- 19 يناير 2009
- 2,950
- 662
- 113
- الجنس
- ذكر
- القارئ المفضل
- محمد صدّيق المنشاوي
- علم البلد
-
[frame="7 80"]
الوقف على "حم* عسق" الشورى
اشتهر عند كثير من القراء المعاصرين - حتى عند بعض أهل الأداء والإقراء - الوقفُ على “حم” ثم البَدْء بــ "عسق"، وهو خلاف ما نصَّ عليه أئمة هذا الفن، ولعل سبب القول بهذا الوجه - والله أعلم - ما قاله عبد الفتاح السيد المرصفيُّ رحمه اللهُ في هداية القاري 2/ 457: الكلمة الثَّانية عشر: "الــم" فاتحة سورة البقرة، ونحوها من فواتح السور التي افتتحت بحروف التهجي، فكل كلمة من هذه الكلمات ونحوها التي وجدت في فواتح السور - سواء كانت مؤلفة من حرفين أم أكثر - فهي كلمة براسها ولا يجوز فصل حرف من حروفها ولا الوقف عليه بالإجماع، بل الوقف على آخرها تبعا للرسم إذْ إنها رسمت موصولة في جميع المصاحف العثمانية باستثناء "حم* عسق" فاتحة سورة الشورى؛ فإنها رسمت مفصولة في كل المصاحف أي
"حم" كلمة و"عسق" كلمة أخرى، وهما آيتان في العدد الكوفي.
"حم" كلمة و"عسق" كلمة أخرى، وهما آيتان في العدد الكوفي.
وعليه: فالوقف جائز بل مسنون على "حم" وعلى "عسق" أيضاً، باعتبار كل منها رأس آية، هذا إذا قرأنا للكوفيين كحفص أو لشيخه عاصم أو حمزة أو الكسائي أو لخلف العاشر.
قلتُ: جميع حروف المعجم المقطعة في فواتح السُّور رسمت موصولة في جميع المصاحف، إلا "حم* عسق"، ولكنها وإن كانت مقطوعة رسماً إلا إنها موصولة لفظاً، وإن علَّل فَصْلَها بعضهم، حيث نقل العلامة الصّفاقِسِيّ رحمه الله في غيث النَّفع ص253 عن البغوي أنه قال: وسئل الحسن بن الفضل: لِمَ قُطِعَ "حم* عسق" ولم توصل "كهيعص"؟ قال: لأنها من سورٍ أولها "حم" فجرت مجرى نظائرها.
قلتُ: وإن كنتُ لا أسُلِّمُ لهذا التعليل، ولكن الذي يستدل به من هذا الأثر أنه مشور عندهم قراءتُها بالوصل؛ لأن السائل سألَ سؤالَ المُسْتَشْكِل أننا نقرؤها موصولة كما نقرأ "كهيعص" فلماذا وافقتها لفظاً ولم توافقها خطاً؟ وإلاَّ لما استشكل السَّائل رسمها مفصولة، فتأمل.
ولذا لما ذكر الإمام المحقق ابن الجزري رحمه الله الموصول والمقطوع والمتفق والمختلف عليه ذكرَ المُطَّرِد في الموصول وغيرَ المُطَّردَ، فكان من ضمن القواعد المُطَّردة في الموصول "حم * عسق" حيث قال رحمه الله في النشر 2/ 152:
فالأصول المطردة أربعة:... الثالث: حروف المعجم المقطعة في فواتح السور سواء كانت ثنائية أو ثلاثية أو أكثر من ذلك، نحو: يس، حم، طسم، الم، الر، المص، كهيعص، إلا أنه كتب "حم* عسق" مفصولاً بين الميم والعين المرجع: إتحاف فضلاء البشر ص143.
فمعنى كلامه رحمه الله ُ أن "حم* عسق" رُسِمَتْ مفصولة ولكنها باقية في هذا الأصل المُطَّرد على وصل جميع الأحرف المقطعة في أوائل السور، ولذا لم يَستثنِ/ ولم ينصَّ على شيءٍ آخر خِلافَ ذلك كعادته رحمه الله فدلَّ ذلك على المقصود.
[ومن بديع عبارات العلاَّمة الصَّفاقسيِّ رحمه الله أنْ قال: ولا يجوز الوقف على "حم" ومن وقف عليه ضرورة أعاد، والوقف على "عسق" تام وقيل كافٍ. المرجع: غيث النفع ص253.
فتأمل - نفع الله بك - هذه العبارة الغالية: ومن وقف عليها ضرورة أعاد، لماذا؟
لأنه من المفصول رسماً والموصول لفظاً.
وتابعهم على ذلك العلامة عبد الفتاح القاضي رحمه الله حيث قال في البدور الزاهرة ص355:
قال صاحب حل المشكلات: ولا يجوز الوقف على "حم" هنا اختياراً، لأنه نص في النشر على أن حروف الفواتح يوقف على آخرها؛ لأنها كالكلمة الواحدة، إلا أنه رسم "حم" مفصولاً عن "عسق" انتهى من النشر. ولم ينص على جواز الوقف على "حم" وحدها، فمن وقف عليها من ضرورة، أعاد.
وحل المشكلات هو: حل المشكلات وتوضيح التحريرات في القراءات، للعلامة محمد عبد الرحمن الخليجي 82، دار الصاحبة للتراث بطنطا.
وتابعهم في ذلك أيضاً العلامة الدكتور محمد سالم محيسن رحمه الله في الإرشادات الجَلِيَّة 415.
ومع هذه النُقُولات عن أئِمَّة هذا الفنِّ لم يتعَّرضْ أحد للردِّ على ابن الجزري والبنا وغيرهما من القدامى؛ فإن ذلك إن دل على شيء فإنما يدلُّ على إقرار علماء القراءة في الغالب بما ذكرته هذه الكوكبة العلمية.
فإن قلتَ: أليس الوقف على رؤوس الآي سُنَّة متَّبعة؟
قلتُ: بلى، ولكنه عامٌ مخصوص، وعامٌ في جميع رؤوس الآي إلا أن يرد دليل التخصيص، والذي نقل إلينا من طريق أئِمَّة القراءة ومحقيقيها - رحمهم الله تعالى - عدمُ الوقف على "حم"، وهو الذي جرى عليه عمل القراء وتلقاه الآخِر عن الأول، وعملهم - رحمهم الله - يَصِحُّ أن يكون تخصيصاً للعموم المذكور، وكما هو معلوم أن القراءة سُنة متَّبعة، فكيف يصح الوقف على "حم" ولم يُنقل جواز الوقف عليها، فدلَّ ذلك على عدم جواز الوقف على "حم" أبداً، بل لا بُدَّ من وصلها بما بعدها "حم* عسق"، وعمل السلف حجَّة مُعتَبرة عند علماء الأصول، وهو سبيل المؤمنين الذي بينه ربُّنا عز وجل في قوله "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً" النساء115.
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة. المرجع: أخرجه الترمذي في جامعه 2167، وصححه الألباني رحمه الله.
فإذا كانت الأمة لا تجتمع على ضلالة؛ لزم من ذلك قَبول قولهم وعدم مفارقته؛ لأن من فارقهم وخالف منهجهم؛ وقع في المحظور، ومن خالف ما تقدم فليأتنا بنصوص أئمة هذا الفن وعلمائه المحققين المحرِّرين من الأقدمين بالتنصيص على هذا الموضع بالذات من صريح العبارات، والله الهادي والموفق رب الأرض والسماوات.
فإن قيل: خالفت أصلا كلياً من أصول القراءة؛ ألا وهو الرسم.
نقول له: ألم تَطْرُقْ أُذُنَك هذه القاعدة الجليلةُ التي ذكرها الإمام المحقق المحرر ابن الجزري رحمه الله: فكم من موضع خالف فيه الرسم وخُلِفَ فيه الأصل، ولا حرج في ذلك إذا صحَّتِ الرِّواية. المرجع: النشر 2/141.
وأما الاستدلال بالعموميات فليس على إطلاقه، بل بشروطه المعتبرة عند علماء الأصول، ومن ترك الأصول حُرِمَ الوصول.
وليس هذا موضعَ بسط المسألة فإنها أصولية مَحْضَة، يُرْجَعُ لها في بطون كتب الأصول، وما حرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
من كتاب: التحقيق الوفي في رواية شعبة الكوفي/ تأليف الشيخ أحمد بن نضال بن عبد الوهاب القطيشات، المجاز بالقراءات العشر الكبرى.
[/frame]