- 27 أغسطس 2005
- 11,537
- 84
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد صدّيق المنشاوي
مقاومة الأمّة للإصلاح: مقاربة سوسيولوجية
28-7-2006
خليفه الفضلي/ قسم العلوم الاجتماعية, جامعة الملك سعود, الرياض
قد تكون ردّة فعل المصلحين عند مواجهة هذه الحقيقة -وجود مقاومة شعبية للتغيير- هي ردة فعل سلبية، حيث يتسرعون في إصدار الأحكام دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء مثل هذا الموقف الاجتماعي، فنرى شطرا منهم يتّخذ موقفا دفاعيا وسلبيا من المجتمع الذي رفضه وجهوده, فيبدأ بوصم مجتمعه بأنه "ذو فطرة ممسوخة"، لا يميّز بها الخير، كونه أضاع معاييره وقيمه, بدليل رفضه لخطط الإصلاح.
((ما جاء رجل بمثل ما جئت به, إلاّ وأخرجه قومه))، ورقة بن نوفل, للنبي صلى الله عليه وسلم.
ربما يصدمنا لأول وهلة, أن نرى مجتمعا ما يرفض الأفكار والمشاريع الإصلاحية, بل ويتعدّى ذلك إلى اتخاذه موقفا عدائيا من أبنائه المصلحين.
هذه الغرابة تتحول إلى مفارقة، عندما نعلم بأنّ هذا المجتمع يعاني من حالة تخلّف حضاري شديدة, في حالة أقرب ما تكون لمثال المريض الذي يرفض الدواء المقدّم له, ويستعدي طبيبه. هذا الموقف على الرغم من عدم عقلانيته وافتقاره لأبسط قواعد المنطق, إلاّ أننا نراه يتكرر في تاريخ مسيرة المجتمعات الإنسانية, بشكل منتظم يخرجه من إطار الظاهرة الاجتماعية المنفردة التي تنشأ عن ظروف استثنائية, مما يجعلنا نتلّمس شيئا أقرب ما يكون لقانون عام وسنة كونية تقف وراء هكذا ظاهرة متكررة.
* ما الذي يحدث؟
سؤال يتكرر طرحه عند المهتمين بالشأن العام والمشتغلين بمجالات الإصلاح المختلفة: لماذا كل هذه المقاومة، وما مصدرها، لماذا نرى كثيرا من الذين يتذمرون من سوء الأوضاع, ضمن المدافعين عن استمرارها؟!
وقد تكون ردّة فعل المصلحين عند مواجهة هذه الحقيقة -وجود مقاومة شعبية للتغيير- هي ردة فعل سلبية، حيث يتسرعون في إصدار الأحكام دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء مثل هذا الموقف الاجتماعي، فنرى شطرا منهم يتّخذ موقفا دفاعيا وسلبيا من المجتمع الذي رفضه وجهوده, فيبدأ بوصم مجتمعه بأنه "ذو فطرة ممسوخة"، لا يميّز بها الخير، كونه أضاع معاييره وقيمه, بدليل رفضه لخطط الإصلاح.
ولربّما يكون إيمان المصلح بمجتمعه أعمق من سابقه في الشطر الأول, فنراه ينحو بإلقاء اللاّئمة على نفسه في فشل المشروع الإصلاحي, باعتقاده أن سبب الفشل يكمن في قصوره الشخصي أو البرنامج الذي وضعه, وبالتالي فإن نتيجة هذا التوجه، أن ينسحب المصلح ومشروعه من الساحة العامة بقصد إتاحة الفرصة لمشاريع أكثر مناسبة وفعالية في أداء المهمّة.
* ما السبب الحقيقي في ظاهرة المقاومة؟
يجب علينا في البداية, إذا أردنا تناول موضوع شامل يتعلّق بالطبيعة البشرية -كالذي بين يدينا- أن ننحّي الأطر الأيدلوجية الضيقة التي تحكم ثقافتنا الخاصة, وأن ننظر للموضوع نظرة جديدة حيادية, دون أحكام مسبقة, بحيث نستوفي بالدراسة حتى الجوانب السلبية للظاهرة ونقرّ "بضرورتها", التي لولاها لما كان للظاهرة وجود من الأصل. فليس من المعقول أن يوجد سلوك شائع بهذا الشكل, دون أن توجد له وظيفة فعّالة!
(( الشرنقة عندما تكون أمتن من اللازم, فإنها تقتل الفراشة داخلها))، (تلميح من الطبيعة)
هنالك نمط حيوي تنتهجه كثير من النباتات الصحراوية, الهدف منه هو المحافظة على بقاء النوع وسط التقلبات الشديدة في المناخ ما بين الرخاء والقسوة, فتلجأ عند تغير المناخ لغير مصلحتها إلى تكوين البذور القاسية التي على الرغم من أنها لا تستطيع أداء وظائف النبات الكامل, إلاّ أنها وبجدارة تقاوم فقدان أي مكونات جوهر النبات المخزون فيها ضدّ أقسى الظروف, لتحتفظ بإمكانية إعادة بعث هذا الكائن عند توفر الظروف المناسبة له.
* من أين جاءت المقاومة؟ وما وظيفتها؟
نحن إذ نعلم أنّ الثقافة تتميّز بخصائص تفاعلية عديدة, فإنها تشابه الكائنات الحيّة, كونها معرّضة مثلها لأحوال الصحّة والمرض, كما الولادة والموت. وفي مقاربة للأسلوب الذي تنتهجه بعض الكائنات الحيّة للتحايل على الظروف البيئية التي لا تخدمها, نجد أنّ ثقافة المجتمع تسلك سلوكا مشابها, للحفاظ على مكوّناتها من التفكك والضياع , أثناء تقلّب الأمم والمجتمعات مابين حالات الازدهار والانحطاط الحضاري.
وما ظاهرة الجمود الثقافي -الذي تنتج عنها المقاومة لكل جديد ومن بينها مشاريع الإصلاح- إلاّ آلية للحفاظ على "جوهر" تلك الثقافة, من الضياع والتأثّر بالثقافات الأخرى أو حتى الانحرافات المحلّية الفردية في فترات الضعف الحضاري. فنرى تلك المجتمعات وقد انغلقت على ذاتها في محاولة أخيرة للحفاظ على المكتسبات التي تمّ إحرازها في فترة الازدهار السابقة, والتي كانت الثقافة أثناءها تحتوي على عناصر أصيلة لها من القوة ما يمكنها الإفادة من الأفكار الجديدة, ومن المقاومة ما يمنع تأثرها بالجانب السلبي لتلك الأفكار وتحجيمه.
* أين المشكلة؟
على أنّ تلك الآلية تلعب دورا مهما, إلا أن لها جانبا وتأثيرا سلبيا ناتج عن وظيفتها الأصلية، حيث نجد أن المجتمعات عند انتقالها من حال الضعف والانحطاط وتوجهها نحو الازدهار, فإنها تمر بمرحلة "انتقالية", تتميز بتغيّر ظروف البيئة التي سبّبت التدهور الثقافي والحضاري، في حين أن "تأثيرات" ذلك التدهور -ممثلة بالانغلاق- لا تزال موجودة وحاضرة بقوة، مما يخلق مقاومة سلبية للأفكار الجديدة بشكل عام, ومن ضمنها الأفكار البناءة المفيدة للمجتمع.
28-7-2006
خليفه الفضلي/ قسم العلوم الاجتماعية, جامعة الملك سعود, الرياض
قد تكون ردّة فعل المصلحين عند مواجهة هذه الحقيقة -وجود مقاومة شعبية للتغيير- هي ردة فعل سلبية، حيث يتسرعون في إصدار الأحكام دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء مثل هذا الموقف الاجتماعي، فنرى شطرا منهم يتّخذ موقفا دفاعيا وسلبيا من المجتمع الذي رفضه وجهوده, فيبدأ بوصم مجتمعه بأنه "ذو فطرة ممسوخة"، لا يميّز بها الخير، كونه أضاع معاييره وقيمه, بدليل رفضه لخطط الإصلاح.
((ما جاء رجل بمثل ما جئت به, إلاّ وأخرجه قومه))، ورقة بن نوفل, للنبي صلى الله عليه وسلم.
ربما يصدمنا لأول وهلة, أن نرى مجتمعا ما يرفض الأفكار والمشاريع الإصلاحية, بل ويتعدّى ذلك إلى اتخاذه موقفا عدائيا من أبنائه المصلحين.
هذه الغرابة تتحول إلى مفارقة، عندما نعلم بأنّ هذا المجتمع يعاني من حالة تخلّف حضاري شديدة, في حالة أقرب ما تكون لمثال المريض الذي يرفض الدواء المقدّم له, ويستعدي طبيبه. هذا الموقف على الرغم من عدم عقلانيته وافتقاره لأبسط قواعد المنطق, إلاّ أننا نراه يتكرر في تاريخ مسيرة المجتمعات الإنسانية, بشكل منتظم يخرجه من إطار الظاهرة الاجتماعية المنفردة التي تنشأ عن ظروف استثنائية, مما يجعلنا نتلّمس شيئا أقرب ما يكون لقانون عام وسنة كونية تقف وراء هكذا ظاهرة متكررة.
* ما الذي يحدث؟
سؤال يتكرر طرحه عند المهتمين بالشأن العام والمشتغلين بمجالات الإصلاح المختلفة: لماذا كل هذه المقاومة، وما مصدرها، لماذا نرى كثيرا من الذين يتذمرون من سوء الأوضاع, ضمن المدافعين عن استمرارها؟!
وقد تكون ردّة فعل المصلحين عند مواجهة هذه الحقيقة -وجود مقاومة شعبية للتغيير- هي ردة فعل سلبية، حيث يتسرعون في إصدار الأحكام دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء مثل هذا الموقف الاجتماعي، فنرى شطرا منهم يتّخذ موقفا دفاعيا وسلبيا من المجتمع الذي رفضه وجهوده, فيبدأ بوصم مجتمعه بأنه "ذو فطرة ممسوخة"، لا يميّز بها الخير، كونه أضاع معاييره وقيمه, بدليل رفضه لخطط الإصلاح.
ولربّما يكون إيمان المصلح بمجتمعه أعمق من سابقه في الشطر الأول, فنراه ينحو بإلقاء اللاّئمة على نفسه في فشل المشروع الإصلاحي, باعتقاده أن سبب الفشل يكمن في قصوره الشخصي أو البرنامج الذي وضعه, وبالتالي فإن نتيجة هذا التوجه، أن ينسحب المصلح ومشروعه من الساحة العامة بقصد إتاحة الفرصة لمشاريع أكثر مناسبة وفعالية في أداء المهمّة.
* ما السبب الحقيقي في ظاهرة المقاومة؟
يجب علينا في البداية, إذا أردنا تناول موضوع شامل يتعلّق بالطبيعة البشرية -كالذي بين يدينا- أن ننحّي الأطر الأيدلوجية الضيقة التي تحكم ثقافتنا الخاصة, وأن ننظر للموضوع نظرة جديدة حيادية, دون أحكام مسبقة, بحيث نستوفي بالدراسة حتى الجوانب السلبية للظاهرة ونقرّ "بضرورتها", التي لولاها لما كان للظاهرة وجود من الأصل. فليس من المعقول أن يوجد سلوك شائع بهذا الشكل, دون أن توجد له وظيفة فعّالة!
(( الشرنقة عندما تكون أمتن من اللازم, فإنها تقتل الفراشة داخلها))، (تلميح من الطبيعة)
هنالك نمط حيوي تنتهجه كثير من النباتات الصحراوية, الهدف منه هو المحافظة على بقاء النوع وسط التقلبات الشديدة في المناخ ما بين الرخاء والقسوة, فتلجأ عند تغير المناخ لغير مصلحتها إلى تكوين البذور القاسية التي على الرغم من أنها لا تستطيع أداء وظائف النبات الكامل, إلاّ أنها وبجدارة تقاوم فقدان أي مكونات جوهر النبات المخزون فيها ضدّ أقسى الظروف, لتحتفظ بإمكانية إعادة بعث هذا الكائن عند توفر الظروف المناسبة له.
* من أين جاءت المقاومة؟ وما وظيفتها؟
نحن إذ نعلم أنّ الثقافة تتميّز بخصائص تفاعلية عديدة, فإنها تشابه الكائنات الحيّة, كونها معرّضة مثلها لأحوال الصحّة والمرض, كما الولادة والموت. وفي مقاربة للأسلوب الذي تنتهجه بعض الكائنات الحيّة للتحايل على الظروف البيئية التي لا تخدمها, نجد أنّ ثقافة المجتمع تسلك سلوكا مشابها, للحفاظ على مكوّناتها من التفكك والضياع , أثناء تقلّب الأمم والمجتمعات مابين حالات الازدهار والانحطاط الحضاري.
وما ظاهرة الجمود الثقافي -الذي تنتج عنها المقاومة لكل جديد ومن بينها مشاريع الإصلاح- إلاّ آلية للحفاظ على "جوهر" تلك الثقافة, من الضياع والتأثّر بالثقافات الأخرى أو حتى الانحرافات المحلّية الفردية في فترات الضعف الحضاري. فنرى تلك المجتمعات وقد انغلقت على ذاتها في محاولة أخيرة للحفاظ على المكتسبات التي تمّ إحرازها في فترة الازدهار السابقة, والتي كانت الثقافة أثناءها تحتوي على عناصر أصيلة لها من القوة ما يمكنها الإفادة من الأفكار الجديدة, ومن المقاومة ما يمنع تأثرها بالجانب السلبي لتلك الأفكار وتحجيمه.
* أين المشكلة؟
على أنّ تلك الآلية تلعب دورا مهما, إلا أن لها جانبا وتأثيرا سلبيا ناتج عن وظيفتها الأصلية، حيث نجد أن المجتمعات عند انتقالها من حال الضعف والانحطاط وتوجهها نحو الازدهار, فإنها تمر بمرحلة "انتقالية", تتميز بتغيّر ظروف البيئة التي سبّبت التدهور الثقافي والحضاري، في حين أن "تأثيرات" ذلك التدهور -ممثلة بالانغلاق- لا تزال موجودة وحاضرة بقوة، مما يخلق مقاومة سلبية للأفكار الجديدة بشكل عام, ومن ضمنها الأفكار البناءة المفيدة للمجتمع.