إعلانات المنتدى


الأدب مع الضيفان

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

أحمد نجاح محمد

مراقب سابق
24 مايو 2011
2,247
301
83
الجنس
ذكر
رد: الأدب مع الضيفان

كراهة الغضب عند الضيف
وهذا من الأدب الراقي الذي يُراعى فيه الضيف ومشاعره ، فلربما يظن الضيف عند غضب مضيفه أنه يقصد أن يفعل ذلك ليضجره فينصرف ، أو أن الضيف يغضب لغضب المضيف فيتابعه على ما غضب عليه ، وبالتالي لا يقام بحق الضيافة ؛ وقد بوب البخاري -
rhm.png
- ( بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْغَضَبِ وَالْجَزَعِ عِنْدَ الضَّيْفِ ) ؛ ثم روى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَضَيَّفَ رَهْطًا ، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ : دُونَكَ أَضْيَافَكَ ! فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ إِلَى النَّبِيِّ e ، فَافْرُغْ مِنْ قِرَاهُمْ قَبْلَ أَنْ أَجِيءَ ؛ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَاهُمْ بِمَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ :

اطْعَمُوا ، فَقَالُوا : أَيْنَ رَبُّ مَنْزِلِنَا ؟ قَالَ : اطْعَمُوا ، قَالُوا : مَا نَحْنُ بِآكِلِينَ حَتَّى يَجِيءَ رَبُّ

مَنْزِلِنَا ! قَالَ : اقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ ، فَإِنَّهُ إِنْ جَاءَ وَلَمْ تَطْعَمُوا لَنَلْقَيَنَّ مِنْهُ [ أَيْ : شَرًّا ]، فَأَبَوْا ؛ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَجِدُ [ أَيْ : يَغْضَب] عَلَيَّ ، فَلَمَّا جَاءَ تَنَحَّيْتُ عَنْهُ ، فَقَالَ : مَا صَنَعْتُمْ ؟ فَأَخْبَرُوهُ ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ! فَسَكَتُّ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ! فَسَكَتُّ ، فَقَالَ : يَا غُنْثَرُ ( [1]) ، أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِي لَمَّا جِئْتَ ؛ فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ : سَلْ أَضْيَافَكَ ، فَقَالُوا : صَدَقَ أَتَانَا بِهِ ، قَالَ : فَإِنَّمَا انْتَظَرْتُمُونِي ! وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُهُ اللَّيْلَةَ ! فَقَالَ الْآخَرُونَ : وَاللَّهِ لَا نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ ! قَالَ : لَمْ أَرَ فِي الشَّرِّ كَاللَّيْلَةِ ؛ وَيْلَكُمْ ، مَا أَنْتُمْ ، لِمَ لَا تَقْبَلُونَ عَنَّا قِرَاكُمْ ؟! هَاتِ طَعَامَكَ ، فَجَاءَهُ فَوَضَعَ يَدَهُ فَقَالَ : بِاسْمِ اللَّهِ ؛ الْأُولَى لِلشَّيْطَانِ ، فَأَكَلَ وَأَكَلُوا ( [2]) ، وَقَوْله : ( الْأُولَى لِلشَّيْطَانِ ) ، أَيْ : الْحَالَة الَّتِي غَضِبَ فِيهِا وَحَلَفَ . قال ابن بطال في (شرح البخاري ) : فقه هذا الحديث أنه ينبغي استعمال أحسن الأخلاق للضيف وترك الضجر لكي تنبسط نفسه ، ولا تنقبض وتسقط المؤنة والرقبة خشية أن يظن أن الضجر والغضب من أجله ، فذلك من أدب الإسلام وما يثبت المودة ، ألا ترى أن الصديق لما رأى إباءة أضيافه من الأكل حتى يأكل معهم آثر الأكل معهم وحنَّثَ نفسه ، وإنما حمله على الحلف - والله أعلم - أنه استنقص ابنه وأهله في القيام ببر أضيافه ، واشتد عليه تأخير عشائهم إلى ذلك الوقت من الليل ، فلحقه ما يلحق البشر من الغضب ، ثم لم يسعه مخالفة أضيافه لما أبوا من الأكل دونه ، فرأى أن من تمام برهم إسعاف رغبتهم وترك التمادي في الغضب ، وأخذ في ذلك بقوله u : " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ، وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ " .ا.هـ .
وفي هذا الحديث مما يتعلق بالأدب مع الضيفان غير العنوان :
1 - جَوَاز ذَهَاب مَنْ عِنْده ضِيفَان إِلَى أَشْغَاله وَمَصَالِحه إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِأُمُورِهِمْ , وَيَسُدُّ مَسَدَّه كَمَا كَانَ لِأَبِي بَكْر هُنَا عَبْد الرَّحْمَن رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا .
2 - قَوْله فِي الْأَضْيَاف أَنَّهُمْ اِمْتَنَعُوا مِنْ الْأَكْل حَتَّى يَحْضُر أَبُو بَكْر t ؛ هَذَا فَعَلُوهُ أَدَبًا وَرِفْقًا ب

ِأَبِي بَكْر فِيمَا ظَنُّوهُ ; لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يَحْصُل لَهُ عَشَاء مِنْ عَشَائِهِمْ ؛ قَالَ الْعُلَمَاء : وَالصَّوَاب

لِلضَّيْفِ أَنْ لَا يَمْتَنِع مِمَّا أَرَادَهُ الْمُضِيف مِنْ تَعْجِيل طَعَام وَتَكْثِيره وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوره , إِلَّا أَنْ

يَعْلَم أَنَّهُ يَتَكَلَّف مَا يَشُقّ عَلَيْهِ حَيَاء مِنْهُ فَيَمْنَعهُ بِرِفْقٍ , وَمَتَى شَكَّ لَمْ يَعْتَرِض عَلَيْهِ , وَلَمْ يَمْتَنِع ,

فَقَدْ يَكُون لِلْمُضِيفِ عُذْر أَوْ غَرَض فِي ذَلِكَ لَا يُمْكِنهُ إِظْهَاره , فَتَلْحَقهُ الْمَشَقَّة بِمُخَالَفَةِ الْأَضْيَاف
كَمَا جَرَى فِي قِصَّة أَبِي بَكْر t .
3 - وَفِيهِ حَمْل الْمُضِيفِ الْمَشَقَّة عَلَى نَفْسه فِي إِكْرَام ضِيفَانه , وَإِذَا تَعَارَضَ حِنْثه وَحِنْثهمْ حَنَّثَ نَفْسه لِأَنَّ حَقّهمْ عَلَيْهِ آكَد ؛ فَاسْتَعْمَلَ الصِّدِّيق مَكَارِم الْأَخْلَاق فَحَنَّثَ نَفْسه زِيَادَة فِي إِكْرَام ضِيفَانه لِيَحْصُل مَقْصُوده مِنْ أَكْلهمْ , وَلِكَوْنِهِ أَكْثَرَ قُدْرَة مِنْهُمْ عَلَى الْكَفَّارَة .

[1] - قِيلَ : هُوَ الثَّقِيل الْوَخِم , وَقِيلَ : هُوَ الْجَاهِل مَأْخُوذ مِنْ الْغَثَارَة بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة ، وَهِيَ الْجَهْل ؛ وَالنُّون فِيهِ زَائِدَة , وَقِيلَ : هُوَ السَّفِيه , وَقِيلَ : هُوَ اللَّئِيم مَأْخُوذ مِنْ الْغَثَر , وَهُوَ اللُّؤْم .

[2] - البخاري ( 6140 ) ورواه بألفاظ أخر ( 602 ، 3581 ، 6141 ) ، ورواه مسلم ( 2057 ) .
 

أحمد نجاح محمد

مراقب سابق
24 مايو 2011
2,247
301
83
الجنس
ذكر
رد: الأدب مع الضيفان

الضيافة والمكافأة
يقرر النبي e أن الضيافة حق للضيف ليس على سبيل المكافأة والمجازاة ، بمعنى أن من

ض

يفني أضيفه ، ومن أكرمني أكرمه ، وإنما من نزل ضيفًا ، فلابد أن يؤدى إليه حق الضيافة ؛

بصرف النظر عن كون الضيف يؤدي ذلك للمضيف إن نزل به ضيفًا أو لا يؤديه ؛ ففي حديث

مالك بن نضلة t قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا نَزَلْتُ بِهِ فَلَمْ يُكْرِمْنِي وَلَمْ يَقْرِنِي ، ثُمَّ نَزَلَ بِي أَجْزِيهِ بِمَا صَنَعَ ، أَمْ أَقْرِيهِ ؟ قَالَ : " اقْرِهِ " ( [1]) ؛ ومعنى كلام ابن
نضلة t : أُعَامِلُهُ إذَا مَرَّ بِي بِمِثْلِ مَاعَامَلَنِي بِهِ، أم أقرب له ما أقري به الضيف ؟ فقال له النبي
e : " أَقْرِهِ " .


[1] - أحمد : 3 / 473 ، والطبراني في الكبير : 19 / 276 ، 277 ، وابن حبان ( 3410 ، 5416 ) ؛
والحاكم ( 7364 ) وصححه .
 
التعديل الأخير:

أحمد نجاح محمد

مراقب سابق
24 مايو 2011
2,247
301
83
الجنس
ذكر
رد: الأدب مع الضيفان

مع أبي الضيفان

أبو الضيفان هو خليل الرحمن إبراهيم u ، فهو أول من ضيف الضيف ، وقد أثنى الله -
sbhanh.png
- على إبراهيم e في إكرام ضيفه من الملائكة حيث فقال : ] هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ . إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ . فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ . فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ [ [ الذاريات : 24 ، 27 ] ؛ وهؤلاء الأضياف هم الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى ببشارة إبراهيم ، وإهلاك قوم لوط ؛ فمروا بإبراهيم e أولا ، وجاءوه في صورة بشر ، فأسرع بإكرامهم ، وأدى إليهم حق الضيافة على أكمله ؛ ويستفاد من قصة إبراهيم e مع ضيفه هؤلاء أشياء من آداب الضيافة :
منها : تعجيل القرى ، لقوله : ] فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [ .
ومنها : كون القرى من أحسن ما عنده ] بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [ ، لأنهم ذكروا أن الذي كان عنده البقر ، وأطيبه لحمًا الفتى السمين المنضج .
ومنها : تقريب الطعام إلى الضيف .
ومنها : خدمة الضيف بنفسه .
ومنها : ملاطفتهم بالكلام بغاية الرفق ، ] أَلا تَأْكُلُونَ [ .
ومنها : أن للمضيف أن ينظر في ضيفه هل يأكل أم لا ؟ وذلك ينبغي أن يكون بتلفت ومسارقة نظر لا بتحديده ، حتى لا يحرج ضيفه ؛ وفي ( العقد الفريد ) لابن عبد ربه -
rhm.png
: حضر أعرابيُّ سُفرةَ هشام بن عبد الملك ، فبَينا هو يأكل معه إذ تعلَّقتَ شَعرةٌ في لُقمة الأعرابيّ ، فقال له هشام : عندك شعرة في لُقمتك يا أعرابيّ ؟ فقال : وإنك لتُلاحظني مُلاحظة من يَرى الشَّعرة في لُقمتي ، واللّه لا أكلت عندك أبدًا ؛ ثم خرج وهو يقول :

وللَموتُ خيرٌ من زيارة باخل ... يُلاحظ أطرافَ الأكِيل على عَمْدِ

وقد أثنى الله U على إبراهيم e في هذه الآيات ثناء يظهرمنوجوهمتعددة:
أحدها أنه وصف ضيفه بأنهم مكرمون ، وهذا على أحد القولين : إنه إكرام إبراهيم لهم ، والثاني : إنهم المكرمون عند الله ، ولا تنافي بين القولين فالآية تدل على المعنيين .
الثاني : قوله تعالى : ] إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ [ فلم يذكر استئذانهم ، ففي هذا دليل على أنه e كان قد

عُرِفَ بإكرام الضيفان واعتياد قراهم ، فبقي منزله مضيفة مطروقًا لمن ورده ، لا يحتاج إلى
الاستئذان ، بل استئذان الداخل دُخُولُهُ ، وهذا غاية ما يكون من الكرم .
الثالث : قوله لهم : ] سَلامٌ [ بالرفع ، وهم سلموا عليه بالنصب ، والسلام بالرفع أكمل ، فإنه يدل على الجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام ؛ والمنصوب يدل على الفعلية الدالة على الحدوث والتجدد ، فإبراهيم حياهم أحسن من تحيتهم ؛ فإن قولهم : ] سَلامًا [ يدل على : سلمنا سلاما ؛ وقوله : ] سَلامٌ [ أي : سلام عليكم .
الرابع : أنه حذف ( أنتم ) من قوله : ] قَوْمٌ مُنْكَرُونَ [ ؛ فإنه لما أنكرهم ولم يعرفهم احتشم من مواجهتهم بلفظ ينفِّر الضيف لو قال : أنتم قوم منكرون ، فحَذْفُ المبتدأ هنا من ألطف الكلام .
الخامس : أنه بنى الفعل للمفعول ، وحذف فاعله ، فقال : ] مُنْكَرُونَ [ ، ولم يقل : ( إني أنكركم ) وهو أحسن في هذا المقام ، وأبعد من التنفير والمواجهة بالخشونة .
السادس : أنه راغ إلى أهله ليجيئهم بنزلهم ؛ والروغان هو الذهاب في اختفاء ، لا يكاد يشعر به الضيف ؛ وهذا من كرم رب المنزل المضيف أن يذهب في اختفاء لا يشعر به الضيف فيشق عليه ويستحي ؛ فلا يشعر به إلا وقد جاءه بالطعام ، بخلاف من يقول لضيفه : مكانكم حتى آتيكم بالطعام ، ونحو ذلك مما يوجب حياء الضيف واحتشامه .
السابع : أنه ذهب إلى أهله فجاء بالضيافة ؛ فدل على أن ذلك كان معدًّا عندهم مهيئًا للضيفان ، ولم يحتج أن يذهب إلى غيرهم من جيرانه أو غيرهم فيشتريه أو يستقرضه .
الثامن : قوله تعالى : ] فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ [ دل على خدمته للضيف بنفسه ولم يقل : ( فأمر لهم ) ، بل هو الذي ذهب وجاء به بنفسه ، ولم يبعثه مع خادمه ؛ وهذا أبلغ في إكرام الضيف .
التاسع : أنه جاء بعجل كامل ، ولم يأت ببضعة منه ، وهذا من تمام كرمه e .
العاشر : أنه سمين لا هزيل ، ومعلوم أن ذلك من أفخر أموالهم ، ومثله يتخذ للاقتناء والتربية فآثر به ضيفانه .
الحادي عشر : أنه قربه إليهم بنفسه ، ولم يأمر خادمه بذلك .
الثاني عشر : أنه قربه ، ولم يقربهم إليه ، وهذا أبلغ في الكرامة ، أن يجلس الضيف ثم يقرب الطعام إليه ، ويحمل إلى حضرته ، ولا يضع الطعام في ناحية ثم يأمر الضيف بأن يتقرب إليه .
الثالث عشر : أنه قال : ] أَلا تَأْكُلُونَ [ ، وهذا عرض وتلطف في القول ، وهو أحسن من قوله : كلوا ، أو مدوا أيديكم ؛ وهذا مما يعلم الناس بعقولهم حسنه ولطفه ، ولهذا يقولون : بسم الله ، أو : ألا تتصدق ، أو : ألا تجبر ، ونحو ذلك .
الرابع عشر : أنه إنما عرض عليهم الأكل لأنه رآهم لا يأكلون ، ولم يكن ضيوفه يحتاجون معه إلى الإذن في الأكل ، بل كان إذا قدم إليهم الطعام أكلوا ، وهؤلاء الضيوف لما امتنعوا من الأكل ، قال لهم : ] أَلا تَأْكُلُونَ [ ، ولهذا أوجس منهم خيفة ، أي : أحسها وأضمرها في نفسه ، ولم يبدها لهم ؛ وهو الوجه .
الخامس عشر : فإنهم لما امتنعوا من أكل طعامه خافم نهم ، ولم يظهر لهم ذلك ، فلما علمت الملائكة منه ذلك ، قالوا : لا تخف ، وبشروه بالغلام .
فقد جمعت هذه الآية آداب الضيافة التي هي أشرف الآداب ، وما عداها من التكلفات التي هي تخلف وتكلف إنما هي من أوضاع الناس وعوائدهم ، وكفى بهذه الآداب شرفًا وفخرًا ، فصلى الله على نبينا وعلى إبراهيم وعلى آلهما وعلى سائر النبيين .ا.هـ ( [1] ) .
line.png
line.png
line.png
line.png
_
[1] - انظر ( جلاء الأفهام ) لابن القيم ص 272 : 274 بشيء من الاختصار .
 

أحمد نجاح محمد

مراقب سابق
24 مايو 2011
2,247
301
83
الجنس
ذكر
رد: الأدب مع الضيفان


الهمة إلى المعالي

تأبى بعض النفوس إلا أن تكون في القمة ، فهمتها عالية ، وطموحها دائمًا في الأسمى ، وإن كانت لا تملك من
المال إلا الكفاف ، وقديمًا قال الشاعر :
وإذا كانت النفوس كبارًا ... تعبت في مرادها الأجسام

في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ t فَقَالَ :
إِنِّي مَجْهُودٌ ( [1] ) ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ، فَقَالَتْ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ ؛ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى ، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ : لَا ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَاعِنْدِي
إِلَّا مَاءٌ ! فَقَالَ : " مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ " فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ [ أي : منزله ] ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ قَالَتْ : لَا ، إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي ؛ قَالَ : فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فأَطْفِئِي السِّرَاجَ ، وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ ؛ قَالَ : فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ e فَقَالَ : "
قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ " ، وفي رواية : أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ e ، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ ، فَقُلْنَ : مَا مَعَنَا إِلَّا الْمَاءُ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا " فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : أَنَا ؛ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ : أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ : مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي ! فَقَالَ : هَيِّئِي طَعَامَكِ،وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً ؛ فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا ، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا ، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا ؛ ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ ، فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ e ، فَقَالَ : " ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا " فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ] وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [ ( [2] ) ؛ فَآثَرَ هُوَ وَامْرَأَته عَلَى أَنْفُسهمَا بِرِضَاهُمَا مَعَ حَاجَتهمَا وَخَصَاصَتهمَا , فَمَدَحَهُمَا اللَّه تَعَالَى , وَأَنْزَلَ فِيهِمَا : ] وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [ ؛ فَفِيهِ فَضِيلَة الْإِيثَار وَالْحَثّ عَلَيْهِ ؛ قال الطبري -
rhm.png
: يقول تعالى ذكره : من وقاه الله شحَّ نفسه ] فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ المخلَّدون في الجنة ؛ والشحّ في كلام العرب : البخل ، ومنع الفضل من المال([3]) ؛ قال النووي -
rhm.png
: هَذَا الْحَدِيث مُشْتَمِل عَلَى فَوَائِد كَثِيرَة , مِنْهَا مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ e وَأَهْل بَيْته مِنْ الزُّهْد فِي الدُّنْيَا ، وَالصَّبْر عَلَى الْجُوع ، وَضِيق حَال الدُّنْيَا .
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكَبِيرِ الْقَوْم أَنْ يَبْدَأ فِي مُوَاسَاة الضَّيْف وَمَنْ يَطْرُقهُمْ بِنَفْسِهِ ، فَيُوَاسِيه مِنْ مَاله أَوَّلًا بِمَا يَتَيَسَّر إِنْ
أَمْكَنَهُ , ثُمَّ يَطْلُب لَهُ عَلَى سَبِيل التَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى مِنْ أَصْحَابه .
وَمِنْهَا الْمُوَاسَاة فِي حَال الشَّدَائِد .
وَمِنْهَا فَضِيلَة إِكْرَام الضَّيْف وَإِيثَاره .
وَمِنْهَا مَنْقَبَة لِهَذَا الْأَنْصَارِيّ وَامْرَأَته رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا .
وَمِنْهَا الِاحْتِيَال فِي إِكْرَام الضَّيْف إِذَا كَانَ يَمْتَنِع مِنْهُ رِفْقًا بِأَهْلِ الْمَنْزِل ، لِقَوْلِهِ : ( أَطْفِئِي السِّرَاج , وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُل ) , فَإِنَّهُ لَوْ رَأَى قِلَّة الطَّعَام , وَأَنَّهُمَا لَا يَأْكُلَانِ مَعَهُ لَامْتَنَعَ مِنْ الْأَكْل ( [4]) .

[1] - قَوْله : ( إِنِّي مَجْهُود ) أَيْ : أَصَابَنِي الْجَهْد , وَهُوَ الْمَشَقَّة وَالْحَاجَة وَسُوء الْعَيْش وَالْجُوع .
[2] - البخاري ( 3798 ، 4889 ) ، ومسلم ( 2054 ) ، والترمذي ( 3304 ) ، والنسائي في الكبرى ( 11582 ) .
[3]- انظر تفسير الطبري عند الآية ( 9 ) من سورة الحشر .
[4] - انظر شرح مسلم للنووي : 14 / 12 .
 

أحمد نجاح محمد

مراقب سابق
24 مايو 2011
2,247
301
83
الجنس
ذكر
رد: الأدب مع الضيفان

من قصص قِرى الضيف
نذكر هنا قصتين من قصص قِرى الضيف ما يؤكد المعاني السابقة ، ويكون فيهما - أيضًا - التطبيق العملي الذي يستفيد منه القارئ .
ضيافة الأنصاري لرسول الله e وصاحبيه
في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ e ذَاتَ يَوْمٍ - أَوْ لَيْلَةٍ - فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ

وَعُمَرَ ، فَقَالَ : " مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ " قَالَا : الْجُوعُ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ قَالَ : "

وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا ، قُومُوا " فَقَامُوا مَعَهُ ، فَأَتَى رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ،

فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ ، قَالَتْ : مَرْحَبًا وَأَهْلًا ؛ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ e : " أَيْنَ

فُلَانٌ ؟ " قَالَتْ : ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنْ الْمَاءِ ؛ إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ e

وَصَاحِبَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي ؛ قَالَ : فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ

بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ ، فَقَالَ : كُلُوا مِنْ هَذِهِ ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ [ السكين ] ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ e : " إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ [ ذَات اللَّبَن ] " فَذَبَحَ لَهُمْ ، فَأَكَلُوا مِنْ الشَّاةِ ، وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ ، وَشَرِبُوا ؛ فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ الْجُوعُ ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ ( [1]) .
في الحديث من آداب الضيف : إِظْهَار الْبِشْر وَالْفَرَح بِالضَّيْفِ فِي وَجْهه ، ويظهر ذلك من قول امرأة الأنصاري : ( مَرْحَبًا وَأَهْلًا ) ، وهما كَلِمَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ لِلْعَرَبِ , وَمَعْنَاهُما : صَادَفْت رَحْبًا وَسَعَة وَأَهْلًا تَأْنَس بِهِمْ , كما يظهر - أيضًا - من قول الأنصاري : ( الْحَمْد لِلَّهِ مَا أَحَد الْيَوْم أَكْرَم ضَيْفًا مِنِّي ) ؛ فَفِيه اِسْتِحْبَاب إِكْرَام الضَّيْف وَإِظْهَار السُّرُور بِقُدُومِهِ , وَجَعْله أَهْلًا لِذَلِكَ , وَحَمْد اللَّه تَعَالَى , وَهُوَ يَسْمَع عَلَى حُصُول هَذِهِ النِّعْمَة , وَالثَّنَاء عَلَى الضَيْف إِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ فِتْنَة , فَإِنْ خَافَ لَمْ يُثْنِ عَلَيْهِ فِي وَجْهه , وَهَذَا طَرِيق الْجَمْع بَيْن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِجَوَازِ ذَلِكَ وَمَنْعه .
2 - وَإِنَّمَا أَتَى بِهَذَا الْعِذْق الْمُلَوَّن لِيَكُونَ أَطْرَف , وَلْيَجْمَعُوا بَيْن أَكْل الْأَنْوَاع فَقَدْ يَطِيب لِبَعْضِهِمْ هَذَا وَلِبَعْضِهِمْ هَذَا .
3 - وَفِيهِ : دَلِيل عَلَى اِسْتِحْبَاب تَقْدِيم الْفَاكِهَة عَلَى الْخُبْز وَاللَّحْم وَغَيْرهمَا .
4 - وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الْمُبَادَرَة إِلَى الضَّيْف بِمَا تَيَسَّرَ , وَإِكْرَامه بَعْده بِطَعَامٍ يَصْنَعهُ لَهُ ، لَا سِيَّمَا إِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنّه حَاجَته فِي الْحَال إِلَى الطَّعَام , وَقَدْ يَكُون شَدِيد الْحَاجَة إِلَى التَّعْجِيل وَقَدْ يَشُقّ عَلَيْهِ اِنْتِظَار مَا يَصْنَع لَهُ لِاسْتِعْجَالِهِ لِلِانْصِرَافِ .
5 - وَقَدْ كَرِهَ جَمَاعَة مِنْ السَّلَف التَّكَلُّف لِلضَّيْفِ , وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا يَشُقّ عَلَى صَاحِب الْبَيْت مَشَقَّة ظَاهِرَة ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعهُ مِنْ الْإِخْلَاص وَكَمَال السُّرُور بِالضَّيْفِ , وَرُبَّمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ فَيَتَأَذَّى بِهِ الضَّيْف , وَقَدْ يُحْضِر شَيْئًا يَعْرِف الضَّيْف مِنْ حَاله أَنَّهُ يَشُقّ عَلَيْهِ , وَأَنَّهُ يَتَكَلَّفهُ لَهُ فَيَتَأَذَّى لِشَفَقَتِهِ عَلَيْهِ , وَكُلّ هَذَا مُخَالِف لِقَوْلِهِ e : " مَنْ كَانَ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلْيُكْرِمْ

ضَيْفَهُ " لِأَنَّ أَكْمَلَ إِكْرَامه : إِرَاحَة خَاطِره , وَإِظْهَار السُّرُور بِهِ , وَأَمَّا فِعْل الْأَنْصَارِيّ , وَذَبْحه

الشَّاة فَلَيْسَ مِمَّا يَشُقّ عَلَيْهِ , بَلْ لَوْ ذَبَحَ أَغْنَامًا بَلْ جِمَالًا وَأَنْفَقَ أَمْوَالًا فِي ضِيَافَة رَسُول اللَّه e وَصَاحِبَيْهِ - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا - كَانَ مَسْرُورًا بِذَلِكَ , مَغْبُوطًا فِيهِ . وَاللَّهُ أَعْلَم .

[1]- مسلم ( 2038 ) ، ورواه الترمذي ( 2369 ) ، وابن ماجة ( 3180 ) .
 

أحمد نجاح محمد

مراقب سابق
24 مايو 2011
2,247
301
83
الجنس
ذكر
رد: الأدب مع الضيفان

إنا قوم لا نقبل على قرى أجرًا
روى أبن أبي الدنيا في ( قرى الضيف ) عن بديح مولى عبد الله بن جعفر قال : خرجت مع عبد الله بن جعفر في بعض أسفاره ، فنزلنا إلى جانب خباء من شعر ، وإذا صاحب الخباء رجل من بني عذرة ، قال : فبينا نحن كذلك ، إذا نحن بأعرابي قد أقبل يسوق ناقة حتى وقف علينا ، ثم قال : أي قوم ، ابغوني شفرة [ أي : سكينا ] ، فناولناه الشفرة ، فوجأ في لبتها [ موضع الذبح فوق الصدر ] ، وقال : شأنكم بها ؛ قال : وأقمنا اليوم الثاني ، وإذا نحن بالشيخ العذري يسوق ناقة أخرى فقال : أي قوم ، ابغوني شفرة ، قال : فقلنا : إن عندنا من اللحم ما ترى ، قال : فقال : أبحضرتي تأكلون الغاب ؟ ، ناولوني شفرة ، فناولناه الشفرة فوجأ في لبتها ، ثم قال : شأنكم بها ، وبقينا اليوم الثالث ، فإذا نحن بالعذري يسوق ناقة أخرى حتى وقف علينا ، فقال : أي قوم ، ابغوني شفرة ، قال : قلنا : إن معنا من اللحم ما ترى ، فقال : أبحضرتي تأكلون الغاب ؟ إني لأحسبكم قوما لئامًا ، ناولوني الشفرة ، فناولناه الشفرة فوجأ في لبتها ، ثم قال : شأنكم بها .
قال : وأخذنا في الرحيل ، فقال ابن جعفر لخازنه : ما معك ؟ قال : رزمة ثياب ، وأربع مائة دينار ، قال : اذهب بها إلى الشيخ العذري ، قال : فذهب بها فإذا جارية في الخباء ، فقال : يا هذه خذي هدية ابن جعفر ، قالت : إنا قوم لا نقبل على قرى أجرًا ، قال : فجاء إلى ابن جعفر فأخبره ، فقال : عد إليها ، فإن هي قبلت ، وإلا فارم بها على باب الخيمة ، فعاودها ؛ فقالت : اذهب عنا بارك الله فيك ، فإنا قوم لا نقبل على قرانا أجرًا ، فوالله لئن جاء شيخي فرآك هاهنا ، لتلقين منه أذى ، قال : فرمى بالرزمة والصرة على باب الخباء ، ثم ارتحلنا فما سرنا إلا قليلا إذا نحن بشيء يرفعه السراب مرة ويضعه أخرى ، فلما دنا منا إذا نحن بالشيخ العذري ومعه الصرة والرزمة ، فرمى بذلك إلينا ثم ولى مدبرًا ، فجعلنا ننظر في قفاه هل يلتفت ؟ فهيهات ، قال : فكان ابن جعفر يقول : ما غلبنا بالسخاء إلا الشيخ العذري ( [1]) .

[1]- قرى الضيف ( 15 ) .
 

أحمد نجاح محمد

مراقب سابق
24 مايو 2011
2,247
301
83
الجنس
ذكر
رد: الأدب مع الضيفان

خاتمة :
هذا ما يسره الله الكريم في كتابة هذه الرسالة ؛ والذي يتبين منه عظيم اهتمام منهج الإسلام بالضيف ؛ وأن هذه الآداب الراقية مع الضيف ، هي قربات إلى الله تعالى ، لها جزاؤها الحسن في الدنيا والآخرة ؛ مما يحدو بالمحسن أن يزداد إحسانًا ، وبالمسيء أن يبادر بالتوبة ويتدارك تقصيره .
والحمد لله أولا وأخيرا كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله وعظيم سلطانه ، كما يحب ربنا ويرضى ؛ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا .
وكتبه
أفقر العباد إلى عفو رب البرية
محمد بن محمود بن إبراهيم عطية
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع