- 16 يونيو 2006
- 2,500
- 16
- 0
- الجنس
- ذكر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..
يتعامل الناس مع تغير الأحوال بطرق مختلفة، تتحكم فيها ضوابط ومعايير متعددة، فقد يرصد للتغير الواحد ألاف ردود الأفعال المختلفة اختلافات متفاوتة فيما بينها، وهذا التفاعل قد يكون مؤثرا وقد يكون عديم الأثر، وبفرض انه مؤثر فإن أثره قد يتعدى للغير وقد يلتزم صاحبه، وفي كل الأحوال فالموفق من انتفع برد فعله أو رد فعل غيره، ووظفهما التوظيف الصائب.
ومن التغيرات التي ألقي عليها الضوء تغير حركة أئمة الحرم المكي في الجيل الحالي، فبعد الخياط والخليفي ومغادرة علي جابر رحمهم الله استقر الأمر على السبيل وابن حميد والسديس والشريم ثم عمر السبيل رحمه الله ثم أسامة خياط ثم صالح آل طالب.
ثم الاستعانة بالجهني والبدير للتراويح، ثم تثبيت الجهني والمعيقلي، ثم الغامدي والغزاوي، وأخيرا الكلباني !!!
وطبقا لما ذكرت في المقدمة فقد تنوعت ردود الأفعال تجاه هذه التغيرات بين مؤيد ومعارض ومتأسف ومتحسر ومسرور ومستبشر ...
ولعل أشد ردود الأفعال كانت تجاه قرار استبعاد الشيخ علي جابر رحمه الله من الصلاة في الحرم المكي، ولعل ردود الأفعال هذه ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا، وبخاصة في الأجيال الجديدة التي لم تعاصر الواقعة.
ومما لا يجدر بنا إغفاله ما تركه كل من الجهني والمعيقلي والغامدي من أثر طيب في نفوس الناس، فهناك قطاعات عريضة من المهتمين صرحت ولازالت بقيمة هؤلاء الأئمة وبأهليتهم لإمامة المصلين في أقدس بقعة على الأرض.
ومن جهة مختلفة وزاوية عكسية فقد أرى أن حركة التغيرات هذه انعكست على بصورة شديدة الإيجابية على أحد فروع التراث الحجازي الأصيل، ألا وهو فن "التبليغ"، فاكتملت صورته ووأصبح أكثر توثيقا وانتعش بعد ركوده وكأنما نشط من عقال.
فقديما في الجيل الذهبي جيل عبد الله بصنوي وصالح فيدة والأبلتين كان التبليغ فنا مزدهرا ضاربا أطنابه في المجتمع الحجازي فهذا جيل العمالقة جيل الخبراء المنظرين جيل المؤصلين رحمهم الله أجمعين، ولكن على الرغم من ذلك لم يكتمل هذا الفن في ذلك الوقت لقلة الائمة الذين هم بمثابة محركي المبلغين فالمبلغ إنما يستمد مقام التبليغ من قراءة الإمام وكلما تعددت الأئمة وتعددت مقاماتهم ازدهر فن التبليغ.
وبمرور الزمن وبدخول السديس وعلي جابر وابن حميد والحذيفي إلى جانب الخليفي نشطت الحركة على أيدي الجيل الثاني من العمالقة أمثال محمد رمل وعلي ملا ومحمد شاكر وإبراهيم عباس وإدريس كنو ... ومن بعدهم عبد الله سباك وحسن شحات ونايف فيدة ثم أحمد بصنوي ... فسمعنا مقامات لم نكن نسمعها من قبل فهذا الرمل يبلغ بالدوكاه خلف الخليفي وهذا الملا يؤدي البنجكا مع باجابر وهذا العباس يؤدي بالرصد والحراب والحسيني.
وبقدوم الشريم للحرم انتعشت مقامات كانت قد اندثرت كمقام الـ"حجاز كار" فأداه الفيدة معه قديما، ثم أتي عملاقان من عمالقة التبليغ هما الراحل حسان زبيدي والفنان فاروق حضراوي فأغرقا سوق التبليغ بمزيد من الإبداع وزكت روح المنافسة بين المؤذنين وكنت أشعر حينها أنهم يتبارون من يؤدي المقام أفضل ؟ من يأتي بجديد ؟ من يتخير المقام الأنسب للقراءة ؟ فحصرت للمبلغين مع الشريم وحده 7 مقامات هي (الحجاز ويماني الحجاز والحراب والحسيني وحجاز الكار والماهور والرصد) ناهيك عن السديس وابن حميد والسبيل ...
وعلى جانب آخر فقد اكتسب البعض بمرور الوقت خبرة كبيرة إلى جانب الموهبة فصار بعضهم خبراء في هذا الفن كما كان قديما، فلو قلنا أن الخبير قديما كان عبد الله بصنوي فإن الخبير حاليا هو محمد علي شاكر وهذا لا يدركه إلا المختص، مما أثرى هذا الفن وساعد على اكتماله سريعا.
وبقدوم بعض الائمة الجدد عادت مقامات قديمة للظهور مرة أخرى فصرنا نسمع (الماهور والسيكاه) مع آل طالب، و(الدوكاه) مع المعيقلي، و(الجهاركاه) مع الجهني، و(الركبي) مع الغزاوي، و(المايه) مع الغامدي ... وهذا لا شك يرجع للإمام وإبداعه في القراءة، ومما أدهشني وسرني في وقت معا أنني ولأول مرة أسمع مقام (النهاوند) يؤدى به التبليغ في الحرم حيث أداه الحضراوي خلف الجهني في تراويح هذا العام 29 بعد قراءة مميزة لقصة طالوت وجالوت.
ولم يقتصر الأمر على انعاش الماضي بل إن من الملاحظ أيضا "تطور الاداء" فمثلا أداء الملا للحراب مع السديس يختلف عنه مع الغامدي أو المعيقلي وكذلك فماهور الفيدة مع الشريم يختلف عنه مع آل طالب ونفس الحال بالنسبة للحضراوي وشاكر ...
والخلاصة ان حركة تغير الأئمة بالحرمين تؤثر في فروع التراث الحجازي كما تؤثر في قلوب الناس.
محمد مغربي
يتعامل الناس مع تغير الأحوال بطرق مختلفة، تتحكم فيها ضوابط ومعايير متعددة، فقد يرصد للتغير الواحد ألاف ردود الأفعال المختلفة اختلافات متفاوتة فيما بينها، وهذا التفاعل قد يكون مؤثرا وقد يكون عديم الأثر، وبفرض انه مؤثر فإن أثره قد يتعدى للغير وقد يلتزم صاحبه، وفي كل الأحوال فالموفق من انتفع برد فعله أو رد فعل غيره، ووظفهما التوظيف الصائب.
ومن التغيرات التي ألقي عليها الضوء تغير حركة أئمة الحرم المكي في الجيل الحالي، فبعد الخياط والخليفي ومغادرة علي جابر رحمهم الله استقر الأمر على السبيل وابن حميد والسديس والشريم ثم عمر السبيل رحمه الله ثم أسامة خياط ثم صالح آل طالب.
ثم الاستعانة بالجهني والبدير للتراويح، ثم تثبيت الجهني والمعيقلي، ثم الغامدي والغزاوي، وأخيرا الكلباني !!!
وطبقا لما ذكرت في المقدمة فقد تنوعت ردود الأفعال تجاه هذه التغيرات بين مؤيد ومعارض ومتأسف ومتحسر ومسرور ومستبشر ...
ولعل أشد ردود الأفعال كانت تجاه قرار استبعاد الشيخ علي جابر رحمه الله من الصلاة في الحرم المكي، ولعل ردود الأفعال هذه ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا، وبخاصة في الأجيال الجديدة التي لم تعاصر الواقعة.
ومما لا يجدر بنا إغفاله ما تركه كل من الجهني والمعيقلي والغامدي من أثر طيب في نفوس الناس، فهناك قطاعات عريضة من المهتمين صرحت ولازالت بقيمة هؤلاء الأئمة وبأهليتهم لإمامة المصلين في أقدس بقعة على الأرض.
ومن جهة مختلفة وزاوية عكسية فقد أرى أن حركة التغيرات هذه انعكست على بصورة شديدة الإيجابية على أحد فروع التراث الحجازي الأصيل، ألا وهو فن "التبليغ"، فاكتملت صورته ووأصبح أكثر توثيقا وانتعش بعد ركوده وكأنما نشط من عقال.
فقديما في الجيل الذهبي جيل عبد الله بصنوي وصالح فيدة والأبلتين كان التبليغ فنا مزدهرا ضاربا أطنابه في المجتمع الحجازي فهذا جيل العمالقة جيل الخبراء المنظرين جيل المؤصلين رحمهم الله أجمعين، ولكن على الرغم من ذلك لم يكتمل هذا الفن في ذلك الوقت لقلة الائمة الذين هم بمثابة محركي المبلغين فالمبلغ إنما يستمد مقام التبليغ من قراءة الإمام وكلما تعددت الأئمة وتعددت مقاماتهم ازدهر فن التبليغ.
وبمرور الزمن وبدخول السديس وعلي جابر وابن حميد والحذيفي إلى جانب الخليفي نشطت الحركة على أيدي الجيل الثاني من العمالقة أمثال محمد رمل وعلي ملا ومحمد شاكر وإبراهيم عباس وإدريس كنو ... ومن بعدهم عبد الله سباك وحسن شحات ونايف فيدة ثم أحمد بصنوي ... فسمعنا مقامات لم نكن نسمعها من قبل فهذا الرمل يبلغ بالدوكاه خلف الخليفي وهذا الملا يؤدي البنجكا مع باجابر وهذا العباس يؤدي بالرصد والحراب والحسيني.
وبقدوم الشريم للحرم انتعشت مقامات كانت قد اندثرت كمقام الـ"حجاز كار" فأداه الفيدة معه قديما، ثم أتي عملاقان من عمالقة التبليغ هما الراحل حسان زبيدي والفنان فاروق حضراوي فأغرقا سوق التبليغ بمزيد من الإبداع وزكت روح المنافسة بين المؤذنين وكنت أشعر حينها أنهم يتبارون من يؤدي المقام أفضل ؟ من يأتي بجديد ؟ من يتخير المقام الأنسب للقراءة ؟ فحصرت للمبلغين مع الشريم وحده 7 مقامات هي (الحجاز ويماني الحجاز والحراب والحسيني وحجاز الكار والماهور والرصد) ناهيك عن السديس وابن حميد والسبيل ...
وعلى جانب آخر فقد اكتسب البعض بمرور الوقت خبرة كبيرة إلى جانب الموهبة فصار بعضهم خبراء في هذا الفن كما كان قديما، فلو قلنا أن الخبير قديما كان عبد الله بصنوي فإن الخبير حاليا هو محمد علي شاكر وهذا لا يدركه إلا المختص، مما أثرى هذا الفن وساعد على اكتماله سريعا.
وبقدوم بعض الائمة الجدد عادت مقامات قديمة للظهور مرة أخرى فصرنا نسمع (الماهور والسيكاه) مع آل طالب، و(الدوكاه) مع المعيقلي، و(الجهاركاه) مع الجهني، و(الركبي) مع الغزاوي، و(المايه) مع الغامدي ... وهذا لا شك يرجع للإمام وإبداعه في القراءة، ومما أدهشني وسرني في وقت معا أنني ولأول مرة أسمع مقام (النهاوند) يؤدى به التبليغ في الحرم حيث أداه الحضراوي خلف الجهني في تراويح هذا العام 29 بعد قراءة مميزة لقصة طالوت وجالوت.
ولم يقتصر الأمر على انعاش الماضي بل إن من الملاحظ أيضا "تطور الاداء" فمثلا أداء الملا للحراب مع السديس يختلف عنه مع الغامدي أو المعيقلي وكذلك فماهور الفيدة مع الشريم يختلف عنه مع آل طالب ونفس الحال بالنسبة للحضراوي وشاكر ...
والخلاصة ان حركة تغير الأئمة بالحرمين تؤثر في فروع التراث الحجازي كما تؤثر في قلوب الناس.
محمد مغربي