- 19 يناير 2009
- 2,950
- 662
- 113
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد صدّيق المنشاوي
- علم البلد
-
[frame="7 80"]
مسئلةٌ في نسبةِ جملةِ مقولِ القولِ إلى قائلها إذا كانَ فيها ضلالٌ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد ...
مسئلةٌ في نسبةِ جملةِ مقولِ القولِ إلى قائلها إذا كانَ فيها ضلالٌ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد ...
فقد ذم أهل العلم حكاية أقول أهل الكفر والظلم والفسق في الكلام عموماً وفي كلام الله على وجه التحديد إلا مقرونةً بفعل القول تنزهاً عن قولها إلا على سبيلِ الروايةِ منسوبةً إلى صاحبها، وفي ذلك أصل: بيانِ أنَّ ناقلَ الكفرِ ليسَ بكافر.
فقد وردت أقوالُ الكافرينَ في غيرِ ما موضعٍ من كتاب الله، وأمثلَتُهُ لا تَخْفَى، ومما وردَ في هذه المسئلةٌ قولُه تعالى "لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ/ إِلاَّ مَن ظُلِمَ" (النساء 148)، فقد ذكر أهلُ العلمِ أنَّ معنى الآيةِ: أن يشكو ذلك إلى إمامٍ أو حاكمٍ[1] أو قاضٍ فَيَذْكُرَ قَالَةَ السُّوءِ التي قيلت له، حتى يُعرَفَ مقدارُ الضرر ليكونَ الجزاءُ على قدرِ الجُرْمِ. وعليه فلا بأسَ بِرِوَايَةِ مَقُولاتِ الكافرينَ وأربابِ الفسادِ لمصلحةٍ راجحةٍ، لكنها حينَذَاكَ تُلصَقُ بمنْ قالها وتنسبُ إليه، وهكذا وردت في كتاب الله منسوبةً لقائلها.
وقد كانَ مِنْ دَأْبِ وأَدَبِ بعضِ الصالحينَ عندَ تلاوةِ أقوالِ أهلِ الكفرِ في كتابِ الله[2] أن يخفضَ بها صوتَهُ هَوْنَاً ما، لا يَلْحَظُُهُ إلا منْ عَرَفَ ذلك، ثم يَرفعونَهُ هوناً ما بتعقيبِ اللهِ على افتراءاتِهِمُ الكاذبةِ كأنْ يبدأ بقوله "غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ/ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء" (المائدة 64)، وذلك حياءاً من مقولة الكفرِ أن تجري على ألسنتهم إلا مُسْتَنْكَرَةً، حتى لو كانت على سبيلِ الحكايةِ والروايةِ، فكان هذا الفعلُ بيانَ الاستنكار.
وقد اختلف أداءُ القراءِ في الوقف أثناء جملة مقول القولِ إذا حكت عن صاحبها ضلالاً، فمنهم من يَصِلُهَا من مُبْتَدَئِهَا إلى مُنْتَهَاهَا، ولا يقفُ فيها إلا وقفاً حسناً يستأنفُ قبلهُ على أنَّ اتِّصالَ الكلامِ وثيقٌ، ومنهم من يقف على تقدير كفاية الوقف ويستأنفُ بعده، ويرى جملة مقول القول كغيرها يوقف على ما يَصِحُّ الوقفُ عليه منها. أما إن كانت جملةُ مقولِ القولِ لا تحكي عن صاحبها ضلالاً فيجوزُ الوقفُ فيها، وهاك أمثلةً على ما لا يحكي الضلال:
o مثلَ قولِه تعالى "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ" (إبراهيم 22) فإن قول الشيطان محكيٌّ عنه يوم القيامة حيث لا يُنطقُ إلا بالحق، وبالتالي فكلام الشيطان حال الندم كلام حقٍّ، فيصح الوقف أثناءه والله أعلم، وفيها استثناء منقطع.
o وكقوله تعالى "قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً" (النمل 34) هنا وقف التمام لأنه انقضاء كلام بِلْقِيْسَ، ثمَّ قالَ تعالى "وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ" وهو رأسُ الآية، وقد كانت بلقيسُ على الكفر حال تكلمتْ، فيمكن أن ينطق الكافر بالحكمة، وهي ضالة المؤمن أني وجدها فهو الأحق بها، ولذلك صَدَّقَ اللهُ كلامها فقال: "وكذلك يفعلون".
o ومثلُهُ الوقف التام على قوله تعالى "لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي" (الفرقان 29) لأنه انقضاءُ كلامِ الظالمِ أُبَىِّ بنِ خلفٍ، ثم عَقَّبَ سبحانه "وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا". ويستثنى من أي قاعدةٍ في منع الوقف لأي سبب نظري أن تكون رأسَ آيةٍ، فإن السنة فيها أولى بالاتباع مطلقاً والله أعلم. وانظر إلى الآيات من سورة الفرقان من قوله تعالى"وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً" (الفرقان 27)، ثم بدأ الآية بعدها "يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً (29)"، فإنه يوقف على رؤوس الآي فيها وإن لم تَنْقَضِ بعدُ قالةُ الظالم، فتنبه!
ويتبع ذلك عدم صحة الابتداء بـ"إِنَّا" في قوله تعالى: وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى _ بل تنسب جملة مقول القول إلى قائلها، حتى لو وقف وقفاً حسناً، كأن يقول "وقولهم إنا قتلنا المسيح" فيقفُ ثم يستأنفُ "إنا قتلنا" على سبيل أن ذلك من الوقف الحسن، فإن ذلك مما يَعْظُمُ نَهْيَاً، بل يستأنفُ "وقولهم" ناسباً الكلام إلى قائله.
[1] التبيان ج1، ص 200
[2] راجع الإتحاف للبنا الدمياطي ص17، ومن أمثلتها قوله تعالى: فقال أنا ربكم الأعلى، قال أنا أحيي وأميت، وقالت اليهود يد الله مغلولة، لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم، وقالت اليهود عزيرٌ ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله، وغيرها.
[/frame]