- 27 فبراير 2006
- 4,050
- 12
- 0
- الجنس
- ذكر
[align=right][align=right]الفتوى رقم: 905
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد[/align]
[align=center]في اسمي النافع والضار
و مدى صحة إطلاق الضار على الله تعالى[/align]
[align=right]السـؤال:[/align]
لقد ذكرتم في الكلمة الشهرية المعنونة ﺑ: «نصيحة لمغرور» أنَّ الله النافع الضار، وكنت سمعت من بعض أهل العلم أن اسم الضار لم يصح إطلاقه على الله واستدلّ بأنه لم يأت دليل على ذلك، لذلك قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: 80]، وقول النبي صَلَّى الله عليه وآله وسلم: «والشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»(١)، فنريد منكم -شيخنا- زيادة بيان وتوضيح؟ وجزاكم الله خيرًا.
[align=right]الجـواب:[/align]
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فينبغي التفريقُ بين الاسم والصِّفة من حيث إثباتُ «النافع والضار» من جهة، وبين الإرادة والمحبةِ في النفع والضرر من جهة أخرى.
فالمعلوم عند أهل السُّنَّة أنَّ أسماءَ الله توقيفيةٌ، بمعنى أنهم لا يُثبتون لله من الأسماء إلاَّ ما أثبتَه الله لنفسه في كتابه أو أَثْبته له رسولُه في سُنتِه من الأسماء والصفات، وإثباتُ اسمَيِ «النافع والضار» متوقِّفٌ على صِحَّة حديثِ أبي هريرة مرفوعًا عند الترمذي(٢)، هما اسمان مِنْ سَرْدِ الحديث، والحديث صححَّه قوم وضعَّفه آخرون، وممَّن صحَّحه الحاكمُ، وابنُ حبان، وحسَّنه النووي في «الأذكار»(٣)، وهو الذي ارتضاه الشوكاني في «تحفة الذاكرين»(٤)، وذهب جماعةٌ من الحفَّاظ إلى أنّ سرد الأسماء في حديث الوليد عن الترمذي مُدرَج فيه، وبهذا قال ابن كثير(٥)، ورجَّحه ابن حجر(٦)، وعلَّق الصنعاني على كلام ابن حجر بقوله: «اتفق الحفَّاظُ مِن أئمَّة الحديث أنَّ سردها إدراجٌ من الرواة»(٧). والحديثُ ضعَّفه الألباني(٨). قال ابن تيمية -رحمه الله-: «قد اتفق أهلُ المعرفة بالحديث على أنَّ هاتين الروايتين -يعني رواية الترمذي من طريق الوليد، وابنِ ماجه من طريق عبد الملك بن محمَّد- ليستا من كلام النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وإنما كلٌّ منهما من كلام بعضِ السلف»(٩).
وعليه، فمن أثبت الحديثَ عَدَّ «النافعَ والضارَّ» مِن أسماء الله الحسنى، ومَن ضعَّفه ومنع الاحتجاجَ به ردَّ الاسمين، مع إقراره بصفة النفع والضُّرِّ الثابتة بنصوص أخرى من غير اشتقاق اسم منها.
هذا، والذي يجب اعتقاده أنَّ كُلَّ شيءٍ يجري بتقدير الله سبحانه ومشيئتِهِ لا يخرج عن تقديره الخير والشرّ، والنفع والضُّرّ، والطاعة والمعصية، والإيمان والكفر، والعلم والجهل، والمرض والصِّحة، والغِنى والفَقر، وليس في ملكه شيء لم يقدِّره ولا يريده، وأهلُ السُّنَّة مُجمعون على أنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يكون شيء إلاَّ بمشيئته وقدرته، وأنهم متَّفقون على أنَّ الله لا يحبُّ الفسادَ، ولا يَرضى لعباده الكفر، لذلك يفرِّقون بين إرادتين:
- إرادةٌ قَدَرية كَوْنية: وهي المشيئةُ الشاملةُ لجميع الموجودات خيرًا كانت أو شرًّا، نفعًا أو ضُرًّا، نعمةً أو نِقمةً، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج: 18]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [الحج: 14]، وهذه الإرادة لا تستلزم محبَّةَ اللهِ ورضاه.
- وإرادة شرعية دينية: فهذه متضمّنة لمحبة الله ورضاه، مثل قوله تعالى: ﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: 27]، ولكنها قد تقع وقد لا تقع، وتسمَّى الأولى بالإرادة والثانيةُ بالمحبة.
ومن هنا يُعلم أنه لا يلزم من وقوع الشيء وَفْقَ إرادته أنه يحبُّه، فالحبُّ غيرُ الإرادة، والأشياءُ المكروهة لا تُضاف إلى محبته، وإن كانت لا تخرج عن إرادته ومشيئته، وهو معنى قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ».
فالله سبحانه وتعالى يضرُّ من يشاءُ من عباده بالفَقر والمرض والعِلل، ونحو ذلك وينسب إلى فعله، فالضرُّ من مفعولاته سبحانه وتعالى وأفعاله من مشيئته وإرادته، لكن لا يحب الضرَّ لذاته، وإنما يحبه لغيره الذي لا يترتَّب عليه إلاَّ الخير، لذلك بيَّن المولى عزَّ وجلَّ المسَّ الذي هو من فِعل الله تعالى وإرادة الخير التي هي من محبة الله وفعله ومشيئته -أيضًا- في قوله عز وجل: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: 107].
وعليه، فلا يُنسب الشرُّ والضرُّ إلى الله تعالى تأدّبًا مع أنه لا يخرج عن إرادته ومشيئته، ولا يلزم ذلك محبته، وهذا المعنى من التأدُّب مع الله تعالى ظهر في كلام الجِنِّ عندما جزموا أنَّ الله تعالى أراد أن يحدث حادثًا كبيرًا من خيرٍ أو شرٍّ فقال الله تعالى على لسانهم: ﴿وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: 10]، وفي هذا بيانٌ لأدبهم إِذْ أضافوا الخيرَ إلى الله تعالى، والشرَّ حذفوا فاعلَه تأدبًا.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
[align=center]
الجزائر في: 07 جمادى الأولى 1429ﻫ
الموافق ﻟ: 12/05/2008م [/align]
--------------------------------------------------------------------------------
١- سيأتي تخريجه.
٢- أخرجه الترمذي في «سننه» كتاب الدعوات، : (3507)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٣- «الأذكار» للنووي: (94).
٤- «تحفة الذاكرين» للشوكاني: (70).
٥- «تفسير ابن كثير» (3/257).
٦- «التلخيص الحبير» لابن حجر: (4/190).
٧- «سبل السلام» للصنعاني: (4/108).
٨- «ضعيف الجامع» للألباني: (2/178).
٩- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (6/379).
[align=center]
فضيلة الشيخ الأصوليّ أبو عبد المعزّ محمّد عليّ فركوس حفظه الله تعالى[/align][/align]
الصنف: فتاوى العقيدة والتوحيد[/align]
[align=center]في اسمي النافع والضار
و مدى صحة إطلاق الضار على الله تعالى[/align]
[align=right]السـؤال:[/align]
لقد ذكرتم في الكلمة الشهرية المعنونة ﺑ: «نصيحة لمغرور» أنَّ الله النافع الضار، وكنت سمعت من بعض أهل العلم أن اسم الضار لم يصح إطلاقه على الله واستدلّ بأنه لم يأت دليل على ذلك، لذلك قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: 80]، وقول النبي صَلَّى الله عليه وآله وسلم: «والشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»(١)، فنريد منكم -شيخنا- زيادة بيان وتوضيح؟ وجزاكم الله خيرًا.
[align=right]الجـواب:[/align]
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فينبغي التفريقُ بين الاسم والصِّفة من حيث إثباتُ «النافع والضار» من جهة، وبين الإرادة والمحبةِ في النفع والضرر من جهة أخرى.
فالمعلوم عند أهل السُّنَّة أنَّ أسماءَ الله توقيفيةٌ، بمعنى أنهم لا يُثبتون لله من الأسماء إلاَّ ما أثبتَه الله لنفسه في كتابه أو أَثْبته له رسولُه في سُنتِه من الأسماء والصفات، وإثباتُ اسمَيِ «النافع والضار» متوقِّفٌ على صِحَّة حديثِ أبي هريرة مرفوعًا عند الترمذي(٢)، هما اسمان مِنْ سَرْدِ الحديث، والحديث صححَّه قوم وضعَّفه آخرون، وممَّن صحَّحه الحاكمُ، وابنُ حبان، وحسَّنه النووي في «الأذكار»(٣)، وهو الذي ارتضاه الشوكاني في «تحفة الذاكرين»(٤)، وذهب جماعةٌ من الحفَّاظ إلى أنّ سرد الأسماء في حديث الوليد عن الترمذي مُدرَج فيه، وبهذا قال ابن كثير(٥)، ورجَّحه ابن حجر(٦)، وعلَّق الصنعاني على كلام ابن حجر بقوله: «اتفق الحفَّاظُ مِن أئمَّة الحديث أنَّ سردها إدراجٌ من الرواة»(٧). والحديثُ ضعَّفه الألباني(٨). قال ابن تيمية -رحمه الله-: «قد اتفق أهلُ المعرفة بالحديث على أنَّ هاتين الروايتين -يعني رواية الترمذي من طريق الوليد، وابنِ ماجه من طريق عبد الملك بن محمَّد- ليستا من كلام النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وإنما كلٌّ منهما من كلام بعضِ السلف»(٩).
وعليه، فمن أثبت الحديثَ عَدَّ «النافعَ والضارَّ» مِن أسماء الله الحسنى، ومَن ضعَّفه ومنع الاحتجاجَ به ردَّ الاسمين، مع إقراره بصفة النفع والضُّرِّ الثابتة بنصوص أخرى من غير اشتقاق اسم منها.
هذا، والذي يجب اعتقاده أنَّ كُلَّ شيءٍ يجري بتقدير الله سبحانه ومشيئتِهِ لا يخرج عن تقديره الخير والشرّ، والنفع والضُّرّ، والطاعة والمعصية، والإيمان والكفر، والعلم والجهل، والمرض والصِّحة، والغِنى والفَقر، وليس في ملكه شيء لم يقدِّره ولا يريده، وأهلُ السُّنَّة مُجمعون على أنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يكون شيء إلاَّ بمشيئته وقدرته، وأنهم متَّفقون على أنَّ الله لا يحبُّ الفسادَ، ولا يَرضى لعباده الكفر، لذلك يفرِّقون بين إرادتين:
- إرادةٌ قَدَرية كَوْنية: وهي المشيئةُ الشاملةُ لجميع الموجودات خيرًا كانت أو شرًّا، نفعًا أو ضُرًّا، نعمةً أو نِقمةً، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج: 18]، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [الحج: 14]، وهذه الإرادة لا تستلزم محبَّةَ اللهِ ورضاه.
- وإرادة شرعية دينية: فهذه متضمّنة لمحبة الله ورضاه، مثل قوله تعالى: ﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: 27]، ولكنها قد تقع وقد لا تقع، وتسمَّى الأولى بالإرادة والثانيةُ بالمحبة.
ومن هنا يُعلم أنه لا يلزم من وقوع الشيء وَفْقَ إرادته أنه يحبُّه، فالحبُّ غيرُ الإرادة، والأشياءُ المكروهة لا تُضاف إلى محبته، وإن كانت لا تخرج عن إرادته ومشيئته، وهو معنى قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ».
فالله سبحانه وتعالى يضرُّ من يشاءُ من عباده بالفَقر والمرض والعِلل، ونحو ذلك وينسب إلى فعله، فالضرُّ من مفعولاته سبحانه وتعالى وأفعاله من مشيئته وإرادته، لكن لا يحب الضرَّ لذاته، وإنما يحبه لغيره الذي لا يترتَّب عليه إلاَّ الخير، لذلك بيَّن المولى عزَّ وجلَّ المسَّ الذي هو من فِعل الله تعالى وإرادة الخير التي هي من محبة الله وفعله ومشيئته -أيضًا- في قوله عز وجل: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: 107].
وعليه، فلا يُنسب الشرُّ والضرُّ إلى الله تعالى تأدّبًا مع أنه لا يخرج عن إرادته ومشيئته، ولا يلزم ذلك محبته، وهذا المعنى من التأدُّب مع الله تعالى ظهر في كلام الجِنِّ عندما جزموا أنَّ الله تعالى أراد أن يحدث حادثًا كبيرًا من خيرٍ أو شرٍّ فقال الله تعالى على لسانهم: ﴿وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن: 10]، وفي هذا بيانٌ لأدبهم إِذْ أضافوا الخيرَ إلى الله تعالى، والشرَّ حذفوا فاعلَه تأدبًا.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
[align=center]
الجزائر في: 07 جمادى الأولى 1429ﻫ
الموافق ﻟ: 12/05/2008م [/align]
--------------------------------------------------------------------------------
١- سيأتي تخريجه.
٢- أخرجه الترمذي في «سننه» كتاب الدعوات، : (3507)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٣- «الأذكار» للنووي: (94).
٤- «تحفة الذاكرين» للشوكاني: (70).
٥- «تفسير ابن كثير» (3/257).
٦- «التلخيص الحبير» لابن حجر: (4/190).
٧- «سبل السلام» للصنعاني: (4/108).
٨- «ضعيف الجامع» للألباني: (2/178).
٩- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (6/379).
[align=center]
فضيلة الشيخ الأصوليّ أبو عبد المعزّ محمّد عليّ فركوس حفظه الله تعالى[/align][/align]