رد: ضوابط تسجيل المصاحف القرآنية......للنقاش
(بسم الل)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
:
:
الموضوع مبتكر ورائع، وكون شيخنا الكلباني يحفظه الله قد أشار إليه في ثنايا كلامه لا يقلل من ابتكاريته وفطانة أخي الشهاب بارك الله فيه.
وكلام الأخوة السابقين في مداخلاتهم شاف كافٍ، وهذا فكٌّ لما أجملوه من أراءَ ونقاط، ونشرٌ لما أوردوه من مداخلات.
أبدأ برفع الواقع الصحيح:
عند التسجيل المصاحف في الاستديوهات: عادةً ما تكون هناك لجنة من أهل العلم، وأمثلة ذلك أكثر من أن تُحصر، لكن أعرج على ما أعرفه من أمثلة ويحضر في ذهني الآن ضبطها:
فأما العمالقة الخمسة: الحصري والمُنشاوي وعبد الباسط والبنا ومصطفى إسماعيل فقد سجلوا مصاحفهم في الإذاعة المصرية بحضور لجنة من أعلى أهل العلم ضبطاً في وقتهم وزمانهم، شملتِ اللجنة: الشيخ السمنوديَّ عليه الرحمة وكان أساسياً، وهو أخبرني بذلك شفاهاً، وشيخه الشيخ الضباع عليه رحمة الله، وكفاك بهما ضبطاً وتحريراً.
أما قصة المُنشاوي عليه رحمة الله فعجب: فلم يكن يعيد التسجيل من لحنٍ في تلاوته كما ذكر الإخوة الأحباب، ولكن من غلبة البكاء، وهذه أخذتها من فيِّ أحد موظفي الاستوديو الذي كان يسجل له ومن الشيخ السمنودي، قال الموظف: كان كلما شرع في القراءة أجهش بالبكا، فنقطع التسجيل ثم نعيد من موضع قبل المقطع حتى ينسجم صوته مع ما سُجِّلَ فيأتي إلى نفس الموضع فيغلبه البكا، فنقطع ونعيد التسجيل، يقول: وهكذا حاله طوال الختمة، حتى أعيانا، قالها بلغته الدارجة: (غلِّبنا).
ومن الأمثلة كذلك: تسجيل مصاحف المجمع مجمع الملك فهد بالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى السلام: فالتسجيل بها يخضع للجنة من كبار المقرئين، لكن لا أعرف على وجه التحديد من هم، وغياب هذا العلم عن عموم الناس من كتمان العلم الذي يجبُ على من علمهُ أن يخبر به الناس، لأن به تنزاح غشاوة الوهم بجواز تسجيل مصحفٍ دون الرجوعِ إلى لجنةٍ من أهل العلم.
والشيخ مشاري العفاسي حفظه الله: مصحفه المسجل في الاستديو من أجمل وأعلى المصاحف ضبطاً في رأيي المتواضع وإن كنت لم أستوعب في سماعه لكني انتخبتُ سوراً وأجزاء فسمعتها، وقد بلغني أنه قد حضر التسجيل شيخُهُ الذي عرض عليه القرآنَ الكريم الشيخ عبد الرافع رضوان، ومعه لجنة من أهل العلم.
وكل هؤلاء قبل تسجيلهم للمصاحف: عرضوا القرآن الكريم وأجيزوا به من كبار المشايخ، فالخمسة الأوائل: قرؤه على السمنودي والضباع والشيخ عبد الفتاح القاضي والشيخ عامر عثمان شيخ المقارئ في وقته عليهم جميعاً الرحمة.
ومن رفع هذا الواقع المثالي يتضح لنا ما يجب أن يتوفر من الضبط للمصاحف المسجلة، لأنها نقلٌ لكتاب الله تعالى، فإذا فرطنا فيه فأيَّ شيئٍ نتقنُ بعد ذلك؟
أما الواقع السالب:
فمصاحفُ تُسَجَّلُ من التراويح غالباً، لأئمة المساجد المختلفة، غالبهم غير مجاز، وهذه طامَّةٌ في تجويدها وأطمُّ في وقوفها وابتداءاتها.
وأخرى لأئمة مجازين من قبلُ، لكنَّ داعيَ النَّفَسِ القصير؛ أو الاهتمام بالتجويد والمقامات على حساب غيره؛ أو الاستعجال: كل ذلك أو بعضه يدعوهم إلى إهمال الوقف والابتداء، فيخرج المصحف مليئاً بالأخطاء التي يَمُجُّهَا السمع في الوقف والابتداء مع جودة تجويده فيما عدا ذلك.
وبعض الأئمة الفضلاء لهم أصوات شجية (حركوا بها قلوب العالمين)، لكنهم لم يؤتَوا من التجويد الصحيح لقراءتهم ما يصح به أن يؤموا الناس في المساجد فضلاً عن أن تسجل لهم مصاحف، والطامة أن مصاحفهم منتشرة انتشاراً واسعاً يُغبطون عليه مجرداً، وهؤلاء: لو يسمعُ أحدهمُ النصيحةَ لأرشدته إلى القراءة على مشايخنا الأجلاء وهم كثرٌ بارك الله لنا فيهم، وأحسب أن أمثال من انتشرت تلاواتهم عبر الأرض يجب أن تكون لهم الأولوية عند مشايخنا، لأنهم بتصحيح قراءتهم سيصححون السماع عند الملايين، وبتأخير ذلك يحصل اللحن في سماع ملايين الناس، ويحصل الإعراض عن السماع لهم من ملايين أخرى ممن علموا عدم ضبطهم للتلاوة، فليُتأمل.
وهناك حال من التسجيلات للتراويح وسط بين الاثنين، لكنها لا بد أن تُراجع ولو بعد تسجيلها: وهي تسجيلات المتقنين المجازين من قرائنا أئمة المساجد، وهي جيدة لو روجعت، لأن من النقص الذي يقع فيها: سقط الآياتٍ، أو تبديلها في مواضع المتشابه اللفظي، فلو روجعت لكان أفضل، ومن أمثلتها تسجيلات الشيخ محمد أيوب حفظه الله وباقي أئمتة الحرمين الشريفين: فإنها على حال جيدة من الضبط، لكن قد يكون بها سقطٌ في مواضعَ؛ أو تشابهٌ لفظيٌ في مواضِعِهِ، والله أعلم.
وهناك نقطة لابد من إضافتها لأهميتها:
فقد رأيت من مشايخنا البارعين المتقنينَ من يمتنعُ أن يُسجِّلَ أو يُسجَّلَ له من تلاوته أيُّ شيئ، تورعاً أن يلحن من غير قصدٍ فيغيرَ كتاب الله ويُنقل عنه ذلك في الأشرطة وهي سريعة الانتشار، وإدراكاً منه أن أهل المصاحف لهم حال من العلو لم يُدركها هوَ، وهو قد فاق غيره في واقع الأمر، وأهم من ذلك: خوفاً من أجهزة التسجيل أن لا تنقل تلاوته على وجه الدقة، فيكون منها همسٌ لم يأت به، أو تغليظٌ في موضع ترقيق، وهذا مشاهدٌ معلومٌ وقوعُهُ أحياناً.
وهذا الورع خلقٌ يجبٌ أن نعلمهُ للناشئة وطلاب العلم، وهو والله عزيز نادر، إذ همُّ الواحد منهم أن يُسجل مصحفاً ولو بلحون، أسأل الله أن يبارك في طلابنا وأئمة مساجدنا ومشايخنا وجميع أهل القرآن الكريم، وأن يُبصر الجميع بأرشد أقوالهم وأفعالهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على الحبيب المعلم القدوة (ص) صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم العرض، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.