إعلانات المنتدى


نظرات جمالية في لغة القرآن الكريم

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

نور مشرق

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
22 يوليو 2008
16,039
146
63
الجنس
أنثى
علم البلد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نظرات جمالية في لغة القرآن الكريم

استهلال

سنورد آيات من سورة (آل عمران) عن زكريا صلى الله عليه وسلم وهو يدعو ربه أن يرزقه غلاماً، وآيات من سورة مريم – رضي الله عنها – تتضمن المعنى العام الذي تتضمنه آيات (آل عمران) ثم نُبيِّن السبب الذي جعل مجموعة من الاختلافات في اللفظ بين الآيات الأولى والآيات الأخرى، فنكون قد ذكرنا طرفاً من إعجاز القرآن الذي لا ينْضَبُ "ولا يبلى على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه".(1)

قال تعالى في آل عمران: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ . فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ . قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران: 38-40].

وقال تعالى في سورة مريم: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً . يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً . قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً . قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} [مريم: 5-9].

توضيح جمالي: (ذريَّة)، و (وليّ):

قال في السورة الأولى - وقوله الحق -: {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}.
وقال في الثانية: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً}. في الأولى (ذرية)، وفي الثانية (وليّاً)، فما الملحظ البلاغي في هذا الاختلاف؟
الملحظ - والله أعلم – أنه قال (ذرية) لسببين؛ الأول: أن امرأة عمران قال، قبل دعاء زكريا: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} وقد وردت كلمة (ذرية) قبل قول أم مريم: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 34]؛ فورود كلمة (ذرية) مرتين، قبل دعاء زكريا ربه جعل ورودها على لسان زكريا جارية مع السياق العام.

والسبب الثاني: أن زكريا كان لا يزال لمّا يصل إلى درجة الكِبَرِ العاتي، كان في الستين من عمره تقريباً، ولذلك كان لا يزال لديه أمل في أن ينجب بِضعة أولاد وبضع بنات، أي: ذرية. يدلنا على أنه عند دعائه لم يكن قد بلغ من الكبر عتيّاً أن ربه كَفَّلَه مريم (وإن زوجتُهُ خالتُها)، ولو كان شيخاً فانياً لما كفَّله مريم؛ لأن كفالته لها تعني أنه كان يقوم بواجب الإشراف عليها، والرعاية والتوجيه والحنو عليها، ولن يكون ذالك(2) من شيخ فان.

أما عندما قال: "ولياً" فقد كان شيخاً فانياً، باعترافه هو، أو بِبَوْحه لربه: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً} والذي بلغ من الكبر عتيّاً لم يكن لديه أمل عريض؛ فكلُّ أمله أن يرزقه الله ولداً واحداً أي: وليّاً {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ}.

(يحيى) و (غلام):

جاء في السورة الأولى: {أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} وفي الثانية: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} فما الفرق؟ في المرة الأولى قال تعالى: {بيحيى} دون أن يقول: "بغلام"، وفي الثانية وردت كلمة (غلام) {بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى}.

الفرق – والله أعلم – أنه عندما نادى في المرة الأولى كان ذا أمل عريض، كما أسلفنا.
ولذالك أتى الجواب يذكر اسم الولد (يحيى) دون أن تسبقه كلمة (غلام) التي تشير إلى المُصَغَّر الذي لا يتناسب مع الأمل العريض. أما (يحيى) وحدها فَتُوحي بالرجولة، فكأن يحيى رجل لا غلام! خاصة أنه لَحِقَها ما يدل على الاكتمال: {... بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ الله وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ}. حتى وهاذه الأوصاف تعني المستقبل - مستقبل يحيى - غير أنها مُطَمْئِنَةٌ لأبيه زكريا؛ فالمصدِّق بكلمة الله هو راشد، والسيد راشد، والنبوة هي تمام الرشد وكماله، ولا تعارض بينها وبين (الحُصَار).
أما في المرة الثانية فكان أمل زكريا ضئيلاً، فناسبه أن تأتي كلمة (الغلام) قبل (يحيى) متصاقبة مع هاذا الأمل الضئيل.

والفرق بين الكِبَرَيْن:

قال في السورة الأولى: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ}، وفي الثانية: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً}. في المرة الأولى الكِبَرُ هو الذي داهمه، أما في المرة الثانية، فهو الذي مضى إلى الكِبَرِ، فما النُّكتة الإعجازية، في الفرق بين العبارتين؟

النكتة الإعجازية – والله أعلم – أنه في المرة الأولى كان ما يزال رجلاً قويّاً – كما قلنا سابقاً – لمّا يبلغ أرذل العمر، ولذالك، ألقى اللوم على الكِبَرِ؛ فالكِبَرُ هو الذي داهمه، وهو قول رجل لا يعترف أن قواه قد شاخت، وإن بلغه الكبر. أما في المرة الثانية فقد اعترف أن قواه قد شاخت: فقال في الآية الرابعة من سورة مريم {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً}، ولذلك نسب الكبر لنفسه، فليس الفاعل هو الكبر وإنما فاعل الكبر هو نفسه أوهو السُّنون التي مرت عليه، فهدّمته، أي: إنه استسلم لما هو فيه من الشيخوخة، فلم تعد لديه مقاومة لثقل وطأة السنين.

الفرق بين العُقْرَيْن:

وفي السورة الأولى جاء قوله: {وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ} بعد قوله: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ}. أما في السورة الثانية، فقد جاء قوله: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً} قبل قوله: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً}. فما سبب التبادل في المواقع؟ مرة .. بعد اعترافه بِكِبَرِه، ومرة قبل اعترافه بِكِبَرِه.

السبب – والله أعلم – أنه في المرة الأولى، أخَّر عبارة {وامرأتي عاقر} لأنه ما زال – كما قلنا – قويّاً، و {الرجال قوامون على النساء} [النساء: 34] فلا بد في هاذه الحالة من أن يُقَدَّم القوَّامُ – على من يقوم هو عليه، وهاكذا في القرآن جُلِّه، قُدمِّ الرجال على النساء، وقُدِّم المؤمنون على المؤمنات.
أما في المرة الثانية.. فقد قدم عبارة {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً} على عبارة {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً} لسببين؛ الأول: أنه ضَعُفَ حتى لم يعد قادراً على القِواميَّة، (أو القِوامة)؛ لأن القِواميّة ليست لبعض الذكورة، وإنما لما في الذكورة من تفوُّق على الأنوثة، بالجِبِلَّة في هاذا المجال، فإذا فُقدَ التفوّق فُقدت القواميّة.

والثاني: أنه ذكر امرأته في الآية السابقة (الخامسة) {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً} فناسب تقديمُها في الذِّكر تقديمَها في المرة الثانية التي وردت فيها، خاصة أنها كانت موضوع الشكوى من عدم وجود الولد، لأنها عاقر لا تحبل ولا تلد.

(الله) ثم (ربك):

في السورة الأولى جاءت كلمة (الله) في عبارة: {قَالَ كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}. وفي السورة الثانية جاءت كلمة (ربك) في عبارة: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ} فما البلاغة في الأولى إذ جاء لفظ الجلالة (الله) وفي الثانية إذ جاءت صيغة للفظ الجلالة هي (ربك) (أي: هي صفةٌ عظمى من صفات الله تعالى تدل على التربية، والخلق، والرعاية)؟

أقول – والله أعلم - إن الملائكة عندما نادت زكريا في المرة الأولى قالت: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ} فناسب أن يقول أحد الملائكة في المرة الثانية في نفس السياق: {كَذَلِكَ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ}.
أما في السورة الثانية فقد وردت قبل عبارة {كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ} كلمة (رب) ست مرات، فناسب أن تأتي في المرة السابعة كما أتت في المرات الست السابقة عليها، خاصة أن كلمة (الله) لم ترد في هاذا السياق.


الكاتب -
(عودة الله منيع القيسي )
 

~ روح الوداع ~

مزمار داوُدي
7 يوليو 2008
3,779
28
48
الجنس
أنثى
رد: نظرات جمالية في لغة القرآن الكريم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

سلمت يداك أختي الغااالية " ربي يسعدك
بارك الله فيك ووفقك لكل خير في الدارين وعمّر أوقاتك بالطاعة والمسرات
جعله الله في ميزان حسناتك
جزاك ربي روضات الجنات ووالديك
حفظك الرحمن ورعااك
 

*ريتاج*

مزمار ألماسي
9 نوفمبر 2009
1,243
25
0
رد: نظرات جمالية في لغة القرآن الكريم

جزاك الله أختي الكريمة و جعله في ميزان حسناتك
 

فتاة صادقة

مزمار داوُدي
8 أكتوبر 2009
7,553
310
0
الجنس
أنثى
رد: نظرات جمالية في لغة القرآن الكريم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

جزاكِ الله خير.. وبارك فيكِ..
 

الوهراني

مزمار داوُدي
26 أبريل 2008
3,836
27
48
الجنس
ذكر
رد: نظرات جمالية في لغة القرآن الكريم

لفتة طيبة ... مع أني أعتقد أن فيها - من غير ما ذكر - الكثير من اللطائف و الدرر

جزاك الله خيرا أختي نور مشرق على هذا المقال الرائع
 

محمودفهمي

مزمار جديد
15 أكتوبر 2007
24
0
0
الجنس
ذكر
رد: نظرات جمالية في لغة القرآن الكريم

سبحان من هذا كلامه
ملا حظات قيمةلها دلالتها في التعبير القرآني
جزاك الله خيرا علي هذا التوضيح
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع