- 9 مارس 2007
- 1,193
- 1
- 0
- الجنس
- ذكر


الحمد لله الذي خلق الأرض والسماء، وعظّم بأمره ونهيه شأنَ الدّماء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرحمُ الرّحماء، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء صلى الله عليه وسلم صلاة وسلاما دائمي النماء تملآن ما بين الأرض والسماء، وعلى آله الكرماء وأصحابه الأنقياء...
أما بعد، فلقد علم البعيد والقريب والعدو والحبيب ما تعانيه أرض الجزائر الجريحة هذه الأيام من هيجان أصحاب الهوس المتشوفين إلى إراقة الدماء، المستبيحين لأعراض وأموال ودماء الأبرياء، المتمرِّدين على العقل والفطرة وشرائع السماء..
ووسط هذه الحالة المأساوية، تعالت الأصوات الصادقة والكاذبة من جميع الأرجاء مندّدة ومستنكرة ومحلّلة أو متّهِمة...وفي ثنايا هذا الظلام الدامس من الحزن والأسى أراد صوتي المبحوح أن ينضمّ إلى تلك الأصوات ناصحاً ومذكرا ليس إلا،..لأنّ قوام هذا الدين بالنصيحة ولأنّ الذكرى تنفع المؤمنين..
إنّني لا أريد التفتيش عن هوية القاتلين ولا التنقيب عن اليد الخفية المسيـّرة لهم، لأنّ الكلام في ذلك أقرب إلى الرّجم بالغيب منه إلى اليقين، ثمّ هو ليس من تخصصات الأئمة والواعظين...كما أنني لا أحبّ الخوض في حكم العمليات الانتحارية في شرع ربّ البريّة، لأنّ ذلك قد أخذ حيّزا واسعا من كلام العلماء الربانيين وفتاويهم وبحوثهم،...
إنّ هذه الكلمات القليلة لتصبو لأن تذكّر الغافلين وتزجر المفتونين وتبين للعالمين عظمة الدماء المسلمة المعصومة، من خلال نصوص القرآن العظيم والسنّة المطهّرة.
فليت شعري ما بال شباب أمّتي يدخلون في دوامة مظلمة لا يبصرون من خلالها نورا ولا يستطيعون منها خروجا..لا يدرون لمصلحة من يعملون وبأيّ يد خفيّة يُدفعون ولا أيَّ عدوٍّ يواجهون...
لقد كادت عقولنا تطيش من هول ما يحدث أمام أنظارنا، وقبح ما نسمع به في صباحنا ومسائنا...لولا أن سمعنا حديث النبيّ –صلى الله عليه وسلم-حينما قال:"إنّ بين يدي الساعة الهرج قالوا: وما الهرج؟ قال:القتل..إنه ليس بقتلكم المشركين ولكن قتل بعضكم بعضا (حتى يقتل الرجل جاره ويقتل أخاه ويقتل عمه ويقتل ابن عمه) قالوا:ومعنــا عقولنا يومئذ؟ قال: إنّه لتنـزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء" رواه أحمد وصححه ابن حبان...
ومن أعظم ما يعبـّر عن الواقع الأليم الذي نعيشه هذه الأيام، حديث رواه مسلم في صحيحه عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال:"والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي يوم لا يدري القاتل فِيمَ قَتَل؟ ولا المقتول فيمَ قُتِل؟ فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: " الهرج القاتل والمقتول في النار" رواه مسلم. الله أكبر، ما أعظم شأن هذه الدماء الزكية! لقد كرّس سيد ولد آدم - عليه الصلاة والسلام- مبدأ تعظيم دم المسلم في خطبته العظيمة يوم النحر في حجة الوداع أمام ما لا يقل عن تسعين ألفا من المؤمنين والمؤمنات..قال -صلى الله عليه وسلم-:"..فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا"...أي: إنّ روح ونفس ومال وعرض المؤمن لا تقلّ حرمتها عن حرمة بيت الله العتيق وقبلة المؤمنين المقدّسة..بل إنّ الله قد جعل روح المؤمن أغلى، ونفسه أجلّ وأعلى، ويدلّ على ذلك ما رواه التّرمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ –رضي الله عنهما- قَالَ: نظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ:"مَا أَعْظَمَكِ! وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ"..بل الدنيا بأسرها لا تداني العبد المؤمن شرفا، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:" لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم" رواه مسلم.
ثمّ إنّ أهل الملّة المستقيمة تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويردّ عليهم أقصاهم وهم يدٌ على من سواهم، بخلاف غيرهم ممّن يستبيح دم صاحبه ورفيقه على دربه ولا يبالي بذمّة من كان على ملته ودينه، ولذا حذّر –صلى الله عليه وسلم – من مشابهتهم في هذه الخصلة الرديّة في خطبته التاريخية التي ألمحنا إليها آنفا، فقال:"لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"...
ألا فاحذروا –أيها المتّقون- من هذا المزلق العظيم، والخطب الجسيم، فقد أعدّ الله لصاحبه العذاب الأليم..قال تعالى:" وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (النساء 93)".وكلّ مشارك في هذا الفساد ولو بشطر كلمة أو جرّة قلم، فهو في ميزان الشرع الحنيف متحمل لوزر القتلة بقدر إسهامه في تلك العملية الشّنيعة من قريب أو بعيد.
وفي الختام..
لا يظنّنّ ظانّ أنّ إزهاق الأراوح إنّما هو فقط بحمل السّلاح، وإراقة الدّماء في كلّ ناد وساح..كلاّ.. فإنّ صور القتل من الكثرة بمكان وإن كانت لدى كثير من النّاس شيئاً به يُستهان..
فالّذي يبيع النّاسَ أنواع السموم أويُطعمهم ما يضرّهم حتّى يُهلكهم قاتل..
والمتطبّب لا يُحسن الطّب قاتل..
والبنّاء يغشّ في البناء حتّى يقع على أصحابه قاتل..
والسّائق يسوق تهوّرا وسفاهة فيحصد الأرواح قاتل..
والمرأة تُسقط جنينها بعد نفخ الروح فيه من غير رعاية للحدود الشرعية قاتلة.. وإن تمالأ معها الزوج أو الطبيب أو غيرهما على صنيعها كانوا برمتهم من جملة القتلة..
والكاتب أو الخطيب أوالصحفي أو الأديب، الذي يوقد حرارة التمرد في القلوب ويُشغل الناس ببيان عورات ولاة الأمور وما خفي عن الأعين من عيوب، حتى يتسبّب في تهورهم وثورتهم وقتلهم لأبناء ملتهم قاتل..
وغير ذلك ممّا لا يخفى إلاّ على غافل أو متغافل.. فلنحذر جميعا مغبّة التلاعب بالنفوس والأرواح..فعن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما" رواه البخاري، وعند النسائي:"أول ما يقضى بين الناس في الدّماء "وعنده أيضاً:" يجيء المقتول بقاتله يوم القيامة فيقول: سَلْ هذا فيمَ قَتَلني؟!.."..اللّهُمّ رحماك..قال ربّ العزّة –جلّ شأنه-:"وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) (التكوير)"..فهل أعدّ القاتل للسؤال جوابه وللجواب صوابه؟!
أسأل ربي جلّ وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يهدينا إلى سواء السبيل، وأن يحقن دماء المسلمين، وأن يجعل بلدتنا آمنة مطمئنّة وسائر بلاد المسلمين، وأن يهيّئ لنا من أمره رشدا ويجعل معونته العظمى لنا سندا...إنّه بكلّ جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل...وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
منقول: من موقع منار الجزائر http://www.manareldjazair.com