- 27 أغسطس 2005
- 11,537
- 84
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد صدّيق المنشاوي
(بسم الل)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد .
فلقد شاهدتُ حلْقةً ممتعةً من حلقات البرنامج النافع ( القطوف الدانية ) في قناة المجد المباركة في يوم الاثنين الخامس عشر من شهر ذي الحجة لعام ألف وأربعمائة وثمان وعشرين وكان مقدِّمُ البرنامج الأستاذَ ( تركي الشهري ) وفقه الله وضيفُ البرنامج الدائم هو صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي حفظه الله ، وقد تم اللقاءُ داخل رحاب مسجد قُباء المبارك بالمدينة النبوية على صاحبها أفضل سلام وأزكى تحية .
وقد انقسم البرنامج إلى ثلاثة أقسام :
1 - مقدمة عن تاريخ مسجد قباء وفضله .
2 - مفاتيح تدبر القراّن الكريم .
3 - تطبيق عملي على ثلاث اّيات كريمات من القراّن الكريم .
وقد حوى البرنامج على فوائدَ كثيرةٍ ؛ لذلك رأيتُ أن أنقلَ إليكم بعضا منها ، مع التنبيه على أنني قد أتصرف في الترتيب والتقسيم ؛ لأنه كما لا يخفى أن طابع البرامج التلفزيونية يختلف عن طابع الكتابة والله الموفق .
الفوائد
أولا :مقدمة عن تاريخ مسجد قباء وفضله
1 - قُباء في الأصل مكان لبئر ، وسمييت المكان بذلك على اسم البئر .
2 - دخل النبي صلى الله عليه وسلم قُباء في يوم الثامن من ربيع الأول ، ورجح الشيخ أن ولادته الشريفة كانت في يوم التاسع من ربيع الأول ، وبذلك دخل النبي صلى الله عليه وسلم قُباء وقد أتم ثلاثة وخمسين عاما .
3 - بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء قبل أن يدخل إلى المدينة المنورة .
4 - كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إليه كل سبت ، ويرى الشيخ أن اختيار يوم السبت تحديدا ؛ حتى يتفقد النبي صلى الله عليه وسلم من تغيب عن حضور الجمعة من بني عمرو بن عوف ، وكان أحيانا يأتي راكبا وأحيانا يأتي ماشيا ، وهذا التنوع لسببين :
أ - لأن التنوع في العبادة أدفع إلى النشاط وأبعد للساّمة والملل .
ب- الاقتصار على الركوب فقط أو المشي فقط سيوهم في نفوس المسلمين وجوب ذلك .
5 - من أتى هذا المسجد متطهرا وصلى ركعتين فله ثواب عمرة ، والتعبير بركعتين من باب ضرب المثل فقط ، فمن صلى فيه العشاء مثلا - وهي أربع ركعات - فله الثواب ، ومن صلى فيه ركعة وتر فله الثواب .
6 - وَسع الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه المسجد توسعة جنوبية ، ثم وُسع في عهد الملك فيصل ثم في عهد الملك فهد .
ثانيا :مفاتيح تدبر القراّن الكريم .
1 - الابتعاد عن حطام الدنيا :
* قال سفيان الثوري رضي الله عنه : ( لا يجتمع فهم القراّن بقلب من اشتغل بحطام الدنيا )
- واستدل الشيخ على هذا بقوله تعالى في سورة الحجر : ( ولقد اّتيناك سبعًا من المثاني والقراّن العظيم ) 87 ثم بعد ذلك يقول : ( لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم و لا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين ) 88
- ملاحظة : انشغال المرء بما يعينه على أمور حياته ليس من حطام الدنيا .
2 - العلم بلغة العرب
* قال مجاهد رحمه الله : ( لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الاّخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب )
* وقال الإمام مالك رضي الله عنه : ( لا أوتي برجل غير عالم بلغات العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالا )
فإن اللغة العربية هي لغة القراّن الكريم كما قال تعالى : ( بلسان عربي مبين ) الشعراء 195
* القدر المطلوب علمُه من لغة العرب :
أ - النحو وقواعده الإجمالية ، وأن يعرف طرفا من اختلاف النحويين ، و لا يشترط الإغراق في ذلك .
ب - العلم بأساليب العرب في كلامها ، وهذا لا يتأتى إلا بالاطلاع على الشعر العربي في زمن الاحتجاج - إلى قبيل منتصف القرن الثاني الهجري تقريبا - فإن الشعر هو ديوان العرب كما روي ذلك عن عمر رضي الله عنه ، والمفسر يحتاج إليه في تفسيره ، كما نقل عن ابن عباس أنه كان يسأل عن معان من كتاب الله عز وجل ، فيقال له : وهل تعرف العربُ هذا في كلامها ؟ فيقول نعم ويدلل على ذلك بشاهد من الشعر .
مثال على ترجيح أحد المفسرين لقول من الأقوال اعتمادا على الجانب اللغوي :
اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى في سورة هود 40 ( وفار التنور )
- فقال بعضهم : تنوير الصبح .
- وقال بعضهم : طلع الفجر .
- وقال بعضهم : أشرف الأرض .
- وقال بعضهم : انبجس الماء من وجه الأرض .
- وقال بعضهم : هو التنور الذي يخبز فيه .
وهذا الأخير هو ترجيح إمام المفسرين الطبري رحمه الله ؛ لأن هذا هو مشهور كلام العرب :
قال في تفسيره ( ج15 ص321 ) : ( وأولى هذه الأقوال عندنا بتأويل قوله
التنور) ، قول من قال: "هو التنور الذي يخبز فيه" ، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، وكلام الله لا يوجه إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب ، إلا أن تقوم حجَّة على شيء منه بخلاف ذلك فيسلم لها. وذلك أنه جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به ، لإفهامهم معنى مَا خاطبهم به.)
3 - السير على منهج السلف واتباع سبيلهم :
ومن أهم سماته :
أ - يقدمون النقل على العقل في تفسير القراّن عامة وفي تفسير نصوص الأسماء والصفات خاصة .
ب - يجمعون بين القراّن والسنة .
ج - رفض ما دونه الفلاسفة والمتكلمون .
د - ينبذون التقليد الأعمى و لا يتعصبون لمذهب بعينه ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يتحدث عنهم ( ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم )
قلتُ : هذه المقولة في مجموع الفتاوى ج3 ص347
- وقد حدث في هذا خلل من بعض الفرق المبتدعة نتيجة عدم سيرهم على مذهب السلف الصالح رضوان الله عليهم ، وهذا الخلل يتمثل في جوانب عديدة منها :
أ - الخلل في باب الأسماء والصفات :
ووقع فيه المعتزلة وغيرهم .
وقد وضع العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله قواعد لعدم الخلل في هذا الباب وهي :
أ - تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة المخلوقين .
ب - الإيمان بما وصف الله به نفسه ، أو وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم ، فليس أحد أعلم بالله من الله عز وجل ثم رسول صلى الله عليه وسلم .
ج - قطع الطمع عن إدراك الكيفية .
قلت : انظر أضواء البيان ج3 ص19 في تفسيره الماتع لقول الله تعالى ( إن هذا القراّن يهدي للتي هي أقوم ........الاّية ) الإسراء 9
ب - النظرة السطحية للقراّن وعدم التقيد بفهم السلف
وقد وقع فيه الخوارج وغيرهم ، حيث كفروا عليا رضي الله عنه ؛ لأنه حكم الرجال والله عز وجل يقول : ( إن الحكم إلا لله ) فأجروا الاّية بسطحية ولم يفهموها بفهم الصحابة رضوان الله عليهم .
4 -فهم مقاصد القراّن الكريم :ومنها :
أ - إخراج الناس من الظلمات إلى النور :
( الر كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) إبراهيم 1
ب - بناء مجتمع مسلم :
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) البقرة 151
ج - نبذ الشرك :
( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) الأحقاف 5
د - تنصيب أمير مسلم يجتمع عليه المسلمون بعيدا عن التفرق :
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ...... الاّية ) اّل عمران 103
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ..... الاّية ) النساء 59
فائدة من الشيخ :
الطب عبارة عن تجريب لأدوية نفعت في علاج مرض معين ، فهكذا يمكن أن يجرب الاستشفاء ببعض اّيات القراّن من أمراض معينة بشرط أن لا ينسب ذلك إلى الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم وأن لا يقطع بها ، بل تكون من باب التجريب وقد تجدي أو لا تجدي ، و لا يقال عن هذا إنها من البدع ؛ لأننا لم ننسبها إلى الشرع المطهر .
مثال :
ذكر الشيخ أن مما جرب أن قراءة قوله تعالى ( رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ) أربعين مرة في سجدة بنية الشفاء من العقم يأتي بنتيجة ، وذكر الشيخ أنه أخبر اثنين بهذا ، فاتصلا به وبشراه بأنهم قد شفوا ولله الحمد .
فهذه مفاتيح لتدبر القراّن بالإضافة إلى الاستعداد الفطري للمرء والموهبة والذكاء ونحو ذلك .
ثالثا :تطبيق عملي على ثلاث اّيات كريمات من القراّن الكريم :
الاّية الأولى :
( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة 260
فوائد من الاّية
1 - لا بد على المفسر أن يستحضر قبل تفسيرها أن إبراهيم عليه السلام هو خليل الرحمن وهو إمام الحنفاء وهو خير البشر بعد نبينا صلى الله عليه وسلم ، فإذا تقرر هذا انقطع إثبات الشك لإبراهيم عليه السلام ، وهذا ما أدركه سلف الأمة .
2 - استدل بعض العلماء على رفعة نبينا صلى الله عليه وسلم بهذه الاّية ، وذلك لأن إبرهيم عليه السلام قد طلب أن يرى اّيات ربه ، بينما نبينا صلى الله عليه وسلم أراه الله إياها دون طلب منه ، فقال تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء 1
ولكن يشكل على هذا القول قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) الأنعام 75
والجمع أن يقال إن إبراهيم عليه السلام طلب رؤية اّيات فأراه الله إياها ، وأراه الله اّيات دون طلب منه ، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فلم يطلب شيئا .
3 - في هذه الاّية دليل على مقصد قراّني وهو ( إدراك المحسوسات أعظم تأثيرا في النفس من إدراك المدلولات )
الاّية الثانية :
لْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) المائدة 5
فوائد من الاّية
1 - إباحة الطيبات على المسلمين ، فليس من الإسلام تحريم الطيبات ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطيبات فكان يحب الدباء وكان يأكل اللحم ويفضل كتف الشاة ..... إلخ
2 - العفة شرط في الكتابية التي يتزوجها المسلم .
3 - إذا أسلم الزوجان الكافران في وقت واحد أبقي على زواجهما ، أما إن أسلم الزوج قبل زوجته الكتابية فالزواج على ما هو عليه ؛ لإباحة زواجه من كتابية ، أما إن أسلمت الزوجة قبل زوجها فإنها تفارقه ورج الشيخ أنها تعود إليه إن أسلم قبل انقضاء العدة ، وهكذا الحال إن أسلم الزوج قبل زوجته الكافرة غير الكتابية .
4 - ليس معنى إباحة الزواج من أهل الكتاب أن دينهم حق ، كما قالت بعض نساء أهل الكتاب لو كنا على باطل لما تزوج المسلمون منا ، فختم الله تعالى الاّية بقوله ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
الاّية الثالثة
( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء 114
فوائد من الاّية
1 - ذكر بعض العلماء أن المقصود بالصدقة هي الصدقة المعروفة ، وذكر بعضهم أنها تشمل جميع أعمال الخير من التسبيح والتحميد .... إلخ
واختار الشيخ القول الأول .
2 - في هذه الاّية دلالة على أن غالب مجالس الناس في غير ما ينفع .
3 - على الأثرياء أن يتصدقوا بأنفسهم ، ونعلم أن هناك دورا عظيما للجمعيات الخيرية ، لكن أيضا على الغني أن يعود نفسه أن يوصل الصدقة إلى الفقير بنفسه ، وأن يعود أولاده على ذلك ، ونذكر المسلمين بالصدقة خصوصا مع حلول فصل الشتاء .
4 - في هذه الاّية بيان المنزلة العظيمة للإصلاح بين الناس ، فلهذه المنزلة العظيمة ترك النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ومسجده وذهب لبني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ، وتأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر ؛ حتى أقام بلال رضي الله عنه ، وأم المسلمين أبو بكر ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يصلي فنبه الناس أبا بكر لهذا ، فتأخر أبو بكر ، وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل ذلك على عظيم منزلة الإصلاح بين الناس ، إذ تولاها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه ، ولم ينتدب لها أحدا .
5 - على العكس من ذلك فإن الإفساد بين الناس من أسوأ الأعمال وأبغضها إلى الله عز وجل .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه وسلم .
و لا تنسوني والشيخ وجميع المسلمين من صالح دعائكم .
نقلا عن الأخ محمد العبادي - موقع الألوكة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد .
فلقد شاهدتُ حلْقةً ممتعةً من حلقات البرنامج النافع ( القطوف الدانية ) في قناة المجد المباركة في يوم الاثنين الخامس عشر من شهر ذي الحجة لعام ألف وأربعمائة وثمان وعشرين وكان مقدِّمُ البرنامج الأستاذَ ( تركي الشهري ) وفقه الله وضيفُ البرنامج الدائم هو صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن عواد المغامسي حفظه الله ، وقد تم اللقاءُ داخل رحاب مسجد قُباء المبارك بالمدينة النبوية على صاحبها أفضل سلام وأزكى تحية .
وقد انقسم البرنامج إلى ثلاثة أقسام :
1 - مقدمة عن تاريخ مسجد قباء وفضله .
2 - مفاتيح تدبر القراّن الكريم .
3 - تطبيق عملي على ثلاث اّيات كريمات من القراّن الكريم .
وقد حوى البرنامج على فوائدَ كثيرةٍ ؛ لذلك رأيتُ أن أنقلَ إليكم بعضا منها ، مع التنبيه على أنني قد أتصرف في الترتيب والتقسيم ؛ لأنه كما لا يخفى أن طابع البرامج التلفزيونية يختلف عن طابع الكتابة والله الموفق .
الفوائد
أولا :مقدمة عن تاريخ مسجد قباء وفضله
1 - قُباء في الأصل مكان لبئر ، وسمييت المكان بذلك على اسم البئر .
2 - دخل النبي صلى الله عليه وسلم قُباء في يوم الثامن من ربيع الأول ، ورجح الشيخ أن ولادته الشريفة كانت في يوم التاسع من ربيع الأول ، وبذلك دخل النبي صلى الله عليه وسلم قُباء وقد أتم ثلاثة وخمسين عاما .
3 - بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء قبل أن يدخل إلى المدينة المنورة .
4 - كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إليه كل سبت ، ويرى الشيخ أن اختيار يوم السبت تحديدا ؛ حتى يتفقد النبي صلى الله عليه وسلم من تغيب عن حضور الجمعة من بني عمرو بن عوف ، وكان أحيانا يأتي راكبا وأحيانا يأتي ماشيا ، وهذا التنوع لسببين :
أ - لأن التنوع في العبادة أدفع إلى النشاط وأبعد للساّمة والملل .
ب- الاقتصار على الركوب فقط أو المشي فقط سيوهم في نفوس المسلمين وجوب ذلك .
5 - من أتى هذا المسجد متطهرا وصلى ركعتين فله ثواب عمرة ، والتعبير بركعتين من باب ضرب المثل فقط ، فمن صلى فيه العشاء مثلا - وهي أربع ركعات - فله الثواب ، ومن صلى فيه ركعة وتر فله الثواب .
6 - وَسع الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه المسجد توسعة جنوبية ، ثم وُسع في عهد الملك فيصل ثم في عهد الملك فهد .
ثانيا :مفاتيح تدبر القراّن الكريم .
1 - الابتعاد عن حطام الدنيا :
* قال سفيان الثوري رضي الله عنه : ( لا يجتمع فهم القراّن بقلب من اشتغل بحطام الدنيا )
- واستدل الشيخ على هذا بقوله تعالى في سورة الحجر : ( ولقد اّتيناك سبعًا من المثاني والقراّن العظيم ) 87 ثم بعد ذلك يقول : ( لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم و لا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين ) 88
- ملاحظة : انشغال المرء بما يعينه على أمور حياته ليس من حطام الدنيا .
2 - العلم بلغة العرب
* قال مجاهد رحمه الله : ( لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الاّخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالما بلغات العرب )
* وقال الإمام مالك رضي الله عنه : ( لا أوتي برجل غير عالم بلغات العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالا )
فإن اللغة العربية هي لغة القراّن الكريم كما قال تعالى : ( بلسان عربي مبين ) الشعراء 195
* القدر المطلوب علمُه من لغة العرب :
أ - النحو وقواعده الإجمالية ، وأن يعرف طرفا من اختلاف النحويين ، و لا يشترط الإغراق في ذلك .
ب - العلم بأساليب العرب في كلامها ، وهذا لا يتأتى إلا بالاطلاع على الشعر العربي في زمن الاحتجاج - إلى قبيل منتصف القرن الثاني الهجري تقريبا - فإن الشعر هو ديوان العرب كما روي ذلك عن عمر رضي الله عنه ، والمفسر يحتاج إليه في تفسيره ، كما نقل عن ابن عباس أنه كان يسأل عن معان من كتاب الله عز وجل ، فيقال له : وهل تعرف العربُ هذا في كلامها ؟ فيقول نعم ويدلل على ذلك بشاهد من الشعر .
مثال على ترجيح أحد المفسرين لقول من الأقوال اعتمادا على الجانب اللغوي :
اختلف المفسرون في معنى قوله تعالى في سورة هود 40 ( وفار التنور )
- فقال بعضهم : تنوير الصبح .
- وقال بعضهم : طلع الفجر .
- وقال بعضهم : أشرف الأرض .
- وقال بعضهم : انبجس الماء من وجه الأرض .
- وقال بعضهم : هو التنور الذي يخبز فيه .
وهذا الأخير هو ترجيح إمام المفسرين الطبري رحمه الله ؛ لأن هذا هو مشهور كلام العرب :
قال في تفسيره ( ج15 ص321 ) : ( وأولى هذه الأقوال عندنا بتأويل قوله
3 - السير على منهج السلف واتباع سبيلهم :
ومن أهم سماته :
أ - يقدمون النقل على العقل في تفسير القراّن عامة وفي تفسير نصوص الأسماء والصفات خاصة .
ب - يجمعون بين القراّن والسنة .
ج - رفض ما دونه الفلاسفة والمتكلمون .
د - ينبذون التقليد الأعمى و لا يتعصبون لمذهب بعينه ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يتحدث عنهم ( ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم )
قلتُ : هذه المقولة في مجموع الفتاوى ج3 ص347
- وقد حدث في هذا خلل من بعض الفرق المبتدعة نتيجة عدم سيرهم على مذهب السلف الصالح رضوان الله عليهم ، وهذا الخلل يتمثل في جوانب عديدة منها :
أ - الخلل في باب الأسماء والصفات :
ووقع فيه المعتزلة وغيرهم .
وقد وضع العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله قواعد لعدم الخلل في هذا الباب وهي :
أ - تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة المخلوقين .
ب - الإيمان بما وصف الله به نفسه ، أو وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم ، فليس أحد أعلم بالله من الله عز وجل ثم رسول صلى الله عليه وسلم .
ج - قطع الطمع عن إدراك الكيفية .
قلت : انظر أضواء البيان ج3 ص19 في تفسيره الماتع لقول الله تعالى ( إن هذا القراّن يهدي للتي هي أقوم ........الاّية ) الإسراء 9
ب - النظرة السطحية للقراّن وعدم التقيد بفهم السلف
وقد وقع فيه الخوارج وغيرهم ، حيث كفروا عليا رضي الله عنه ؛ لأنه حكم الرجال والله عز وجل يقول : ( إن الحكم إلا لله ) فأجروا الاّية بسطحية ولم يفهموها بفهم الصحابة رضوان الله عليهم .
4 -فهم مقاصد القراّن الكريم :ومنها :
أ - إخراج الناس من الظلمات إلى النور :
( الر كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) إبراهيم 1
ب - بناء مجتمع مسلم :
(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) البقرة 151
ج - نبذ الشرك :
( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) الأحقاف 5
د - تنصيب أمير مسلم يجتمع عليه المسلمون بعيدا عن التفرق :
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ...... الاّية ) اّل عمران 103
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ..... الاّية ) النساء 59
فائدة من الشيخ :
الطب عبارة عن تجريب لأدوية نفعت في علاج مرض معين ، فهكذا يمكن أن يجرب الاستشفاء ببعض اّيات القراّن من أمراض معينة بشرط أن لا ينسب ذلك إلى الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم وأن لا يقطع بها ، بل تكون من باب التجريب وقد تجدي أو لا تجدي ، و لا يقال عن هذا إنها من البدع ؛ لأننا لم ننسبها إلى الشرع المطهر .
مثال :
ذكر الشيخ أن مما جرب أن قراءة قوله تعالى ( رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ) أربعين مرة في سجدة بنية الشفاء من العقم يأتي بنتيجة ، وذكر الشيخ أنه أخبر اثنين بهذا ، فاتصلا به وبشراه بأنهم قد شفوا ولله الحمد .
فهذه مفاتيح لتدبر القراّن بالإضافة إلى الاستعداد الفطري للمرء والموهبة والذكاء ونحو ذلك .
ثالثا :تطبيق عملي على ثلاث اّيات كريمات من القراّن الكريم :
الاّية الأولى :
( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة 260
فوائد من الاّية
1 - لا بد على المفسر أن يستحضر قبل تفسيرها أن إبراهيم عليه السلام هو خليل الرحمن وهو إمام الحنفاء وهو خير البشر بعد نبينا صلى الله عليه وسلم ، فإذا تقرر هذا انقطع إثبات الشك لإبراهيم عليه السلام ، وهذا ما أدركه سلف الأمة .
2 - استدل بعض العلماء على رفعة نبينا صلى الله عليه وسلم بهذه الاّية ، وذلك لأن إبرهيم عليه السلام قد طلب أن يرى اّيات ربه ، بينما نبينا صلى الله عليه وسلم أراه الله إياها دون طلب منه ، فقال تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الإسراء 1
ولكن يشكل على هذا القول قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) الأنعام 75
والجمع أن يقال إن إبراهيم عليه السلام طلب رؤية اّيات فأراه الله إياها ، وأراه الله اّيات دون طلب منه ، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فلم يطلب شيئا .
3 - في هذه الاّية دليل على مقصد قراّني وهو ( إدراك المحسوسات أعظم تأثيرا في النفس من إدراك المدلولات )
الاّية الثانية :
لْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) المائدة 5
فوائد من الاّية
1 - إباحة الطيبات على المسلمين ، فليس من الإسلام تحريم الطيبات ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطيبات فكان يحب الدباء وكان يأكل اللحم ويفضل كتف الشاة ..... إلخ
2 - العفة شرط في الكتابية التي يتزوجها المسلم .
3 - إذا أسلم الزوجان الكافران في وقت واحد أبقي على زواجهما ، أما إن أسلم الزوج قبل زوجته الكتابية فالزواج على ما هو عليه ؛ لإباحة زواجه من كتابية ، أما إن أسلمت الزوجة قبل زوجها فإنها تفارقه ورج الشيخ أنها تعود إليه إن أسلم قبل انقضاء العدة ، وهكذا الحال إن أسلم الزوج قبل زوجته الكافرة غير الكتابية .
4 - ليس معنى إباحة الزواج من أهل الكتاب أن دينهم حق ، كما قالت بعض نساء أهل الكتاب لو كنا على باطل لما تزوج المسلمون منا ، فختم الله تعالى الاّية بقوله ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
الاّية الثالثة
( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء 114
فوائد من الاّية
1 - ذكر بعض العلماء أن المقصود بالصدقة هي الصدقة المعروفة ، وذكر بعضهم أنها تشمل جميع أعمال الخير من التسبيح والتحميد .... إلخ
واختار الشيخ القول الأول .
2 - في هذه الاّية دلالة على أن غالب مجالس الناس في غير ما ينفع .
3 - على الأثرياء أن يتصدقوا بأنفسهم ، ونعلم أن هناك دورا عظيما للجمعيات الخيرية ، لكن أيضا على الغني أن يعود نفسه أن يوصل الصدقة إلى الفقير بنفسه ، وأن يعود أولاده على ذلك ، ونذكر المسلمين بالصدقة خصوصا مع حلول فصل الشتاء .
4 - في هذه الاّية بيان المنزلة العظيمة للإصلاح بين الناس ، فلهذه المنزلة العظيمة ترك النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ومسجده وذهب لبني عمرو بن عوف ليصلح بينهم ، وتأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر ؛ حتى أقام بلال رضي الله عنه ، وأم المسلمين أبو بكر ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يصلي فنبه الناس أبا بكر لهذا ، فتأخر أبو بكر ، وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل ذلك على عظيم منزلة الإصلاح بين الناس ، إذ تولاها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه ، ولم ينتدب لها أحدا .
5 - على العكس من ذلك فإن الإفساد بين الناس من أسوأ الأعمال وأبغضها إلى الله عز وجل .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه وسلم .
و لا تنسوني والشيخ وجميع المسلمين من صالح دعائكم .
نقلا عن الأخ محمد العبادي - موقع الألوكة