- 22 يوليو 2008
- 16,039
- 146
- 63
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قراءة القرآن يجب أن تكون قراءة صحيحة؛ لأنها المدخل الأمثل للتدبر، فهي مرحلة مهمة أساسية للتدبر. والقراءة الصحيحة لا يمكن أن تتحقق إلا بالتلقي من أفواه الشيوخ المقرئين، وقد اعتنى بها النبي صلى الله عليه وسلم فقد أكثر من التلاوة، ولو أحصينا ما كان يقرأه في الصلاة المفروضة الجهرية عندما كان يؤم الصحابة رضي الله عنهم نجد أنها تبلغ عشرات الألوف من الركعات! فما بالك بالصلوات النافلة، والعرضات الثاقبة، إذ كان يعرض القرآن الكريم على جبريل عليه الصلاة والسلام في كل سنة مرة، إلا في السنة التي مات فيها فقد عرض القرآن مرتين، فيكون مجموع العرضات أربعاً وعشرين عرضة.
وقراءته صلى الله عليه وسلم كانت بتدبر؛ ولهذا كانت السورة عندما يرتلها تطول، فقد أخرج مسلم بسنده عن حفصة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى في سبحته قاعداً حتى كان قبل وفاته بعام، وكان يصلي في سجدته قاعداً، وكان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها). وفي ذلك تعليم للتلاوة والتدبر، ورصيد من الثواب الجزيل.
وقد ذكر ابن عبدالهادي الخلاف في ثواب قراءة الترسل والسرعة، ثم نقل عن الحافظ ابن رجب في كتابه (الاستغناء بالقرآن): (الصواب في المسألة أن يقال: ثواب قراءة الترتيل والتدبر، أجلّ وأرفع قدراً، وثواب كثرة التلاوة أكثر عدداً؛ فالأول كمن تصدَّق بجوهرة عظيمة، أو أعتق عبداً قيمته نفيسة جدّاً، والثاني كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أعتق عدداً من الصبية قيمتهم رخيصة).
وقراءته صلى الله عليه وسلم ساعدت على مزيد من الفهم، ثم العمل، وقد وصفت أم سلمة رضي الله عنها قراءته فقالت: (كانت مُفَسَّرةً حرفاً حرفاً)، (وأنه كان يقطع قراءته آية آية). قال الإمام النحاس: (ومعنى هذا الوقف على رؤوس الآيات). وفي رواية عن أم سلمة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقطِّع قراءته يقرأ ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ ثم يقف ، ﴿الرحمن الرحيم﴾ ثم يقف ...قال القرطبي: (قال علماؤنا رحمة الله عليهم: قول أم سلمة: (كان يقطع قراءته) يدخل فيه جميع ما كان يقرؤه عليه السلام من القرآن، وإنما ذكرت فاتحة الكتاب لتبين صفة التقطيع، أو لأنها أُمّ القرآن، فيغني ذكرها عن ذكر ما بعدها، كما يغني قراءتها في الصلاة عن قراءة غيرها، لجواز الصلاة بها، وإلا فالتقطيع عام لجميع القراءة لظاهر الحديث، وتقطيع القراءة آية آية أولى عندنا من تتبع الأغراض والمقاصد، والوقوف عند انتهائها، لحديث أم سلمة رضي الله عنها) (1). فهذه القراءة كان لها الأثر الفاعل في تعليم الصحابة رضي الله عنهم علم التفسير، وعلم التدبر.
إن مثل هذه القراءة المؤثرة إذا التقى معها التأمل في مقاصدها، والتفهم لمعانيها، فإنها تمس شغاف القلب، فيخشع ويخضع للخالق سبحانه، الذي يخاطب عباده في هذا القرآن الكريم.
وقد بيّن الله تعالى أن الغاية من هذه القراءة هداية المؤمنين، كما في قوله تعالى: ﴿قد أنزل الله إليكم ذكراً . رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور﴾ (الطلاق: 10-11).
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالعناية بالوقف على المعاني، مثل الوقف عند ذكر آية الرحمة، والوقف عند آية العذاب، فقد أخرج النحاس بسنده من طريق الليث بن سعد، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، اقرأوا ولا حرج، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب، ولا تختموا ذكر عذاب برحمة) (2).
فإذا نظرنا في أسماء السور وتقسيمها وعدد آياتها ووقوفها، نرى أن الأسماء والوقوف وخواتيم الآيات وترقيمها ليس لمعرفة الكمية والعدد والحفظ، أو أخذ النفس لاستئناف القراءة فحسب، وإنما للتفكر والتأمل لتتأثر القلوب، فتنعم بمزيد إيمان، مما يؤدي إلى إصلاح الجوارح، فيرقى بها إلى مزيد من شعب الإيمان، وكلما زاد من هذا التدبر والتفكر زاد المؤمن من الارتقاء والنقاء. قال النووي: (وقال السيد الجليل إبراهيم الخواص رضي الله تعالى عنه: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين) (3).
إضافة إلى ما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم في تدبر القرآن، فإن الله تعالى علمنا أيضاً عند ذكر آيات العذاب أن نقف عندها، لما فيها من ذكر الترهيب، وأن ندعو الله تعالى كما أرشدنا، فذكر من صفات عباد الرحمن بأنهم يدعون الله بأن يصرف عنهم عذاب جهنم كما في قوله: ﴿والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً﴾ (الفرقان: 65) فندعو الله تعالى: ﴿ربنا اصرف عنا عذاب جهنم﴾.
ويرد هنا إشكال وهو أن هذه القراءة تأخذ وقتاً طويلاً في مراجعة حفظ القرآن، وأنها تبطئ المراجعة، والجواب أنه لا مانع أن يراجع حفظ القرآن بالطريقة المختارة، ويجعل قراءة خاصة بالتدبر، غير قراءة مراجعة حفظ القرآن حتى نجمع بين الفضلين، فكلاهما مطلوب عند الله تعالى ومحبوب.
( أ.د. حكمت بشير ياسين )