إعلانات المنتدى


وقفات مع سورة ق

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

بن دقماق

عضو كالشعلة
22 مارس 2009
330
3
0
الجنس
ذكر
(بسم الل)

الحمد لله الذي أنزل كتابه الكريم هدى للمتقين وعبرة للمعتبرين ورحمة وموعظة للمؤمنين وشفاءً لما في صدور العالمين، أحمده تعالى على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحيا بكتابه القلوب، وزكى به النفوس، هدى به من الضلالة،وبصر به من الغواية، وذكر به من الغفلة، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الذي كان خلقه القرآن، صلى الله عليه وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون ..اتقوا الله تبارك وتعالى، واشكروه على ما هداكم للإسلام ،وجعلكم من أهل القرآن .
الآية الظاهرة كتاب الهدى وسر السعادة ،{لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }، إن سعادة البشرية وصلاح البلاد والعباد مرهون باتباع هذا الكتاب فإنه كان للمسلمين قائداً وإماماً ، فحصلت لهم سعادة الدارين ونجاة الحياتين .
ولو وقف المسلمون اليوم تحت راية القرآن وتفيئوا ظلال دوحة الفرقان لتبوؤوا مكانة العز والشرف ،ولو أنهم حافظوا عليه وعملوا بما فيه لأضاءت لهم المسالك ولتفتحت لهم المدارك ولو أنهم تدبروا ووقفوا عند آياته فأحلوا حلاله وحرموا حرامه لحققوا السعادة في الدنيا والآخرة ، قال الله عزوجل { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ }.
وقد أنكر الله عزوجل على الذين أعرضوا عن كتابه فلا يتعظون ولا يتدبرون قال سبحانه :{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }،ولهذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرة موعظة الناس بهذا القرآن ، ومن ذلك سنته صلى الله عليه وسلم في قراءة سورة (ق) في خطبة الجمعة ، فقد أخرج الإمام أحمد ومسلم وأبو داود وغيرهم عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها قالت :(ما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس ).
وعملاً بهذه السنة سيكون لنا في هذه الخطبة وقفات سريعة عند هذه السورة ، فإنها سورة عظيمة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في خطبة الجمعة ،ويقرأ بها في صلاة الفجر وفي الأعياد والاستسقاء ؛ لما لها من الشأن والمكانة .
إنها سورة عظيمة شديدة الوقع بأسلوبها وحقائقها ، تأخذ بمجامع القلوب ،وتهز النفوس هزاً، وتثير فيها الخوف من الله ، وتوقظها من الغفلة .
عباد الله ..لقد ابتدأ الله عزوجل هذه السورة بالانكار على المكذبين المنكرين لرسالة نبينا مجمد صلى الله عليه وسلم الجاحدين للبعث والحساب بقولهم :{ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ }فبين الله سبحانه أنهم لما كذبوا بالحق التبس عليهم الأمر{ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ } أي في أمر مختلط ، قد اختلفت عليهم الحقائق وعميت عليهم السبل ، وهكذا كل عن حاد عن الحق تتقاذفه الأهواء وتمزقه الحيرة، وتقلقه الشكوك .
لقد جاء أول هذه السورة ليعالج قضية البعث وإنكار الكفار له بأسلوب يذيب القلوب ويرققها ،ويقيم الحجة على المعاندين ويلفت أنظارهم إلى بديع خلق الله في الأرض والسموات والجبال والمطر والنبات ، وأن هذه الأشياء من أعظم الأدلة الدالة على البعث{ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ }قال سبحانه :{ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ}،فالله عزوجل الذي خلق السموات والأرض، وأحيا الأرض الميتة وبدأ الخلق أول مرة قادر على الإعادة .
ثم يُذكر الله عزوجل القلوب بمصارع الغابرين وأحوال المكذبين الذين كذبوا الرسل والبعث ، الذين حق عليهم وعيد الله بعذابه ونكاله{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } فهذا جزاء من عصى وتكبر ، ولم يسلم لأمر الله عزوجل .
ثم يذكَّر الله عزوجل الإنسان بخلق الله له وعلمه به وقربه منه ،وانه سبحانه يعلم وساوس النفسوخلجات الضمير، فضلاً عن الظاهر المبين ، قال سبحانه :{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }وفي هذا رقابة الله عزوجل على خلقه ،وأنه مطلع على أعمالهم سامع لأقوالهم .
وقد أوكل الله عزوجل بكل إنسان ملكين يتلقيان أقواله وأعماله فكل لفظة وكل كلمة مدونة عليه{ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }وهذا من أعظم الطرق إلى التوبة إذا استحضر الإنسان رقابة الله عزوجل ورقابة الملكين عليه، فإنه بهذا يحيا قلبه ويخاف من ربه .
ثم يُذكر سبحانه ابن آدم الموت وسكراته ثم مشهد الحساب ، وعرض الصحف ثم مشهد جهنم أعاذنا الله منها، قال الله سبحانه :{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } أي شدة الموت وغمرته إنها سكرة فراق الأهل والمال والمنصب ،{ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ }أي تهرب منه ولكن لا مفر من الموت ولا مهرب ، سنة كونية قدرية واقعة لا محالة .
ومن سكرة الموت إلى وهلة الحشر وهول الحساب ،{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ }مع كل نفس ملكان أحدهما يسوقها إلى المحشروالآخر يشهد عليها .
{ لقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }كشفنا عنك غفلتك فبصرك اليوم قوي شديد .
ثم يذكر الله عزوجل بعد ذلك بحال السعداء والأشقياء يقول سبحانه:{ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } .
يحضر الملائكة { كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ }أي شاك في وعد الله ووعيده فيقذفون مع كثرتهم في جهنم اتباعاً ، فتفتتهم ركاماً، ثم تنادى جهنم هل امتلأت واكتفيت ، ولكنها تجيب جواباً يروع القلوب ويهز النفوس{ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ }أي أنها تطلب المزيد من الجنوالإنس .
فياله من هول شديد يبعث أهل القلوب الحية على الأخذ بأسباب الوقاية منها .
ثم يذكر الله عزوجل حال السعداء :{ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ}أي راجع وتائب إلى اللهعزوجل{ حَفِيظٍ }أي حافظ لأمر الله عزوجل وقائم له حافظ لما نهاه الله عزوجل منته عنه فعاقبته عاقبة السلام { ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ }وهو النظر إلى وجه الرب عزوجل .
ثم تختم السورة بتأكيد مما سبق ،ولكن بأسلوب جديد ليكون أكثر وقعاً وأشد تركيزاً فتذكر مصارع الهالكين ، وفيها الإشارة إلى لعض الحقائق الكونية ،وفيها التذكير بحقيقة البعث والنشور ، وفيها التذكير بوظيفة العبد في هذه الدنيا ،وأن عليه أن يعبد الله عزوجل وأن يكثر من تسبيحه ليلاً ونهاراً{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ، الذين يحلون حلاله ويحرمون حرامه ، أقول ما سمعتم ،وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



.

ما سبق وقفات سريعة في سورة من أعظم سور القرآن ، فأين القلوب التي تعي كلام الله وتتدبر آياته؟ أين{ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}؟.
العجيب كل العجب أن تكون القلوب وهي مضغ من لحم ودم أقسى من الجبال الرواسي والحجارة القاسية .
ألم يقل الله سبحانه :{ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ }.
فما بال القلوب يا عباد الله لا تلين ولا تخشع عند سماع آبات كتابه إنها دعوة لمسلمين جميعا ً ولا سيما حملة كتاب الله أن يتدبروا كتاب الله ،وأن يستلهموا ما فيه من العبر والعظات ،وأن يقفوا عند عجائبه فتتحرك به قلوبهم يجب أن تربى الأجيال وان تنشأ الأسر على هذا المنهج السليم تأسياً بسلف هذه الأمة رضي الله تعالى عنهم بإخلاص ،واحتساب يقول عبد الله بن مسعود رضي تعالى عنه:( لا تهذوا القرآن هذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة).
أعيدوا لكتاب الله حقه ، لقد كان بعض السلف يقومون الليل كله بآية واحدة من كتاب اله يكررها ويبكي من خشية الله حتى الصباح.
فأين نحن من هذا المنهج السديد ؟ أين الشاردون عن القرآن الغافلون عنه اللاهون في أمور دنياهم فليتقوا الله ،وليعودوا إليه ليرتووا وينهلوا من معينه ، فهو علاج أمراض القلوب وجلاء صداءها بإذن الله .
لابد من التذكير لما لهذا الكتاب من المكانة وما يجب على الطلاب والمدرسين وأولياء الأمور من مسئولية اتجاه كتابه تلاوة وتدبرا وتطبيقاً وتربية .
ليعمل الجميع قدر جهدهم على أن يكون لكتاب الله النصيب الأكبر والحظ الأوفر من الأوقات ففي ذلك الفضل العظيم والخير العميم .
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك ، اللهم اجعلنا ممن يجل حلاله ويحرم حرامه.

t7
 

*رضا*

إداري قدير سابق وعضو شرف
عضو شرف
4 يونيو 2006
41,911
118
63
الجنس
ذكر
رد: وقفات مع سورة ق

بارك الله فيك أخي الكريم وجعل هذا العمل الطيّب في ميزان حسناتك
 

المثبتي

مزمار فعّال
17 فبراير 2009
243
12
18
الجنس
ذكر
رد: وقفات مع سورة ق


(بسم الل)
كان الرسول (ص) كثيرا ما يجعلها موضوع خطبة الجمعة نظرا لعظمة شأنها ........
إنها
سورة رهيبة , شديدة الوقع بحقائقها , شديدة الإيقاع ببنائها التعبيري.....
شكرا لك اخي بن دقماق على هذا الاختيار الموفق !!!!
 

الملكة الحزينة

مشرفة سابقة
6 مارس 2009
12,753
154
63
الجنس
أنثى
رد: وقفات مع سورة ق

بارك الله فيك ونفع بك
 

سمو قلب

مشرف سابق
16 سبتمبر 2008
6,635
13
0
الجنس
ذكر
رد: وقفات مع سورة ق

بارك الله فيك اخي الكريم
 

زمان الصبر

مزمار ألماسي
22 فبراير 2009
1,841
10
38
الجنس
ذكر
رد: وقفات مع سورة ق

الله يبارك فيك
ويجزيك خير الجزاء ..
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع