- 19 يناير 2009
- 2,950
- 662
- 113
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد صدّيق المنشاوي
- علم البلد
[frame="7 80"]
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
القول في الترجيح بين القراءات والروايات المتواترة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فمن المسلم به بين أهل العلم من أفذاذ أمتنا أن الحق أبلجُ يفيئ إليه كلُّ أحدٍ، فيوزن الرجال بالحق ولا يوزن الحق بالرجال.
ومن مقتضَى ذلك ما سأعقب به أن بعض أهل العلم عليهم رحمة الله في تعقبهم لأوجه القراءات بالترجيح والجواز والمنع اجتهاداً كان لهم فيه وجهٌ ومخرجٌ عليهم رحمة الله، فقد جرى بين أهل العلم الإجماع على أن أي حرفٍ من العشرة القراءات هو من كلام الله جل وعلا، فبعضها كلام الله، وكلها كلام الله، لا فرق بين وجه منها أو طريقٍ أو رواية أو قراءة: في صحتها وقرآنيتها وتواترها وجواز التعبد بها.
وعليه: فمن تعقب وجهاً منها أو طريقاً أو روايةً أو قراءةً من معاصرينا: فقد تعقبَ كلام الله ورجح فيه وعدَّل برأيه البشري القاصر، وليس من الأدب مع الله أن نقول: لو قلتَ يا رب كذا وكذا كما في روايةٍ أخرى عنك: لكان أولى أو أفضل أو أحسن، أو نقول: كلامُك يا ربِّ غير موافقٍ لمشهور كلام العرب، كلُّ هذا مما يُذَمُّ ولا يصح ولا يجوز ولا ينبغي، لما فيه من إساءة الأدب مع الله تعالى، وإن كان لأحدهم مقالٌ فيه أو مذهب جرى عليه فليس مُلزماً إذ ظاهره الخطل والخطأ، والحجة فيه بينةٌ واضحة.
أما قدامى أهل العلم كالطبري عليه رحمة الله، فمن أقوال بعضهم في تخريج فعل من تعقبوا القراءات بالترجيح والتفضيل والمنع والإجازة:
أن غالب مَنْ فَعل ذلك من القرون الأولى، والقراءات على عهدهم لم تكن قد استقرت تماماً على حالها اليومَ بحيث ينعقد الإجماع عليها بالتواتر والصحة، فمن ثَمَّ أجازوا لأنفسهمُ الترجيح بينها على أن منها عندهم الشاذَّ والمتواتر، وهم قد درأوا الشاذ عندهم بالصحيح، ورجحوا الأخير.
لكن الترجيح والتعقب لكلام الله مسلكٌ مخيف، ولا ينبغي أن يكون ديدن المسلم في حديثه.
والأولى من ذلك: توجيه القراءات والروايات، وهو ما دأب عليه أئمة الإقراء ورواة القرآن الكريم ومُسنِدوه، وعامة أهل التفسير.
فقد ذكر السيوطي في الاتقان ضمن كلامه على توجيه القراءات وإعرابها، قال: ينبغي التنبيه على شيء وهو أنه قد تَرْجَحُ[1] إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحاً يكاد يسقطها، وهذا غير مرضي لأن كلاً منهما متواتر.
وحكى أبو عمر الزاهد في كتاب اليواقيت عن ثعلب أنه قال: إذا اختلف الإعرابان في القراءات لم أفضل إعراباً على إعراب، فإذا خرجتُ إلى كلام الناس فضلتُ الأقوى.
وقال أبوجعفر النحاس: السلامة عند أهل الدين إذا صحت القراءتان أن لا يقال إحداهما أجود لأنهما جميعاً قد قرأ بهما صلى الله عليه وسلم، فيأثم من قال ذلك. وكان رؤساء الصحابة ينكرون مثل هذا. وقال أبو شامة: أكثرَ المُصَنِّفُونَ من الترجيح بين قراءة "مالك" و"ملك" حتى أن بعضهم بالغ إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين انتهى. وقال بعضهم: توجيه القراءات الشاذة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة[2].
قال في البرهان: السلامة عند اهل الدين أنه إذا صحت القراءتان عن الجماعة ألا يقال أحدهما أجود لأنهما جميعاً عن النبى صلى الله عليه و سلم، فيأثم من قال ذلك وكان رؤساء الصحابة رضى الله عنهم ينكرون مثل هذا. وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة رحمه الله قد أكثر المصنفون فى القراءات والتفاسير من الترجيح بين قراءة ملك و مالك حتى إن بعضهم يبالغ إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين واتصاف الرب تعالى بهما ثم قال حتى إنى أصلى بهذه فى ركعة وبهذه فى ركعة. وقال صاحب التحرير وقد ذكر التوجيه فى قراءة "وعدنا" و "واعدنا": لا وجه للترجيح بين بعض القراءات السبع وبعض فى مشهور كتب الأئمة من المفسرين والقراء والنحويين وليس ذلك راجعا إلى الطريق حتى يأتى هذا القول بل مرجعه بكثرة الاستعمال فى اللغة والقرآن أو ظهور المعنى بالنسبة إلى ذلك المقام. وحاصله أن القارىء يختار رواية هذه القراءة على رواية غيرها أو نحو ذلك، وقد تجرأ بعضهم على قراءة الجمهور فى "فنادته الملائكة" فقال: أكره التأنيث لما فيه من موافقة دعوى الجاهلية فى زعمها أن الملائكة إناث، وكذلك كره بعضهم قراءة من قرأ بغير تاء لأن الملائكة جمع، وهذا كله ليس بجيد والقراءتان متواترتان فلا ينبغى أن ترد إحداهما البتة وفى قراءة عبد الله "فناداه جبريل" ما يؤيد أن الملائكة مراد به الواحد[3].
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
القول في الترجيح بين القراءات والروايات المتواترة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فمن المسلم به بين أهل العلم من أفذاذ أمتنا أن الحق أبلجُ يفيئ إليه كلُّ أحدٍ، فيوزن الرجال بالحق ولا يوزن الحق بالرجال.
ومن مقتضَى ذلك ما سأعقب به أن بعض أهل العلم عليهم رحمة الله في تعقبهم لأوجه القراءات بالترجيح والجواز والمنع اجتهاداً كان لهم فيه وجهٌ ومخرجٌ عليهم رحمة الله، فقد جرى بين أهل العلم الإجماع على أن أي حرفٍ من العشرة القراءات هو من كلام الله جل وعلا، فبعضها كلام الله، وكلها كلام الله، لا فرق بين وجه منها أو طريقٍ أو رواية أو قراءة: في صحتها وقرآنيتها وتواترها وجواز التعبد بها.
وعليه: فمن تعقب وجهاً منها أو طريقاً أو روايةً أو قراءةً من معاصرينا: فقد تعقبَ كلام الله ورجح فيه وعدَّل برأيه البشري القاصر، وليس من الأدب مع الله أن نقول: لو قلتَ يا رب كذا وكذا كما في روايةٍ أخرى عنك: لكان أولى أو أفضل أو أحسن، أو نقول: كلامُك يا ربِّ غير موافقٍ لمشهور كلام العرب، كلُّ هذا مما يُذَمُّ ولا يصح ولا يجوز ولا ينبغي، لما فيه من إساءة الأدب مع الله تعالى، وإن كان لأحدهم مقالٌ فيه أو مذهب جرى عليه فليس مُلزماً إذ ظاهره الخطل والخطأ، والحجة فيه بينةٌ واضحة.
أما قدامى أهل العلم كالطبري عليه رحمة الله، فمن أقوال بعضهم في تخريج فعل من تعقبوا القراءات بالترجيح والتفضيل والمنع والإجازة:
أن غالب مَنْ فَعل ذلك من القرون الأولى، والقراءات على عهدهم لم تكن قد استقرت تماماً على حالها اليومَ بحيث ينعقد الإجماع عليها بالتواتر والصحة، فمن ثَمَّ أجازوا لأنفسهمُ الترجيح بينها على أن منها عندهم الشاذَّ والمتواتر، وهم قد درأوا الشاذ عندهم بالصحيح، ورجحوا الأخير.
لكن الترجيح والتعقب لكلام الله مسلكٌ مخيف، ولا ينبغي أن يكون ديدن المسلم في حديثه.
والأولى من ذلك: توجيه القراءات والروايات، وهو ما دأب عليه أئمة الإقراء ورواة القرآن الكريم ومُسنِدوه، وعامة أهل التفسير.
فقد ذكر السيوطي في الاتقان ضمن كلامه على توجيه القراءات وإعرابها، قال: ينبغي التنبيه على شيء وهو أنه قد تَرْجَحُ[1] إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحاً يكاد يسقطها، وهذا غير مرضي لأن كلاً منهما متواتر.
وحكى أبو عمر الزاهد في كتاب اليواقيت عن ثعلب أنه قال: إذا اختلف الإعرابان في القراءات لم أفضل إعراباً على إعراب، فإذا خرجتُ إلى كلام الناس فضلتُ الأقوى.
وقال أبوجعفر النحاس: السلامة عند أهل الدين إذا صحت القراءتان أن لا يقال إحداهما أجود لأنهما جميعاً قد قرأ بهما صلى الله عليه وسلم، فيأثم من قال ذلك. وكان رؤساء الصحابة ينكرون مثل هذا. وقال أبو شامة: أكثرَ المُصَنِّفُونَ من الترجيح بين قراءة "مالك" و"ملك" حتى أن بعضهم بالغ إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى، وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين انتهى. وقال بعضهم: توجيه القراءات الشاذة أقوى في الصناعة من توجيه المشهورة[2].
قال في البرهان: السلامة عند اهل الدين أنه إذا صحت القراءتان عن الجماعة ألا يقال أحدهما أجود لأنهما جميعاً عن النبى صلى الله عليه و سلم، فيأثم من قال ذلك وكان رؤساء الصحابة رضى الله عنهم ينكرون مثل هذا. وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة رحمه الله قد أكثر المصنفون فى القراءات والتفاسير من الترجيح بين قراءة ملك و مالك حتى إن بعضهم يبالغ إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين واتصاف الرب تعالى بهما ثم قال حتى إنى أصلى بهذه فى ركعة وبهذه فى ركعة. وقال صاحب التحرير وقد ذكر التوجيه فى قراءة "وعدنا" و "واعدنا": لا وجه للترجيح بين بعض القراءات السبع وبعض فى مشهور كتب الأئمة من المفسرين والقراء والنحويين وليس ذلك راجعا إلى الطريق حتى يأتى هذا القول بل مرجعه بكثرة الاستعمال فى اللغة والقرآن أو ظهور المعنى بالنسبة إلى ذلك المقام. وحاصله أن القارىء يختار رواية هذه القراءة على رواية غيرها أو نحو ذلك، وقد تجرأ بعضهم على قراءة الجمهور فى "فنادته الملائكة" فقال: أكره التأنيث لما فيه من موافقة دعوى الجاهلية فى زعمها أن الملائكة إناث، وكذلك كره بعضهم قراءة من قرأ بغير تاء لأن الملائكة جمع، وهذا كله ليس بجيد والقراءتان متواترتان فلا ينبغى أن ترد إحداهما البتة وفى قراءة عبد الله "فناداه جبريل" ما يؤيد أن الملائكة مراد به الواحد[3].
[1] قال في القاموس المحيط (ج 1- ص 209): رَجَحَ المِيزانُ يَرْجَحُ، مُثَلَّثَةً، رُجُوحاً ورُجْحاناً مالَ. وقال ابن سيدة في المخصص (ج 3- ص 81) قال ابن دريد: رجح الشيء على الشيء يرجَح ويرجُح ويرجِح رُجوحاً ورجَحاناً ورُجحاناً.
[2]الإتقان - (ج 1 / ص 98)
[3]البرهان في علوم القرآن - (ج 1 / ص 340)
[2]الإتقان - (ج 1 / ص 98)
[3]البرهان في علوم القرآن - (ج 1 / ص 340)
[/frame]