رد: هل الإجازة شرط في الإقراء؟ == موضوع للنقاش ==
(بسم الل)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد أبدع الأخوة في مداخلاتهم السابقة، وشفوا وكفوا جزاهم الله خيراً، ولكن لي تعقيب بسيط أرجو أن يصيب بإذن الله:
مقدمة (1):
في قديم الزمان على عهد ابن سينا وابن رشد وغيرهما من علماء المسلمين الذين جابت مؤلفاتهم الطبية الدنيا وخضع لها القاصي والداني: لم يكن يُعتمَدُ في تطبيب الناس على حمل الشهادة العلمية، بل كان الأمر منوطاً باستفاضة الخبر عند الناس بمهارتهم والإجماع على تمكنهم من الطب. وفي الفقه الإسلامي أن من طبب مسلماً بدواء هلكت منه نفسه فإن كان يُعلمُ منه تعاطي الطب والمهارة فيه فهو قتل خطأ، وعليه الدية والكفارة، وهكذا: فالعمدة في الأمر لم تكن على شهادة علمية.
مقدمة (2):
ومع كثرة الغثاء والتخليط وضعف الهمم والنفوس في زماننا: ظهر التساهل وظهرت الحيل في التلقي وكثر التدليس والوهم وضاع كثير من العلم، لكن:
يأبى الله إلا أن يتم نعمته ويحفظ كتابه، وهكذا تبقى كوكبة من أهل العلم قائمين بحق كتاب الله لا يضرهم وهنٌ ولا ضعف، يأخذون بالعزيمة حين يتراخى الناس، ويتسربلون البيان والإفصاح حين يدلس الناس، حقٌ على كل طالبٍ أن ينتخبهم ويختارهم ويأخذ عنهم كما ينتخب طعامه وزوجه وبيته، من فاتُوهُ فاتَهُ أدبُ العلم، وهم علامةٌ على المَفَارِقِ يدلون الناس على أقوم الطرق وأهدى السبل.
مقدمة (3):
يُندبُ لطالب العلم أن يَرُوْمَ الأعلى والأطيب في طلبه، فينتخبُ مشايخه وينتقيهم، ولهذا الانتخاب معايير:
فأعلى ما يقع في القراءة والإقراء: أن يلازم الطالب شيخه ليسمع من شيخه، ويسمع الشيخ من تلميذه ختماتٍ عدداً، حتى يأنس منه الضبط والإتقانَ، ثم يجيزه الشيخ.
فهذا سماع وإسماع ثم إجازة.
ثم أقل منه: من يقرأ على شيخه ختمة كاملةً أو ختماتٍ ولم يسمع من شيخه مثل الأول، ثم إذا أنِسَ منه الشيخُ الإتقان أجازه.
وهذا عرضٌ ثم إجازة.
ثم أقل منه: من يقرأ على شيخه بعض ختمةٍ يأنس منه فيها الشيخ إتقاناً، والطالب قد أجيز من شيخٍ معتبرٍ عند الشيخ الحالي، فيجيزه الشيخ الحاليُّ بالقرآن كله باعتبار إتقانه لما لم يقرأ على شاكلة ما قرأ!
ثم أقل منه: من قرأ بعض ختمةٍ ولم يُجز من قبلُ، ويجيزه الشيخ إجازةً عامة على اعتبار إتقانه لما لم يقرأ: وأنه بإتقان ما قرأ!
وثمة أمور تقل بها درجة الطالب في عرضه على شيخه،
وبيانها كما يلي:
(1)
أن يقرأ من مصحفه لا من حفظ صدره، وإن كان حافظاً، فهذا أقل ممن قرأ من حفظ صدره.
(2)
أن يقرأ على شيخه دون مباشرة حقيقية، كمن يقرأُ عبر وسائط الاتصال الحديثة، فليست قراءته كمن كان كِفَاحاً.
ولا يُعتَدُّ بقولهم: أنه مثلُ قراءة الطالب على شيخه الضرير، أو الطالب الضرير على شيخه، أو قراءة المرأة على الشيخ وقد سترت وجهها أو من وراء حجاب، فإن الحال التي يكون عليها الشيخ والأدب الذي يتخلق به مما يتلقاه الطالب، وربما ألجأت كلفة الاتصال أو عدم صفاء الصوت في نقله إلى التجاوز ولو عن اللحون البسيطة.
(3)
أن يقرأ الطالب على شيخه أوان ضيق خلقه ووهن طبعه، وغالب ذلك إنما يحصل في أواخر العمر أيان الشيخوخة، وله حالات:
أضعفها: أن يروي عن الشيخ بعد أن ثبت تخليطه وخرفه، وهو أمرٌ قد لا يعرف بسهولة، لكن أهل العلم لهم فيه نظر، فالتخليط والوهم مما لا تصح معه الرواية، فمن ثبت قراءته على من خلط ولو كان أعلى أهل الأرض سنداً، فتسقط روايته من طريقه هذا.
وأقوى منها روايةً: أن يقرأ على الشيخ حال ضعف جسمه وقلة احتماله للتدريس، وهو كذلك مظنة أن يثقل سمعه، أو يتساهل في الإجازة وتصويب اللحون لقلة احتماله، وأفضل ما يَجُبُّ ذلك أن يكون بحضرة أحد أقران الشيخِ، أو قدامى تلاميذ الشيخ، ليرد الطالب عن الخطأ.
وهذه الجزئية تعني أن أعلى تلاميذ الشيخ (إذا نَحَّيْنَا بقية عوامل الطلب كنجابة الطالب وقوة حفظه واستيعابه ...) هم من أخذوا عنه بعد استقرار علمه حال شبابه أو كهولته، وهم في العموم أقوى ممن أخذ عنه في أواخر عطائه وتدريسه.
وصلى الله على الحبيب البشير النذير وسلم تسليماً، والحمد لله رب العالمين