- 28 مايو 2007
- 5,869
- 35
- 0
- الجنس
- ذكر
(بسم الل)
قال الحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد":
علي بن حمزة أبو الحسن الأسدي المعروف بالكسائي النحوي: أحد أئمة القراء من أهل الكوفة استوطن بغداد وكان يعلم بها الرشيد ثم الأمين من بعده وكان قد قرأ على حمزة بن الزيات فأقرا ببغداد زمانا بقراءة حمزة ثم اختار لنفسه قراءة فأقرأ بها الناس وقرأ عليه بها خلق كثير ببغداد وبالرقة وغيرهما من البلاد وحفظت عنه وصنف معاني القرآن والآثار في القراءات وكان قد سمع من سليمان بن أرقم وأبي بكر بن عياش ومحمد بن عبيد الله العرزمي وسفيان بن عيينة وغيرهم روى عنه أبو توبة ميمون بن حفص وأبو زكريا الفراء وأبو عبيد القاسم بن سلام وأبو عمر حفص بن عمر الدوري وجماعة.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله الثابتي أخبرنا محمد بن محمد بن موسى القرشي أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال: علي بن حمزة الكسائي هو علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز مولى بني أسد.
أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي بالكوفة حدثنا أبو علي الحسن بن داود النقار حدثنا أبو جعفر عقدة حدثنا أبو بديل الوضاحي قال: قال لي الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على الكبر وكان سبب تعلمه أنه جاء يوماً وقد مشى حتى أعيي فجلس إلى الهبارين وكان يجالسهم كثيراً فقال قد عييت فقالوا له: أتجالسنا وأنت تلحن؟! فقال: كيف لحنت؟ قالوا له: إن كنت أردت من التعب فقل أعييت وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل عييت مخفقة فأنف من هذه الكلمة ثم قام من فوره ذلك فسأل عمن يعلم النحو فأرشدوه إلى معاذ الهرا فلزمه حتى أنفد ما عنده ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل وجلس في حلقته فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميمها وعندها الفصاحة وجئت إلى البصرة؟ فقال للخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ فقال من بوادي الحجاز ونجد وتهامة فخرج ورجع وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبراً في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ فلم يكن له هم غير البصرة والخليل فوجد الخليل قد مات وقد جلس في موضعه يونس النحوي فمرت بينهم مسائل أقر له يونس فيها وصدره موضعه.
أنبأنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء أخبرنا عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم حدثني محمد بن سليمان بن محبوب حدثنا أبو عبد الرحمن البصري مردويه حدثنا علي بن عبد الله الخياط المدني حدثنا عبد الرحيم بن موسى قال: قلت للكسائي: لم سميت الكسائي؟ قال: لأني أحرمت في كساء.
قلت: وقد قيل في تسمية الكسائي قول آخر.
أخبرنا محمد بن علي الصوري أخبرنا أبو الحسن عبيد الله بن القاسم الهمداني القاضي بطرابلس حدثنا أبو الحسن علي بن محمد الحراني الأرزي إملاء من حفظه حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى ابن سليمان المروزي قال: سألت خلف بن هشام: لم سمي الكسائي كسائياً فقال: دخل الكسائي الكوفة فجاء إلى مسجد السبيع وكان حمزة بن حبيب الزيات يقرىء فيه فتقدم الكسائي مع أذان الفجر فجلس وهو متلف بكساء من البركان الأسود فلما صلى حمزة قال من تقدم في الوقت يقرأ قيل له: الكسائي أول من تقدم يعنون صاحب الكساء فرمقه القوم بأبصارهم فقالوا: إن كان حائكاً فسيقرأ سورة يوسف وإن كان ملاحاً فسيقرأ سورة طه فسمعهم فابتدأ بسورة يوسف فلما بلغ إلى قصة الذئب قرأ: " فأكله الذيب " بغير همز فقال له حمزة: الذئب بالهمز فقال له الكسائي: وكذلك أهمز الحوت فالتقمه الحؤت؟ قال: لا قال: فلم همزت الذئب ولم تهمز الحوت؟ وهذا فأكله الذئب وهذا فالتقمه الحوت فرفع حمزة بصره إلى خلاد الأحول وكان أجمل غلمانه فتقدم إليه في جماعة من أهل المجلس فناظروه فلم يصنعوا شيئاً فقالوا: أفدنا يرحمك الله فقال لهم الكسائي: تفهموا عن الحائك؟ تقول إذا نسبت الرجل إلى الذئب: قد استذأب الرجل ولو قلت استذاب بغير همز لكنت إنما نسبته إلى الهزال تقول قد استذاب الرجل إذا استذاب شحمه بغير همز وإذا نسبته إلى الحوت تقول: قد استحات الرجل أي كثر أكله لأن الحوت يأكل كثيراً لا يجوز فيه الهمز فلتلك العلة همز الذئب ولم يهمز الحوت وفيه معنى آخر لا يسقط الهمز من مفرده ولا من جميعه وأنشدهم:
أيها الذئب وابنه وأبوه ... أنت عندي من أذأب ضاريات
قال: فسمي الكسائي من ذلك اليوم.
أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي أخبرنا محمد بن جعفر التميمي حدثنا أبو علي الحسن بن داود حدثنا أحمد بن فرج حدثنا أبو عمر قال: أبو علي وحدثنا أبو جعفر عقدة حدثنا أبو بديل عن سلمة قال: كان عند المهدي مؤدب يؤدب الرشيد فدعاه يوماً المهدي وهو يستاك فقال: كيف تأمر من السواك؟ فقال: أستك يا أمير المؤمنين فقال المهدي: إنا لله وإنا إليه راجعون ثم قال: التمسوا لنا من هو أفهم من ذا فقالوا رجل يقال له علي بن حمزة الكسائي من أهل الكوفة قدم من البادية قريباً فكتب بإزعاجه من الكوفة فساعة دخل عليه قال: يا علي بن حمزة قال: لبيك يا أمير المؤمنين قال: كيف تأمر من السواك؟ قال: سك يا أمير المؤمنين قال أحسنت وأصبت وأمر له بعشرة آلاف درهم.
أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي أخبرنا محمد بن جعفر التميمي أخبرنا أبو بكر الدرامي وأبو علي النقار وأبو العباس محمد بن الحسن الهذلي قالوا: حدثنا أحمد بن فرح قال: سمعت أبا عمر الدوري يقول: كان أبو يوسف يقع في الكسائي ويقول: إيش يحسن؟ إنما يحسن شيئاً من كلام العرب فبلغ الكسائي ذلك فالتقيا عند الرشيد وكان الرشيد يعظم الكسائي لتأديبه إياه فقال لأبي يوسف: يا يعقوب إيش تقول في رجل قال لامرأته أنت طالق طالق طالق؟ قال واحدة قال: فإن قال لها أنت طالق أو طالق أو طالق؟ قال واحدة قال فإن قال لها أنت طالق ثم طالق ثم طالق؟ قال واحدة قال فإن قال لها أنت طالق وطالق وطالق؟ قال واحدة قال الكسائي يا أمير المؤمنين أخطأ يعقوب في اثنتين وأصاب اثنتين أما قوله أنت طالق طالق طالق فواحدة لأن الثنتين الباقيتين تأكيد كما يقول أنت قائم قائم قائم وأنت كريم كريم كريم وأما قوله أنت طالق أو طالق أو طالق فهذا شك وقعت الأولى التي تتيقين وأما قوله طالق ثم طالق ثم طالق فثلاث لأنه نسق وكذلك طالق وطالق وطالق.
أخبرني الأزهري حدثنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا إبراهيم بن محمد بن أحمد النخشبي حدثنا العباس بن عزيز القطان المروزي حدثنا حرملة بن يحيى التجيبي قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي.
أخبرنا الحسين بن محمد أخو الخلال حدثنا الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد بن العباس بالري أخبرنا عبد الله بن محمد الأيجي حدثنا محمد بن الحسن الأزدي أخبرنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني قال: ورد علينا عامل من أهل الكوفة لم أر في عمال السلطان بالبصرة أبرع منه فدخلت مسلماً عليه فقال لي: يا سجستاني من علماؤكم بالبصرة؟ قلت: الزيادي أعلمنا بعلم الأصمعي والمازني أعلمنا بالنحو وهلال الرأي أفقهنا والشاذكوني من أعلمنا بالحديث وأنا رحمك الله أنسب إلى علم القرآن وابن الكلبي من أكتبنا للشروط قال: فقال لكاتبه: إذا كان غد فاجمعهم إلي قال فجمعنا فقال أيكم المازني؟ قال أبو عثمان هأنذا يرحمك الله قال هل يجزي في كفارة الظهار عتق عبد أعور؟ فقال المازني: لست صاحب فقه رحمك الله أنا صاحب عربية فقال: يا زيادي كيف يكتب بين رجل وامرأة خالعها على الثلث من صداقها؟ قال: ليس هذا من علمي هذا من علم هلال الرأي قال: يا هلال كم أسند ابن عون عن الحسن؟ قال ليس هذا من علمي هذا من علم الشاذكوني قال: يا شاذكوني من قرأ: " يثنوني صدورهم " قال: ليس هذا من علمي هذا من علم أبي حاتم قال: يا أبا حاتم كيف تكتب كتاباً إلى أمير المؤمنين تصف فيه خصاصة أهل البصرة وما أصابهم في الثمرة وتسأله لهم النظر والنظرة؟ قال: لست رحمك الله صاحب بلاغة وكتابة أنا صاحب قرآن فقال: ما أقبح الرجل يتعاطى العلم خمسين سنة لا يعرف إلا فناً واحداً حتى إذا سئل عن غيره لم يجل فيه ولم يمر ولكن عالمنا بالكوفة الكسائي لو سئل عن كل هذا لأجاب. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن عبد الله الأصبهاني حدثنا جعفر بن محمد بن بصير الخلدي حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق حدثنا سلمة بن عاصم قال: قال الكسائي: صليت بهارون الرشيد فأعجبتني قراءتي فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبي قط أردت أن أقول: " لعلهم يرجعون " فقلت: لهم ترجعين قال: فوالله ما اجترأ هارون أن يقول لي أخطأت ولكنه لما سلمت قال لي: يا كسائي أي لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد فقال: أما هذا فنعم.
أخبرني العتيقي حدثنا محمد بن العباس حدثنا جعفر بن محمد الصندلي أخبرنا أبو بكر بن حماد عن خلف قال: كان الكسائي إذا كان شعبان وضع له منبر فقرأ هو على الناس في كل يوم نصف سبع يختم ختمتين في شعبان وكنت أجلس أسفل المنبر فقرأ يوماً في سورة الكهف: " أنا أكثر منك " فنصب أكثر فعلمت أنه قد وقع فيه فلما فرغ أقبل الناس يسألون عن العلة في أكثر لم نصبه؟ فثرت في وجوههم أنه أراد في فتحه أقل: " إن ترني أنا أقل منك مالاً " فقال الكسائي: أكثر فمحوهم من كتبهم ثم قال لي: يا خلف أحد يكون بعدي يسلم من اللحن؟ قال: قلت لا أما إذا لم تسلم أنت فليس يسلم أحد بعدك قرأت القرآن صغيراً وأقرأت الناس كبيراً وطلبت الآثار فيه والنحو.
أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي أخبرنا محمد بن جعفر التميمي أخبرنا أبو العباس محمد بن الحسن حدثني ابن فرح قال: سمعت سلمة يقول: سمعت الفراء يقول: سمعت الكسائي يقول: ربما سبقني لساني باللحن فلا يمكنني أن أرده أو كلاماً نحو هذا.
حدثنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء قال: سمعت أبا بكر عمر بن محمد الإسكاف يقول: سمعت عمي يقول: سمعت ابن الدورقي يقول: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيدي فحضرت صلاة يجهر فيها فقدموا الكسائي يصلي فأرتج عليه في قراءة: " قل يا أيها الكافرون " فلما أن سلم قال اليزيدي: قارىء أهل الكوفة يرتج عليه في " قل يا أيها الكافرون " ؟ فحضرت صلاة يجهر فيها فقدموا اليزيدي فأرتج عليه في سورة الحمد فلما أن سلم قال:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلي ... إن البلاء موكل بالمنطق
أخبرنا الحسن بن علي الجوهري وعلي بن المحسن التنوخي قالا: حدثنا محمد بن العباس حدثنا الصولي أخبرنا الحزنبل حدثنا سلمة بن عاصم حدثني الفراء قال: قال لي قوم: ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في العلم؟ فأعجبتني نفسي فناظرته وزدت فكأني كنت طائراً أشرب من بحر. أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه حدثنا أبو عمر بن حيويه حدثنا محمد بن القاسم الأنباري حدثنا أحمد بن يحيى حدثنا خلف بن هشام.
وأخبرنا هلال بن المحسن الكاتب أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الجراح الخزاز حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: قال أبو العباس يعني ثعلباً قال لي خلف: أولمت وليمة فدعوت الكسائي واليزيدي فقال اليزيدي للكسائي: يا أبا الحسن أمور تبلغنا عنك وحكايات تتصل بنا ينكر بعضها؟ فقال الكسائي: أو مثلي يخاطب بهذا؟ وهل مع العالم من العربية إلا فضل بصاقي هذا ثم بصق فسكت اليزيدي هذا لفظ ابن الجراح.
وقال: قال أبو بكر بن الأنباري: اجتمعت للكسائي أمور لم تجتمع لغيره فكان واحد الناس في القرآن يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يستمعون حتى كان بعضهم ينقط المصاحف على قراءته وآخرون يتبعون مقاطعه ومباديه فيرسمونها في ألواحهم وكتبهم وكان أعلم الناس بالنحو وواحدهم في الغريب. أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن أحمد بن علي الصيرفي حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين الجعفي بالكوفة حدثنا الحسن بن داود النقار حدثني أبو محمد الفسطاطي عبد الله ابن عيسى وكان متعبداً حدثنا أحمد بن سهل التميمي وراق أبي عبيد قال: سمعت الكسائي يقول: بعد ما قرأت القرآن على الناس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: أنت الكسائي؟ قلت: نعم يا رسول الله! قال: علي بن حمزة؟ قلت: نعم يا رسول الله! قال: الذي أقرأت أمتي بالأمس القرآن؟ قلت: نعم يا رسول الله قال: فاقرأ علي قال: فلم يتأتى على لساني إلا: " والصافات " فقرأت عليه: " والصافات صفاً فالزاجرات زجراً فالتاليات ذكراً " فقال لي: أحسنت ولا تقل " والصافات صفاً " نهاني عن الإدغام ثم قال لي اقرأ فقرأت حتى انتهيت إلى قوله تعالى: " فأقبلوا إليه يزفون " فقال أحسنت ولا تقل " يزفون " ثم قال قم فلأباهين بك شك الكسائي القراء أو الملائكة.
أخبرني محمد بن جعفر بن علان الوراق أخبرنا أحمد بن جعفر بن محمد بن الفرج الخلال حدثنا أحمد بن الحسن المقرىء دبيس حدثني محمد بن أحمد بن غزال الإسكاف قال: كان رجل يجئينا يغتاب الكسائي ويتكلم فيه فكنت أنهاه فما كان ينزجر فجاءني بعد أيام فقال لي يا أبا جعفر رأيت الكسائي في النوم أبيض الوجه فقلت: ما فعل الله بك يا أبا الحسن؟ قال غفر لي بالقرآن إلا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي أنت الكسائي؟ فقلت نعم يا رسول الله! قال اقرأ قلت وما أقرأ يا رسول الله؟ قال: اقرأ: " والصافات صفاً " قال: فقرأت: " والصافات صفاً فالزاجرات زجراً فالتاليات ذكراً إن إلهكم لواحد " فضرب بيده كتفه وقال: لأباهين بك الملائكة غداً.
أخبرنا هلال بن المحسن أخبرنا أحمد بن محمد بن الجراح حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: اجتاز الكسائي بحلقة يونس بالبصرة وكان شخص مع المهدي إليها فاستند إلى إسطوانة تقرب من حلقته فعرف يونس مكانه فقال: ما تقول في قول الفرزدق:
غداة أحلت لابن أصرم طعنة ... حصين عبيطات السدائف والخمر
على أي شيء رفع الخمر؟ فأجاب الكسائي فقال يونس: أشهد أن الذين رأسوك رأسوك باستحقاق.
(يتبع)
قال الحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد":
علي بن حمزة أبو الحسن الأسدي المعروف بالكسائي النحوي: أحد أئمة القراء من أهل الكوفة استوطن بغداد وكان يعلم بها الرشيد ثم الأمين من بعده وكان قد قرأ على حمزة بن الزيات فأقرا ببغداد زمانا بقراءة حمزة ثم اختار لنفسه قراءة فأقرأ بها الناس وقرأ عليه بها خلق كثير ببغداد وبالرقة وغيرهما من البلاد وحفظت عنه وصنف معاني القرآن والآثار في القراءات وكان قد سمع من سليمان بن أرقم وأبي بكر بن عياش ومحمد بن عبيد الله العرزمي وسفيان بن عيينة وغيرهم روى عنه أبو توبة ميمون بن حفص وأبو زكريا الفراء وأبو عبيد القاسم بن سلام وأبو عمر حفص بن عمر الدوري وجماعة.
أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الله الثابتي أخبرنا محمد بن محمد بن موسى القرشي أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال: علي بن حمزة الكسائي هو علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز مولى بني أسد.
أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي أخبرنا محمد بن جعفر بن محمد بن هارون التميمي بالكوفة حدثنا أبو علي الحسن بن داود النقار حدثنا أبو جعفر عقدة حدثنا أبو بديل الوضاحي قال: قال لي الفراء: إنما تعلم الكسائي النحو على الكبر وكان سبب تعلمه أنه جاء يوماً وقد مشى حتى أعيي فجلس إلى الهبارين وكان يجالسهم كثيراً فقال قد عييت فقالوا له: أتجالسنا وأنت تلحن؟! فقال: كيف لحنت؟ قالوا له: إن كنت أردت من التعب فقل أعييت وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل عييت مخفقة فأنف من هذه الكلمة ثم قام من فوره ذلك فسأل عمن يعلم النحو فأرشدوه إلى معاذ الهرا فلزمه حتى أنفد ما عنده ثم خرج إلى البصرة فلقي الخليل وجلس في حلقته فقال له رجل من الأعراب: تركت أسد الكوفة وتميمها وعندها الفصاحة وجئت إلى البصرة؟ فقال للخليل: من أين أخذت علمك هذا؟ فقال من بوادي الحجاز ونجد وتهامة فخرج ورجع وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبراً في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ فلم يكن له هم غير البصرة والخليل فوجد الخليل قد مات وقد جلس في موضعه يونس النحوي فمرت بينهم مسائل أقر له يونس فيها وصدره موضعه.
أنبأنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء أخبرنا عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم حدثني محمد بن سليمان بن محبوب حدثنا أبو عبد الرحمن البصري مردويه حدثنا علي بن عبد الله الخياط المدني حدثنا عبد الرحيم بن موسى قال: قلت للكسائي: لم سميت الكسائي؟ قال: لأني أحرمت في كساء.
قلت: وقد قيل في تسمية الكسائي قول آخر.
أخبرنا محمد بن علي الصوري أخبرنا أبو الحسن عبيد الله بن القاسم الهمداني القاضي بطرابلس حدثنا أبو الحسن علي بن محمد الحراني الأرزي إملاء من حفظه حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى ابن سليمان المروزي قال: سألت خلف بن هشام: لم سمي الكسائي كسائياً فقال: دخل الكسائي الكوفة فجاء إلى مسجد السبيع وكان حمزة بن حبيب الزيات يقرىء فيه فتقدم الكسائي مع أذان الفجر فجلس وهو متلف بكساء من البركان الأسود فلما صلى حمزة قال من تقدم في الوقت يقرأ قيل له: الكسائي أول من تقدم يعنون صاحب الكساء فرمقه القوم بأبصارهم فقالوا: إن كان حائكاً فسيقرأ سورة يوسف وإن كان ملاحاً فسيقرأ سورة طه فسمعهم فابتدأ بسورة يوسف فلما بلغ إلى قصة الذئب قرأ: " فأكله الذيب " بغير همز فقال له حمزة: الذئب بالهمز فقال له الكسائي: وكذلك أهمز الحوت فالتقمه الحؤت؟ قال: لا قال: فلم همزت الذئب ولم تهمز الحوت؟ وهذا فأكله الذئب وهذا فالتقمه الحوت فرفع حمزة بصره إلى خلاد الأحول وكان أجمل غلمانه فتقدم إليه في جماعة من أهل المجلس فناظروه فلم يصنعوا شيئاً فقالوا: أفدنا يرحمك الله فقال لهم الكسائي: تفهموا عن الحائك؟ تقول إذا نسبت الرجل إلى الذئب: قد استذأب الرجل ولو قلت استذاب بغير همز لكنت إنما نسبته إلى الهزال تقول قد استذاب الرجل إذا استذاب شحمه بغير همز وإذا نسبته إلى الحوت تقول: قد استحات الرجل أي كثر أكله لأن الحوت يأكل كثيراً لا يجوز فيه الهمز فلتلك العلة همز الذئب ولم يهمز الحوت وفيه معنى آخر لا يسقط الهمز من مفرده ولا من جميعه وأنشدهم:
أيها الذئب وابنه وأبوه ... أنت عندي من أذأب ضاريات
قال: فسمي الكسائي من ذلك اليوم.
أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي أخبرنا محمد بن جعفر التميمي حدثنا أبو علي الحسن بن داود حدثنا أحمد بن فرج حدثنا أبو عمر قال: أبو علي وحدثنا أبو جعفر عقدة حدثنا أبو بديل عن سلمة قال: كان عند المهدي مؤدب يؤدب الرشيد فدعاه يوماً المهدي وهو يستاك فقال: كيف تأمر من السواك؟ فقال: أستك يا أمير المؤمنين فقال المهدي: إنا لله وإنا إليه راجعون ثم قال: التمسوا لنا من هو أفهم من ذا فقالوا رجل يقال له علي بن حمزة الكسائي من أهل الكوفة قدم من البادية قريباً فكتب بإزعاجه من الكوفة فساعة دخل عليه قال: يا علي بن حمزة قال: لبيك يا أمير المؤمنين قال: كيف تأمر من السواك؟ قال: سك يا أمير المؤمنين قال أحسنت وأصبت وأمر له بعشرة آلاف درهم.
أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي أخبرنا محمد بن جعفر التميمي أخبرنا أبو بكر الدرامي وأبو علي النقار وأبو العباس محمد بن الحسن الهذلي قالوا: حدثنا أحمد بن فرح قال: سمعت أبا عمر الدوري يقول: كان أبو يوسف يقع في الكسائي ويقول: إيش يحسن؟ إنما يحسن شيئاً من كلام العرب فبلغ الكسائي ذلك فالتقيا عند الرشيد وكان الرشيد يعظم الكسائي لتأديبه إياه فقال لأبي يوسف: يا يعقوب إيش تقول في رجل قال لامرأته أنت طالق طالق طالق؟ قال واحدة قال: فإن قال لها أنت طالق أو طالق أو طالق؟ قال واحدة قال فإن قال لها أنت طالق ثم طالق ثم طالق؟ قال واحدة قال فإن قال لها أنت طالق وطالق وطالق؟ قال واحدة قال الكسائي يا أمير المؤمنين أخطأ يعقوب في اثنتين وأصاب اثنتين أما قوله أنت طالق طالق طالق فواحدة لأن الثنتين الباقيتين تأكيد كما يقول أنت قائم قائم قائم وأنت كريم كريم كريم وأما قوله أنت طالق أو طالق أو طالق فهذا شك وقعت الأولى التي تتيقين وأما قوله طالق ثم طالق ثم طالق فثلاث لأنه نسق وكذلك طالق وطالق وطالق.
أخبرني الأزهري حدثنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا إبراهيم بن محمد بن أحمد النخشبي حدثنا العباس بن عزيز القطان المروزي حدثنا حرملة بن يحيى التجيبي قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي.
أخبرنا الحسين بن محمد أخو الخلال حدثنا الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد بن العباس بالري أخبرنا عبد الله بن محمد الأيجي حدثنا محمد بن الحسن الأزدي أخبرنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني قال: ورد علينا عامل من أهل الكوفة لم أر في عمال السلطان بالبصرة أبرع منه فدخلت مسلماً عليه فقال لي: يا سجستاني من علماؤكم بالبصرة؟ قلت: الزيادي أعلمنا بعلم الأصمعي والمازني أعلمنا بالنحو وهلال الرأي أفقهنا والشاذكوني من أعلمنا بالحديث وأنا رحمك الله أنسب إلى علم القرآن وابن الكلبي من أكتبنا للشروط قال: فقال لكاتبه: إذا كان غد فاجمعهم إلي قال فجمعنا فقال أيكم المازني؟ قال أبو عثمان هأنذا يرحمك الله قال هل يجزي في كفارة الظهار عتق عبد أعور؟ فقال المازني: لست صاحب فقه رحمك الله أنا صاحب عربية فقال: يا زيادي كيف يكتب بين رجل وامرأة خالعها على الثلث من صداقها؟ قال: ليس هذا من علمي هذا من علم هلال الرأي قال: يا هلال كم أسند ابن عون عن الحسن؟ قال ليس هذا من علمي هذا من علم الشاذكوني قال: يا شاذكوني من قرأ: " يثنوني صدورهم " قال: ليس هذا من علمي هذا من علم أبي حاتم قال: يا أبا حاتم كيف تكتب كتاباً إلى أمير المؤمنين تصف فيه خصاصة أهل البصرة وما أصابهم في الثمرة وتسأله لهم النظر والنظرة؟ قال: لست رحمك الله صاحب بلاغة وكتابة أنا صاحب قرآن فقال: ما أقبح الرجل يتعاطى العلم خمسين سنة لا يعرف إلا فناً واحداً حتى إذا سئل عن غيره لم يجل فيه ولم يمر ولكن عالمنا بالكوفة الكسائي لو سئل عن كل هذا لأجاب. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن عبد الله الأصبهاني حدثنا جعفر بن محمد بن بصير الخلدي حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق حدثنا سلمة بن عاصم قال: قال الكسائي: صليت بهارون الرشيد فأعجبتني قراءتي فغلطت في آية ما أخطأ فيها صبي قط أردت أن أقول: " لعلهم يرجعون " فقلت: لهم ترجعين قال: فوالله ما اجترأ هارون أن يقول لي أخطأت ولكنه لما سلمت قال لي: يا كسائي أي لغة هذه؟ قلت: يا أمير المؤمنين قد يعثر الجواد فقال: أما هذا فنعم.
أخبرني العتيقي حدثنا محمد بن العباس حدثنا جعفر بن محمد الصندلي أخبرنا أبو بكر بن حماد عن خلف قال: كان الكسائي إذا كان شعبان وضع له منبر فقرأ هو على الناس في كل يوم نصف سبع يختم ختمتين في شعبان وكنت أجلس أسفل المنبر فقرأ يوماً في سورة الكهف: " أنا أكثر منك " فنصب أكثر فعلمت أنه قد وقع فيه فلما فرغ أقبل الناس يسألون عن العلة في أكثر لم نصبه؟ فثرت في وجوههم أنه أراد في فتحه أقل: " إن ترني أنا أقل منك مالاً " فقال الكسائي: أكثر فمحوهم من كتبهم ثم قال لي: يا خلف أحد يكون بعدي يسلم من اللحن؟ قال: قلت لا أما إذا لم تسلم أنت فليس يسلم أحد بعدك قرأت القرآن صغيراً وأقرأت الناس كبيراً وطلبت الآثار فيه والنحو.
أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي أخبرنا محمد بن جعفر التميمي أخبرنا أبو العباس محمد بن الحسن حدثني ابن فرح قال: سمعت سلمة يقول: سمعت الفراء يقول: سمعت الكسائي يقول: ربما سبقني لساني باللحن فلا يمكنني أن أرده أو كلاماً نحو هذا.
حدثنا علي بن أحمد بن عمر المقرىء قال: سمعت أبا بكر عمر بن محمد الإسكاف يقول: سمعت عمي يقول: سمعت ابن الدورقي يقول: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيدي فحضرت صلاة يجهر فيها فقدموا الكسائي يصلي فأرتج عليه في قراءة: " قل يا أيها الكافرون " فلما أن سلم قال اليزيدي: قارىء أهل الكوفة يرتج عليه في " قل يا أيها الكافرون " ؟ فحضرت صلاة يجهر فيها فقدموا اليزيدي فأرتج عليه في سورة الحمد فلما أن سلم قال:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلي ... إن البلاء موكل بالمنطق
أخبرنا الحسن بن علي الجوهري وعلي بن المحسن التنوخي قالا: حدثنا محمد بن العباس حدثنا الصولي أخبرنا الحزنبل حدثنا سلمة بن عاصم حدثني الفراء قال: قال لي قوم: ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في العلم؟ فأعجبتني نفسي فناظرته وزدت فكأني كنت طائراً أشرب من بحر. أخبرنا أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه حدثنا أبو عمر بن حيويه حدثنا محمد بن القاسم الأنباري حدثنا أحمد بن يحيى حدثنا خلف بن هشام.
وأخبرنا هلال بن المحسن الكاتب أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الجراح الخزاز حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: قال أبو العباس يعني ثعلباً قال لي خلف: أولمت وليمة فدعوت الكسائي واليزيدي فقال اليزيدي للكسائي: يا أبا الحسن أمور تبلغنا عنك وحكايات تتصل بنا ينكر بعضها؟ فقال الكسائي: أو مثلي يخاطب بهذا؟ وهل مع العالم من العربية إلا فضل بصاقي هذا ثم بصق فسكت اليزيدي هذا لفظ ابن الجراح.
وقال: قال أبو بكر بن الأنباري: اجتمعت للكسائي أمور لم تجتمع لغيره فكان واحد الناس في القرآن يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يستمعون حتى كان بعضهم ينقط المصاحف على قراءته وآخرون يتبعون مقاطعه ومباديه فيرسمونها في ألواحهم وكتبهم وكان أعلم الناس بالنحو وواحدهم في الغريب. أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن أحمد بن علي الصيرفي حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين الجعفي بالكوفة حدثنا الحسن بن داود النقار حدثني أبو محمد الفسطاطي عبد الله ابن عيسى وكان متعبداً حدثنا أحمد بن سهل التميمي وراق أبي عبيد قال: سمعت الكسائي يقول: بعد ما قرأت القرآن على الناس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: أنت الكسائي؟ قلت: نعم يا رسول الله! قال: علي بن حمزة؟ قلت: نعم يا رسول الله! قال: الذي أقرأت أمتي بالأمس القرآن؟ قلت: نعم يا رسول الله قال: فاقرأ علي قال: فلم يتأتى على لساني إلا: " والصافات " فقرأت عليه: " والصافات صفاً فالزاجرات زجراً فالتاليات ذكراً " فقال لي: أحسنت ولا تقل " والصافات صفاً " نهاني عن الإدغام ثم قال لي اقرأ فقرأت حتى انتهيت إلى قوله تعالى: " فأقبلوا إليه يزفون " فقال أحسنت ولا تقل " يزفون " ثم قال قم فلأباهين بك شك الكسائي القراء أو الملائكة.
أخبرني محمد بن جعفر بن علان الوراق أخبرنا أحمد بن جعفر بن محمد بن الفرج الخلال حدثنا أحمد بن الحسن المقرىء دبيس حدثني محمد بن أحمد بن غزال الإسكاف قال: كان رجل يجئينا يغتاب الكسائي ويتكلم فيه فكنت أنهاه فما كان ينزجر فجاءني بعد أيام فقال لي يا أبا جعفر رأيت الكسائي في النوم أبيض الوجه فقلت: ما فعل الله بك يا أبا الحسن؟ قال غفر لي بالقرآن إلا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي أنت الكسائي؟ فقلت نعم يا رسول الله! قال اقرأ قلت وما أقرأ يا رسول الله؟ قال: اقرأ: " والصافات صفاً " قال: فقرأت: " والصافات صفاً فالزاجرات زجراً فالتاليات ذكراً إن إلهكم لواحد " فضرب بيده كتفه وقال: لأباهين بك الملائكة غداً.
أخبرنا هلال بن المحسن أخبرنا أحمد بن محمد بن الجراح حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: اجتاز الكسائي بحلقة يونس بالبصرة وكان شخص مع المهدي إليها فاستند إلى إسطوانة تقرب من حلقته فعرف يونس مكانه فقال: ما تقول في قول الفرزدق:
غداة أحلت لابن أصرم طعنة ... حصين عبيطات السدائف والخمر
على أي شيء رفع الخمر؟ فأجاب الكسائي فقال يونس: أشهد أن الذين رأسوك رأسوك باستحقاق.
(يتبع)