إعلانات المنتدى


قصـــــــــــــــةُ فراق عاطفيــــــــــــــــــة ....

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

الطيبي82

مزمار ألماسي
12 سبتمبر 2007
1,826
14
0
الجنس
ذكر
بسم الله الرحمـــــــــــــن الرحيم
قال أستاذي :

هذه قصّةُ فِراقٍ واقعيّةٌ بَاكيةٌ خططتُها في هذِهِ السّاحةِ قبلَ عامٍ أو أقلّ قليلاً ، ثمّ قدّر اللهُ عزّ وجلّ وضَاعَتْ مِن أرشيفِ الساحةِ ، ومِن أرشيفِ حاسُوبي ، فبحثتُ عنها كثيراً ولكنّني لم أهتدِ إليها سبيلاً .
ثمّ أرادُ الله عزّ وجلّ أن أجدَها اليوم في دِهليزٍ مِن دهالِيزِ مُستنداتٍ قديمةٍ لي ، فعَادت بيَ الذكرى ، وهاجَت بيَ الأحزانُ ، فآثَرتُ نَشرَها مَرةً أخرى ، عِبرةً وادّكاراً .

إليكُمُــــــــــــــــــوهَا ..

رُغمَ تَقادُمِ العَهدِ ، وَتتابُع الليَالي والأيّام ِ ، إلا أنَّني لازِلتُ أستَحضِرُ في ضَميرِي تلكَ الحَادِثَةَ ، وأَتذَكّرُ ذَلِكَ المَوقِفَ ، يَتَجَدّدُ في ذِهنِي كأنّهُ بالأمسِ وَقَعَ ، ولاَ غروَ فَقَد كانَتِ أحدَاثُه تَتَسارَعُ بِشكلٍ مُلفِتٍ ، وتسيرُ في تَتَابُعٍ عَجيبٍ ، وإنْ غَابَ عَنْ ذِهني شئٌ فَلنْ تَغِيبَ أبَدَاً صُورَتُهَا فِي برَاءَتهَا وَرَشَاقَتِهَا ، وَهيَ تَقِفُ عَلَى حافّةِ الطّرِيقِ ، حِينَمَا أَقبَلتُ بسَيّارَتي نَحوَهَا، وَهيَ تَرتَجِفُ خَوفا ، تَكَادُ لِمَا بِهَا تَسقُطُ عَلَى الأرْضِ ، كُنْتُ كُلّمَا اقتَرَبتُ مِنْهَا زَادَ خَوْفُهَا وَوَجَلُهَا ، لاحَظْتُ ذَلِكَ حِيْنَ رأيتُهَا تُحَاولُ الابتِعَادَ ، وتُشيح بِوَجهِهَا عَنّي ، وَمَا زَالَت تَبتَعدُ وأنَا أقتَربُ حَتّى أَوقَفتُ عَجَلاتِ سَيّارَتِي بِجِوَارِهَا تمَاماً، نَظَرْتُ إليْهَا مِنَ النّافِذةِ فإذَا الرّعبُ قَد بَلَغ مِنهَا مَبلَغَهُ ، وَوَصَلَ مُنْتَهَاهُ ، تَنظُرُ إليّ بِسُرعةٍ ثمّ تَصرِفُ بَصَرَها يَمِيْنَاً وَشِمَالاً ، وكأنّهَا تَخَافُ أن يَرَاهَا أحدٌ مِنْ أهْلِهَا عَلى تِلكَ الحَالِ .

لَمْ يَكُنْ لَدَيّ مِنَ الوَقتِ مُتّسَعٌ للتّفْكِيرِ ، أوْ مُشَاوَرَتِها حَولَ إمْكَانيّةِ صُعُوْدِهَا مَعِيَ ، فالتّوتّرُ والقَلَق يَخْنُقانِ تِلكَ الثَوَاني السّرِيعَةِ ، وَحَالُهَا لا ينُبِئُ أَنّهَا سَتَفعَلُ ذَلكَ بِمَحْضِ إِرَادَتِهَا ، واضْطِرَابُهَا وإنْ لمْ تُفْصِحْ يَدُلّ أنّهَا نَادِمَةٌ عَلى اللّقاءِ ، وأنّهَا تُفَضّلُ الانْصِرَافَ ، وأمَامَ هَذّا الوَضعِ مَا كَانَ ليَ مِنْ بُدّ إلاّ أنْ أتَصَرّفَ بِسُرعَةٍ وَحِكْمَةٍ ، فَتَرَجّلتُ مِنْ سَيّارَتي ، وَتَوجّهتُ نَحْوَهَا ، وَقَبْلَ أنْ أدْخُلَ مَعَهَا في حَدِيثٍ أو مُفاصَلاتٍ ، حَمَلتُهَا بِسُرعَةٍ دَاخِلَ السّيارَةِ ، وَأغلَقتُ البَابَ بإحْكَامٍ .

جَلَسْتُ خَلفَ المِقوَدِ والتَقَطْتُ أنفَاسِي ، لَحَظاتٌ سَرِيعَةٌ مِنَ الخَوفِ والوَجَل ، وَثَوانٍ مَعْدُودَةٍ مِنَ الصّمْتِ المُتَبَادَلِ سَادَتِ المَوْقِفَ ، لَمْ يَقطَعهَا سِوَى صَوتُ المُحرّكِ عِندَمَا أَدَرْتُهُ اسْتِعداداً للانطِلاَقِ ، تَحَرّكَتْ بِنَا السّيارَةُ وَهِيَ بِجِوَارِي صَامِتَةً وَجِِلَةٍ ، لا تَنطِقُ بِكَلِمَةٍ ، وَلا تَنبسُ بِبِنتِ شَفَة ، وَكَأنمّا عَقَدَ الَخوفُ لِسَانَها ، وَجَمّدَ مَشَاعِرَهَا ، تَوَقعتُ أنْ تُحَاوِلَ الهَرَبَ أو المُقَاوَمَةَ ، أو عَلى الأقلِّ تَصِيح أوْ تَستَغيث ، وَلَكنّ شيئاً مِن ذلكَ لَم يَكُن ، وَإنّمَا ظَلّتْ طِوَالَ الطّرِيقِ وَاجِمَةً تَنظُرُ إليّ بِعَينَينِ دَامِعَتَينِ ، أَحسَنَ اللهُ خَلقَهُمَا ، وَأبدَعَ صُنعَهُمَا ، كَأنّما أَقرَأُ فِيهِمَا حَدِيثَ رُوحٍ مُشفِقَةٍ ، وَنجَوَى قَلبٍ خائِفٍ .

فَضّلتُ أنْ لا أفتَحَ مَعَهَا حَدِيثَا ، قَدْ يُثِيرُ أَشْجَانَها ، أو يُضَاعِفُ أحزَانَهَا ، وَاكتَفَيتُ بِاسترَاقِ النّظَرِ إِليهَا كُلّمَا سَنَحَتْ بَذَلكَ فُرْصَةٌ ، وَتَأمُّلِ بَدِيعِ مَا حَبَاهَا اللهُ بِهِ ، مِنْ جَمَالِ خَلْقٍ ، وَحُسْنِ قِوَامٍ ، فِي جَوًّ مُطْبِقٍ مِنَ الصّمْتِ والهُدُوءِ ، أسْمَعُ مِنْ خِلاَلِهِ رَجْعَ أنْفَاسِهَا ، وَدَقّاتِ قَلبِهَا ، وَبَقِينَا عَلى هَذِهِ الحَالِ حَتّى وَصَلنَا حَيثُ الَمكَانُ الذيْ سَنَنْزِلُ فِيهِ ، وَهُنَاكَ تَرَجّلتُ مِنْ سَيّارَتِي ، وَتَوَجّهْتُ إلى البَابِ الُمجَاوِرِ لهَا ، وَبَادَلتُهَا نَظَرَاتٍ مِنَ الحَيْرَةِ وَالوَجَلِ ، ثُمّ أَخَذْتُ بِيَدَيْهَا حَتّى نَزَلَتْ ، وَكَانَ فِي انتِظارِنا أَحدُ المَسئُولِينَ عَنِ استِقبَالِنا وَالاهتِمَامِ بِشَأنِنَا ، حَيثُ رَحّبَ بِي أَجمَلَ تَرحِيبٍ ، وَرَافَقَني إلى الدّاخِلِ .

ولمّا وَلَجْنَا مَلأَتْ نَوَاظِرَنَا مَقصُورَةٌ وَاسِعَةٌ ، لا تَكَادُ تَرَى أطْرَافَهَا لاتّساعِهَا ، بِهَا مَدَاخِلُ وَبَوّابَاتٌ ، وبِجِوَارِ كُلّ مَدْخَلٍ نَافِذَةٌ زُجَاجِيّةٌ صَغِيرَةُ ، تَوَجّهْتُ إلى أحدِ هذهِ المدَاخِل وَهِيَ بِرِفقَتِي ، خَطوُهَا لا يُفَارِقُ خَطْوِي ، فَأدخَلتُهَا قَبلِي ، وَلمّا حَاوَلتُ الدُخولَ مَعَهَا ، نَادَاني أَحدُ العَامِلِينَ هُنَاكَ ، وَقَالَ : يَا أَخُ . لَو سَمَحتَ انتَظِر ! لاَ يُمكِنَكَ الدّخُولُ مِنْ هُنَا !!

تَفَاجَأتُ جِدّا ، فَلَم أكُنْ أتَوَقعُ أنّ الأمورَ سَتَؤولُ إلى هَذِهِ الحَالِ ، ولا أنّنَا سَنفتَرقُ بِهَذِهِ السُرعَةِ ، أو أنني سأفقِدُهَا بِهذهِ البَسَاطَةِ ، خَاصّةً وَأنّني أرَى بِالدّاخِلِ مَجمُوعةً مِنَ النّاسِ استَطَاعُوا الدُخُولَ ، فَلِمَاذَا أُمنَعُ أنا بِالذّاتِ ؟

حَاوَلتُ أنْ أتفَاهَمَ مَعَهُ ، وَلَكِنْ دُونَ جَدوَى ، فلمّا استيئستُ مِنَ الدُخُولِ مَعَهَا ، ذَهبتُ أنْظُرُ عَبر إحدَى النّوَافِذِ الزّجَاجِيّة ، لَعلّي أظفَرُ بِرُؤيَتِهَا ، وأطمَئنّ عَليهَا ، أجَلتُ نَظَري في أرجاءِ المَقصُورَةِ الوَاسِعَةِ ، فرَأيتُها وَقَد ذَهَبَتْ بَعيداً بعيدَاً ، قَدْ تَملّكَهَا الخَوفُ تَمَاماً ، تَسِيرُ لِوَحدِهَا وتَنظُرُ هُنَا وَهُنَاكَ ، وَكَأنّهَا تَبحَثُ عَنّي ، ثُمّ حَانَتْ مِنهَا التِفَاتَةٌ بَرِيئَةٌ فَوَقَعَتْ عَينَايَ بِعَيْنَيْهَا ، فَارْتَجَفَ قَلبِي ، وَاضطَرَبَتْ مَشَاعِرِي ، وَكِدْتُ لَولا بُعدَهَا عَنّي أنْ أُنَادِيهَا بِأعْلَى صَوْتِي.

لَحَظَاتٌ مِنَ النّظَراتِ المُتَبَادلةِ ، كانَتْ أقصَرَ بكثيرٍ مِنَ نَظَراتِنَا الأولى ، ولكنّها كانتْ تَحمِلُ مِنَ المَعَاني أضعافَ أضعافَ ، وتُوصِلُ مِنَ المَشاعِرِ مَا تَعجَزُ عَن وَصفِهِ الكَلِمات ، وَهَل تستَطِيعُ الكلماتُ أن تَصفَ معنَى الفِراقِ الذي لا لِقاءَ بَعدَهُ ؟؟


لَم يَقطَع حَبلَ تِلكَ المَعَاني والمَشَاعِرِ إلاّ أحدُ العَامِلينَ فِي تِلكَ المَقصُورَةِ حينَ مدّ يَدَهُ إليْهَا ، وأخذَ بِرَقَبَتِهَا ، وأضجَعَهَا عَلَى جَنْبِهَا الأيسَرِ ، ثمّ وَجّهَهَا للقِبْلَةِ ، ثُمّ قالَ : بِسمِ الله واللُه أكبَرُ ..


ثمّ انقَطَع الاتّصَالُ !!
 
  • أعجبني
التفاعلات: شخص واحد

ابنةُ اليمِّ

مدير عام قديرة سابقة و عضو شرف
عضو شرف
26 مايو 2009
25,394
1,156
0
الجنس
أنثى
علم البلد
رد: قصـــــــــــــــةُ فراق عاطفيــــــــــــــــــة ....

رائعة من روائع أستاذك البليغ
قرأتها على عجل , ثمّ عاودت القراءة مرة أخرى
لعلى أظفر بما يشبع فضولي ويروي عطشي للمعرفة
وصمَتُ برهة
وإذا بعقارب الساعة تخرجني من صمتي
فقد اقترب موعد الإفطار,وعلّي بالخروج !
ولم أنسَ قبل الخروج أن أضع تقييم
جزاك الله خيرًا أخي الكريم
 

إيمان غ

مزمار داوُدي
20 نوفمبر 2008
6,805
49
48
الجنس
أنثى
رد: قصـــــــــــــــةُ فراق عاطفيــــــــــــــــــة ....

إنا لله وإنا إليه راجعون
قصة جميلة بدايتها غامضة جدا
ونهايتها محزنة وطريفة
جزاك الله خيرا وجزى الله كاتبها كل خير
 

الوهراني

مزمار داوُدي
26 أبريل 2008
3,836
27
48
الجنس
ذكر
رد: قصـــــــــــــــةُ فراق عاطفيــــــــــــــــــة ....


حيّاك الله أخي أمين صح رمضانك ، و كل عام و أنت بخير

أحببت أن أترك بصمة حتى لا يضيع منا الموضوع

و لي عودة بإذن الله لقراءته

وفقك الله
 

الطيبي82

مزمار ألماسي
12 سبتمبر 2007
1,826
14
0
الجنس
ذكر
رد: قصـــــــــــــــةُ فراق عاطفيــــــــــــــــــة ....

بورك فيكم على المرور ....وفي إنتظار عودة أخي الوهراني ولي معه ذكريات جميلة ..
مشكورون ..ودمتم بعافية
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع