إعلانات المنتدى


تشخيص المعاني من خلال المتشابه اللفظي

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

نور مشرق

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
22 يوليو 2008
16,039
146
63
الجنس
أنثى
علم البلد
بسم الله الرحمن الرحيم

إيجاد الفروق بين الآيات وتشخيصها بحيث تستبين المعاني للناظر وتتضح أتم وضوح؛ لهو من أدق القضايا البيانية في علم (المتشابه اللفظي)، وهو يكشف عن قدرة المفسر في النظر في ثنايا الآيات وما تحتويه من مضامين، وهي الخطوة الأولى في مسيرة (المتشابه اللفظي)، وهي الضابط الأساس الذي يُبنى عليه ما بعده من ضوابط، فإذا استطاع المفسر تعيين تلك الفروق بين الآيات استطاع حينئذ أن يُزيل لثام الألفاظ عن وجه المعاني الخفي، وهو يبرهن على طول دربة المفسر في التعامل مع هذا الموضوع الشائك الشيِّق.
ولنا أن نقف مع قوله تعالى: {أأُنزل عليه الذكر من بيننا}[ص:8]. وقوله تعالى: {أأُلقي الذكر عليه من بيننا}[القمر:25]؛ لإيجاد الفروق بين الآيتين، وبالتالي الإجابة عن وجه اختيار لفظة (الإنزال) في سورة (ص) دون لفظة الإلقاء، وانتقاء لفظة (الإلقاء) في سورة (القمر) دون لفظة الإنزال.
آيات سورة ص:
{وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب . أجعلَ الآلهة إلهاً واحداً إنَّ هذا لشيء عُجاب . وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنَّ هذا لشيء يُراد . ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إنْ هذا إلا اختلاق . أأُنزل عليه الذِّكْرُ من بيننا بل هم في شكٍّ من ذِكْري بل لمّا يذوقوا عذاب . أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب . أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب . جندٌ ما هنالك مهزوم من الأحزاب} [ص: 4-11].
آيات سورة القمر:
{كذبت ثمود بالنُّذر . فقالوا أبشراً مِنّا واحداً نتبعه إنا إذن لفي ضلال وسعر . أأُلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذّاب أشِر . سيعلمون غداً من الكذّاب الأشِر . إنا مرسلو الناقةِ فتنةً لهم فارتقبهم واصطبر . ونبئهمْ أن الماء قسمة بينهم كلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَر . فنادوا صاحبهم فتعاطى فَعَقَر. فكيف كان عذابي ونُذُر . إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظِر . ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكِر} [القمر: 23-32].
الفروق بين الآيتين:
ولمعرفة المعاني التي جاءت بها كل آية علينا أن نفرق بين الآيتين تفريقاً يكشف عن وجه الاختلاف:
1. آية سورة (ص) في شأن النبي عليه الصلاة والسلام، أما آية سورة (القمر) فهي في شأن صالح عليه السلام.
2. آية سورة (ص) ورد فيها الإنزال، أما آية سورة (القمر) فورد فيها الإلقاء.
3. آية سورة (ص) قُدِّم فيها ذِكْر الجار والمجرور {عليه} على لفظة {الذكر}، بينما في سورة (القمر) قُدِّم ذِكْر {الذكر} على الجار والمجرور {عليه}.
4. نوع الإضراب في سورة (ص) إبطالي، وهو -أي: الإضراب- من كلام الله عز وجل، بينما في سورة (القمر) فالإضراب انتقالي، وهو من جنس كلام ثمود حين التكذيب.
5. الاستفهام في الآيتين إنكاري تكذيبي، لكن التكذيب في آية سورة (ص) مستنبط من السباق: {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق}[7]، بينما في آية سورة (القمر) مستنبط من اللحاق: {بل هو كذاب أشر}[25].
6. الاستفهام في آية (ص) {أأُنزل عليه الذكر من بيننا}[8] جاء بعد مرحلة التكذيب المباشر، وهي المرحلة الأولى من المراوغة التي سلكها المشركون في حرب الخصومة مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبعد أن صرحوا بأنه ساحر كذاب جاء البيان القرآني ليوضح سبب هذه التهمة فقال على لسان المشركين: {أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب}[5]. فسبب هذه التهمة جعله الآلهة إلهاً واحداً، وهذا ما لا يروق لهم، ثم جاءت المرحلة الثانية وهي رميهم النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه مختلِق وسبب ذلك: {ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق . أأُنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب}[7-8]. ولكن السبب الحقيقي الذي يجول في أنفسهم -وهو الذي دفعهم لاختلاق هذا الاختلاق- هو كون الذكر نازلاً عليه فحسب: {أأُنزل عليه الذكر من بيننا}. ولك أن تفهم مهماز الاستفهام من خلال الظرف{من بيننا} وهو حال من{عليه} أي: أأُنزل عليه حال كونه من بيننا، وأظنك أخي القارئ بدأ يلوح في خاطرك سر تقديم {عليه} على الذكر؛ فهو محط الإحباط الذي عاشه المشركون، ولولا أنهم أدركوا أسرار التعبير الذي يبرئهم من الفضيحة؛ فضيحةِ الإقرار النفسي بأحقية الرسول بالرسالة لقالوا: {أأُنزل عليه الذكر من بيننا}، لكنهم ذكروا الذكر للخروج من شبهة العداوة الشخصية بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
إذن فمدار الاستفهام الإنكاري الناشئ عن حسدهم الممدود بحبل الكبر، حول أن الذكر نزل على شخص المصطفى صلى الله عليه وسلم، فاصطفاؤه من بينهم هو الذي أثار نعرتهم؛ وبالتالي تكذيبهم للذكر، وعليه فالعلة هي الحسد وما يحيط به من كبر يغذي حسدهم.
أما آية سورة (القمر) فالموضوع فيها مختلف تماماً؛ وذلك أن الدافع لثمود في الإنكار هو الكبر والعجرفة، وهذا الكبر ممدود بحبل الحسد، فهو على العكس مما كان عليه مشركو قريش؛ ودليل ذلك أن الآيات تحدثت عن سبب واحد من أسباب التكذيب وبالتالي الإعراض ألا وهو: {فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه إنا إذن لفي ضلال وسعر . أأُلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر }[24-25]؛ فكبرهم هو الذي أثارهم فكيف يكون الاتباع لبشر واحد حال كونه منهم؟! ثم كيف يُقرُّون جميعاً له عليه السلام وهم السادة والأشراف؟! وعليه كان قولهم: {أأُلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر} مفصحاً عن حقيقة هذا الكبر، فكيف يُلقى الذكر عليه ثم يكون الاتباع له، فهاهنا محط الاستنكار والاستهجان من ثمود؛ ولذلك انظر إلى تتمة الآية: {بل هو كذاب أشر}. وهذا يترجم لنا حقيقة سيطرة الكبر على نفوسهم وتمكنه منها.
ثم أعد النظر في سورة (ص): {أأُنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب}؛ وذلك لأنهم في حشاشة أنفسهم يدركون الحق، لكن الحسد هو المانع وهو الذي جعلهم يراوغون تلك المراوغة؛ فرد عليهم ربنا سبحانه بقوله: {بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب}؛ وذلك لأنهم يراوغون مع معرفتهم الحق، بخلاف ثمود التي لم تراوغ مثل قريش، فالأمر عندها مرفوض من البداية، وهذا الرفض واضح لا مساومة عليه ولا تنازل، فكيف يتبعون بشراً واحداً؟! ولذلك كان الإنكار الناشئ عن الكبر أن يكون إلقاء الذكر على شخص واحد.
ففي آية (ص) انصبَّ الإنكار والتكذيب على أن يكون النزول على شخص النبي صلى الله عليه وسلم: {أأُنزل عليه الذكر من بيننا}. بينما في آية (القمر) انصب الإنكار والتكذيب على أن يكون الذكر ملقى على بشر واحد: {أأُلقي الذكر عليه من بيننا}. ومن هنا يتضح سر التعبير بالنزول في آية (ص) دون الإلقاء الذي ورد في آية (القمر).
وملخص ذلك أن يقال:
إن النزول يعبر عن اعترافهم بشيء قد نزل، لكنهم لا يريدون الاعتراف بمن عليه نزل، والإلقاء يعبر عن شيء قد تُلُقّي لكنهم لا يريدون الاعتراف باتباع من أُلقي عليه، فمشركو قريش يعترفون بالنزول ضمناً، ولكنهم يرفضون التصريح به بدافع الحسد فاتبعوا أسلوب المراوغة؛ وذلك بانتقالهم من استنكارهم توحيد الله إلى استنكارهم توحيد الرسول، أما ثمود فلم يراوغوا وإنما رفضوا الخضوع والاتباع بقطع النظر عن صحة الرسالة وصدقها، والله أعلم.

المصدر - مجلة الفرقان
 

الوهراني

مزمار داوُدي
26 أبريل 2008
3,836
27
48
الجنس
ذكر
رد: تشخيص المعاني من خلال المتشابه اللفظي

موضوع شيق ... و ذهني الآن - للأسف مشوش -

سأعود إليه لاحقا بإذن الله

شكرا لك أختي نور مشرق على مواضيعك المميزة

جزاك الله خيرا
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع