- 3 ديسمبر 2020
- 365
- 158
- 43
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
- علم البلد
قال تعالى : ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾
﴿أَعُوذُ﴾ أي: أتحصن وألوذ وأستعين وألتجئ وأعتصم
﴿بِرَبِّ النَّاسِ﴾ بخالق الناس ورازقهم، الذي أوجدهم من العَدَم, وأمدهم بالنِّعم, مُدبِّر أمورهم، ومُصلح أحوالهم. وخصَّ النَّاس هنا دون غيرهم من المربوبين؛ تشريفًا لهم،
﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾
هو سبحانه الملك الحق، الغني عن الخلق، الذي له السلطة العليا في الناس، وله الملك الكامل، والتصرف الشامل، الذي له الأمر النافذ في خلقه، ينفذ فيهم أمره وحكمه، كيف شاء، ومتى شاء؛ وهو من وضع للناس الشرائع والأحكام، التي فيها سعادتهم في معاشهم ومعادهم.
﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾
الإله: هو المعبود الجامع لجميع صفات الكمال، ونعوت الجلال.
وقد رُتِّبت أوصافُ الله في الآيات ترتيباً بديعاً في غاية الرَّوعة، يتدرج معه العقل؛ ليُسلمه بلطف إلى القناعة التامة بأن من هذه صفاته هو الإله الحق، المقصود بالعبادات والحوائج, فالله هو خالقهم ﴿بِرَبِّ النَّاسِ﴾، وهم مملوكين له، غير خارجين عن حكمه إذا شاء أن يتصرف بالعبادات والحوائج في شؤونهم ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾، ثم أعقب ذلك بذكر إلهيته لهم ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾؛ فجمعت السورة ثلاث صفات عظيمة لله: الربوبية والملك والإلهية؛ ليستعيذ العبد بمجموع هذه الصفات، وكأنها صفة واحدة.
وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب، وأخر الإلهية لخصوصها؛ ووسَّط صفة الملك بين الربوبية والإلهية؛ لأن فملكه من كمال ربوبيته، فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه، وملكه يستلزم إلهيته ويقتضيها ، وإن كانت هذه صفة الله في ذلك إيماء إلى العبد أن الله تعالى مُعيذه وعاصمه حينئذ من ذلك المستعاذ منه.
و(الناس) اسم جمع للبشر جميعهم، واحده إنسان, مأخوذ من الأُنس ضد الوحشة؛ إذ هو مدني بالطبع، قد جبله الله على الأنس ببني جنسه، أو لأنسه بربه.
﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾
والوسوسة نوعان: نوع من الجن، قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ (الأعراف: 20)، ونوع من نفوس الإنس. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ (ق: 16)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ، أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ»([8]).
فالشر من الجهتين: وسوسة النفس ووسوسة الشيطان، فما كرهته نفسك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه، وما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه...
وحقيقة الخنوس: اختفاءٌ بعد ظهور، والخنوس: الرجوع إلى الوراء ، فالخناس مأخوذ من هذين المعنيين؛ من الاختفاء والرجوع والتأخر، وهو حال الشيطان الذي يختبئ وينهزم ويولي ويدبر عند ذكر الله عز وجل, فإذا غفل العبد عن ذكر الله جثم على قلبه الشيطان وانبسط عليه، وبذر فيه أنواع الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها، أما إذا ذكر العبد ربه واستعاذ به انخنس الشيطان وانقبض وتوارى, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى»([4]).
ثم لما ذكر وسوسة الشيطان ذكر محل تلك الوسوسة فقال تعالى: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾
يعلم الشيطان أهمية القلب وخطره على جوارح الإنسان فهو ملك الأعضاء جميعا ، وقد جعل الله للشيطان دخولاً في قلب العبد ونفوذاً إلى صدره, فيبثُّ الشر ويلقي الشكوك فيه, فيحَسِّن له الشر ويريه إياه صورة حسنة، وينشّط إرادته لفعله، ويقبِّح له الخير، ويثبطه عنه، ويريه الخير في صورة غير صورته.
وتأمل السر والحكمة في قوله: ﴿يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾، ولم يقل: في قلوب الناس؛ فالصدر هو ساحة القلب وبيته، ومنه تدخل الواردات عليه، فتجتمع في الصدر، ثم تلج في القلب، ومن القلب تخرج الإرادات والأوامر إلى الصدر، ثم تتفرق على الجنود, فالوسوسة إذن في الصدور كما أن الخواطر في القلب، والقلب مما حواه الصدر، لذا يقال: إن الشك يحوك في صدره.
﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾
وهذا بيان لمن يقوم بالوسوسة في صدور الناس؛ وهم شياطين الجن والإنس.
وقدَّم (الجِنّة) على (الناس) هنا؛ لأنهم أصل الوسواس؛ ولما كانت مضرّة الدين، وهي آفة الوسوسة أعظم من مضرّة الدنيا وإن عظمت، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث: الرب، والملك، والإله، وإن اتحد المطلوب, وهذا يدل على شدة خطورة المستعاذ منه، وهو مبعث كل فتنة ومنطلق كل شر عاجلًا أو آجلًا، وهو مرتبط بتاريخ وجود الإنسان.
وكذلك أعداء المسلمين والبشرية، علموا وأدركوا أن أخطر سلاح على الإنسان هو الشك، ولا طريق إليه إلا بالوسوسة، فأخذوا عن إبليس مهمته، وذهبوا يوسوسون للمسلمين في دينهم وفي دنياهم، ويشككونهم في قدراتهم على الحياة الكريمة، وفي قدراتهم على التقدم والإبداع و والاستقلال عن الكافرين.
ليظل المسلمون في فَلَكِ التقليد والتَبعِّية ذات الحلقات المفرغة، وفي دائرة الضعف والشك، وصاحب الشك في حيرة وشتات، ولا يتقدّم إلى الأمام، ما يبنيه اليوم يهدمه غدا.
وطرق النجاة من الوسوسة أو التشكيك :
العزم واليقين والمضي دون تردد: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (آل عمران: 159).
الصبر، قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ (الأحقاف: 35)،
التورع عن الشبهات، قال صلى الله عليه وسلم : «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»([11])،
ذكر الله والاستعاذة،
قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (فصلت: 36)، فإن شيطان الجن يندفع بالاستعاذة بالله منه، ويكفيه ذلك؛ لأن كيد الشيطان كان ضعيفًا.
هذا والله أعلم
منقول بتصرّف
﴿أَعُوذُ﴾ أي: أتحصن وألوذ وأستعين وألتجئ وأعتصم
﴿بِرَبِّ النَّاسِ﴾ بخالق الناس ورازقهم، الذي أوجدهم من العَدَم, وأمدهم بالنِّعم, مُدبِّر أمورهم، ومُصلح أحوالهم. وخصَّ النَّاس هنا دون غيرهم من المربوبين؛ تشريفًا لهم،
﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾
هو سبحانه الملك الحق، الغني عن الخلق، الذي له السلطة العليا في الناس، وله الملك الكامل، والتصرف الشامل، الذي له الأمر النافذ في خلقه، ينفذ فيهم أمره وحكمه، كيف شاء، ومتى شاء؛ وهو من وضع للناس الشرائع والأحكام، التي فيها سعادتهم في معاشهم ومعادهم.
﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾
الإله: هو المعبود الجامع لجميع صفات الكمال، ونعوت الجلال.
وقد رُتِّبت أوصافُ الله في الآيات ترتيباً بديعاً في غاية الرَّوعة، يتدرج معه العقل؛ ليُسلمه بلطف إلى القناعة التامة بأن من هذه صفاته هو الإله الحق، المقصود بالعبادات والحوائج, فالله هو خالقهم ﴿بِرَبِّ النَّاسِ﴾، وهم مملوكين له، غير خارجين عن حكمه إذا شاء أن يتصرف بالعبادات والحوائج في شؤونهم ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾، ثم أعقب ذلك بذكر إلهيته لهم ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾؛ فجمعت السورة ثلاث صفات عظيمة لله: الربوبية والملك والإلهية؛ ليستعيذ العبد بمجموع هذه الصفات، وكأنها صفة واحدة.
وقدم الربوبية لعمومها وشمولها لكل مربوب، وأخر الإلهية لخصوصها؛ ووسَّط صفة الملك بين الربوبية والإلهية؛ لأن فملكه من كمال ربوبيته، فربوبيته تستلزم ملكه وتقتضيه، وملكه يستلزم إلهيته ويقتضيها ، وإن كانت هذه صفة الله في ذلك إيماء إلى العبد أن الله تعالى مُعيذه وعاصمه حينئذ من ذلك المستعاذ منه.
و(الناس) اسم جمع للبشر جميعهم، واحده إنسان, مأخوذ من الأُنس ضد الوحشة؛ إذ هو مدني بالطبع، قد جبله الله على الأنس ببني جنسه، أو لأنسه بربه.
﴿مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾
والوسوسة نوعان: نوع من الجن، قال تعالى: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ (الأعراف: 20)، ونوع من نفوس الإنس. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ (ق: 16)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ، أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ»([8]).
فالشر من الجهتين: وسوسة النفس ووسوسة الشيطان، فما كرهته نفسك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه، وما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه...
وحقيقة الخنوس: اختفاءٌ بعد ظهور، والخنوس: الرجوع إلى الوراء ، فالخناس مأخوذ من هذين المعنيين؛ من الاختفاء والرجوع والتأخر، وهو حال الشيطان الذي يختبئ وينهزم ويولي ويدبر عند ذكر الله عز وجل, فإذا غفل العبد عن ذكر الله جثم على قلبه الشيطان وانبسط عليه، وبذر فيه أنواع الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها، أما إذا ذكر العبد ربه واستعاذ به انخنس الشيطان وانقبض وتوارى, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ، وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ المَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا، لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى»([4]).
ثم لما ذكر وسوسة الشيطان ذكر محل تلك الوسوسة فقال تعالى: ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾
يعلم الشيطان أهمية القلب وخطره على جوارح الإنسان فهو ملك الأعضاء جميعا ، وقد جعل الله للشيطان دخولاً في قلب العبد ونفوذاً إلى صدره, فيبثُّ الشر ويلقي الشكوك فيه, فيحَسِّن له الشر ويريه إياه صورة حسنة، وينشّط إرادته لفعله، ويقبِّح له الخير، ويثبطه عنه، ويريه الخير في صورة غير صورته.
وتأمل السر والحكمة في قوله: ﴿يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾، ولم يقل: في قلوب الناس؛ فالصدر هو ساحة القلب وبيته، ومنه تدخل الواردات عليه، فتجتمع في الصدر، ثم تلج في القلب، ومن القلب تخرج الإرادات والأوامر إلى الصدر، ثم تتفرق على الجنود, فالوسوسة إذن في الصدور كما أن الخواطر في القلب، والقلب مما حواه الصدر، لذا يقال: إن الشك يحوك في صدره.
﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾
وهذا بيان لمن يقوم بالوسوسة في صدور الناس؛ وهم شياطين الجن والإنس.
وقدَّم (الجِنّة) على (الناس) هنا؛ لأنهم أصل الوسواس؛ ولما كانت مضرّة الدين، وهي آفة الوسوسة أعظم من مضرّة الدنيا وإن عظمت، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث: الرب، والملك، والإله، وإن اتحد المطلوب, وهذا يدل على شدة خطورة المستعاذ منه، وهو مبعث كل فتنة ومنطلق كل شر عاجلًا أو آجلًا، وهو مرتبط بتاريخ وجود الإنسان.
وكذلك أعداء المسلمين والبشرية، علموا وأدركوا أن أخطر سلاح على الإنسان هو الشك، ولا طريق إليه إلا بالوسوسة، فأخذوا عن إبليس مهمته، وذهبوا يوسوسون للمسلمين في دينهم وفي دنياهم، ويشككونهم في قدراتهم على الحياة الكريمة، وفي قدراتهم على التقدم والإبداع و والاستقلال عن الكافرين.
ليظل المسلمون في فَلَكِ التقليد والتَبعِّية ذات الحلقات المفرغة، وفي دائرة الضعف والشك، وصاحب الشك في حيرة وشتات، ولا يتقدّم إلى الأمام، ما يبنيه اليوم يهدمه غدا.
وطرق النجاة من الوسوسة أو التشكيك :
العزم واليقين والمضي دون تردد: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (آل عمران: 159).
الصبر، قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ (الأحقاف: 35)،
التورع عن الشبهات، قال صلى الله عليه وسلم : «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»([11])،
ذكر الله والاستعاذة،
قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (فصلت: 36)، فإن شيطان الجن يندفع بالاستعاذة بالله منه، ويكفيه ذلك؛ لأن كيد الشيطان كان ضعيفًا.
هذا والله أعلم
منقول بتصرّف