إعلانات المنتدى


الإفراط في النشيد

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

وسام الإسافني

مشرف سابق
15 أكتوبر 2005
2,341
1
0
الجنس
ذكر
الإفراط في النشيد

د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف





يُحكى أن مغنياً عزم على التوبة، فقيل له: عليك بصحبة الصوفية! فإنهم يعملون على إرادة الآخرة، والزهد في الدنيا، فصحبهم، فصاروا يستعملونه في السماع والإنشاد، ولا تكاد التوبة تنتهي إليه لتزاحمهم عليه، فترك ذاك المغني صحبتهم، وقال: أنا كنتُ تائباً ولا أدري(1).

هذه واقعة سطّرها يراع ابن القيم ـ رحمه الله ـ، وهي تذكّرنا بالإغراق والمبالغة في النشيد هذه الأيام، والذي استحوذ على فئام من أهل النشيد، حتى أفضى الأمر عند بعضهم إلى محاكاة الغناء الماجن.

فصاحَب بعض الإنشاد التكسّرُ والتأوه في الإلقاء، ومشابهة لحون الغناء المتهتك، واعتناء بعض المنشدين بجمال الصورة، وتنميق المظهر، وحلق شعر الوجه؛ بل أفضى الأمر إلى استعمال المعازف في ذاك النشيد المتفلت، ويضاف إلى ذلك تقنيات الصوت ومؤثراته، والتي جعلت الأسماع لا تكاد تميّز بين غناء المجون وهذا النشيد.

وقد ألمح ابن الجوزي إلى ذلك وحذّر من مغبة هذا الصنيع فقال: «ولما يئس إبليس، أن يسمع من المتعبدين شيئاً من الأصوات المحرمة كالعود، نظر إلى المعنى الحاصل بالعود، فدرجه في ضمن الغناء بغير العود وحسّنه لهم، وإنما مراده التدريج من شيء إلى شيء. والفقيه من نظر في الأسباب والنتائج، وتأمّل المقاصد»(2).

ـ والانهماك في كثير من هذه الأناشيد يورث عاطفة وانفعالاً عند بعض الناس، لكن دون بصيرة أو فقه، فهو يحِّرك المشاعر، ويؤجج العواطف. وقد استخوذ على الصوفية سماع القصائد فقلّ علمهم وعزّ فقههم، حتى قال سفيان الثوري: «أعزّ الخلق خمسة أنفس ـ وذكر منهم ـ: فقيه صوفي»(3).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولهذا غلب على منحرفة المتصوفة الاعتياض بسماع القصائد عن سماع القرآن، فإنه يعطيهم حركة حبّ من غير أن يكون ذلك تابعاً لعلم وتصديق.. وله تأثير من جهة التحريك والإزعاج لا من جهة العلم»(4).

فالأجيال العاكفة على سماع النشيد لا تنال بذلك فقــهاً، ولا تحقق علماً بدين الله ـ تعالى ـ، وإنما هو ترنّم وتواجد، وانفعال عاطفي.

ـ والولع بسماع النشيد يزهّد في سماع القرآن العظيم، «ولذا تجد مَنْ أكثر مِنْ سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه»(1).

وقـد قال الإمام الشــافعي: «خلّفت ببغداد شيئاً أحدثته الـزنـادقة يسمونه التغبير(2)، يصــدون به الناس عن القرآن»(3).

قال ابن تيمية ـ معلقاً على كلام الشافعي ـ: «وهذا من كمال معرفة الشافعي وعلمه بالدين، فإن القلب إذا تعوّد سماع القصائد والأبيات والتذَّ بها، حصل له نفور عن سماع القرآن والآيات، فيستغني بسماع الشيطان عن سماع الرحمن»(4).

ويقول ـ في موطن آخر ـ: « فإن السكر بالأصوات المطربة قد يصير من جنس السكر بالأشربة المسكرة، فيصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، ويمنع قلوبهم حلاوة القرآن، وفهم معانيه، واتباعه، فيصيرون مضارعين للذين يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله...»(5).

فالقلوب أوعية، فإن كان الوعاء مملوءاً بحبّ القصائد والأناشيد، فأين يقع حبّ القرآن وذكر الله ـ تعالى ـ في ذلك الوعاء؟!

وقال ابن الجوزي ـ في نقده الصوفية ـ: «وقد نشب حبّ السماع بقلوب خلق منهم، فآثروه على قراءة القرآن، ورقت قلوبهم عنده مما لا ترق عند القرآن، وما ذاك إلا لتمكن هوى باطن تمكن منه، وغلبة طبع...»(6).

ـ إن النشيد المنضبط بالضوابط الشرعية بديل محمود عن الأغاني الماجنة، لكن إذا وضع بتوازن في موضعه الصحيح، أما إذا أردنا أن نعرف الحكم الشرعي في ذلك النشيد المتفلت، فعلينا أن ننظر إلى مآلاته وعواقبه، وقد حرر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم قاعدة في ذلك، وأعملاها على السماع المحدث، فكان مما قاله ابن القيم:

«إذا أشكل على الناظر أو السالك حكم شيء: هل هو الإباحة أو التحريم؟ فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته، فإن كان مشتملاً على مفسدة راجحة ظاهرة، فإنه يستحيل على الشارع الأمر بـه أو إباحته، بل العلم بتحريمه من شرعه قطعي. ولا سيما إذا كان طريقاً مفضياً إلى ما يغضب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- موصلاً إليه.

فكيف يظن بالحكيم الخبير أن يحرم مثل رأس الإبرة من المسكر؛ لأنه يسوق النفس إلى السكر الذي يسوقها إلى المحرمات، ثم يبيح ما هو أعظم منه سَوْقاً للنفوس إلى الحرام بكثير؟...» ـ إلى أن قال ـ: «... والذي شاهدناه ـ نحن وغيرنا ـ وعرفناه بالتجارب أن ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم، وفشت فيهم، واشتغلوا بها؛ إلا سلط الله عليهم العدو، وبُلوا بالقحط والجدب وولاة السوء. والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر، والله المستعان»(7).

ـ هـذا النشيد المتهتك أنموذج من الترخص المتفلت في واقعـنا الحاضر، فقد ظهرت في الآونة الأخيرة توجهات ومؤلفات في التفـلت عن ضوابط الشرع، والتواثب على حرمات ـ الله عز وجل ـ مثل: حلق اللحية، وإباحة سماع الغناء، والتوسع في أنواع من المناكح والمكاسب والمطعومات دون التحقق من أحكام الشرع.

إضافة إلى ما هو أطم من ذلك كالتساهل في وسائل الشرك وذرائعه، وتهوين عقيدة الولاء والبراء، وغير ذلك.

وهذا الواقع يوجب على العلماء والدعاة أن يربّوا الأمة على أخذ الدين بقوة، والدعوة إلى التمسك بالسُّنة والعض عليها بالنواجذ، والحذر من تتبع الرخص والحيل المحرمة والأقوال الشاذة، وإحياء واعظ الله في قلوب أهل الإسلام، والتذكير بالوقوف بين يدي الجبار جل جلاجه، الذي يعلم السر وأخفى، قال ـ عزَّ وجلَّ ـ: {بَلِ الإنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: 14 - 15].
 

محمد أبو يوسف

عضو شرف
عضو شرف
28 نوفمبر 2005
2,415
11
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
مصطفى إسماعيل
رد: الإفراط في النشيد

نعم هذه هي الحقيقة المرة و للأسف الشديد

فلا شلت يمينك أخي الكريم وسام و زادك الله هدى و توفيقا
 

بوصلوح

مزمار فضي
25 مايو 2006
666
1
0
الجنس
ذكر
رد: الإفراط في النشيد

موضوع جميل بارك الله فيك أخي وسام .... ما شاء الله دائم التميز ...

بإذن الله إن تمكن المسلم من الاعتدال في سماع الأناشيد و اختيار الوقت المناسب .... و جعل جل وقته للذكر والقرآن و الدروس المفيدة .... كان ذلك من الخير .... و في كل خير بإذن الله .....ز

بارك الله فيك أخي وسام و جزاك كل خير ...
 

نزيل مكة

عضو كالشعلة
18 مارس 2006
395
1
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد المحيسني
رد: الإفراط في النشيد

جزاك الله أخي وسام كل خير على المشاركة المهمة وفعلا وقع بعض الناس في الإفراط في سماع

الأناشيد ومتابعتها فأخذت وقت القرآن والتحصيل العلمي فأسأل الله لنا وللجميع الهداية وأن يجعل

القرآن ربيع قلوينا ونور صدورنا..آمين
 

السلفيه

مزمار ألماسي
15 أكتوبر 2008
1,562
1
0
رد: الإفراط في النشيد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بارك الله فيك ..
جزاك الله خير على ماكتبت اخي..
 

اللسان المكي

مراقب قدير سابق ومشرف تسجيلات قراء الجزيرة
مشرف تسجيلات الموقع
27 أغسطس 2008
4,802
43
0
الجنس
ذكر
رد: الإفراط في النشيد

جزيت خيرا , ما تقوله هو عين الصواب , و حق واضح , وحكمة عميقة ,,,

وفقت للخير وزادك الله توفيقا و هداية وصلاحا,,,
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع