- 9 نوفمبر 2009
- 1,243
- 25
- 0
نزول القرآن الكريم
* نزول القرآن ابتدائي وسببيينقسم نزول القران إلى قسمين :
الأول : ابتدائي : وهو ما لم يتقدم نزوله سبب يقتضيه ، وهو غالب آيات القران، ومنه قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (التوبة:75)
الآيات فإنها نزلت ابتداء في بيان حال بعض المنافقين ، وأما ما اشتهر من أنها نزلت في ثعلبة ابن حاطب في قصة طويلة ، ذكرها كثير من المفسرين ، وروجها كثير من الوعاظ ، فضعيف لا صحة له.
القسم الثاني : سببي : وهو ما تقدم نزوله سبب يقتضيه . والسبب :
أ- إما سؤال يجيب الله عنه مثل (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) (البقرة: الآية 189) .
ب- أو حادثة وقعت تحتاج إلى بيان وتحذير مثل : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ)(التوبة: الآية 65) الآيتين نزلتا في رجل من المنافقين قال في غزوة تبوك في مجلس : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ، ولا أكذب ألسنا ، ولا أجبن عند اللقاء ، يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن فجاء الرجل يعتذر النبي صلى الله عليه وسلم فيجيبه ( أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)(التوبة: الآية 65)
ج- أو فعل واقع يحتاج إلى معرفة حكمه مثل (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة:1)
* فوائد معرفة أسباب النزول :
معرفة أسباب النزول مهمة جدا ، لأنها تؤدي إلى فوائد كثيرة منها :
1- بيان أن القران نزل من الله تعالى ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الشيء ، فيتوقف عن الجواب أحيانا ، حتى ينزل عليه الوحي ، أو يخفى الأمر الواقع، فينزل الوحي مبينا له . مثال الأول : قوله تعالى : (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً) (الإسراء :85) . ففي صحيح البخاري " عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه : أن رجلا من اليهود قال : يا أبا القاسم ما الروح ؟ فسكت ، وفي لفظ : فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يرد عليهم شيئا ، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (الإسراء :85) الآية مثال الثاني قوله تعالى (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلّ)(المنافقون: الآية 8) وفي صحيح البخاري أن زيد ابن أرقم رضي الله عنه سمع عبد الله ابن أبى رأس المنافقين يقول ذلك ، يريد أنه الأعز ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأذل ، فأخبر زيد عمه بذلك ، فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم زيدا فأخبره بما سمع ثم أرسل إلى عبد الله ابن أبي وأصحابه ، فحلفوا ما قالوا ، فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تصديق زيد في هذه الآية ؛ فاستبان الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
2- بيان عناية الله تعالى برسوله صلى الله عليه وسلم في الدفاع عنه مثال ذلك قوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان:32) وكذلك آيات الإفك .
3- بيان عناية الله تعالى بعباده في تفريج كرباتهم وإزالة غمومهم . مثال ذلك آية التيمم ، ففي " صحيح البخاري " أنه ضاع عقد لعائشة رضي الله عنها ، وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأقام النبي صلى الله عليه وسلم لطلبه ، وأقام الناس على غير ماء ، فشكوا ذلك إلى أبي بكر ، فذكر الحديث وفيه : فأنزل الله أية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن حضير : ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر . والحديث في البخاري مطولاً .
4- فهم الآية على الوجه الصحيح . مثال ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)(البقرة: الآية 158) أي يسعى بينهما ، فإن ظاهر قوله : (فَلا جُنَاحَ عَلَيْه)ِ (البقرة: الآية 158 ) أن غاية أمر السعي بينهما ، أن يكون من قسم المباح ، وفي صحيح البخاري "عن عاصم بن سليمان قال : سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الصفا والمروة ، قال : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله تعالى : ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (البقرة: الآية 158) إلى قوله : (أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) (البقرة: الآية 158) وبهذا عرف أن نفي الجناح ليس المراد به بيان أصل حكم السعي ، وإنما المراد نفي تحرجهم بإمساكهم عنه ، حيث كانوا يرون أنهما من أمر الجاهلية ، أما أصل حكم السعي فقد تبين بقوله:(مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(البقرة:الآية 158)
المصدر: أصول في التفسير لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين