رد: نادي شعراء وأدباء منتديات مزامير آل داود
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته عدت بعد غياب طويـــــــــــــــــــــــل لم أتلق خلاله ولو رسالة مساءلة عن حالي وسبب الغياب من إخوتي حسبتهم العملة النادرة في زمن القيم المختلطة المهم عدت بمحاولتي النثرية الأولى التي أطرحها بين يديكم -والتي كنت بدأت نشرها في موقع آخر - وأرجو أن ارى نقدكم البناء فيها القصة تتحدث عن الإنتشار الرهيب لظاهرة التنصر في مناطق عديدة من الأرض الحبيبة أرض الجزائر وبالأخص في جزئها الطاهر بلاد القبائل الحبيبة والتي كانت إحدى القلاع الحصينة في مواجهة المستدمر الفرنسي قبيل اقل من نصف قرن حيث خرج منها ذليلا صاغرا يجر أذيال هزيمته خلفه ليعود بعد ذلك منتقما بمحاولة لنشر ديانته المحرفة المنحرفة لطمس معالم الهوية الإسلامية مستغلا جهل وحاجة الناس في تلك المنطقة الحبيبة لكن هيهات هيهات فالشعب الذي لم تنطمس هويته العربية خلال 132 سنة من الإحتلال لن تنطمس هويته في زمن الحرية و الإستقلال
وإليكم إخوتي القصة التي أسميتها : "فل ينكسر الصليب منطقة القبائل مسلمة "
تعبت قدماه وهو يمشي لوجهة لا يعلمها حتى هو وإنما كانت قدماه هما قبطانتا السفينة تسيران بجسد أثقلته الهموم وأنهكته الأيام بحوادثها حتى صار بطن الأرض أحب إليه من ظهرها . المهم هي خطوات تبعده عن ذلك الجحيم أو ما يسمى البيت و إن كانتا ستعيدانه لا محالة إلى عتبته .
بدأت خطواته بالتثاقل معلنة عن إجهادها وحاجتها للراحة لكن عمي محند زاد من إيقاعها وكأنه يخبرها أنها مجبرة على التحمل لأنه قرر عدم التوقف لكن قدماه سرعان ما خذلتاه فاستسلم للأمر الواقع وارتمى على روضة رائقة قد زانها الربيع بخضرته وعبقت رائحة الفل بين جنباتها . إلا أن عمي محند لم يكن ليغريه سحر المكان أو لينتبه له حتى وهو يعلم ماينتظره اثني عشر ابنا وزوجة و أخت مريضة أربعة عشر نفس ليس لهم من معيل سواه .
جلس عمي محند وبقي يجتر آلامه ويلعن اليوم الذي فتحت له الضفة الأخرى أبوابها بشقراء حسناء لكنه بوطنيته الجامحة التي كان يفخر بها رفض الإرتماء في أحضان من نهب ثرواته لأزيد من قرن وربع قرن من الزمن
لكن السنوات التالية كشفت لعمي محند بن عمي أرزقي المجاهد الشهيد أن ما نهبه الإستعمار خلال 130 سنة لم يساوي عشر ما اختلسه أبناء وطنه في أقل من نصف قرن
ولنعد مع عمي محند في شريط ذكرياته
في أعلي جبال جرجرة الشاهقة ولد عمي محند سنة 1957 من صلب بطل من أبطال الجزائر ورجل من رجالاتها ألا وهو السي أرزقي ذلك المجاهد الفذ أحد قادة جبهة التحرير الوطني الذي دوخ الإستدمار الفرنسي وأراه نجوم الليل ظهرا حتى تم القضاء عليه عن طريق أحفاد بني سلول .
على قمة من قمم جرجرة الشاهقة نشأ عمي محند فاستمد شموخه من شموخها وإباءه من إبائها في أسرة متكونة من أمه واخيه الأكبر عيسى ولم يبلغ خمس سنوات حتى فقد أمه فنشأ يتيما لا يعرف وجه أبيه ولم يشبع من حضن أمه .
وبما أن أباه كان أحد قادة الثورة فقد جرد المستدمر الفرنسي عائلته من جل ممتلكاتها وما بقي منها فقد استولى عليه أخوه الأكبر لينشأ هو في فقر مدقع .
وعلى غرار أبناء جيله وأهالي منطقته فقد كان تحصيله العلمي مقتصرا على ماتلقاه في الزاوية الرحمانية حيث درس بها وتعلم أبجديات العلوم .ولما اشتد عوده توجه للحياة العملية فعمل عند أحد أقاربه . وفي هذه الفترة أحب إحدى بنات الجيران وأحبته فعاش أسعد أيام حياته .لكن الأيام مالبثت أن فرقتهما إذ قرر أبو البنت ميليسا تزويجها من سبعيني علها ترثه بعد موته .
لم يتقبل عمي محند ما جرى و أصابه اكتئاب شديد جعله يبغض الدنيا بما فيها ولم تستطع الأيام بتواليها أن تنسيه فراق ميليسا ولم تفلح حتى تلك الشقراء القادمة مما وراء البحر والتي هامت بحبه أن تنسيه حبه الأول هذه الحسناء التي كاد عمي محند أن يرتبط بها لولا إصرارها على العيش في فرنسا ورفضه بوطنيته الجامحة أن يعيش بين ظهراني شعب استعبد أجداده بالأمس القريب
ومع مرور الأيام قرر السي محند أن يتزوج بعلجية ابنة رب العمل علها تخفف عنه بعض معاناته .
لم تكن حياة السي محند سعيدة ولكنها كانت على الأقل مستقرة ولم يكن يعكر صفو هذه الحياة سوى عجز علجية على الإنجاب .
بعد سبع سنوات من هذا الزواج توفي زوج ميليسا فعادت إلى "الدشرة " لتسكن بجوارعمي محند الذي تأججت مشاعره الخامدة والتهبت ناره التي كادت أن تنطفأ وبما أن الطريق صار أمامه مفتوحا قرر أن يتم آخر فصول قصة الحب التي عاشها قبل سنين والتي تشبه إلى حد بعيد قصة قيس وليلى أو عنترة وعبلة أو روميو وجولييت غير أن نهاية قصته كانت على خلاف هذه القصص سعيدة .
لم يتصور عمي محند ولو للحظة أن هذه النهاية السعيدة لحكايته مع ميليسا ستكون بداية قصة بؤس وحرمان على شاكلة رواية البؤساء لفيكتور هوغو .حيث رأى قريبه أن تزوجه على ابنته يعد تنكرا صريحا لفضله وهو الذي انتشله من الضياع وزوجه ابنته الوحيدة فقرر تطليقه من ابنته وطرده من العمل .
ليبدأ فصل جديد من حياة عمي محند مع الضياع الذي عاد ليكون جزءا لا يتجزء منه فصار يعمل يوما ويبقى بطالا لشهر حتى ماكان ييجنيه في ذلك اليوم لا يكفي لسد قوته .
وحتى زوجته التي احتملت السبعيني لعشر سنين خرجت من هذه الزيجة خالية الوفاض لأنها عجزت عن انجاب ولد مايعني بالضرورة حسب عادات المنطقة أنها لن ترث شيئا .
ولنعد بعد هذا السرد الخفيف لماضي عمي محند إلى عمي محند المستلقي على الروضة اللاعن لنفسه ولدولة تملك مليارات الدولارات وشعبها يعيش تحت خط الفقر. (يتبع)