- 27 أغسطس 2005
- 11,537
- 84
- 0
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد صدّيق المنشاوي
وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ
لَمَّا ذَكَرَ مَا يُرَاد بِهِ وَجْهه وَيُثِيب عَلَيْهِ ذَكَرَ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الصِّفَة وَمَا يُرَاد بِهِ أَيْضًا وَجْهه . وَقَرَأَ الْجُمْهُور : " آتَيْتُمْ " بِالْمَدِّ بِمَعْنَى أَعْطَيْتُمْ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَمُجَاهِد وَحُمَيْد بِغَيْرِ مَدّ ; بِمَعْنَى مَا فَعَلْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ ; كَمَا تَقُول : أَتَيْت صَوَابًا وَأَتَيْت خَطَأ . وَأَجْمَعُوا عَلَى الْمَدّ فِي قَوْله : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة " . وَالرِّبَا الزِّيَادَة وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " مَعْنَاهُ , وَهُوَ هُنَاكَ مُحَرَّم وَهَاهُنَا حَلَال . وَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ قِسْمَانِ : مِنْهُ حَلَال وَمِنْهُ حَرَام . قَالَ عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس " قَالَ : الرِّبَا رِبَوَانِ , رِبَا حَلَال وَرِبَا حَرَام ; فَأَمَّا الرِّبَا الْحَلَال فَهُوَ الَّذِي يُهْدَى , يَلْتَمِس مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهُ . وَعَنْ الضَّحَّاك فِي هَذِهِ الْآيَة : هُوَ الرِّبَا الْحَلَال الَّذِي يُهْدَى لِيُثَابَ مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهُ , لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ , لَيْسَ لَهُ فِيهِ أَجْر وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إِثْم . وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا " يُرِيد هَدِيَّة الرَّجُل الشَّيْء يَرْجُو أَنْ يُثَاب أَفْضَل مِنْهُ ; فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه وَلَا يُؤْجَر صَاحِبه وَلَكِنْ لَا إِثْم عَلَيْهِ , وَفِي هَذَا الْمَعْنَى نَزَلَتْ الْآيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن جُبَيْر وَطَاوُس وَمُجَاهِد : هَذِهِ آيَة نَزَلَتْ فِي هِبَة الثَّوَاب . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِمَّا يَصْنَعهُ الْإِنْسَان لِيُجَازَى عَلَيْهِ كَالسَّلَامِ وَغَيْره ; فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا إِثْم فِيهِ فَلَا أَجْر فِيهِ وَلَا زِيَادَة عِنْد اللَّه تَعَالَى . وَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ . وَفِي كِتَاب النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلْقَمَة قَالَ : قَدِمَ وَفْد ثَقِيف عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ هَدِيَّة فَقَالَ : ( أَهَدِيَّة أَمْ صَدَقَة فَإِنْ كَانَتْ هَدِيَّة فَإِنَّمَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَاء الْحَاجَة , وَإِنْ كَانَتْ صَدَقَة فَإِنَّمَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ) قَالُوا : لَا بَلْ هَدِيَّة ; فَقَبِلَهَا مِنْهُمْ وَقَعَدَ مَعَهُمْ يُسَائِلهُمْ وَيَسْأَلُونَهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : نَزَلَتْ فِي قَوْم يُعْطُونَ قَرَابَاتهمْ وَإِخْوَانهمْ عَلَى مَعْنَى نَفْعهمْ وَتَمْوِيلهمْ وَالتَّفَضُّل عَلَيْهِمْ , وَلِيَزِيدُوا فِي أَمْوَالهمْ عَلَى وَجْه النَّفْع لَهُمْ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : مَعْنَى الْآيَة أَنَّ مَا خَدَمَ الْإِنْسَان بِهِ أَحَدًا وَخَفَّ لَهُ لِيَنْتَفِع بِهِ فِي دُنْيَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ النَّفْع الَّذِي يَجْزِي بِهِ الْخِدْمَة لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا حَرَامًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُصُوص ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر " [ الْمُدَّثِّر : 6 ] فَنَهَى أَنْ يُعْطِي شَيْئًا فَيَأْخُذ أَكْثَر مِنْهُ عِوَضًا . وَقِيلَ : إِنَّهُ الرِّبَا الْمُحَرَّم ; فَمَعْنَى : " لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه " عَلَى هَذَا الْقَوْل لَا يُحْكَم بِهِ لِآخُذهُ بَلْ هُوَ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ . قَالَ السُّدِّيّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي رِبَا ثَقِيف ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِالرِّبَا وَتَعْمَلهُ فِيهِمْ قُرَيْش .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : صَرِيح الْآيَة فِيمَنْ يَهَب يَطْلُب الزِّيَادَة مِنْ أَمْوَال النَّاس فِي الْمُكَافَأَة . قَالَ الْمُهَلَّب : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ وَهْب هِبَة يَطْلُب ثَوَابهَا وَقَالَ : إِنَّمَا أَرَدْت الثَّوَاب ; فَقَالَ مَالِك : يَنْظُر فِيهِ ; فَإِنْ كَانَ مِثْله مِمَّنْ يَطْلُب الثَّوَاب مِنْ الْمَوْهُوب لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ ; مَثَل هِبَة الْفَقِير لِلْغَنِيِّ , وَهِبَة الْخَادِم لِصَاحِبِهِ , وَهِبَة الرَّجُل لِأَمِيرِهِ وَمَنْ فَوْقه ; وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يَكُون لَهُ ثَوَاب إِذَا لَمْ يَشْتَرِط ; وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ الْآخَر . قَالَ : وَالْهِبَة لِلثَّوَابِ بَاطِلَة لَا تَنْفَعهُ ; لِأَنَّهَا بَيْع بِثَمَنٍ مَجْهُول . وَاحْتَجَّ الْكُوفِيّ بِأَنَّ مَوْضُوع الْهِبَة التَّبَرُّع , فَلَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا الْعِوَض لَبَطَلَ مَعْنَى التَّبَرُّع وَصَارَتْ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَات , وَالْعَرَب قَدْ فَرَّقَتْ بَيْن لَفْظ الْبَيْع وَلَفْظ الْهِبَة , فَجَعَلَتْ لَفْظ الْبَيْع عَلَى مَا يَسْتَحِقّ فِيهِ الْعِوَض , وَالْهِبَة بِخِلَافِ ذَلِكَ . وَدَلِيلنَا مَا رَوَاهُ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عُمَر اِبْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَيّمَا رَجُل وَهَبَ هِبَة يَرَى أَنَّهَا لِلثَّوَابِ فَهُوَ عَلَى هِبَته حَتَّى يَرْضَى مِنْهَا . وَنَحْوه عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : الْمَوَاهِب ثَلَاثَة : مَوْهِبَة يُرَاد بِهَا وَجْه اللَّه , وَمَوْهِبَة يُرَاد بِهَا وُجُوه النَّاس , وَمَوْهِبَة يُرَاد بِهَا الثَّوَاب ; فَمَوْهِبَة الثَّوَاب يَرْجِع فِيهَا صَاحِبهَا إِذَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا . وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه ( بَاب الْمُكَافَأَة فِي الْهِبَة ) وَسَاقَ حَدِيث عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَل الْهَدِيَّة وَيُثِيب عَلَيْهَا , وَأَثَابَ عَلَى لِقْحَة وَلَمْ يُنْكِر عَلَى صَاحِبهَا حِين طَلَبَ الثَّوَاب , وَإِنَّمَا أَنْكَرَ سَخَطه لِلثَّوَابِ وَكَانَ زَائِدًا عَلَى الْقِيمَة . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ .
القرطبي
لَمَّا ذَكَرَ مَا يُرَاد بِهِ وَجْهه وَيُثِيب عَلَيْهِ ذَكَرَ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الصِّفَة وَمَا يُرَاد بِهِ أَيْضًا وَجْهه . وَقَرَأَ الْجُمْهُور : " آتَيْتُمْ " بِالْمَدِّ بِمَعْنَى أَعْطَيْتُمْ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَمُجَاهِد وَحُمَيْد بِغَيْرِ مَدّ ; بِمَعْنَى مَا فَعَلْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ ; كَمَا تَقُول : أَتَيْت صَوَابًا وَأَتَيْت خَطَأ . وَأَجْمَعُوا عَلَى الْمَدّ فِي قَوْله : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة " . وَالرِّبَا الزِّيَادَة وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " مَعْنَاهُ , وَهُوَ هُنَاكَ مُحَرَّم وَهَاهُنَا حَلَال . وَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ قِسْمَانِ : مِنْهُ حَلَال وَمِنْهُ حَرَام . قَالَ عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس " قَالَ : الرِّبَا رِبَوَانِ , رِبَا حَلَال وَرِبَا حَرَام ; فَأَمَّا الرِّبَا الْحَلَال فَهُوَ الَّذِي يُهْدَى , يَلْتَمِس مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهُ . وَعَنْ الضَّحَّاك فِي هَذِهِ الْآيَة : هُوَ الرِّبَا الْحَلَال الَّذِي يُهْدَى لِيُثَابَ مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهُ , لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ , لَيْسَ لَهُ فِيهِ أَجْر وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إِثْم . وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا " يُرِيد هَدِيَّة الرَّجُل الشَّيْء يَرْجُو أَنْ يُثَاب أَفْضَل مِنْهُ ; فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه وَلَا يُؤْجَر صَاحِبه وَلَكِنْ لَا إِثْم عَلَيْهِ , وَفِي هَذَا الْمَعْنَى نَزَلَتْ الْآيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن جُبَيْر وَطَاوُس وَمُجَاهِد : هَذِهِ آيَة نَزَلَتْ فِي هِبَة الثَّوَاب . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِمَّا يَصْنَعهُ الْإِنْسَان لِيُجَازَى عَلَيْهِ كَالسَّلَامِ وَغَيْره ; فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا إِثْم فِيهِ فَلَا أَجْر فِيهِ وَلَا زِيَادَة عِنْد اللَّه تَعَالَى . وَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ . وَفِي كِتَاب النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلْقَمَة قَالَ : قَدِمَ وَفْد ثَقِيف عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ هَدِيَّة فَقَالَ : ( أَهَدِيَّة أَمْ صَدَقَة فَإِنْ كَانَتْ هَدِيَّة فَإِنَّمَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَاء الْحَاجَة , وَإِنْ كَانَتْ صَدَقَة فَإِنَّمَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ) قَالُوا : لَا بَلْ هَدِيَّة ; فَقَبِلَهَا مِنْهُمْ وَقَعَدَ مَعَهُمْ يُسَائِلهُمْ وَيَسْأَلُونَهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : نَزَلَتْ فِي قَوْم يُعْطُونَ قَرَابَاتهمْ وَإِخْوَانهمْ عَلَى مَعْنَى نَفْعهمْ وَتَمْوِيلهمْ وَالتَّفَضُّل عَلَيْهِمْ , وَلِيَزِيدُوا فِي أَمْوَالهمْ عَلَى وَجْه النَّفْع لَهُمْ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : مَعْنَى الْآيَة أَنَّ مَا خَدَمَ الْإِنْسَان بِهِ أَحَدًا وَخَفَّ لَهُ لِيَنْتَفِع بِهِ فِي دُنْيَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ النَّفْع الَّذِي يَجْزِي بِهِ الْخِدْمَة لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا حَرَامًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُصُوص ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر " [ الْمُدَّثِّر : 6 ] فَنَهَى أَنْ يُعْطِي شَيْئًا فَيَأْخُذ أَكْثَر مِنْهُ عِوَضًا . وَقِيلَ : إِنَّهُ الرِّبَا الْمُحَرَّم ; فَمَعْنَى : " لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه " عَلَى هَذَا الْقَوْل لَا يُحْكَم بِهِ لِآخُذهُ بَلْ هُوَ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ . قَالَ السُّدِّيّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي رِبَا ثَقِيف ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِالرِّبَا وَتَعْمَلهُ فِيهِمْ قُرَيْش .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : صَرِيح الْآيَة فِيمَنْ يَهَب يَطْلُب الزِّيَادَة مِنْ أَمْوَال النَّاس فِي الْمُكَافَأَة . قَالَ الْمُهَلَّب : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ وَهْب هِبَة يَطْلُب ثَوَابهَا وَقَالَ : إِنَّمَا أَرَدْت الثَّوَاب ; فَقَالَ مَالِك : يَنْظُر فِيهِ ; فَإِنْ كَانَ مِثْله مِمَّنْ يَطْلُب الثَّوَاب مِنْ الْمَوْهُوب لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ ; مَثَل هِبَة الْفَقِير لِلْغَنِيِّ , وَهِبَة الْخَادِم لِصَاحِبِهِ , وَهِبَة الرَّجُل لِأَمِيرِهِ وَمَنْ فَوْقه ; وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يَكُون لَهُ ثَوَاب إِذَا لَمْ يَشْتَرِط ; وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ الْآخَر . قَالَ : وَالْهِبَة لِلثَّوَابِ بَاطِلَة لَا تَنْفَعهُ ; لِأَنَّهَا بَيْع بِثَمَنٍ مَجْهُول . وَاحْتَجَّ الْكُوفِيّ بِأَنَّ مَوْضُوع الْهِبَة التَّبَرُّع , فَلَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا الْعِوَض لَبَطَلَ مَعْنَى التَّبَرُّع وَصَارَتْ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَات , وَالْعَرَب قَدْ فَرَّقَتْ بَيْن لَفْظ الْبَيْع وَلَفْظ الْهِبَة , فَجَعَلَتْ لَفْظ الْبَيْع عَلَى مَا يَسْتَحِقّ فِيهِ الْعِوَض , وَالْهِبَة بِخِلَافِ ذَلِكَ . وَدَلِيلنَا مَا رَوَاهُ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عُمَر اِبْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَيّمَا رَجُل وَهَبَ هِبَة يَرَى أَنَّهَا لِلثَّوَابِ فَهُوَ عَلَى هِبَته حَتَّى يَرْضَى مِنْهَا . وَنَحْوه عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : الْمَوَاهِب ثَلَاثَة : مَوْهِبَة يُرَاد بِهَا وَجْه اللَّه , وَمَوْهِبَة يُرَاد بِهَا وُجُوه النَّاس , وَمَوْهِبَة يُرَاد بِهَا الثَّوَاب ; فَمَوْهِبَة الثَّوَاب يَرْجِع فِيهَا صَاحِبهَا إِذَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا . وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه ( بَاب الْمُكَافَأَة فِي الْهِبَة ) وَسَاقَ حَدِيث عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَل الْهَدِيَّة وَيُثِيب عَلَيْهَا , وَأَثَابَ عَلَى لِقْحَة وَلَمْ يُنْكِر عَلَى صَاحِبهَا حِين طَلَبَ الثَّوَاب , وَإِنَّمَا أَنْكَرَ سَخَطه لِلثَّوَابِ وَكَانَ زَائِدًا عَلَى الْقِيمَة . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ .
القرطبي