إعلانات المنتدى


معاً لنتدبر آيات الله

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

فقه الأخلاق

عضو كالشعلة
25 ديسمبر 2008
469
2
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

^
^
وإياكِ أخيتي الحبيبة
جزاك الله خيرًا على المتابعة


تفسير السعدي - (ج 1 / ص 896)
ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)



{ إِنَّهُ فَكَّرَ } [أي:] في نفسه

{ وَقَدَّرَ } ما فكر فيه، ليقول قولا يبطل به القرآن.

{ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } لأنه قدر أمرا ليس في طوره، وتسور على ما لا يناله هو و [لا] أمثاله،

{ ثُمَّ نَظَرَ } ما يقول،

{ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } في وجهه، وظاهره نفرة عن الحق وبغضا له،

{ ثُمَّ أَدْبَرَ } أي: تولى

{ وَاسْتَكْبَرَ } نتيجة سعيه الفكري والعملي والقولي أن قال:

{ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ } أي: ما هذا كلام الله، بل كلام البشر، وليس أيضا كلام البشر الأخيار، بل كلام الفجار منهم والأشرار، من كل كاذب سحار.
فتبا له، ما أبعده من الصواب، وأحراه بالخسارة والتباب!!
كيف يدور في الأذهان، أو يتصوره ضمير كل إنسان، أن يكون أعلى الكلام وأعظمه، كلام الرب العظيم، الماجد الكريم، يشبه كلام المخلوقين الفقراء الناقصين؟!
أم كيف يتجرأ هذا الكاذب العنيد، على وصفه كلام المبدئ المعيد .
فما حقه إلا العذاب الشديد والنكال، ولهذا قال تعالى:

{ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ } أي: لا تبقي من الشدة، ولا على المعذب شيئا إلا وبلغته.

{ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ } أي: تلوحهم [وتصليهم] في عذابها، وتقلقهم بشدة حرها وقرها.

{ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } من الملائكة، خزنة لها، غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.

{ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً } وذلك لشدتهم وقوتهم.

{ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا } يحتمل أن المراد: إلا لعذابهم وعقابهم في الآخرة، ولزيادة نكالهم فيها، والعذاب يسمى فتنة، [كما قال تعالى: { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } ] ويحتمل أن المراد: أنا ما أخبرناكم بعدتهم، إلا لنعلم من يصدق ومن يكذب،

ويدل على هذا ما ذكر بعده في قوله: { لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا } فإن أهل الكتاب، إذا وافق ما عندهم وطابقه، ازداد يقينهم بالحق، والمؤمنون كلما أنزل الله آية، فآمنوا بها وصدقوا، ازداد إيمانهم،

{ وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ } أي: ليزول عنهم الريب والشك، وهذه مقاصد جليلة، يعتني بها أولو الألباب،
وهي السعي في اليقين، وزيادة الإيمان في كل وقت، وكل مسألة من مسائل الدين، ودفع الشكوك والأوهام التي تعرض في مقابلة الحق، فجعل ما أنزله الله على رسوله محصلا لهذه الفوائد الجليلة، ومميزا للكاذبين من الصادقين،

ولهذا قال: { وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أي: شك وشبهة ونفاق.

{ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا } وهذا على وجه الحيرة والشك، والكفر منهم بآيات الله، وهذا وذاك من هداية الله لمن يهديه، وإضلاله لمن يضل ولهذا قال:

{ كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } فمن هداه الله، جعل ما أنزله الله على رسوله رحمة في حقه، وزيادة في إيمانه ودينه، ومن أضله، جعل ما أنزله على رسوله زيادة شقاء عليه وحيرة، وظلمة في حقه، والواجب أن يتلقى ما أخبر الله به ورسوله بالتسليم،

فإنه لا يعلم جنود ربك من الملائكة وغيرهم { إلا هُوَ }
فإذا كنتم جاهلين بجنوده، وأخبركم بها العليم الخبير، فعليكم أن تصدقوا خبره، من غير شك ولا ارتياب،

{ وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } أي: وما هذه الموعظة والتذكار مقصودا به العبث واللعب، وإنما المقصود به أن يتذكر [به] البشر ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه.
 

أمّ ورقة الشّهيدة

مزمار ذهبي
24 ديسمبر 2007
1,145
3
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

جزاكم الله خيرا على الموضوع الممتاز...رفع الله لكم به الدرجات وأغدق عليكم به الرحمات.
 

فقه الأخلاق

عضو كالشعلة
25 ديسمبر 2008
469
2
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

^
^
اللهم آمين ولكِ بالمثل أخيتي الحبيبة

جزاك الله خيرًا على المتابعة


تفسير السعدي - (ج 1 / ص 897)
كَلَّا وَالْقَمَرِ (32) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33) وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34) إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)


{ كَلا } هنا بمعنى: حقا، أو بمعنى { ألا } الاستفتاحية،

فأقسم تعالى بالقمر، وبالليل وقت إدباره،
والنهار وقت إسفاره، لاشتمال المذكورات على آيات الله العظيمة، الدالة على كمال قدرة الله وحكمته،
وسعة سطانه، وعموم رحمته، وإحاطة علمه،

والمقسم عليه قوله: { إِنَّهَا } أي النار

{ لإحْدَى الْكُبَرِ } أي: لإحدى العظائم الطامة والأمور الهامة،
فإذا أعلمناكم بها، وكنتم على بصيرة من أمرها، فمن شاء منكم أن يتقدم، فيعمل بما يقربه من ربه،
ويدنيه من رضاه، ويزلفه من دار كرامته، أو يتأخر [عما خلق له و] عما يحبه الله [ويرضاه]، فيعمل بالمعاصي، ويتقرب إلى نار جهنم،
كما قال تعالى: { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } الآية.

{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } من أعمال السوء وأفعال الشر

{ رَهِينَةٌ } بها موثقة بسعيها، قد ألزم عنقها،
وغل في رقبتها، واستوجبت به العذاب،

{ إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ } فإنهم لم يرتهنوا،

بل أطلقوا وفرحوا { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ }
أي: في جنات قد حصل لهم بها جميع مطلوباتهم، وتمت لهم الراحة والطمأنينة،
حتى أقبلوا يتساءلون، فأفضت بهم المحادثة، أن سألوا عن المجرمين، أي: حال وصلوا إليها،
وهل وجدوا ما وعدهم الله تعالى؟ فقال بعضهم لبعض: " هل أنتم مطلعون عليهم "
فاطلعوا عليهم في وسط الجحيم يعذبون،

فقالوا لهم: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } أي: أي شيء أدخلكم فيها؟ وبأي: ذنب استحققتموها؟
 

فقه الأخلاق

عضو كالشعلة
25 ديسمبر 2008
469
2
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

تفسير السعدي - (ج 1 / ص 897)
قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) مَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآَخِرَةَ (53) كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)



{ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ } فلا إخلاص للمعبود،
[ولا إحسان] ولا نفع للخلق المحتاجين.

{ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ } أي: نخوض بالباطل، ونجادل به الحق،

{ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } هذا آثار الخوض بالباطل، [وهو] التكذيب بالحق، ومن أحق الحق، يوم الدين،
الذي هو محل الجزاء على الأعمال، وظهور ملك الله وحكمه العدل لسائر الخلق.
فاستمرينا على هذا المذهب الفاسد


{ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ } أي: الموت، فلما ماتوا على الكفر تعذرت حينئذ عليهم الحيل، وانسد في وجوههم باب الأمل.


{ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } لأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى، وهؤلاء لا يرضى الله أعمالهم .
فلما بين الله مآل المخالفين، ورهب مما يفعل بهم،
عطف على الموجودين بالعتاب واللوم،

فقال: { فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } أي: صادين غافلين عنها.

{ كَأَنَّهُمْ } في نفرتهم الشديدة منها

{ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ } أي: كأنهم حمر وحش نفرت فنفر بعضها بعضا، فزاد عدوها،

{ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ } أي: من صائد ورام يريدها، أو من أسد ونحوه،
وهذا من أعظم ما يكون من النفور عن الحق،
ومع هذا الإعراض وهذا النفور، يدعون الدعاوى الكبار.

فـ { يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً } نازلة عليه من السماء، يزعم أنه لا ينقاد للحق إلا بذلك،
وقد كذبوا، فإنهم لو جاءتهم كل آية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم،
فإنهم جاءتهم الآيات البينات التي تبين الحق وتوضحه،
فلو كان فيهم خير لآمنوا،

ولهذا قال: { كَلا } أن نعطيهم ما طلبوا، وهم ما قصدوا بذلك إلا التعجيز،

{ بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ } فلو كانوا يخافونها لما جرى منهم ما جرى.

{ كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ } الضمير إما أن يعود على هذه السورة، أو على ما اشتملت عليه [من] هذه الموعظة،

{ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ } لأنه قد بين له السبيل، ووضح له الدليل.

{ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } فإن مشيئته نافذة عامة، لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير،
ففيها رد على القدرية، الذين لا يدخلون أفعال العباد تحت مشيئة الله،
والجبرية الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة، ولا فعل حقيقة،
وإنما هو مجبور على أفعاله، فأثبت تعالى للعباد مشيئة حقيقة وفعلا
وجعل ذلك تابعا لمشيئته،

{ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } أي: هو أهل أن يتقى ويعبد، لأنه الإله الذي لا تنبغي العبادة إلا له،
وأهل أن يغفر لمن اتقاه واتبع رضاه.


تم تفسير سورة المدثر ولله الحمد
 

فقه الأخلاق

عضو كالشعلة
25 ديسمبر 2008
469
2
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

تفسير سورة المزمل من آية 1 إلى 11
تفسير السعدي - (ج 1 / ص 892)


ا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9) وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)




المزمل: المتغطي بثيابه كالمدثر، وهذا الوصف حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين أكرمه الله برسالته، وابتدأه بإنزال [وحيه بإرسال] جبريل إليه، فرأى أمرا لم ير مثله،
ولا يقدر على الثبات له إلا المرسلون،
فاعتراه في ابتداء ذلك انزعاج حين رأى جبريل عليه السلام،
فأتى إلى أهله، فقال: " زملوني زملوني " وهو ترعد فرائصه،
ثم جاءه جبريل فقال: " اقرأ " فقال: " ما أنا بقارئ " فغطه حتى بلغ منه الجهد،
وهو يعالجه على القراءة، فقرأ صلى الله عليه وسلم، ثم ألقى الله عليه الثبات، وتابع عليه الوحي،
حتى بلغ مبلغا ما بلغه أحد من المرسلين.
فسبحان الله، ما أعظم التفاوت بين ابتداء نبوته ونهايتها،
ولهذا خاطبه الله بهذا الوصف الذي وجد منه في أول أمره.
فأمره هنا بالعبادات المتعلقة به، ثم أمره بالصبر على أذية أعدائه ،
ثم أمره بالصدع بأمره، وإعلان دعوتهم إلى الله، فأمره هنا بأشرف العبادات،
وهي الصلاة، وبآكد الأوقات وأفضلها، وهو قيام الليل.
ومن رحمته تعالى، أنه لم يأمره بقيام الليل كله،
بل قال: { قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا }
.
ثم قدر ذلك فقال: { نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ } أي: من النصف

{ قَلِيلا } بأن يكون الثلث ونحوه.

{ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } أي: على النصف، فيكون الثلثين ونحوها.

{ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا } فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر،
وتحريك القلوب به، والتعبد بآياته،
والتهيؤ والاستعداد التام له، فإنه

قال: { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا }
أي: نوحي إليك هذا القرآن الثقيل، أي: العظيمة معانيه، الجليلة أوصافه،
وما كان بهذا الوصف، حقيق أن يتهيأ له، ويرتل،
ويتفكر فيما يشتمل عليه.
ثم ذكر الحكمة في أمره بقيام الليل،
فقال: { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } أي: الصلاة فيه بعد النوم
{ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا } أي: أقرب إلى تحصيل مقصود القرآن،

يتواطأ على القرآن القلب واللسان، وتقل الشواغل،
ويفهم ما يقول، ويستقيم له أمره، وهذا بخلاف النهار،
فإنه لا يحصل به هذا المقصود ،

ولهذا قال: { إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا } أي: ترددا على حوائجك ومعاشك،
يوجب اشتغال القلب وعدم تفرغه التفرغ التام.

{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ } شامل لأنواع الذكر كلها

{ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا } أي: انقطع إلى الله تعالى، فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه،
هو الانفصال بالقلب عن الخلائق، والاتصاف بمحبة الله،
وكل ما يقرب إليه، ويدني من رضاه.

{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } وهذا اسم جنس يشمل المشارق والمغارب [كلها]،
فهو تعالى رب المشارق والمغارب، وما يكون فيها من الأنوار،
وما هي مصلحة له من العالم العلوي والسفلي،
فهو رب كل شيء وخالقه ومدبره.

{ لا إِلَهَ إِلا هُوَ } أي: لا معبود إلا وجهه الأعلى، الذي يستحق أن يخص بالمحبة والتعظيم،
والإجلال والتكريم،

ولهذا قال: { فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا } أي: حافظا ومدبرا لأمورك كلها.
فلما أمره الله بالصلاة خصوصا، وبالذكر عموما،
وذلك يحصل للعبد ملكة قوية في تحمل الأثقال،
وفعل الثقيل من الأعمال، أمره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه ويسبون ما جاء به،
وأن يمضي على أمر الله، لا يصده عنه صاد، ولا يرده راد،
وأن يهجرهم هجرا جميلا وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا أذية فيه،
فيقابلهم بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه،
وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن.

{ وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ } أي: اتركني وإياهم، فسأنتقم منهم، وإن أمهلتهم فلا أهملهم،

وقوله: { أُولِي النَّعْمَةِ } أي: أصحاب النعمة والغنى، الذين طغوا حين وسع الله عليهم من رزقه، وأمدهم من فضله

كما قال تعالى: { كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى } .
 

فقه الأخلاق

عضو كالشعلة
25 ديسمبر 2008
469
2
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

تفسير السعدي - (ج 1 / ص 893)

إنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12) وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17) السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19) تفسير السعدي - (ج 1 / ص 894)
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)




أي: إن عندنا { أَنْكَالا } أي: عذابا شديدا،
جعلناه تنكيلا للذي لا يزال مستمرا على الذنوب.

{ وَجَحِيمًا } أي: نارا حامية

{ وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ } وذلك لمرارته وبشاعته، وكراهة طعمه
وريحه الخبيث المنتن،

{ وَعَذَابًا أَلِيمًا } أي: موجعا مفظعا، وذلك

{ يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالْجِبَالُ } من الهول العظيم،

{ وَكَانَتِ الْجِبَالُ } الراسيات الصم الصلاب

{ كَثِيبًا مَهِيلا } أي: بمنزلة الرمل المنهال المنتثر،
ثم إنها تبس بعد ذلك، فتكون كالهباء المنثور.

{ إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا *

فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا } .


يقول تعالى: احمدوا ربكم على إرسال هذا النبي الأمي العربي البشير النذير،
الشاهد على الأمة بأعمالهم، واشكروه وقوموا بهذه النعمة الجليلة،
وإياكم أن تكفروها، فتعصوا رسولكم،
فتكونوا كفرعون حين أرسل الله إليه موسى بن عمران،
فدعاه إلى الله، وأمره بالتوحيد، فلم يصدقه، بل عصاه،
فأخذه الله أخذا وبيلا أي: شديدا بليغا.

فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا *
السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا } .

أي: فكيف يحصل لكم الفكاك والنجاة من يوم القيامة،
اليوم المهيل أمره، العظيم قدره ، الذي يشيب الولدان،
وتذوب له الجمادات العظام،
فتتفطر به السماء وتنتثر به نجومها

{ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا } أي: لا بد من وقوعه، ولا حائل دونه.

{ إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا } .
[أي:] إن هذه الموعظة التي نبأ الله بها من أحوال يوم القيامة وأهواله
، تذكرة يتذكر بها المتقون، وينزجر بها المؤمنون،

{ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا } أي: طريقا موصلا إليه، وذلك باتباع شرعه،
فإنه قد أبانه كل البيان، وأوضحه غاية الإيضاح،
وفي هذا دليل على أن الله تعالى أقدر العباد على أفعالهم،
ومكنهم منها، لا كما يقوله الجبرية: إن أفعالهم تقع بغير مشيئتهم،
فإن هذا خلاف النقل والعقل.


ذكر الله في أول هذه السورة أنه أمر رسوله بقيام نصف الليل أو ثلثه أو ثلثيه،
والأصل أن أمته أسوة له في الأحكام، وذكر في هذا الموضع،
أنه امتثل ذلك هو وطائفة معه من المؤمنين.
ولما كان تحرير الوقت المأمور به مشقة على الناس،
أخبر أنه سهل عليهم في ذلك غاية التسهيل

فقال: { وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } أي: يعلم مقاديرهما وما يمضي منهما ويبقى.

{ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ } أي: [لن] تعرفوا مقداره من غير زيادة ولا نقص،
لكون ذلك يستدعي انتباها وعناء زائدا أي: فخفف عنكم،
وأمركم بما تيسر عليكم، سواء زاد على المقدر أو نقص،

{ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ } أي: مما تعرفون ومما لا يشق عليكم،
ولهذا كان المصلي بالليل مأمورا بالصلاة ما دام نشيطا،
فإذا فتر أو كسل أو نعس، فليسترح، ليأتي الصلاة بطمأنينة وراحة.
ثم ذكر بعض الأسباب المناسبة للتخفيف،

فقال: { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى } يشق عليهم صلاة ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه،
فليصل المريض المتسهل عليه ،
ولا يكون أيضا مأمورا بالصلاة قائما عند مشقة ذلك،
بل لو شقت عليه الصلاة النافلة، فله تركها [وله أجر ما كان يعمل صحيحا].

{ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } أي: وعلم أن منكم مسافرين يسافرون للتجارة، ليستغنوا عن الخلق،
ويتكففوا عن الناس أي: فالمسافر، حاله تناسب التخفيف،
ولهذا خفف عنه في صلاة الفرض، فأبيح له جمع الصلاتين في وقت واحد،
وقصر الصلاة الرباعية.

وكذلك { آخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ }
فذكر تعالى تخفيفين، تخفيفا للصحيح المقيم، يراعي فيه نشاطه،
من غير أن يكلف عليه تحرير الوقت، بل يتحرى الصلاة الفاضلة،
وهي ثلث الليل بعد نصفه الأول.
وتخفيفا للمريض أو المسافر، سواء كان سفره للتجارة، أو لعبادة،
من قتال أو جهاد، أو حج، أو عمرة، ونحو ذلك ،
فإنه أيضا يراعي ما لا يكلفه، فلله الحمد والثناء،
الذي ما جعل على الأمة في الدين من حرج،
بل سهل شرعه، وراعى أحوال عباده ومصالح دينهم وأبدانهم ودنياهم.
ثم أمر العباد بعبادتين، هما أم العبادات وعمادها: إقامة الصلاة،
التي لا يستقيم الدين إلا بها، وإيتاء الزكاة التي هي برهان الإيمان،
وبها تحصل المواساة للفقراء والمساكين،
ولهذا قال:
{ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ } بأركانها، وشروطها، ومكملاتها،

{ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } أي: خالصا لوجه الله، من نية صادقة، وتثبيت من النفس، ومال طيب، ويدخل في هذا، الصدقة الواجبة ؟ والمستحبة،
ثم حث على عموم الخير وأفعاله

فقال: { وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.

وليعلم أن مثقال ذرة من الخير في هذه الدار، يقابله أضعاف أضعاف الدنيا،
وما عليها في دار النعيم المقيم، من اللذات والشهوات،
وأن الخير والبر في هذه الدنيا، مادة الخير والبر في دار القرار،
وبذره وأصله وأساسه، فواأسفاه على أوقات مضت في الغفلات،
وواحسرتاه على أزمان تقضت بغير الأعمال الصالحات،
وواغوثاه من قلوب لم يؤثر فيها وعظ بارئها،
ولم ينجع فيها تشويق من هو أرحم بها منها .
فلك اللهم الحمد، وإليك المشتكى، وبك المستغاث،
ولا حول ولا قوة إلا بك.

{ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وفي الأمر بالاستغفار بعد الحث على أفعال الطاعة والخير،
فائدة كبيرة، وذلك أن العبد ما يخلو من التقصير فيما أمر به،
إما أن لا يفعله أصلا أو يفعله على وجه ناقص،
فأمر بترقيع ذلك بالاستغفار، فإن العبد يذنب آناء الليل والنهار،
فمتى لم يتغمده الله برحمته ومغفرته، فإنه هالك.



تم تفسير سورة المزمل .
 

أمّ ورقة الشّهيدة

مزمار ذهبي
24 ديسمبر 2007
1,145
3
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

جزاك الله خيرا أختي الفاضلة على اتمامك سورة المزّمل...أتم الله لك نورك في الدنيا والآخرة.
لعل الآيات الأخيرة من أحسن ما يفسر للتهيئة لشهر رمضان ،بلغناه الله وإياكم.
من فضلك خطأ مطبعي في الآية الأولى " إنّ لدينا أنكالا" وليس "إنّا"...
رفع الله قدركم وغفر لكم.
 

فقه الأخلاق

عضو كالشعلة
25 ديسمبر 2008
469
2
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

^
^
تم التعديل ، أحسن الله إليكِ أختي الحبيبة

وبارك الله في مساعيكِ وفي متابعتكِ


تفسير سورة الجن من آية 1 إلى 10

تفسير السعدي - (ج 1 / ص 890)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رشدا
(10)


أي: { قُلْ } يا أيها الرسول للناس

{ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ } صرفهم الله [إلى رسوله] لسماع آياته لتقوم عليهم الحجة
[وتتم عليهم النعمة] ويكونوا نذرا لقومهم.
وأمر الله رسوله أن يقص نبأهم على الناس،
وذلك أنهم لما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما أنصتوا فهموا معانيه،
ووصلت حقائقه إلى قلوبهم،

{ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا } أي: من العجائب الغالية، والمطالب العالية.

{ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ } والرشد: اسم جامع لكل ما يرشد الناس إلى مصالح دينهم ودنياهم،

{ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا } فجمعوا بين الإيمان الذي يدخل فيه جميع أعمال الخير، وبين التقوى،
[المتضمنة لترك الشر] وجعلوا السبب الداعي لهم إلى الإيمان وتوابعه،
ما علموه من إرشادات القرآن، وما اشتمل عليه من المصالح والفوائد
واجتناب المضار، فإن ذلك آية عظيمة، وحجة قاطعة، لمن استنار به،
واهتدى بهديه، وهذا الإيمان النافع، المثمر لكل خير،
المبني على هداية القرآن، بخلاف إيمان العوائد،
والمربى والإلف ونحو ذلك، فإنه إيمان تقليد تحت خطر الشبهات
والعوارض الكثيرة،

{ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا } أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه،

{ مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا } فعلموا من جد الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا،
لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال،
واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك،
لأنه يضاد كمال الغنى.

{ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا } أي: قولا جائرا عن الصواب، متعديا للحد،
وما حمله على ذلك إلا سفهه وضعف عقله،
وإلا فلو كان رزينا مطمئنا لعرف كيف يقول.

{ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } . أي: كنا مغترين قبل ذلك،
وغرنا القادة والرؤساء من الجن والإنس، فأحسنا بهم الظن،
وظنناهم لا يتجرأون على الكذب على الله،
فلذلك كنا قبل هذا على طريقهم، فاليوم إذ بان لنا الحق،
رجعنا إليه ، وانقدنا له، ولم نبال بقول أحد من الناس يعارض الهدى.

{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } .
أي: كان الإنس يعبدون الجن ويستعيذون بهم عند المخاوف والأفزاع ،
فزاد الإنس الجن رهقا أي: طغيانا وتكبرا لما رأوا الإنس يعبدونهم،
ويستعيذون بهم، ويحتمل أن الضمير في زادوهم يرجع إلى الجن
ضمير الواو أي: زاد الجن الإنس ذعرا وتخويفا لما رأوهم يستعيذون بهم
ليلجئوهم إلى الاستعاذة بهم،
فكان الإنسي إذا نزل بواد مخوف،
قال: " أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه ".

{ وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا } أي: فلما أنكروا البعث أقدموا على الشرك والطغيان.

{ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ } أي: أتيناها واختبرناها،

{ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا } عن الوصول إلى أرجائها [والدنو منها]،

{ وَشُهُبًا } يرمى بها من استرق السمع،
وهذا بخلاف عادتنا الأولى،
فإنا كنا نتمكن من الوصول إلى خبر السماء.

{ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْع } فنتلقف من أخبار السماء ما شاء الله.

{ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا } أي: مرصدا له، معدا لإتلافه وإحراقه،
أي: وهذا له شأن عظيم، ونبأ جسيم،
وجزموا أن الله تعالى أراد أن يحدث في الأرض حادثا كبيرا، من خير أو شر،

فلهذا قالوا: { وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا }
أي: لا بد من هذا أو هذا، لأنهم رأوا الأمر تغير عليهم تغيرا أنكروه،
فعرفوا بفطنتهم أن هذا الأمر يريده الله، ويحدثه في الأرض،
وفي هذا بيان لأدبهم، إذ أضافوا الخير إلى الله تعالى،
والشر حذفوا فاعله تأدبا مع الله.
 

فقه الأخلاق

عضو كالشعلة
25 ديسمبر 2008
469
2
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

تابع تفسير سورة الجن من آية 11 إلى 20

تفسير السعدي - (ج 1 / ص 890)


وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15) وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20)


{ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ } أي: فساق وفجار وكفار،

{ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } أي: فرقا متنوعة، وأهواء متفرقة، كل حزب بما لديهم فرحون.

{ وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا } أي: وأنا في وقتنا الآن تبين لنا كمال قدرة الله وكمال عجزنا، وأن نواصينا بيد الله فلن نعجزه في الأرض ولن نعجزه إن هربنا وسعينا بأسباب الفرار والخروج عن قدرته، لا ملجأ منه إلا إليه.

{ وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى } وهو القرآن الكريم، الهادي إلى الصراط المستقيم، وعرفنا هدايته وإرشاده، أثر في قلوبنا

فـ { آمَنَّا بِهِ } .

ثم ذكروا ما يرغب المؤمن
فقالوا: { فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ } إيمانا صادقا

{ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا } أي: لا نقصا ولا طغيانا ولا أذى يلحقه ، وإذا سلم من الشر حصل له الخير، فالإيمان سبب داع إلى حصول كل خير وانتفاء كل شر.

{ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ } أي: الجائرون العادلون عن الصراط المستقيم.

{ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا } أي:: أصابوا طريق الرشد، الموصل لهم إلى الجنة ونعيمها،

{ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا } وذلك جزاء على أعمالهم، لا ظلم من الله لهم، فإنهم

{ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ } المثلى

{ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا } أي: هنيئا مريئا، ولم يمنعهم ذلك إلا ظلمهم وعدوانهم.

{ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي: لنختبرهم فيه ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب.

{ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا } أي: من أعرض عن ذكر الله، الذي هو كتابه، فلم يتبعه وينقد له، بل غفل عنه ولهى، يسلكه عذابا صعدا أي: شديدا بليغا.

{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } أي: لا دعاء عبادة، ولا دعاء مسألة، فإن المساجد التي هي أعظم محال العبادة مبنية على الإخلاص لله، والخضوع لعظمته، والاستكانة لعزته،

{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ } أي: يسأله ويتعبد له ويقرأ القرآن كَاد الجن من تكاثرهم عليه أن يكونوا عليه لبدا، أي: متلبدين متراكمين حرصا على سماع ما جاء به من الهدى.

{ قُلْ } لهم يا أيها الرسول، مبينا حقيقة ما تدعو إليه

{ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا } أي: أوحده وحده لا شريك له، وأخلع ما دونه من الأنداد والأوثان، وكل ما يتخذه المشركون من دونه.
__________
 

فقه الأخلاق

عضو كالشعلة
25 ديسمبر 2008
469
2
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

تفسير السعدي - (ج 1 / ص 890)
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)




{ قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا } فإني عبد ليس لي من الأمر
ولا من التصرف شيء.


{ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ } .
أي: لا أحد أستجير به ينقذني من عذاب الله، وإذا كان الرسول الذي هو أكمل الخلق،
لا يملك ضرا ولا رشدا، ولا يمنع نفسه من الله [شيئا] إن أراده بسوء،
فغيره من الخلق من باب أولى وأحرى.

{ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا } أي: ملجأ ومنتصرا.

{ إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ } أي: ليس لي مزية على الناس،
إلا أن الله خصني بإبلاغ رسالاته ودعوة الخلق إلى الله،
وبهذا تقوم الحجة على الناس.

{ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا }
وهذا المراد به المعصية الكفرية، كما قيدتها النصوص الأخر المحكمة.
وأما مجرد المعصية، فإنه لا يوجب الخلود في النار،
كما دلت على ذلك آيات القرآن، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وأجمع عليه سلف الأمة وأئمة هذه الأمة.

{ حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ } أي: شاهدوه عيانا، وجزموا أنه واقع بهم،

{ فَسَيَعْلَمُونَ } في ذلك الوقت حقيقة المعرفة

{ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا } حين لا ينصرهم غيرهم ولا أنفسهم ينتصرون،
وإذ يحشرون فرادى كما خلقوا أول مرة.

{ قُلْ } لهم إن سألوك [فقالوا] { متى هذا الوعد } ؟

{ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا } أي: غاية طويلة،
فعلم ذلك عند الله.

{ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا } من الخلق،
بل انفرد بعلم الضمائر والأسرار والغيب،

{ إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } أي: فإنه يخبره بما اقتضت حكمته أن يخبره به،
وذلك لأن الرسل ليسوا كغيرهم، فإن الله أيدهم بتأييد ما أيده أحدا من الخلق،
وحفظ ما أوحاه إليهم حتى يبلغوه على حقيقته، من غير أن تتخبطهم الشياطين،
ولا يزيدوا فيه أو ينقصوا،

ولهذا قال: { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا } أي: يحفظونه بأمر الله؛

{ لِيَعْلَمَ } بذلك

{ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ } بما جعله لهم من الأسباب،

{ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ } أي: بما عندهم، وما أسروه وأعلنوه،

{ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } وفي هذه السورة فوائد كثيرة:

منها: وجود الجن، وأنهم مكلفون مأمورون مكلفون منهيون،
مجازون بأعمالهم، كما هو صريح في هذه السورة.
ومنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول إلى الجن، كما هو رسول إلى الإنس ،
فإن الله صرف نفر الجن ليستمعوا ما يوحى إليه ويبلغوا قومهم.
ومنها: ذكاء الجن ومعرفتهم بالحق، وأن الذي ساقهم إلى الإيمان هو ما تحققوه من هداية القرآن،
وحسن أدبهم في خطابهم.
ومنها: اعتناء الله برسوله، وحفظه لما جاء به،
فحين ابتدأت بشائر نبوته، والسماء محروسة بالنجوم،
والشياطين قد هربت عن أماكنها، وأزعجت عن مراصدها،
وأن الله رحم به الأرض وأهلها رحمة ما يقدر لها قدر، وأراد بهم ربهم رشدا،
فأراد أن يظهر من دينه وشرعه ومعرفته في الأرض،
ما تبتهج به القلوب، وتفرح به أولو الألباب، وتظهر به شعائر الإسلام،
وينقمع به أهل الأوثان والأصنام.
ومنها: شدة حرص الجن لاستماع الرسول صلى الله عليه وسلم،
وتراكمهم عليه.
ومنها: أن هذه السورة قد اشتملت على الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك،
وبينت حالة الخلق، وأن كل أحد منهم لا يستحق من العبادة مثقال ذرة،
لأن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، إذا كان لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا،
بل ولا يملك لنفسه، علم أن الخلق كلهم كذلك،
فمن الخطأ والغلط اتخاذ من هذا وصفه إلها [آخر] مع الله.
ومنها: أن علوم الغيوب قد انفرد الله بعلمها، فلا يعلمها أحد من الخلق،
إلا من ارتضاه الله وخصه بعلم شيء منها.


تم تفسير سورة قل أوحي إلي، ولله الحمد
 

فقه الأخلاق

عضو كالشعلة
25 ديسمبر 2008
469
2
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

تفسير سورة نوح

تفسير السعدي - (ج 1 / ص 888)


نَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4) قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا
(7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)





{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ } .
إلى آخر السورة لم يذكر الله في هذه السورة سوى قصة نوح وحدها
لطول لبثه في قومه، وتكرار دعوته إلى التوحيد، ونهيه عن الشرك،
فأخبر تعالى أنه أرسله
إلى قومه، رحمة بهم، وإنذارا لهم من عذاب الله الأليم،
خوفا من استمرارهم على كفرهم، فيهلكهم الله هلاكا أبديا،
ويعذبهم عذابا سرمديا، فامتثل نوح عليه السلام لذلك،
وابتدر لأمر الله،

فقال: { يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ }
أي: واضح النذارة بينها، وذلك لتوضيحه ما أنذر به وما أنذر عنه،
وبأي: شيء تحصل النجاة، بين جميع ذلك بيانا شافيا،
فأخبرهم وأمرهم بزبدة ما يأمرهم به

فقال: { أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ } وذلك بإفراده تعالى بالتوحيد والعبادة،
والبعد عن الشرك وطرقه ووسائله،
فإنهم إذا اتقوا الله غفر ذنوبهم،
وإذا غفر ذنوبهم حصل لهم النجاة من العذاب،
والفوز بالثواب،

{ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } أي: يمتعكم في هذه الدار،
ويدفع عنكم الهلاك إلى أجل مسمى أي:
مقدر [البقاء في الدنيا] بقضاء الله وقدره [إلى وقت محدود]،
وليس المتاع أبدا، فإن الموت لا بد منه،
ولهذا قال: { إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } لما كفرتم بالله،
وعاندتم الحق، فلم يجيبوا لدعوته،
ولا انقادوا لأمره،

فقال شاكيا لربه: { رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا }
أي: نفورا عن الحق وإعراضا، فلم يبق لذلك فائدة،
لأن فائدة الدعوة أن يحصل جميع المقصود أو بعضه.

{ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ } أي: لأجل أن يستجيبوا
فإذا استجابوا غفرت لهم فكان هذا محض مصلحتهم،
ولكنهم أبوا إلا تماديا على باطلهم، ونفورا عن الحق،

{ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ } حذر سماع ما يقول لهم نبيهم نوح عليه السلام،

{ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ } أي تغطوا بها غطاء يغشاهم بعدا عن الحق وبغضا له،

{ وَأَصَرُّوا } على كفرهم وشرهم

{ وَاسْتَكْبَرُوا } على الحق

{ اسْتِكْبَارًا } فشرهم ازداد، وخيرهم بعد.

{ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا } أي: بمسمع منهم كلهم.

{ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا } كل هذا حرص ونصح،
وإتيانهم بكل باب يظن أن يحصل منه المقصود ،

{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ } أي: اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب،
واستغفروا الله منها.

{ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا } كثير المغفرة لمن تاب واستغفر،
فرغبهم بمغفرة الذنوب، وما يترتب عليها من حصول الثواب،
واندفاع العقاب.
 

فقه الأخلاق

عضو كالشعلة
25 ديسمبر 2008
469
2
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

الله المستعان
مر عام لم أضف مقطعًا !

جزيتم خيرًا ؛ هلاّ شاركتموني بوضع المقاطع
لأني أدخل على فترات متقطعة
وحبذا لو أتممنا تفسير القرآن

وفقنا الله لمرضاته
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: معاً لنتدبر آيات الله

بارك الله فيكم ونفع بكم
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع