- 27 أغسطس 2005
- 11,537
- 84
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد صدّيق المنشاوي
-بسم الله-
حـين يمـنُّ الله علـى المـرء بالجـلوس إلى هـؤلاء الأعـلام من رجالات الأمَّة، فإنَّه لا محالة سيـشعر بأنَّ وقت اللقاء الذي دام قليلاً من الزمن، مضى كأنَّه نظم خرز انفرط فلم يشعر كم هي مدَّة الوقت الذي تساقطت فيه حبيبات الخرز!
وهكذا... كان لقائي مع فضيلة الشيخ الحافظ: محمد الحسن الددو الشنقيطي ـ حفظه الله ـ على هامش مؤتمر البحرين لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وحقاً كان حديث الشيخ وأجوبته ممتعاً، كما قال الشاعر:
في متعة الأقوال بثَّ شجونه *** فحديثه وكلامه إمتاعُ
ولمن لا يعرف فإنَّ الشيخ : محمد الحسن الددو، يشغل مدير مركز تكوين العلماء في نواكشوط بموريتانيا، وله باع طويل في تعليم العلم ونشره، والله نسأل أن يبارك في جهود الشيخ، ويجعلها مكلَّلة بالنجاح والفلاح والتوفيق... والآن أدع القـارئ لمـتابعة هـذا الحـوار مـع الشـيخ الـددو، حيـث كان أول سؤال لفضيلته:
^: حبا الله شيخنا الكريم باعاً واسعاً في علوم الشريعة؛ فكيف كان طلبكم للعلم؟
* بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
مسـتواي في العـلم ليـس كما ذكـرتم وإنَّـما هـذا مـن حـسـن ظنِّكم، وإنَّما أنا من المتوسطين في طلب العلم، وقد ابتـدأت الطـلب وأنا صغير بالدراسة على والدتي وجدتي، وحفـظت القرآن في الصبا قبل أن أتم الإدراك ببلوغ ثماني سنـين، وقـرأت مبـادئ بـعض العلوم، ثمَّ بعد أن بلغت العاشرة من عمري صحـبت جـدي العلاَّمة الشيخ محمد بن عبد الودود الهـاشـمي ـ رحـمة الله عليه ـ ولازمـتـه حـوالـي إحـدى عشـرة ســنـة، وسمـعـت منــه فيـهـا أكـثــر ما تعلمـته، ودرســت علـيـه بعــض الكـتـب، وحـفظت علـيه وبحضـرته بعض ما حفظت، وكنــت خـلال ذلك أدرس علـى جــدتـي وأمـي وأبي وأخوالي، وبعد وفاة جدي ـ رحـمة الله عليه ـ درست على خالي الشيخ محمد يحيى، والشـيخ محمد فـالـي بعـض العـلوم، وهم أحياء إلى الآن ـ بحمد الله ـ.
^: شيخنا ـ أحسن الله إليكم ـ تُعَدُّ بلادكم شنقيط قلعة شامخة من قلاع تلقي العلم في المغرب العربي؛ فما أبرز الأساليب التعليمية التي تُشتهر بها في نشر العلم وتعليمه؟
* اشتهرت هذه البلاد بحفظ العلوم وتنوع المعارف؛ فهم يدرِّسـون من العـلوم الشـرعيَّة تقريبـاً خمسة وأربـعين علـماً؛ فلا يكون الإنسان عالماً حتى يكون حافظاً للكتب في تلك العلوم، ويكون متقناً لتـدريسـها، وقـبل ذلك قد يكون فقيهاً، أو مدرساً، أو يكون طـالب علـم، ولـكـن لا يكون عالماً، إلاَّ إذا كان محـيطاً بهذه العلوم، مستطيعاً لتدريسها جميعاً، وطريقتهم في ذلك هي البداية من الصبا، وإتقان الحفظ والمذاكرة والمراجعة، وإتقان مهارات التدريس؛ فهي مراحل كلها لهم فيها اجتهادات وآراء، ومقرراتهم تختلف من مَحْضَرَة إلى محضرة، والمحضرة مكان التعليم، كالكتاتيب.
^: لفضيلتكم باع في تأويل الرؤى؛ فما الضوابط الشرعية لتأويلها، وما مدى جواز بناء الأحكام والمواقف ونظم التصورات وَفقها؟
* بالنسبة للرؤى، فهي على خمسة أنواع:
النوع الأول: رؤيـا مـن الله ـ سبحانه وتعـالى ـ وهي الرؤيـة الصالحة التي يراها الرجـل الصالح، أو تُرى له وهي من المبشِّرات التي تسر ولا تغر، وهذا النوع عادة يكون تبشيراً أو إزالة حزن أو إدخال سرور أو نحو ذلك، وهذا النوع هو جزء من ستة وأربعين جزءاً من أجزاء النبوَّة في حق من هو أصدق الناس، وجزء منه أقل من ذلك إلى أن يصل إلى جزء من ثلاثة وسبعين جزءاً من أجزاء النبوَّة في حق أقلِّ الناس صدقاً.
النوع الثاني: اللَّمَّة الملَكيَّة في نوم الإنسان أو يقظته، فيقذف في روعه أمراً وينصحه بشيء، من حيث لا يشعر؛ فهذه مثل الرؤيا السابقة تقريباً.
النوع الثالث: الرؤيا التي هي من النفس؛ فنفس الإنسان ترى ما تهواه، فإذا نام وهو عطشان أو ظمآن أو جائع، رأى الطعام والشراب، وإذا نام وهو يهوى شخصاً معيناً رآه في نومه؛ فهذا نوع من تخيلات النفوس.
النـوع الرابع: الرؤيـا بسبب مرض أو الأخلاط مثل ما يحصل لمن هو مصاب بغلـواء فـي صفراء أو قحـط فـي المعـدة أو زيادة حموضة فيها، فيرى الحرائق ويرى الألوان الصفراء بسبب انطباعه، ومن يرى الأمطار والمياه، وهذه حسب الأمزجة.
النوع الخامس: ما كان من الشيطان وهو المسمَّى بالحلم، وهو ما كان عادة يرجع لثلاث علامات:
الأولى: أنَّه يخالف العقل، كما ثبت فـي صحيح مســلم أن رجــلاً قـال للنـبي صلى الله عليه وسلم : رأيت كأنَّ رأسي قُطِع فتدحرج فتبعته. فقال: «لا تقصص عليَّ ألاعيب الشـيـطان بـك». فـهذا مخالف للعـقل؛ لأنَّ الرأس إذا قطع لا يتبعه صاحبه.
الثانية: أن يكون مخالفاَ للشرع كمن يـرى أنـه يفعل محرَّماً، أو أنَّه يؤمر به، أو يترك واجباً.
الثالثة: أنَّه لا يضبطه الإنسان ضبطاً كاملاً، بل يستيقظ على جزء منه فقط، فهذه علامة الحلم الذي هو من الشيطان. وعلامة الذي هو من النفس أنَّه تنبثق عنه لـذَّة وشـهوة، فيـجد الإنسان احتلاماً، أو ألماً كذلك، فيستيقظ الإنسان ويجد نفسه يبكي ونحو ذلك، فهذا من النفس غالباً.
فهذه الرؤيا عموماً كلها لا ينبني عليها أي حكم ولا تصوُّر، بل هي إذا كانت صحيحة فهي من المبشرات: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس: 64] وهي تسر ولا تغر، والإنسان لا يدري تفسيرها بذاته، ومع ذلك كثير من الناس يبني عليها أموراً، يظنُّ أنَّها تقتضيها وهي لا تقتضيها أصلاً، حتى لو قُدِّر أنَّها يمكن أن تدل على شيء، فإنَّها لا تكفي بمفردها لأن يُبنى عليها خطط وأعمال، حتَّى للعابرين والذين يدرون معاييرها؛ لأنـهم قـد لا يـدركون معناها تماماً؛ فالـنبي صلى الله عليه وسلم قال لأبـي بكر ـ رضي الله عنه ـ: «أصبتَ بعضاً وأخطأتَ بعضاً» فدلَّ ذلك على أنَّ المعبِّر قد يصيب في بعض تعبيره وقد يخطئ في بعضها الآخر.
وإذا كان أبو بكر الصديق وهو من هو في صدقه وإيمانه، أصاب بعضاً وأخطأ بعضاً بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فكيف بنا نحن ومن دونه من المعبِّرين؟ فإذا أصاب أحدنا في أي جزئيَّة فإن هذا يعتبر خيراً كثيراً، إذا قورن بغيره؛ فلذلك لا بدَّ من التريُّث فيها.
وعليه فإنَّ الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الرؤيـا معلقـة على جناحي طـائر؛ فإن فُسِّرت وقعت» فالتفسير المقصود هنا أنَّه لا بدَّ أن يكون من معبِّر للرؤيا، وعلى مقتضى التفسير الصحيح.
يتبع
حـين يمـنُّ الله علـى المـرء بالجـلوس إلى هـؤلاء الأعـلام من رجالات الأمَّة، فإنَّه لا محالة سيـشعر بأنَّ وقت اللقاء الذي دام قليلاً من الزمن، مضى كأنَّه نظم خرز انفرط فلم يشعر كم هي مدَّة الوقت الذي تساقطت فيه حبيبات الخرز!
وهكذا... كان لقائي مع فضيلة الشيخ الحافظ: محمد الحسن الددو الشنقيطي ـ حفظه الله ـ على هامش مؤتمر البحرين لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وحقاً كان حديث الشيخ وأجوبته ممتعاً، كما قال الشاعر:
في متعة الأقوال بثَّ شجونه *** فحديثه وكلامه إمتاعُ
ولمن لا يعرف فإنَّ الشيخ : محمد الحسن الددو، يشغل مدير مركز تكوين العلماء في نواكشوط بموريتانيا، وله باع طويل في تعليم العلم ونشره، والله نسأل أن يبارك في جهود الشيخ، ويجعلها مكلَّلة بالنجاح والفلاح والتوفيق... والآن أدع القـارئ لمـتابعة هـذا الحـوار مـع الشـيخ الـددو، حيـث كان أول سؤال لفضيلته:
^: حبا الله شيخنا الكريم باعاً واسعاً في علوم الشريعة؛ فكيف كان طلبكم للعلم؟
* بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلَّى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
مسـتواي في العـلم ليـس كما ذكـرتم وإنَّـما هـذا مـن حـسـن ظنِّكم، وإنَّما أنا من المتوسطين في طلب العلم، وقد ابتـدأت الطـلب وأنا صغير بالدراسة على والدتي وجدتي، وحفـظت القرآن في الصبا قبل أن أتم الإدراك ببلوغ ثماني سنـين، وقـرأت مبـادئ بـعض العلوم، ثمَّ بعد أن بلغت العاشرة من عمري صحـبت جـدي العلاَّمة الشيخ محمد بن عبد الودود الهـاشـمي ـ رحـمة الله عليه ـ ولازمـتـه حـوالـي إحـدى عشـرة ســنـة، وسمـعـت منــه فيـهـا أكـثــر ما تعلمـته، ودرســت علـيـه بعــض الكـتـب، وحـفظت علـيه وبحضـرته بعض ما حفظت، وكنــت خـلال ذلك أدرس علـى جــدتـي وأمـي وأبي وأخوالي، وبعد وفاة جدي ـ رحـمة الله عليه ـ درست على خالي الشيخ محمد يحيى، والشـيخ محمد فـالـي بعـض العـلوم، وهم أحياء إلى الآن ـ بحمد الله ـ.
^: شيخنا ـ أحسن الله إليكم ـ تُعَدُّ بلادكم شنقيط قلعة شامخة من قلاع تلقي العلم في المغرب العربي؛ فما أبرز الأساليب التعليمية التي تُشتهر بها في نشر العلم وتعليمه؟
* اشتهرت هذه البلاد بحفظ العلوم وتنوع المعارف؛ فهم يدرِّسـون من العـلوم الشـرعيَّة تقريبـاً خمسة وأربـعين علـماً؛ فلا يكون الإنسان عالماً حتى يكون حافظاً للكتب في تلك العلوم، ويكون متقناً لتـدريسـها، وقـبل ذلك قد يكون فقيهاً، أو مدرساً، أو يكون طـالب علـم، ولـكـن لا يكون عالماً، إلاَّ إذا كان محـيطاً بهذه العلوم، مستطيعاً لتدريسها جميعاً، وطريقتهم في ذلك هي البداية من الصبا، وإتقان الحفظ والمذاكرة والمراجعة، وإتقان مهارات التدريس؛ فهي مراحل كلها لهم فيها اجتهادات وآراء، ومقرراتهم تختلف من مَحْضَرَة إلى محضرة، والمحضرة مكان التعليم، كالكتاتيب.
^: لفضيلتكم باع في تأويل الرؤى؛ فما الضوابط الشرعية لتأويلها، وما مدى جواز بناء الأحكام والمواقف ونظم التصورات وَفقها؟
* بالنسبة للرؤى، فهي على خمسة أنواع:
النوع الأول: رؤيـا مـن الله ـ سبحانه وتعـالى ـ وهي الرؤيـة الصالحة التي يراها الرجـل الصالح، أو تُرى له وهي من المبشِّرات التي تسر ولا تغر، وهذا النوع عادة يكون تبشيراً أو إزالة حزن أو إدخال سرور أو نحو ذلك، وهذا النوع هو جزء من ستة وأربعين جزءاً من أجزاء النبوَّة في حق من هو أصدق الناس، وجزء منه أقل من ذلك إلى أن يصل إلى جزء من ثلاثة وسبعين جزءاً من أجزاء النبوَّة في حق أقلِّ الناس صدقاً.
النوع الثاني: اللَّمَّة الملَكيَّة في نوم الإنسان أو يقظته، فيقذف في روعه أمراً وينصحه بشيء، من حيث لا يشعر؛ فهذه مثل الرؤيا السابقة تقريباً.
النوع الثالث: الرؤيا التي هي من النفس؛ فنفس الإنسان ترى ما تهواه، فإذا نام وهو عطشان أو ظمآن أو جائع، رأى الطعام والشراب، وإذا نام وهو يهوى شخصاً معيناً رآه في نومه؛ فهذا نوع من تخيلات النفوس.
النـوع الرابع: الرؤيـا بسبب مرض أو الأخلاط مثل ما يحصل لمن هو مصاب بغلـواء فـي صفراء أو قحـط فـي المعـدة أو زيادة حموضة فيها، فيرى الحرائق ويرى الألوان الصفراء بسبب انطباعه، ومن يرى الأمطار والمياه، وهذه حسب الأمزجة.
النوع الخامس: ما كان من الشيطان وهو المسمَّى بالحلم، وهو ما كان عادة يرجع لثلاث علامات:
الأولى: أنَّه يخالف العقل، كما ثبت فـي صحيح مســلم أن رجــلاً قـال للنـبي صلى الله عليه وسلم : رأيت كأنَّ رأسي قُطِع فتدحرج فتبعته. فقال: «لا تقصص عليَّ ألاعيب الشـيـطان بـك». فـهذا مخالف للعـقل؛ لأنَّ الرأس إذا قطع لا يتبعه صاحبه.
الثانية: أن يكون مخالفاَ للشرع كمن يـرى أنـه يفعل محرَّماً، أو أنَّه يؤمر به، أو يترك واجباً.
الثالثة: أنَّه لا يضبطه الإنسان ضبطاً كاملاً، بل يستيقظ على جزء منه فقط، فهذه علامة الحلم الذي هو من الشيطان. وعلامة الذي هو من النفس أنَّه تنبثق عنه لـذَّة وشـهوة، فيـجد الإنسان احتلاماً، أو ألماً كذلك، فيستيقظ الإنسان ويجد نفسه يبكي ونحو ذلك، فهذا من النفس غالباً.
فهذه الرؤيا عموماً كلها لا ينبني عليها أي حكم ولا تصوُّر، بل هي إذا كانت صحيحة فهي من المبشرات: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس: 64] وهي تسر ولا تغر، والإنسان لا يدري تفسيرها بذاته، ومع ذلك كثير من الناس يبني عليها أموراً، يظنُّ أنَّها تقتضيها وهي لا تقتضيها أصلاً، حتى لو قُدِّر أنَّها يمكن أن تدل على شيء، فإنَّها لا تكفي بمفردها لأن يُبنى عليها خطط وأعمال، حتَّى للعابرين والذين يدرون معاييرها؛ لأنـهم قـد لا يـدركون معناها تماماً؛ فالـنبي صلى الله عليه وسلم قال لأبـي بكر ـ رضي الله عنه ـ: «أصبتَ بعضاً وأخطأتَ بعضاً» فدلَّ ذلك على أنَّ المعبِّر قد يصيب في بعض تعبيره وقد يخطئ في بعضها الآخر.
وإذا كان أبو بكر الصديق وهو من هو في صدقه وإيمانه، أصاب بعضاً وأخطأ بعضاً بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فكيف بنا نحن ومن دونه من المعبِّرين؟ فإذا أصاب أحدنا في أي جزئيَّة فإن هذا يعتبر خيراً كثيراً، إذا قورن بغيره؛ فلذلك لا بدَّ من التريُّث فيها.
وعليه فإنَّ الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الرؤيـا معلقـة على جناحي طـائر؛ فإن فُسِّرت وقعت» فالتفسير المقصود هنا أنَّه لا بدَّ أن يكون من معبِّر للرؤيا، وعلى مقتضى التفسير الصحيح.
يتبع