- 9 نوفمبر 2009
- 1,243
- 25
- 0
القرآن الكريم: تناسق فريد
تعالوا نتأمل سوية ما ذكره علماء التفسير، والبلاغة حول بعض الكلمات القرآنية التي تحمل في أصوات حروفها، وظلال معانيها حشداً من الصور البلاغية التي تظهر لنا ومضة من الإعجاز البياني في القرآن الكريم. فيما يلي سوف نعرض لبعض الأمثلة من الآيات الكريمة:
- المثال الأول: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة}. عندما تسمع الأذن قوله تعالى {اثاقلتم} تشخص في الخيال صورة ذلك الجسم (المثَّاقل) الذي يرفعه الرافعون في جهد شديد، فيسقط من أيديهم في ثقل. ولو كانت الكلمة {تثاقلتم} لخف جرس هذه الكلمة، وتوارت الصورة المطلوبة التي استقل هذا اللفظ برسمها.
- المثال الثاني: قال تعالى: {وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله عليَّ إذ لم أكن معهم شهيداً} تقرأ هذه الآية فيكاد لسانك يتعثر وهو يتلفظ بكلمة {ليبطئن} فلا تكاد تنهيها إلا ببطء شديد يشعرك بمعنى التبطئة المراد تشخيصها في الآية.
- المثال الثالث: قال تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها} إن الظل الذي تلقيه في خيالك كلمة {انسلخ} ليشعرك بصورة عنيفة للتملص من آيات الله تعالى، وذلك لما يحمله الانسلاخ من حركة حسية قوية.
- المثال الرابع: قال تعالى على لسان نبيه هود: {أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} تحسس، وتأمل كلمة {أنلزمكموها}. إن إدماج كل هذه الضمائر في النطق، وشد بعضها إلى بعض يصور لك جو الإكراه الذي يدمج فيه المكرهون مع ما يكرهون، ويشدون إليه وهم منه نافرون.
وهكذا يبدو لنا من الأمثلة السابقة لون من التناسق أعلى من البلاغة الظاهرية، وأرفع من الفصاحة اللفظية.. إنه الإشراق الدائم للمعجزة الخالدة.
المصدر: سيد قطب من كتاب(التصوير الفني للقرآن الكريم) نشر في مجلة (الأسرة) عدد (75) بتاريخ (جمادى الآخرة 1420هـ)