- 3 ديسمبر 2020
- 355
- 154
- 43
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
- علم البلد
يقسم الله تبارك وتعالى في مطلع السورة بالخيل العاديات التي تخرج في الجهاد للقاء العدو ، وفي الخيل الخير الكثير، قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة»([4]). والناصية: مقدم الرأس. والمراد: ملازمة الخير لنواصي الخيل حيثما توجهت.
يقول تعالى : ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾ أقسم الله تبارك وتعالى بالخيل العادية في سبيله، وهي تحمل المؤمنين الذين يقاتلون أعداء الإسلام المشاقِّين لله ورسوله.
و(العاديات) من العدو؛ وهو سرعة المشي والانطلاق. والضبح: صوت يخرج من صدور الخيل، ويُسمع من أجوافها حين تعدو بسرعة؛ ليدل على قوة سعيها وشدته. والقصد تعظيم شأن الجهاد في سبيل الله.
﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا﴾ والموريات قدحا استعارة لإثارة الحرب ؛ لأن الحرب تُشبَّه بالنار، يقال: فتيل الحرب، و يقال أيضا اشتعلت المعركة
﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا﴾ ثم إن تلك الجياد لَتُغير في الصباح الباكر جدا. وتخصيص وقت الصبح؛ لأن الغارة كانت عادة في الصباح ؛ حيث تهجم الخيل على العدو وهو على غير أهبة أو استعداد, بل في غفلة ونوم، فكان منذر القوم إذا أنذر قومه بمجيء العدو نادى: (يا صباحاه)
﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾ ثم إن تلك الجياد العاديات تثير بهذا العدو وهذه الإغارة النقع؛ وهو الغبار المرتفع, وذلك إذا اشتد عَدْوَها.
﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾ ثم إنها تتوسط في هذا الغبار جموعًا من الأعداء، فليس لها غاية دون وسط الأعداء حيث يحتدم القتال
و تأمل الصورة الكاملة التي يرسمها هذا المقطع من السورة .. الخيل تعدو بسرعة، وتكر وتفر وتثير الغبار، وتتوسط جموع الأعداء طاعة لربها ، بينما الذي يعلفها ويسقيها ثم يمتطيها يكفر بربه الخالق الرازق الذي أوجده من عدم وأمده بالنعم، حاله هذا جاء في جواب القسم:
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ أي ان الإنسان على الأغلب كفور لنعمة الله عز وجل، كثير التسخط واللوم، يذكر المصائب، وينسى النعم، يرزقه الله عز وجل فيزداد بهذا الرزق عتوًا ونفورًا، يأكل النعم ولا يشكر المنعم تبارك وتعالى؛ فهو كنود أي جحود ، فالإشراك كُنُود، والعصيان كُنُود، والتسخط وعدم الشكر كنود، وصرف النعم في غير ما أباح الله كنود .
﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾ وإن الإنسان شاهد على نفسه أنه جحود؛ لظهور آثار كفرانه وعصيانه بلسان حاله؛ إما في قصده أو قوله أو فعله أو غفلته. أو في التمرد والطغيان، قال: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ وشهيد أيضا بمعنى: أن الله شهيد على الإنسان بكفره للنعم؛ فالله شهيد على ما في قلب ابن آدم، وشهيد على عمله.
﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ الخير هنا هو المال ، والمراد: إن الإنسان لشديد في حب المال، كما أنه من أجل حب المال لبخيل؛ وحب الإنسان للمال أمر ظاهر، قال الله تعالى: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ (الفجر: 20)، وذلك الحب هو الذي جعله يقدم شهوة نفسه على حق ربه، وكل هذا لأنه قَصَرَ نظره على هذه الدار، وغفل عن الآخرة.
ثم يقول تبارك وتعالى- مزهدًا في الدنيا، ومرغبا في الآخرة، ومنبها على ما سيكون فيها من أهوال وشدائد -: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُور﴾ (البعثرة) كلمة جمعت البعث والنثر، فالبعث: خروج الخلق أحياء، والنثر: انتشارهم وانتثارهم كنثر الحب، فهي تدل على بعث الخلائق
﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُور﴾ التحصيل: إخراج المستور وتمييزه, وما استتر في القلوب من النيات والأعمال, فصار السر علانية، والباطن ظاهرًا، وبان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم: وذكر الصدور والمراد القلب، وخص القلب بالذكر، لأنه محل الإيمان، والأعمال كلها مدارها على النية التي محلها القلب
﴿إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ﴾ إن الله عالم بأسرار العباد وضمائرهم، وأعمالهم الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية، وجميع ما كانوا يصنعون ويعملون، ومجازيهم عليه أوفر الجزاء، ولا يظلم ربك مثقال ذرة, فإذا علموا ذلك فلا ينبغي أن يشغلهم حب المال عن شكر ربهم وعبادته والعمل ليوم النشور.
هذا والله أعلم
منقول بتصرّف
يقول تعالى : ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾ أقسم الله تبارك وتعالى بالخيل العادية في سبيله، وهي تحمل المؤمنين الذين يقاتلون أعداء الإسلام المشاقِّين لله ورسوله.
و(العاديات) من العدو؛ وهو سرعة المشي والانطلاق. والضبح: صوت يخرج من صدور الخيل، ويُسمع من أجوافها حين تعدو بسرعة؛ ليدل على قوة سعيها وشدته. والقصد تعظيم شأن الجهاد في سبيل الله.
﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا﴾ والموريات قدحا استعارة لإثارة الحرب ؛ لأن الحرب تُشبَّه بالنار، يقال: فتيل الحرب، و يقال أيضا اشتعلت المعركة
﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا﴾ ثم إن تلك الجياد لَتُغير في الصباح الباكر جدا. وتخصيص وقت الصبح؛ لأن الغارة كانت عادة في الصباح ؛ حيث تهجم الخيل على العدو وهو على غير أهبة أو استعداد, بل في غفلة ونوم، فكان منذر القوم إذا أنذر قومه بمجيء العدو نادى: (يا صباحاه)
﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾ ثم إن تلك الجياد العاديات تثير بهذا العدو وهذه الإغارة النقع؛ وهو الغبار المرتفع, وذلك إذا اشتد عَدْوَها.
﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾ ثم إنها تتوسط في هذا الغبار جموعًا من الأعداء، فليس لها غاية دون وسط الأعداء حيث يحتدم القتال
و تأمل الصورة الكاملة التي يرسمها هذا المقطع من السورة .. الخيل تعدو بسرعة، وتكر وتفر وتثير الغبار، وتتوسط جموع الأعداء طاعة لربها ، بينما الذي يعلفها ويسقيها ثم يمتطيها يكفر بربه الخالق الرازق الذي أوجده من عدم وأمده بالنعم، حاله هذا جاء في جواب القسم:
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ أي ان الإنسان على الأغلب كفور لنعمة الله عز وجل، كثير التسخط واللوم، يذكر المصائب، وينسى النعم، يرزقه الله عز وجل فيزداد بهذا الرزق عتوًا ونفورًا، يأكل النعم ولا يشكر المنعم تبارك وتعالى؛ فهو كنود أي جحود ، فالإشراك كُنُود، والعصيان كُنُود، والتسخط وعدم الشكر كنود، وصرف النعم في غير ما أباح الله كنود .
﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾ وإن الإنسان شاهد على نفسه أنه جحود؛ لظهور آثار كفرانه وعصيانه بلسان حاله؛ إما في قصده أو قوله أو فعله أو غفلته. أو في التمرد والطغيان، قال: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ وشهيد أيضا بمعنى: أن الله شهيد على الإنسان بكفره للنعم؛ فالله شهيد على ما في قلب ابن آدم، وشهيد على عمله.
﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ الخير هنا هو المال ، والمراد: إن الإنسان لشديد في حب المال، كما أنه من أجل حب المال لبخيل؛ وحب الإنسان للمال أمر ظاهر، قال الله تعالى: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ (الفجر: 20)، وذلك الحب هو الذي جعله يقدم شهوة نفسه على حق ربه، وكل هذا لأنه قَصَرَ نظره على هذه الدار، وغفل عن الآخرة.
ثم يقول تبارك وتعالى- مزهدًا في الدنيا، ومرغبا في الآخرة، ومنبها على ما سيكون فيها من أهوال وشدائد -: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُور﴾ (البعثرة) كلمة جمعت البعث والنثر، فالبعث: خروج الخلق أحياء، والنثر: انتشارهم وانتثارهم كنثر الحب، فهي تدل على بعث الخلائق
﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُور﴾ التحصيل: إخراج المستور وتمييزه, وما استتر في القلوب من النيات والأعمال, فصار السر علانية، والباطن ظاهرًا، وبان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم: وذكر الصدور والمراد القلب، وخص القلب بالذكر، لأنه محل الإيمان، والأعمال كلها مدارها على النية التي محلها القلب
﴿إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ﴾ إن الله عالم بأسرار العباد وضمائرهم، وأعمالهم الظاهرة والباطنة، الخفية والجلية، وجميع ما كانوا يصنعون ويعملون، ومجازيهم عليه أوفر الجزاء، ولا يظلم ربك مثقال ذرة, فإذا علموا ذلك فلا ينبغي أن يشغلهم حب المال عن شكر ربهم وعبادته والعمل ليوم النشور.
هذا والله أعلم
منقول بتصرّف