إعلانات المنتدى


الأنس بالله تعالى

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

سفيان خير

مزمار جديد
18 مارس 2008
23
0
0
الجنس
ذكر
(بسم الل)

:x18:​


الأنس بالله تعالى
أبو أويس الإدريسي

" كل طائع مستأنس، و كل عاص مستوحش"
من أبرز العلامات الدالة على صحة القلب و سلامته أن صاحبَه يأُنسِ بالله و طاعتِه و ذكرِه سبحانه.

قال ابن القيم رحمه الله:" و من علامات صحة القلب: أن لا يفتر عن ذكر ربه، و لا يسْأَمَ من خدمته، و لا يأنَس بغيره، إلا بمن يَدُلُّه عليه، و يُذَكِّرُه به، و يُذَاكِرُه بهذا الأمر" إغاثة اللهفان.

فالأنس بالله تعالى روح القرب منه جل و علا، و الأنس بالله تعالى حالةٌ وجدانية تحمل على التنعُّم بعبادة الرحمن، و الشوق إلى لقاء ذي الجلال و الإكرام..

قال أحد السلف:" مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا و ما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: و ما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله و الأنس به و الشوق إلى لقائه، و التنعم بذكره و طاعته".

و كما أنه لا نسبةَ لنعيمِ ما في الجنة إلى نعيم النظر إلى وجهه الأعلى سبحانه، فلا نسبةَ لنعيم الدنيا إلى نعيم محبته و معرفته و الشوق إليه و الأنس به، بل لذة النظر إليه سبحانه تابعة لمعرفتهم به و محبتهم له، فإن اللذة تَتْبَع الشعورَ و المحبةَ، فكلما كان المُحب أعرفَ بالمحبوب و أشد محبة له كان اِلْتذاذه بقُربه و رؤيته و وصوله إليه و أنسِه به أعظم.

فالأنس بالله مقام عظيم من مقامات الإحسان الذي قال عنه النبي عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح:" أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

قال أحد السلف:" من عمل لله على المشاهدة فهو عارف، و من عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلص".

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعليقا على الحديث و الأثر:" فهذان مقامان: أحدهما: الإخلاص و هو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه و اطلاعِه عليه و قربِه منه.
الثاني: أن يعمل العبد على مشاهدة الله بقلبه و هو أن يتنور قلبه بنور الإيمان". ا.هـ
" استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس".

يشير ابن رجب رحمه الله بكلامه هذا إلى منزلة المراقبة و مقام المشاهدة أو المعاينة كما يسميه بعض أهل العلم.
ف"المشاهدة" ناتجة عن معاينة آثار أسمائِه و صفاتِه تعالى في الكون، بحيث يترتّب عن ذلك تنوُّر القلب و تعلُّقه بالرب، و هذه المنزلة هي التي قال عنها النبي عليه الصلاة و السلام:" أن تعبد الله كأنك تراه" فهي رؤية حكمية.


أما "المراقبة" فهي العلم و اليقين باطلاع الحق سبحانه على ظاهر العبد و باطنه، و هي التي قال فيها عليه الصلاة و السلام:" فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله بعد كلامه السابق:" يتولد عن هذين المقامين: الأنس بالله و الخلوة لمناجاتِه و ذِكرِه و استثقال ما يشغل عنه من مخالطة الناس و الاشتغال بهم". ا.هـ
" استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس".

فمنزلة المراقبة إذا تحققت في العبد حصل له الأنس بالله تعالى.
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله:" متى تحققت المراقبة حصل الأنس" صيد الخاطر.
و وجه ذلك أنه إذا حصلت المراقبة يحصل القرب من الرب سبحانه، و القُربُ منه جل و علا يوجب الأنسَ.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "و القرب يوجب الأنس و الهيبة و المحبة" مدارج السالكين.
و قول كذلك رحمه الله: " و قوةُ الأنس و ضُعفُه على حسب قوة القرب، فكلما كان القلب من ربه أقرب كان أُنسُه به أقوى، و كلما كان منه أبعد كانت الوحشة بينه و بين ربه أشد" المدارج.

و إذا ارتقى العبد إلى تحقيق مقام المشاهدة و المعاينة لآثار أسمائه و صفاته في الكون بحيث يتنور قلبه حصل الأنس، و وجهه أن منشأ الأنس بالله تعالى و مبدؤه التعبُّد بمقتضى أسمائه تعالى و صفاته بعد التفهم لمعانيها.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:" هذا الأنس المذكور مبدؤه الكشف عن أسماء الصفات التي يحصل عنها الأنس و يتعلق بها كاسم الجميل، و البَرِّ، و اللطيف، و الودود، و الحليم، و الرحيم، و نحوها" المدارج.

قال ابن عطاء رحمه الله:" المعرفة على ثلاثة أركان: الهَيْبة، و الحياء، و الأنس".

وزيادة في الإيضاح نقول: أن التَّفَهُّم لمعاني الأسماء و الصفات يَحمِلُ العبدَ على معاملة ربه بالمحبة و الرجاء و غيرِهِما من أعمال القلوب.
قال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله:"فَهْمُ معاني أسماءِ الله تعالى وَسيلةٌ إلى معاملته بثمراتها من: الخوف، و الرجاء، و المهابة، و المحبة، و التوكل، و غيرِ ذلك من ثمرات معرفة الصفات" شجرة المعارف و الأحوال.

و يقول العلامة السعدي رحمه الله: "إن معرفة الله تعالى تدعوا إلى محبته و خشيته و رجائِه و إخلاص العمل له، و هذا عَيْنُ سعادة العبد، و لا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه و صفاته، و التَّفَقه في فهم معانيها.." تيسير الكريم الرحمن.

و تحقُّقُ كلٍّ من الرجاء في الله الذي يحمِل على الطَّمَع في الوصول إليه تعالى ، و تحقيق مقام المحبة الذي يحمل على الشوق إليه سبحانه و غيرهما مما يتولد عن التفهم للأسماء و الصفات و التعبد بمقتضى ذلك كما مر قريبا، سبيلٌ إلى الأنس و الاستئناس بالله.

قال ابن القيم رحمه الله: " ..و لما كان الطلب بالهمة قد يعرى عن الأنس، و كان المحب لا يكون إلا مستأنسا بجمال محبوبه، و طمعه بالوصول إليه. فمن هذين يتولد الأنس: وجب أن يكون المحب موصوفا بالأنس" المدارج.

و عليه فالعبد إذا ارتقى بالعلم النافع و العمل الصالح إلى مقام الإحسان و استقرت قَدَمُه فيه أَنِسَ بالله تعالى و اِلْتَذَّ بطاعته و ذكره.

قال العلامة السعدي رحمه الله مقررا ذلك في منظومته واصفا أهلَ السير إلى الله و الدار الآخرة:

عبدوا الإلهَ على اعتقاد حضوره **** فتبوَّءوا في منزل الإحسان

ثم قال شارحا رحمه الله: " و هذه المنزلة من أعظمِ المنازل و أجلِّها، و لكنها تحتاج إلى تدريج للنفوس شيئا فشيئا. و لا يزال العبد يُعَوِّدُها نفسَه حتى تَنجَذِبَ إليها و تعتَادَها فيعيشَ العبدُ قريرَ العين بربِّه، فَرِحًا مسرورا بقُربه".

و لذا فإن الأنسَ بالله تعالى ثمرةُ الطاعات و التقرب إلى رب الأرض و السماوات كما قال ابن القيم رحمه الله:" فكل طائع مستأنس، و كل عاص مستوحش كما قيل:

فإذا كنت قد أوحشَتك الذنو **** بُ فدعها إذا شئت و استأنس "
المدارج.

و يقول ابن الجوزي رحمه الله:"..إنما يقع الأنس بتحقيق الطاعة لأن المخالفةَ توجب الوحشةَ و الموافقة مبسطة المستأنسين، فيا لذةَ عيشِ المستأنسين، و يا خسارةَ المستوحشين" صيد الخاطر.

قيل للعابد الرباني وهيب بن الورد رحمه الله: هل يجد طعم العبادة من يعصيه؟ قال: "لا، و لا من يهم بالمعصية".

و كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول:" من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية".

و عليه كان السلف الصالح الكرام، و الأئمةُ الأعلامُ يتشوَّقون إلى فعل الطاعات، و يَحرصون على تقديم القُرْبات لرب الأرض و السماوات، و لا يسأمون من العبادات لأنسهم برب البريات.

قال الوليد بن مسلم رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس.

و هذا عامر بن عبد القيس التابعي لما أدرك في هذه الحياة الأنس بالطاعة بكى عند احتضاره، فقيل له ما يبكيك ؟ قال: لا أبكي خوفا من الموت أو جزعا منه و لا حرصا على الدنيا، قال: أبكي على ظمأ الهواجر و قيام الليل.

و سُئل الشعبي عن الإمام الأسود بن يزيد النخعي فقال: كان صواما قواما حجاجا.

و هذا أبو عائشة الإمام التابعي مسروق بن الأجدع كان يصلي حتى تتورم قدماه. قالت زوجته: فربما جلست أبكي مما أراه يصنع بنفسه.
و لما حضرته الوفاة قال: ما آسى على شيء إلا على السجود لله تعالى.

و قال عطاء: رأيت مُصَلَّى مُرَّةَ الهمداني مثل مَبْرَكِ البعير.
إنه التابعي الجليل مرة الطيب، و يقال مُرَّةُ الخير لعبادته و خيره و علمه.
يقول الذهبي عنه: بلغنا أنه سجد لله تعالى حتى أكل التراب جبهته.

و اعلم – عبدَ الله – أنه من علامات مرض القلوب، و ضعف التعلق بعَلَّام الغيوب عدم طاعة الله بالاستئناس، مع الأنس بالناس.
حتى قال أحد السلف:" علامة الإفلاس الاستئناس بالناس".

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:" من فقد أنسَه بالله بين الناس و وجده في الوحدة فهو صادق ضعيف، و من وجدَه بين الناس و فقده في الخلوة فهو معلول، و من فقده بين الناس و في الخلوة فهو ميت مطرود، و من وجده في الخلوة و في الناس فهو المحبُّ الصادق القوي في حاله" الفوائد.

فاحرص على بلوغ منزلة الإحسان وِفْقَ العلم الأثري، و الهَدْيِ النبوي، حتى تُرزَق الأنسَ عند الطاعات، و لا تستوحشَ إذا خلوت بذكر رب الأرض و السماوات، فليس العَجَبُ ممن لم يأنس بالله و لم يُرزَق التوفيق، و إنما العَجَب ممن أدرك ذلك و انحرف عنه إلى بُنَيَّات الطريق.


[web]http://www.manzilat.org/manzila1/home.asp?ntt_id=6911&from=list_maqalat[/web]​
 

سمو قلب

مشرف سابق
16 سبتمبر 2008
6,635
13
0
الجنس
ذكر
رد: الأنس بالله تعالى

بارك الله في اخي الكريم نطر منك المزيد

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:" هذا الأنس المذكور مبدؤه الكشف عن أسماء الصفات التي يحصل عنها الأنس و يتعلق بها كاسم الجميل، و البَرِّ، و اللطيف، و الودود، و الحليم، و الرحيم، و نحوها" المدارج.
 

*رضا*

إداري قدير سابق وعضو شرف
عضو شرف
4 يونيو 2006
41,911
118
63
الجنس
ذكر
رد: الأنس بالله تعالى

أحسن الله اليك أخي سفيان وجزاك خيرا ونفع بك العباد
 

ابواحمدالغالى

مزمار داوُدي
20 مايو 2008
9,458
16
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد صدّيق المنشاوي
رد: الأنس بالله تعالى

احسنت اخى الحبيب
جذاكم الله خير الجـــــــــــــــــــــذاء
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع