- 17 مارس 2006
- 1,412
- 0
- 0
[align=center][glow=FF0000]المزاح بين المشروع والممنوع[/glow]
حامد بن مشاري الحامد
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه . وبعد : فإن للأعمال ضوابط تُضبَط بها حتى تكون موافقة للمشروع ؛ ومتى فُقِدَت هذه الضوابط كان ذلك العمل ممنوعاً . وكم من إنسان غفل عن تلك الضوابط فوقع في الممنوع من حيث يشعر أو لا يشعر ! وقد قال عليه السلام : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
ومن تلك الأعمال التي لا بد أن تضبط بضوابط الشرع المزاح الذي يكثر في هذه الأزمنة المتأخرة ؛ ويقل من يضبطه بضوابط الشرع . معنى المزاح : المزاح بضم الميم : وسيلة يراد بها المباسطة ؛ بحيث لا يفضي إلى أذى ، فإذا بلغ الإيذاء فإنه يفضي إلى السخرية . والمزاح بكسر الميم : مصدر .
من فوائد المزاح :
أولاً : أن يكون على سبيل الملاينة والمباسطة وتتطييب خاطر صاحبك وإدخال السرور على قلبه . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ) . وعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال : ( ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
ثانياً : أنه أنس للمصاحبين وطرد للوحشة وتأليف للقلوب ومظهر من مظاهر الأخوة والوفاء .
ثالثاً : التخلص من الخوف والغضب والقلق وغيره ؛ فإن الإنسان إذا مزح أدخل على نفسه شيئاً من السرور والتسلية ، وأزال ما يخاف منه أو خفف من ذلك .
رابعاً : التخلص من السأم والملل ، كأن يعطي الشيخ طلابه سؤالاً أو لغزاً كي يُذهِب الملل عنهم . مشكاة النبوة : لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الرفق في كل أمر من أمور الحياة ، وما الاستجمام للنفس إلا من الرفق بها ليكون الرفق من مظاهر كل أعمال الإنسان في الحياة ؛ حتى ليُربَط الرفق بصفات الخالق الرحيم الرفيق بخلقه . روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه ) . والرفق : ( هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل ، وهو ضد العنف ) .
وما الانبساط والمزاح وما يتبع ذلك من لين القول والتبسم وانشراح الصدر إلا مظهر من مظاهر الرفق . ولعل أشهر ما ورد في المزاح ما أورده البخاري في باب (الانبساط إلى الناس) حديث : ( يا أبا عمير ما فعل النغير ؟ ) .
وكذلك أبو داود في سننه من حديث أنس : ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله احملني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنا حاملوك على ولد ناقة ) قال : وما أصنع بولد الناقة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وهل تلد الإبل إلا النوق ) .
وربما مازح صلى الله عليه وسلم أصحابه بعد طلوع الشمس ، ودليله ما رواه سِمَاك بن حرب قال : ( قلت لجابر بن سَمُرَة : أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم كثيراً ؛ كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس ؛ فإذا طلعت الشمس قام . وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم ) . وفي رواية النسائي وأحمد زيادة : ( وينشدون الشعر ) .
ومن الأوقات بعد صلاة العشاء ، أي : السمر فيه ، والسمر : الحديث قبل النوم . وأورد البخاري حديثين ذكرهما في باب (السمر في العلم) واستنبط منهما جواز السمر في العلم والقياس على ذلك في المؤانسة مع الأهل ، وكذلك لتحصيل فائدة مع الإخوان والخلاَّن . ويزداد استحبابها إذا كانت لمصلحة دعوية في بذل نصح وتقريب قلوب وزيادة محبة ومودة وإزالة الكدر وإيجاد أجواء الحب والتعارف . دروس من أبي الدرداء : ولا بأس أن يأخذ الداعية من الراحة فيما لا يكون حراماً ليستعين به على العمل والأداء حسب ما تقتضيه الفطرة البشرية ، هذا أبو الدرداء رضي الله عنه يقول : ( إني أستجم ببعض الباطل ؛ ليكون أنشط لي في الحق ) .
ويقول ابن تيمية معلقاً على هذا القول : ( فأما من استعان بالمباح الجميل على الحق فهذا من الأعمال الصالحة ) .
الصحابة والمزاح :
أورد أبو داود في سننه : ( عن أسيد بن حضير قال : بينما رجل من الأنصار يحدِّث القوم وكان فيه مزاح بَيْنَا يضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود ، فقال : أصبرني ! فقال : اصطبر . قال : إن عليك قميصاً وليس عليَّ قميص . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كَشْحَه . قال : إنما أردت هذا يا رسول الله ) .
وكان من أشهر الصحابة نُعيمان بن عمرو بن رفاعة المشهور بقصصه ودعاباته ، وهو صحابي جليل : ( شهد بدراً ، وكان من قدماء الصحابة وكبرائهم ، وكانت فيه دعابة زائدة ، وله أخبار طريفة في دعاباته .. وكان نعيمان مضحكاً مزاحاً ) . ولقد كان المزاح نوعاً من طرد السَّأَم والهم والابتعاد عن مشاغل الدنيا وترويح للنفس ؛ إذ لا بد للدنيا من مواقف تتجدد فيها الطاقة وتبعث فيها الهمة ؛ لأن القلوب إذا كلَّت عميت ؛ بل إن ذلك قد يكون مظهراً من مظاهر الرجولة في البيت ومع الزوجة والأولاد ، إذا كان دون إسراف أو جنوح ، لا كما يظن بعضٌ أن الرجولة بالتكلف والتصنع . واسمع قول بعض الصحابة : ( قال ابن عمر : إنه ليعجبني أن يكون الرجل في أهله مثل الصبي ، ثم إذا بُغي منه وُجِدَ رجلاً . وكان زيد بن مثبت من أفكه الناس في بيته ، فإذا خرج كان رجلاً من الرجال ) .
لذلك ينبغي ألاَّ يكون من خُلُق الشاب الملتزم أو الداعية التبسم خارج البيت وتصنُّع الغلظة والجفوة في بيته ، ولا يخفى أن عكس الأمر من التكلف المذموم أيضاً . التوازن مطلب أساس : لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيش بين الصحابة وفيهم الحازم من أمثال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان رجلاً مهيباً . وفيهم صاحب الدعابة الذي يستلقي على قفاه ، ولم ينكر على أحد منهم . والأصل هو في إنكار الضحك المتكلَّف في القهقهة ، أو الضحك في مواطن الجد ، أو الإفراط فيه . ( ولقد سئل ابن عمر رضي الله عنهما : هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟ قال : نعم ، والإيمان في قلوبهم مثل الجبل . وقال بلال بن سعد : أدركتهم يشتدون بين الأعراض ويضحك بعضهم إلى بعض ، فإذا كان الليل كانوا رهباناً ) .
وهكذا ظل الصحابة أوفياء للمنهج النبوي دون أن يؤثر المزاح على جدية العمل ، أو على تطبيق السنن ، أو على تفويت المصالح . ولا شك أن الإفراط يقود إلى أمور تنافي مقاصد الشريعة ومراتب المروءة ، وتتعارض مع المقامات السامية ، كما أنها قد تكون حسنة بذاتها ولكنها تقود إلى مفسدة ، ولقد قال علي رضي الله عنه في توضيح هذا الميزان وتثبيته : ( خير هذه الأمة النمط الأوسط : يرجع إليهم الفاني ، ويلحق بهم التالي ) .
سلف الأمة : وعلى منهج الصحابة سار السلف في جعل المزاح استراحة ؛ فتكاد ألاَّ تجد كتاباً يخلو من مُلَح وطرائف لشيخ التابعين الإمام الشعبي رحمه الله . قيل لسفيان بن عيينة : المزاح هجنة ؟ قال : بل سنة ، ولكن الشأن فيمن يحسنه ويضعه مواضعه . وقد اعتبر بعض الفقهاء المزاح وفق ضوابطه وفي أوقاته من المروءة ، والتقصير فيه من خوارم المروءة ، وشددوا على ذلك في السفر ؛ وفي هذا يقول ربيعة الرأي : ( إن المروءة من خصال : ثلاثة في الحضر ، وثلاثة في السفر ، والتي في السفر : فبذل الزاد ، وحسن الخلق ، وكثرة المزاح من غير معصية ) .
وإيراد ما ورد عن التابعين وسلف الأمة يطول ، وجميعهم على هذا المذهب في جواز المزاح وفق الضوابط الشرعية . يقول النووي رحمه الله : ( المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه ؛ فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ، ويشغل عن ذكر الله تعالى ، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء ، ويورث الأحقاد ، ويسقط المهابة والوقار . فأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ) .
يتبع
حامد بن مشاري الحامد
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه . وبعد : فإن للأعمال ضوابط تُضبَط بها حتى تكون موافقة للمشروع ؛ ومتى فُقِدَت هذه الضوابط كان ذلك العمل ممنوعاً . وكم من إنسان غفل عن تلك الضوابط فوقع في الممنوع من حيث يشعر أو لا يشعر ! وقد قال عليه السلام : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
ومن تلك الأعمال التي لا بد أن تضبط بضوابط الشرع المزاح الذي يكثر في هذه الأزمنة المتأخرة ؛ ويقل من يضبطه بضوابط الشرع . معنى المزاح : المزاح بضم الميم : وسيلة يراد بها المباسطة ؛ بحيث لا يفضي إلى أذى ، فإذا بلغ الإيذاء فإنه يفضي إلى السخرية . والمزاح بكسر الميم : مصدر .
من فوائد المزاح :
أولاً : أن يكون على سبيل الملاينة والمباسطة وتتطييب خاطر صاحبك وإدخال السرور على قلبه . فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ) . وعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال : ( ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
ثانياً : أنه أنس للمصاحبين وطرد للوحشة وتأليف للقلوب ومظهر من مظاهر الأخوة والوفاء .
ثالثاً : التخلص من الخوف والغضب والقلق وغيره ؛ فإن الإنسان إذا مزح أدخل على نفسه شيئاً من السرور والتسلية ، وأزال ما يخاف منه أو خفف من ذلك .
رابعاً : التخلص من السأم والملل ، كأن يعطي الشيخ طلابه سؤالاً أو لغزاً كي يُذهِب الملل عنهم . مشكاة النبوة : لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الرفق في كل أمر من أمور الحياة ، وما الاستجمام للنفس إلا من الرفق بها ليكون الرفق من مظاهر كل أعمال الإنسان في الحياة ؛ حتى ليُربَط الرفق بصفات الخالق الرحيم الرفيق بخلقه . روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه ) . والرفق : ( هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل ، وهو ضد العنف ) .
وما الانبساط والمزاح وما يتبع ذلك من لين القول والتبسم وانشراح الصدر إلا مظهر من مظاهر الرفق . ولعل أشهر ما ورد في المزاح ما أورده البخاري في باب (الانبساط إلى الناس) حديث : ( يا أبا عمير ما فعل النغير ؟ ) .
وكذلك أبو داود في سننه من حديث أنس : ( أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله احملني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنا حاملوك على ولد ناقة ) قال : وما أصنع بولد الناقة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وهل تلد الإبل إلا النوق ) .
وربما مازح صلى الله عليه وسلم أصحابه بعد طلوع الشمس ، ودليله ما رواه سِمَاك بن حرب قال : ( قلت لجابر بن سَمُرَة : أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم كثيراً ؛ كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس ؛ فإذا طلعت الشمس قام . وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم ) . وفي رواية النسائي وأحمد زيادة : ( وينشدون الشعر ) .
ومن الأوقات بعد صلاة العشاء ، أي : السمر فيه ، والسمر : الحديث قبل النوم . وأورد البخاري حديثين ذكرهما في باب (السمر في العلم) واستنبط منهما جواز السمر في العلم والقياس على ذلك في المؤانسة مع الأهل ، وكذلك لتحصيل فائدة مع الإخوان والخلاَّن . ويزداد استحبابها إذا كانت لمصلحة دعوية في بذل نصح وتقريب قلوب وزيادة محبة ومودة وإزالة الكدر وإيجاد أجواء الحب والتعارف . دروس من أبي الدرداء : ولا بأس أن يأخذ الداعية من الراحة فيما لا يكون حراماً ليستعين به على العمل والأداء حسب ما تقتضيه الفطرة البشرية ، هذا أبو الدرداء رضي الله عنه يقول : ( إني أستجم ببعض الباطل ؛ ليكون أنشط لي في الحق ) .
ويقول ابن تيمية معلقاً على هذا القول : ( فأما من استعان بالمباح الجميل على الحق فهذا من الأعمال الصالحة ) .
الصحابة والمزاح :
أورد أبو داود في سننه : ( عن أسيد بن حضير قال : بينما رجل من الأنصار يحدِّث القوم وكان فيه مزاح بَيْنَا يضحكهم فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود ، فقال : أصبرني ! فقال : اصطبر . قال : إن عليك قميصاً وليس عليَّ قميص . فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كَشْحَه . قال : إنما أردت هذا يا رسول الله ) .
وكان من أشهر الصحابة نُعيمان بن عمرو بن رفاعة المشهور بقصصه ودعاباته ، وهو صحابي جليل : ( شهد بدراً ، وكان من قدماء الصحابة وكبرائهم ، وكانت فيه دعابة زائدة ، وله أخبار طريفة في دعاباته .. وكان نعيمان مضحكاً مزاحاً ) . ولقد كان المزاح نوعاً من طرد السَّأَم والهم والابتعاد عن مشاغل الدنيا وترويح للنفس ؛ إذ لا بد للدنيا من مواقف تتجدد فيها الطاقة وتبعث فيها الهمة ؛ لأن القلوب إذا كلَّت عميت ؛ بل إن ذلك قد يكون مظهراً من مظاهر الرجولة في البيت ومع الزوجة والأولاد ، إذا كان دون إسراف أو جنوح ، لا كما يظن بعضٌ أن الرجولة بالتكلف والتصنع . واسمع قول بعض الصحابة : ( قال ابن عمر : إنه ليعجبني أن يكون الرجل في أهله مثل الصبي ، ثم إذا بُغي منه وُجِدَ رجلاً . وكان زيد بن مثبت من أفكه الناس في بيته ، فإذا خرج كان رجلاً من الرجال ) .
لذلك ينبغي ألاَّ يكون من خُلُق الشاب الملتزم أو الداعية التبسم خارج البيت وتصنُّع الغلظة والجفوة في بيته ، ولا يخفى أن عكس الأمر من التكلف المذموم أيضاً . التوازن مطلب أساس : لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيش بين الصحابة وفيهم الحازم من أمثال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان رجلاً مهيباً . وفيهم صاحب الدعابة الذي يستلقي على قفاه ، ولم ينكر على أحد منهم . والأصل هو في إنكار الضحك المتكلَّف في القهقهة ، أو الضحك في مواطن الجد ، أو الإفراط فيه . ( ولقد سئل ابن عمر رضي الله عنهما : هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون ؟ قال : نعم ، والإيمان في قلوبهم مثل الجبل . وقال بلال بن سعد : أدركتهم يشتدون بين الأعراض ويضحك بعضهم إلى بعض ، فإذا كان الليل كانوا رهباناً ) .
وهكذا ظل الصحابة أوفياء للمنهج النبوي دون أن يؤثر المزاح على جدية العمل ، أو على تطبيق السنن ، أو على تفويت المصالح . ولا شك أن الإفراط يقود إلى أمور تنافي مقاصد الشريعة ومراتب المروءة ، وتتعارض مع المقامات السامية ، كما أنها قد تكون حسنة بذاتها ولكنها تقود إلى مفسدة ، ولقد قال علي رضي الله عنه في توضيح هذا الميزان وتثبيته : ( خير هذه الأمة النمط الأوسط : يرجع إليهم الفاني ، ويلحق بهم التالي ) .
سلف الأمة : وعلى منهج الصحابة سار السلف في جعل المزاح استراحة ؛ فتكاد ألاَّ تجد كتاباً يخلو من مُلَح وطرائف لشيخ التابعين الإمام الشعبي رحمه الله . قيل لسفيان بن عيينة : المزاح هجنة ؟ قال : بل سنة ، ولكن الشأن فيمن يحسنه ويضعه مواضعه . وقد اعتبر بعض الفقهاء المزاح وفق ضوابطه وفي أوقاته من المروءة ، والتقصير فيه من خوارم المروءة ، وشددوا على ذلك في السفر ؛ وفي هذا يقول ربيعة الرأي : ( إن المروءة من خصال : ثلاثة في الحضر ، وثلاثة في السفر ، والتي في السفر : فبذل الزاد ، وحسن الخلق ، وكثرة المزاح من غير معصية ) .
وإيراد ما ورد عن التابعين وسلف الأمة يطول ، وجميعهم على هذا المذهب في جواز المزاح وفق الضوابط الشرعية . يقول النووي رحمه الله : ( المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه ؛ فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ، ويشغل عن ذكر الله تعالى ، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء ، ويورث الأحقاد ، ويسقط المهابة والوقار . فأما من سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ) .
يتبع