَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ) فكل ذلك متاع إلى حين ثم يكون البعث .
( يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى) ولذلك أحسِن ما تتذكر إذا تذكرت ذنوباً ومعاصي كبار لا شك ستندم وإن تذكرت خيراً ستفرح فأعِدّ لنفسك ما الذي ستتذكره في ذلك اليوم العظيم.
(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى) هذا أحد البروزين، هناك بروزان للنار يوم القيامة بروز للناس كلهم والبروز الآخر للطاغين (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن طغى) فهذا البروز الذي ذكره الله عز وجل هنا هو لكل أحد، كل أحد سيرى هذا البروز ويحصل ما يحصل.
قال الله بعد ذلك (فَأَمَّا مَن طَغَى) فذكر الصنف الأول تخويفاً لحال هؤلاء العباد الطغاة (فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) الطغيان لا بد أن يكون معه إيثار، لا يمكن لعبد أن يطغى إلا إن كان آثر الدنيا إلى الآخرة وهذا سر البلاء في كل عبد أن يؤثر الدنيا على الآخرة.
ثم قال سبحانه وتعالى (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) هذا هو الجزاء المأوى استقر فيه عياذاً بالله ومن دخل النار وذاق حرّها ولو لدقائق معدودة كان العذاب عظيماً فكيف إذا كانت مأوى للإنسان؟!!
ثم قال (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ) هذا هو الصنف الآخر الذي خاف مقام ربه جل وعلا خاف الوقوف بين يدي الرب جلّ وعلا فكان أثر هذه الخوف (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) الذي يتذكر وقوفه أمام الله ويتذكر وقوف النار أمامه بارزة في يوم القيامة لا بد أن ينهى النفس عن الهوى، فلا يمكن أن يعصي الله وأن يستمر معانداً في معصيته، يعصي لكن يعود، يعصي ثم يتوب وينوب ويؤوب إلى الله عز وجل
والجزاء (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) هناك نار وهناك جنة، والوعد من الله العظيم جلّ وعلا فالإنسان منا يختار لنفسه أين يريد أن يكون في هذا المأوى أو في ذاك المأوى؟
ثم قال الله جلّ وعلا خاتماً السورة يذكّر فيها بهؤلاء الكفار وما يقولونه في سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴿٤٢﴾ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ﴿٤٣﴾)
فعلم الساعة وأوانها قد استأثر به الله وحده (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) يعني يريدون منه صلى الله عليه وسلم أن يذكر ذلك ويلحّون عليه أن يسأل ربّه فنهاه الله عز وجل (فِيمَ أَنْتَ) لا تسأل عن هذا (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) ليس عندك علم بزمن وقوعها وإنما الذي عليك يا محمد أن تذكِّر بها (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) لا تذكر زمنها واذكر التخويف والتهويل بها، فإنما عليك تذكير الناس بها .
(إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا) الذي يتذكر يوم القيامة هو من يعود إلى ربه وينيب إليه ويبكي على التقصير في حقه فيستغفر ويتوب ويعمل صالحا كي ينجو في ذلك اليوم .
(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) كل دنيانا التي عشنا فيها، كل الدنيا التي تنعمنا بها، هذه السنوات الطوال التي عشناها في هذه الحياة الدنيا ما هي في الزمن إلا كعشية أوضحاها
والإنسان الآن بين ثلاثة أيام : يوم مضى فهذا قد فاته ، ويوم مستقبل لا يدري أيدركه أو لا يدركه ، ويوم حاضر هو المسؤول عنه ، فأما ما مضى فقد فات وما فات فقد انقضى وانتهى ، وأما المستقبل لا تدري أتدركه أم لا ، فاغتنم دنياك لتعمل لأخرتك وتصل إلى النجاة وتدرك الفوز العظيم في ذلك اليوم .
اللهم اجعلنا في ذلك اليوم من الفائزين
منقول بتصرّف
ويمكن القول أن السورة تدور على أربعة محاور:
- المحور الأول : أوصاف الملائكة في أول السورة والحديث عن البعث :
( وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا ) : تفك ملائكة الموت أرواح المؤمنين من أجسادهم في نشاط ويسر ، وهذه مقابلة مع الآية قبلها فتلك تغرق خوفاً وفزعاً مما رأت وتلك تتطلع وتنشط لتخرج طمعاً فيما عند الله ، وقُـدّم في السياق نزع أرواح الكافرين ربما تهديدا .
( وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ) الملائكة هنا سبحت بهذه الأرواح إلى بارئها جلّ وعلا ، وترتقي وترتفع إلى السموات وعند الرب تنادى بأحسن الأسماء ، وروح الكافر يغلق دونها الأبواب وتنادى بأقبح الأسماء إليها ثم ترمى في دركات العذاب
(فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا) تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة
(فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا) دبرت ما أمر الله به من أرواح المؤمنين بإنعامها وإكرامها وتلك دبرت لها ما أمر الله عز وجل بها من إهانتها وعذابها .
ثم يأتي وصف بعض أحوال الساعة ، ( يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ﴿٦﴾ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ) : والراجفة هي النفخة الأولى نفخة الصعق التي ترجف بها الأرض والرجف هو الاهتزاز الشديد ثم قال (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) اسمها الرادفة ، الرادفة هي نفخة رديفة لها والرادفة هي النفخة الثانية التي يخرج الناس بعدها من قبورهم .
ثم تذكر الآيات أنواع الناس حيال هذه القيامة (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ﴿٨﴾ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴿٩﴾) : الوجف هو الخوف مع الترقب ، وهذا حال الناس كلهم، فأول ما تقوم الساعة من شاهدها وحضرها لا بد أن يكون هذا حاله ، وذكر الله هنا جارحتين جارحة القلب والبصر ، وأضاف الأبصار إلى القلوب لأن ما جرى للأبصار من خشوع لهول يوم القيامة إنما حصل بسبب الوجف الذي حصل في القلوب و في الدنيا كذلك من وجف قلبه دمعت عينه مباشرة وانكسرت عن المعصية وفرحت بالطاعة ، وهكذا فكل ما يحصل في العبد ويظهر على جوارحه هو أثر لقلبه .
( يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ) قال مجاهد : الحافرة هي القبور ، وفيه ردّ على الكافرين الذين كانوا في الدنيا ينكرون البعث ، فكيف تكون حياة في ظنّهم َبَعْدَ تَمَزُّقِ أَجْسَادِهِمْ وَتَفَتُّتِ عِظَامِهِمْ وَنَخُورِهَا؛ وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً﴾ ؟ أَيُّ بَالِيَةً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ الْعَظَمُ إِذَا بَلِيَ ودَخَلت الرِّيحُ فِيهِ. ﴿قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾ أَيْ رَجْعَةٌ خَائِبَةٌ، خاسِرَةٌ عَلَى مَنْ كَذَّبَ بِهَا وَالْكَرُّ: الرُّجُوعُ
فكان الجواب من الله عز وجل (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴿١٣﴾ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ) نفخة واحدة فقط وسماها الله عز وجل هنا زجرة لأن السورة سورة زجر ، والساهرة هي الأرض المسهرة أي الفلاة المبسوطة التي ليس فيها جبال ولا شجر ولا أودية و المقصود بها هما أرض القيامة .
- والمحور الثاني جاء فيه قصة موسى وفرعون :
(اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴿١٧﴾ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى ﴿١٨﴾) مهمة الأنبياء أن يزكوا الناس وهي مهمة الدعاة ، ليس مهمتنا أن نهدي وإنما نزكي وأن ندعوا إلى تزكية النفوس
(وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴿١٩﴾) أي فتخاف الله عز وجل على علم منك؛ لأن الخشية هي الخوف المقرون بالعلم ، ومن خشي الله خضع له وأطاع أمره .
(فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى ﴿٢٠﴾ فَكَذَّبَ وَعَصَى ﴿٢١﴾) كان لموسى آيات كثيرة ولكن لآية الكبرى هنا فيما يتعلق بالعصا وتحويلها إلى حية واليد وما جرى لها ، وكل هذه آيات كبرى أراها الله عز وجل لفرعون (فَكَذَّبَ وَعَصَى ﴿٢١﴾ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى ﴿٢٢﴾ فَحَشَرَ فَنَادَى ﴿٢٣﴾ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴿٢٤﴾) هذه كلها جاءت متتابعة ، الفاء لما جاءت هنا لأنه مباشرة كذب ومباشرة عصى ومباشرة حشر ونادى استعجل ولم يتلبث لأجل أن يحافظ على ملكه وجاهه الذي كان له بين الناس (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴿٢٤) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى ﴿٢٥﴾) (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) فأجرى الله الماء من فوقه، و قوبل فرعون بضد ما كان يزعم قال الأنهار تجري من تحتي فأجراها الله من فوقه .
النكال في لغة العرب لا يُطلق إلا إذا كان العذاب فيه ردعٌ للغير ، إنما النكال هو ما يجعل الغير ينكُل عن هذا الفعل بنفسه ، وفيه تعريض بكفار قريش فهم لمّا كذّبوا نبيهم وبالبعث ، أراد الله أن يذكّرهم بأمة سابقة كذبت أيضاً نبيهم موسى عليه السلام ، فكان جزاؤهم الغرق والهلاك .
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى) هذا هو المقصود العبرة والعظة بأحوال من سبق والسعيد من وُعظ بغيره
- والمحور الثالث ، جاء الكلام عن قدرة الرب جلّ وعلا وفيه دلائل قدرة الله على البعث وإقامة الحجج على من ينكره وما يجري بعده من الحساب :
( رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ) وأن السماء فيها من عظمة الخلق وقوة السبك ما ليست فيكم فالذي خلق السماء أيعجز عن خلقكم مرة أخرى؟!
(وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴿٢٩﴾) أغطش ليلها أظلمه ظلمة شديدة، (وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا) أخرج النور مع هذا الضحى
ثم انتقل سبحانه للحديث عن خلق الأرض (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا). والمقصود بالدحي هو أن الله عز وجل جعل فيها رزقها وجعل فيها ماءها وهواءها وما يحتاج إليه من خلقهم الله عز وجل عليها، فهذا هو الدحي، الدحي أنه جعل فيها قوامها وما يحتاج إليه من خلقهم فيها. ويوضح هذا المعنى ما جاء بعدها (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا)
( والجبال أرساها ) تثبيتا للأرض كي لا تميل وتضطرب .
( متَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ) فكل ذلك متاع إلى حين ثم يكون البعث .
- ثم المحور الرابع وهو ختام السورة وفيه تذكير العبد بحاله وهو أحد حالين : من طغى أو من خاف مقام ربه .
( يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى) ولذلك أحسِن ما تتذكر إذا تذكرت ذنوباً ومعاصي كبار لا شك ستندم وإن تذكرت خيراً ستفرح فأعِدّ لنفسك ما الذي ستتذكره في ذلك اليوم العظيم.
(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى) هذا أحد البروزين، هناك بروزان للنار يوم القيامة بروز للناس كلهم والبروز الآخر للطاغين (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن طغى) فهذا البروز الذي ذكره الله عز وجل هنا هو لكل أحد، كل أحد سيرى هذا البروز ويحصل ما يحصل.
قال الله بعد ذلك (فَأَمَّا مَن طَغَى) فذكر الصنف الأول تخويفاً لحال هؤلاء العباد الطغاة (فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) الطغيان لا بد أن يكون معه إيثار، لا يمكن لعبد أن يطغى إلا إن كان آثر الدنيا إلى الآخرة وهذا سر البلاء في كل عبد أن يؤثر الدنيا على الآخرة.
ثم قال سبحانه وتعالى (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) هذا هو الجزاء المأوى استقر فيه عياذاً بالله ومن دخل النار وذاق حرّها ولو لدقائق معدودة كان العذاب عظيماً فكيف إذا كانت مأوى للإنسان؟!!
ثم قال (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ) هذا هو الصنف الآخر الذي خاف مقام ربه جل وعلا خاف الوقوف بين يدي الرب جلّ وعلا فكان أثر هذه الخوف (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) الذي يتذكر وقوفه أمام الله ويتذكر وقوف النار أمامه بارزة في يوم القيامة لا بد أن ينهى النفس عن الهوى، فلا يمكن أن يعصي الله وأن يستمر معانداً في معصيته، يعصي لكن يعود، يعصي ثم يتوب وينوب ويؤوب إلى الله عز وجل
والجزاء (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) هناك نار وهناك جنة، والوعد من الله العظيم جلّ وعلا فالإنسان منا يختار لنفسه أين يريد أن يكون في هذا المأوى أو في ذاك المأوى؟
ثم قال الله جلّ وعلا خاتماً السورة يذكّر فيها بهؤلاء الكفار وما يقولونه في سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴿٤٢﴾ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ﴿٤٣﴾)
فعلم الساعة وأوانها قد استأثر به الله وحده (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) يعني يريدون منه صلى الله عليه وسلم أن يذكر ذلك ويلحّون عليه أن يسأل ربّه فنهاه الله عز وجل (فِيمَ أَنْتَ) لا تسأل عن هذا (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) ليس عندك علم بزمن وقوعها وإنما الذي عليك يا محمد أن تذكِّر بها (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا) لا تذكر زمنها واذكر التخويف والتهويل بها، فإنما عليك تذكير الناس بها .
(إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا) الذي يتذكر يوم القيامة هو من يعود إلى ربه وينيب إليه ويبكي على التقصير في حقه فيستغفر ويتوب ويعمل صالحا كي ينجو في ذلك اليوم .
(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) كل دنيانا التي عشنا فيها، كل الدنيا التي تنعمنا بها، هذه السنوات الطوال التي عشناها في هذه الحياة الدنيا ما هي في الزمن إلا كعشية أوضحاها
والإنسان الآن بين ثلاثة أيام : يوم مضى فهذا قد فاته ، ويوم مستقبل لا يدري أيدركه أو لا يدركه ، ويوم حاضر هو المسؤول عنه ، فأما ما مضى فقد فات وما فات فقد انقضى وانتهى ، وأما المستقبل لا تدري أتدركه أم لا ، فاغتنم دنياك لتعمل لأخرتك وتصل إلى النجاة وتدرك الفوز العظيم في ذلك اليوم .
اللهم اجعلنا في ذلك اليوم من الفائزين
منقول بتصرّف