- 3 ديسمبر 2020
- 355
- 154
- 43
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
- علم البلد
الاستهلال
" هل أتاك حديث الغاشية " استفهام فيه تشويق وجذب لانتباه السامع ، أو تفيد التحقيق أي قد أتاك حديث الغاشية ، والخطاب للنبي ولأمته جميعا من بعده .
الغاشية هي يوم القيامة ، وسميت بهذا الاسم لأنها تغشى جميع الناس فيجمع الله الأولين والأخرين في ذلك اليوم ، أو لأن العذاب فيها يغشى الكافرين
" وجوه يومئذ خاشعة "
وصف لحال الكافرين أنهم يكونون في ذلك اليوم خاشعين لما يصيبهم من الخوف والهلع و الذل
فالكافرون الذين لم يخشعوا لله في الدنيا ، كان الجزاء لهم من جنس العمل فهم الآن يوم القيامة يخشعون لله ويخضعون لحكمه
" عاملة ناصبة "
وصف آخر للكافرين " عاملة ناصبة " أي كانت في الدنيا تعمل وتنصب ولكن في الباطل وطريق الضلال ولذلك يتمنون على الله ان يعيدهم الى الدنيا ليعملوا صالحا ويجتهدوا في عبادة الله ولكن لا سبيل لذلك فالأخرة دار جزاء وليست بدار عمل ،
" تصلى نارا حامية "
أي أن هذه الوجوه تشوى بالنار الحامية يوم القيامة . يقال : صَلِىَ فلان النار فهو يصلاها ، إذا لفحته بحرها لفحا شديدا .
" ليس لهم طعام الا من ضريع " " لا يسمن ولا يغني من جوع "
والضريع : نبت ذو شوك ، وقيل شجر من نار وهو طلع شجر الزقوم ، فلا هو يغديهم ولا هو يشبعهم أو يسد جوعهم بل يأكلونه فتصيبهم غصة ويزدادون عطشا من حره ، فيطلبون الماء فيسقون الماء الحميم المغلي الذي يقطّع امعاءهم .
" وجوه يومئذ ناعمة "
ثم يأتي وصف حال المؤمنين يوم القيامة ، كما هو أسلوب القرآن الجمع بين الخوف والرجاء ، فأول وصف لهم أن وجوههم ناعمة ، ولذلك لما يلقونه من النعيم والرضا من الله عز وجل
ووصف وجوه المؤمنين يوم القيامة جاء على أربع مراحل :
أولا : وجوه بيضاء وذلك يكون أول الحشر :" يوم تبيض وجوه وتسود وجوه "
ثانيا : وجوه مسفرة أي مشرقة منيرة وذلك حين ينتهون من حسابهم ويأخذون كتبهم بأيمانهم فيضاف الى وجوههم البيضاء نور فتصبح مسفرة ، وهذان الوجهان قبل دخول الجنة
ثالثا : وجوه ناعمة ، حين تدخل الجنة وتقارف النعيم
رابعا : وجوه ناضرة ، حين يزداد تنعمها في الجنة وترى وجه الله تعالى وهو أعظم نعيم أهل الجنة كما قال تعالى :" تعرف في وجوههم نضرة النعيم " وقوله تعالى :" وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة ".
" لسعيها راضية "
وقوله: ( لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ) يقول: لعملها الذي عملت في الدنيا من طاعة ربها راضية، وقيل: لثواب سعيها في الآخرة راضية.
والجزاء من جنس العمل ، فكما كانت لسعيها راضية في الدنيا يجعلها الله راضية يوم القيامة ،
ومن كمال تكريم الله لعباده المؤمنين انه جمع لهم يوم القيامة بين جمال الوجوه ورضا النفوس ، أي جمال المظهر وجمال الجوهر ، وهذا نادرا ما يجتمع للعبد في الدنيا ، فقد يكون حسن المظهر ولكنه خبيث الجوهر أو العكس ولكن المؤمنين عاشوا صادقين مع الله ومع أنفسهم فوافق ظاهرهم باطنهم فكان الجزاء من جنس العمل
" في جنة عالية "
والجنة علوها حسي ومعنوي ، فأما العلو الحسي فهي فوق السماوات السبع وسقفها عرش الرحمن وأما علوها المعنوي فكل أصناف النعيم فيها بلغ أعلى وصف وأحسنه قال -صلى الله عليه وسلم - :" فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".
" لا تسمع فيها لاغية " : لا يسمعون فيها الا قولا طيبا ، " فيها عين جارية" : وهي عيون وليس عينا واحدة
" فيها سرر مرفوعة " : السرر المرفوعة وهي جمع سرير ومرفوعة أي عالية
" وأكواب موضوعة " يعني أواني الشرب معدة مرصدة لمن أرادها
" ونمارق مصفوفة " النمارق الوسائد
" وزرابي مبثوثة " الزرابي البسط، والسجاد ومعنى مبثوثة: أي ههنا وههنا لمن أراد الجلوس عليها
خاتمة السورة
" أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ {18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ {20}
" أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ {18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ {20}
هذه الإبل التي جعلها الله للناس متاعاً يحملون عليها أثقالهم، ويأكلون من لحومها ويشربون من ألبانها وأبوالها، ويوقدون من بعرها، ويستمتعون بجلودها، لهم فيها منافعٌ كثيرة،
وأما الترتيب ؟ فالإبل والسماء فتدل على السفر والترحال فالابل أداة الركوب والسماء بنجومها علامات للاستدلال على الطريق وكان الاعجاز في خلقها أنها رفعت بغير عمد وأمسكها الله من ان تقع على الأرض
وأما الجبال والأرض فتدلان على السكن والاستقرار، فالأرض بسطت لتكون صالحة للعيش عليها :" الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا ". والسعي فيها والجبال نصبت لتثبتها :" والجبال أوتادا "
" فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ"
فَذَكِّرْ يا محمد عبادي بآياتي، وعظهم بحججي وبلِّغهم رسالتي، والخطاب أيضا لكل من يدعو إلى الله والتذكير يكون بالقرآن " فذكر بالقرآن من يخاف وعيد " فهو الحجة والموعظة البالغة
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ: أي لست عليهم بمسلط أن تكرههم على الإيمان ، فما على الرسول إلا البلاغ وأما الهداية فمن الله
إلا من تولى وكفر" تولى عن العمل بأركانه، وكفر بالحق بجنانه ولسانه، كما قال تعالى في آية أخرى :" فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى " كفر بالقلب ثم عمل الجوارح بالإفساد
" فيعذبه الله العذاب الأكبر" وهي جهنم الدائم عذابها.
(إن الينا إيابهم ، ثم إن علينا حسابهم ) فالإياب الرجوع بعد الموت ، والمعنى ان مرجع الخلق يوم القيامة - إلى الله فيحاسبهم ويجازي كل واحد منهم على قدر عمله، فحساب الكفار حساب عدل " جزاء وفاقا "، وحساب المؤمنين حساب فضل " جزاء من ربك عطاء حسابا " .
منقول بتصرّف