- 5 أكتوبر 2008
- 1,323
- 0
- 0
انشر وسوف تؤجر أو تؤزر! من يدري؟
يلفت انتباهي بين الحين والآخر بعض الرسائل التي تصلني عبر البريد الإلكتروني، وهي نابعة من حرص من أرسلها بلا شك على حب الخير، وحب إرشاد الناس إلى فضل أو عبادة آو طاعة أو نحو ذلك،
وهذه الرسائل من خلال ما يصلني تنقسم إلى عدة أقسام بحسب نوع محتواها:
الأول: الدلالة أو التذكير بعمل خير أو سنة أو فضيلة نص عليها الشرع الحنيف ولا شك في خيريتها وفضلها، كصلاة الضحى، أو صيام أيام البيض ونحو ذلك، فيرسلها البعض من باب التذكير وإحياءً لهذه الأعمال في النفوس وحثا على فعلها، وهذا بلا شك عمل جميل نسال الله ألا يحرم صاحبه الفضل والأجر.
الثاني: التذكير بعمل صحيح، لا غبار عليه في أصله، ولكن طريقة إرسال الرسالة وتداولها هي التي فيها الخلل، كمن يرسل رسالة بفضل قراءة سورة أو آية معينة، ثم يضع بعد ذلك عددا من الحسنات وقدره كذا، لك إن أنت فعلت هذا الفعل، وهذا في نظري فيه نوع من التعدي على الغيب، لأن فضل الله واسع، وليس محدوداً بحد، وكما هو معروف ومشهور، أن قراءة السورة أو الآية أو الدعاء بحد ذاته ليس هو المقياس الوحيد للقبول وحصول الثواب، فكما هو معلوم أن هناك النية، واستشعار المعنى، وتدبر الآية، وموقعها من القلب، ومدى التأثر بها، كل هذه تتفاوت من شخص إلى آخر، وربما قرأ الإنسان ما يصله عبر البريد بدون أي استشعار للمعنى، على خلاف من يقرأ وهو يدرك ويستشعر معنى كل كلمة وآية ابتغاء الفوز بما فيها من نعيم، أو الخوف مما فيها من الوعد والوعيد، أو استشعار الأجر المترتب عليها، لذلك فرأيي أن هذا خلاف هدي السلف الصالح في تحديد الأجر المترتب على عمل بحد ذاته لم يرد فيه نص، مع صحة العمل في الأصل، ومثل ذلك كمن يطلق حملة اسمها حملة الاستغفار أو حملة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعلها أمانة في عنقك ألا تقطع الحملة وألا تكون سببا في إيقافها، وهذا مع فضل الاستغفار وفضل الصلاة والسلام على رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ولكنه سيحصل فيه ما يحصل في سابقه من حيث عدم الاستشعار وعدم التأمل في الاستغفار وان المقصود منه التوبة والندم إلى الله عز وجل مما اقترفه العبد، وليس مجرد إعادة الإرسال، والطريف أنه قد يعيد الإرسال بدون حتى ان يستغفر هو أو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يرى بهذا أنه قد أبرأ ذمته أمام الله عز وجل، وهذا بلا شك لم يكن من هدي السلف وأهل الخير في مر العصور، وإنما كانوا هم بأنفسهم من يفعل الاستغفار ويراهم الناس وهم يستغفرون، ولعل في حديث النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه " والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " فيه خيرُ دليلٍ لنا أن القدوة أبلغ من أي طريقة أخرى في إيصال الرسالة التي نريد إيصالها.
الثالث: التذكير أو الحث على عمل لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا سلف الأمة فِعْلُه بكيفية معينة، ومثل هذا: الحث على صيام يوم لم يرد فيه فضل كصيام آخر يوم إثنين من العام، أو تحديد ساعة معينة للاستغفار الجماعي أو الدعاء الجماعي في هذه الساعة، فهذا مما لم يرد فيه دليل.
الرابع: أحاديث تتداول وتنشر وقصصا يتم تناقلها عبر البريد، لا تصح، والقصص أخف ضررا مع أنها كذب وتدخل تحت الكذب بلا شك، ولكن الأخطر منها هو الأحاديث التي يتم تداولها على أنها صحيحة، وعند البحث عنها تجد الكثير منها إما ضعيفا أو موضوعا أو من الإسرائيليات، فالواجب التنبه عند نقل أي قصة أو حديث والتأكد والتثبت من صحته قبل التفكير في إرساله.
هذا الذي يحضرني الآن ولعل هناك أشكال أخرى فاتتني،
ولعل من الأمور التي تذيل بها أمثال هذه الرسائل: هي وضع الموضوع أمانة في عنقك أن ترسلها لكل المضافين عندك، أو بعضهم أو أحدهم، وأنت إن لم تفعل فلا تلومن إلا نفسك، وقد يكون النفاق حفر لجذوره في قلبك فأصبحت من رؤوس المنافقين، أو أنك منغمس في الذنوب إلى أخمص أذنيك وهي التي منعتك أن ترسلها ونحو ذلك، مما لا يصح أن تلزم به أحدا، ولا يجب عليك أنت بالتالي إرساله - كما سمعته من الشيخ المنجد حفظه الله- أن مثل هذا العمل ليس واجبا عليك فعله حتى وإن حملك المرسل أمانة نقله.