إعلانات المنتدى


هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله


مازلنا مع

الإمام أبو حنيفة النعمان




وكان أبو حنيفة يدعو أصحابه إلي الاهتمام بمظهرهم .. وكان إذا قام للصلاة لبس أفخر ثيابه وتعطر، لأنه سيقف بين يدي الله. ورأى مرة أحد جلسائه في ثياب رثة، فدس في يده ألف درهم وهمس: أصلح بها حالك "فقال الرجل" لست احتاج إليها وأنا موسر وإنما هو الزهد في الدنيا. فقال أبو حنيفة: أما بلغك الحديث: إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده؟ وكان شديد التواضع، كثير الصمت، يقتصد في الكلام، ولا يقول إذا سئل، وإذا أغلظ إليه أحد أثناء الجدال صبر عليه. وإذا دخلت إليه امرأة تستفتيه قام من الحلقة وأسدل دونها سترا، ليحفظها من عيون الرجال، وأجابها عما تسأل .. نبع هذا التقدير الكبير للمرأة من حبه العميق لأمه، وحرصه الدائب على أن يرضيها، ثم من فهمه الواعي للإسلام، واتباعه اليقظ للسنة، واجتهاداته الذكية .. وقد قاده اجتهاده إلي الإفتاء بأن الإسلام يبيح للمرأة حق تولي كل الوظائف العامة بلا استثناء .. حتى القضاء!
ولقد كان في حرصه على إرضاء أمه. يحملها على دابة، ويسير بها الأميال، لتصلي خلف أحد الفقهاء يرى هو نفسه أن أبا حنيفا افضل منه، لأن الأم كانت تعتقد بفضل ذلك الفقيه! وكانت الأم لا ترضى بفتوى ابنها أحيانا، فتأمره أن يحملها إلي أحد الوعاظ، فيقودها إليه عن طيب خاطر .. ولقد قال لها الواعظ يوما: "كيف أفتيك ومعك فقيه الكوفة؟" ومع ذلك فقد ظل أبو حنيفة حريصا على إرضائها، لا يرد لها طلبا، حتى إذا عذب في سبيل رأيه، طلبت منه أمه أن يتفرغ للتجارة وينصرف عن الفقه وقالت له: "ما خير علم يصيبك بهذا الضياع؟" فقال لها: "إنهم يريدونني على الدنيا وأنا أريد الآخرة وإني أختار عذابهم على عذاب الله". ولكم تحمل أبو حنيفة من عذب!!
كان مخالفوه في الرأي يغرون به السفهاء والمتعصبين والمتهوسين ويدفعونهم إلي اتهامه بالكفر، وإلي التهجم عليه، فيقابلهم بالابتسام. ولقد ظل أحد هؤلاء السفهاء يشتمه، فلم يتوقف الإمام ليرد عليه، وعندما فرغ من درسه وقام، ظل السفيه يطارده بالسباب، والإمام لا يلتفت إليه، حتى إذا بلغ داره توقف عند باب الدار قائلا للسفيه: "هذه داري فأتم كلامك حتى لا يبقى عندك شيء أو يفوتك سباب فأنا أريد أن أدخل داري"..! كان خصوم أبي حنيفة صنفين: بعض الفقهاء ممن وجدوا انصراف الناس عن حلقاتهم إلي حلقة أبي حنيفة، وحكام ذلك الزمان. أما أعداء أبي حنيفة من الفقهاء فقد كان على رأسهم ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة.
كان أعداؤه فقهاء للدولة في العصر الأموي، حتى إذا جاء العصر العباسي تحولوا إلي الحكام الجدد، واحتالوا عليهم بالنفاق حتى أصبحوا هم أهل الشورى، يزينون للحكام الجدد كل ما زينوه للحكام السابقين من طغيان وعدوان وبغي واستغلال وبطش بالمعارضين .. واصطنعوا من الآراء الفقهية، وقبلوا من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة ما يسند الطبقة الحاكمة والمستغلين، وما يصرف الناس عنهم من أمور الدنيا، وعن سياسة حياتهم، لينقطع الناس إلي التقشف، ويتركوا مستغليهم يستبدون ويعمهون! وكان أبو حنيفة يحتفظ باستقلاله أمام الحكام فيحترم الحكام .. وهو يلبس أغلى الفراء في الشتاء، ويتحلى طوال العام بثياب فاخرة، ويتعطر، ويتنعم بالطيبات من الرزق، وبزينة الحياة التي أحلها الله لعباده .. وكان يقاوم كما قاوم أستاذه وصديقه الإمام جعفر الصادق من قبل بدعة تزيين التقشف والانصراف عن هموم الحياة، وترك الأمر كله لطبقة بعينها تملك وتستغل وتحكم وتستبد!
على أن ميل أبي حنيفة إلي الأئمة من آل البيت أوغر عليه صدور الأمويين والعباسين على السواء. ففي العصر الأموي قالوا "أن تكون كافرا أو مشركا خير من أن تكون علويا" .. وفي العصر العباسي توالت المحن على العلويين، وأبو حنيفة يفتي بأن العلويين أصحاب حق .. على أنه مال إلي العباسيين أول الأمر، وتوسم فيهم الخير، ولكنه إذ وجد الفقهاء الذين نافقوا الأمويين وزينوا لهم العدوان، هم الذين يشيرون على الخلفاء العباسيين، أصابته خيبة الأمل فيهم .. ثم أن العباسيين بطشوا بأبناء عمومتهم العلويين، فساء رأي أبي حنيفة في العباسيين. وأبو حنيفة على الرغم من سماحته لا يسكت عن خطأ الفقهاء من الذين جعلوا كل همهم نفاق الحكام وإرضاءهم .. كان بعضهم يفتي في المسجد إلي جوار حلقة أبي حنيفة، فإذا أخطأ انبرى له أبو حنيفة يكشف ذلك الخطأ ويعلن الصواب على الناس.
وكان ينتقد أخطأ ابن أبي ليلى نقدا أوغر عليه صدر الرجل .. حتى نقد حكما فاحش الخطأ فانفجر غضب ابن أبي ليلى .. "وذلك أن امرأة مجنونة قالت لرجل" "يا ابن الزانيين" فأقام عليها ابن أبي ليلى الحد في المسجد، وجلدها قائمة، وأقام عليها حدين: حدا لقذف الأب وحدا لقذف الأم. وبلغ ذلك أبا حنيفة فقال: أخطأ ابن أبي ليلى في عدة مواضع: أقام الحد في المسجد ولا تقام الحدود في المساجد. وضربها قائمة والنساء يضربن قعودا. وضرب لأبيه حدا ولأمه حدا، ولو أن رجلا قذف جماعة ما كان عليه غير حد واحد، فلا يجمع بين حدين. والمجنونة ليس عليها حد. وحد لأبويه وهما غائبان ولم يحضرا فيدعيا .. وذهب ابن أبي ليلى إلي الخليفة يشكو أبا حنيفة، واتهمه بأنه لا يفتأ يهينه، ويظهره للناس بمظهر الجاهل، وفي ذلك إهانة للخليفة نفسه لأن ابن أبي ليلى إنما ينوب عن الخليفة في القضاء ويحكم بين الناس..!
وأصدر الخليفة أمرا بمنع أبي حنيفة من التعليق على أحكام القضاة، وبمنعه من الفتوى .. حتى إذا احتاج الخليفة إلي رأي في أمر معقد لا يطمئن فيه إلي فتاوى الفقهاء من متملقيه، أرسل يستفتي أبا حنيفة، فامتنع عن الفتوى إلا أن يأذن الخليفة له في أن يفتي للناس جميعا. فأذن له. وعاد يفتي، وعاد ينتقد الأحكام!. وأراد الخليفة المنصور أن يكتب عقدا محكما فلم يسعفه الفقهاء الذين يصانعونه، فلجأ إلي أبي حنيفة فأملى العقد من فوره فأزرى الفقهاء من بطانة الخليفة بما صنعه حسدا من عند أنفسهم. ولكن الخليفة زجرهم، وصرح بأن أبا حنيفة هو أفقه الجميع، وإن كان يكره مواقفه وآراءه. وعندما وقع خلاف بين الخليفة المنصور وزوجته لأنه أراد أن يتزوج عليها، أراد أن يحتكما إلي فقيه، فرفضت الزوجة الاحتكام إلي قاضي القضاة ابن أبي ليلى أو إلي تابعه شبرمة أو إلي أحد الفقهاء من بطانة المنصور! وطلبت أبا حنيفة.
وعندما حضر أبو حنيفة أبدى الخليفة رأيه أن من حقه الزواج لأن الله أحل للمسلم الزواج بأربع، والتمتع بمن يشاء من الإماء مما ملكت يمينه. فرد أبو حنيفة: "إنما أحل الله هذا لأهل العدل. فمن لم يعدل فواحدة. قال الله تعالى:
{فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة}
فينبغي علينا أن نتأدب بأدب الله ونتعظ بمواعظه. وضاق الخليفة بفتواه. ولكنه أخذ بها. وخرج أبو حنيفة إلي داره. فأرسلت له زوجة الخليفة خادما ومعه مال كثير وأحمال من الثياب الفاخرة النادرة، وجارية حسناء، وحمار مصري فاره هدايا لأبي حنيفة. فقال أبو حنيفة للخادم: "أقرئها سلامي. وقل لها إني ناضلت عن ديني وقمت بذلك المقام لوجه الله. لم أرد بذلك تقربا إلي أحد ولا التمست به دنيا ورد الجارية الحسناء والثياب والمال والحمار المصري جميعا.
كان أبو حنيفة لا يقف عند النصوص، وإنما يبحث في دلالاتها، ويحاول أن يواجه بالأحكام ما يقع من أحداث، وما يتوقع حدوثه من الأقضية والحالات. الواقع والمتوقع هما ما كان يعني باستنباط الأحكام لمواجهتها إن لم يجد نصا في الكتاب أو السنة أو الإجماع. وكان يناصر الفقهاء ببديهة حاضرة يقلب الرأي على وجوهه، ويفترض، ويستقرئ ويستنبط، ويحسن الخلوص إلي الغاية، والخلاص من المأزق، ويلزم المناظر الحجة. وهو مع ذلك يقول: "ربما كان ما قلته خطأ كله، لا الصواب كله". ولقد اقتحم عليه الحلقة في يوم عدد من الخوارج على رأسهم قائدهم وفقيههم، وكان الخوارج يقتلون خالفيهم. وكانوا يقتلون من أقر علي بن أبي طالب على التحكيم. كان أبو حنيفة يؤيد عليا ويقره على التحكيم. وخيره شيخ الخوارج بين التوبة أو القتل، فسأله أبو حنيفة أن يناظروه، فرضى، فقال له "فإن اختلفنا؟ قال الخارجي نحكم بيننا رجلا .. فضحك أبو حنيفة قائلا: أنت بهذا تجيز التحكيم." فانصرف عنه الخوارج وتركوه سالما.
وكم مرة خرج من المأزق بسرعة بديهته وسعة حيلته وقوة حجته..! ولكنه لم يستطع أن يفلت من مصائد أعدائه من المرتزقة في بلاط الأمراء .. كانت صلابته، واحترام الحكام له، وإيثارهم إياه على الفقهاء المرتزقة من بطانتهم، تثير هؤلاء الفقهاء وتحرك حسدهم .. فأوغروا صدور الحكام حتى أوقعوا به. وحاولوا أن يقتنصوه بفضائله. إنه لشجاع في الحق .. وإذن فلينصبوا له شركا من جسارته وتقواه .. إن مواقفه في تأييد آل البيت لتؤجج غضب الحكام عليه. ثم كانت آراؤه تزيد سخطهم عليه اشتعالا: فقد نادى بالرأي إن لم يكن هناك نص في الكتاب أو السنة، واتجه في استنباط الأحكام إلي إلحاق الأمور غير المنصوص على أحكامها بما نص على حكمه في حدود ما يحقق مصلحة الأمة ويتسق مع عرف البلد وعاداته، إن لم تخالف هذه العادات والأعراف روح الشريعة أو نصوصها.

و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على اله و صحبه أجمعين .
t7
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله

نسترسل السيرة العطرة


الإمام أبو حنيفة النعمان




أما عن مواقفه في تأييد آل البيت فقد أعلن أن العلويين أولى بالحكم من العباسيين، وجاهز بالانحياز إلي العلويين. ولم يكتم هذا الميل قط، وظل يذيعه بلا تهيب.! على أن الموقف ليس جديدا عليه. فقد أيد ثورة الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين أيام الحكم الأموي. وسمى خرج زيد جهادا في سبيل الله، وشبهه بيوم بدر وحاول أن يخرج مع الإمام زيد، ولكن كانت لديه ودائع للناس أراد أن يسلمها لابن أبي ليلى فرفض. ولم يجد أبو حنيفة إلا ماله يجاهد به فأرسل إلي الإمام زيد مالا كثيرا يمير به جيشه ويقويه. وحين ولى العباسيون أيدهم أول الأمر، ولكنهم بطشوا بمعارضيهم، وصادروا حرية الرأي، ونكلوا بالعلويين، ونكلوا عن العدل الذي بايعهم عليه، فأعلن عدم رضاه عنهم في حلقات الدروس .. وكان المنصور قد جمع رءوس العلويين وسجنهم. وصادر أموالهم وأراضيهم.
ثار العلويون بقيادة محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم بن عبد الله، فبعث المنصور جيشا ضخما ليحصد العلويين. أعلن أبو حنيفة تأييده للثورة، وبكى مصائر العلويين بعد أن نجح المنصور في إخماد الثورة والقضاء على قائدها وفتك بأهل المدينة المنورة الذين أيدوا الثورة .. وكان عبد الله بن الحسن شيخ أبي حنيفة والد محمد النفس الزكية وإبراهيم في سجن المنصورة يعذب حتى الموت. وحين مات أعلن أبو حنيفة أن واحدا من افضل أهل الزمان قد استشهد في سجنه. وبكاه وأبكى عليه. وأما آراؤه التي أشعلت سخط الحاكم وحاشيته عليه فهي تلك التي استنبطها بالقياس حتى لقد اتهمه بعض الفقهاء من خصومه بأنه يفضل القياس على الحديث.
وما كان هذا صحيحا، فقد رأى أبو حنيفة ظاهرة خطيرة، فأراد أن ينجو بدينه منها، وينجى معه الناس: ذلك أنه خلال الصراعين السياسي والاجتماعي، انتشر وضع الحديث خدمة لهذا الجانب أو ذاك، وتأييدا لهذه المصلحة أو تلك، فوقف أبو حنيفة من الحديث موقف أستاذه وصديقه الإمام جعفر الصادق .. تحرى الرواة وصدقهم، وتحرى معاني الأحاديث، ورفض منها ما يشك في صدق رواتها وتقواهم، أو ما يخالف نصا قرآنيا، أو سنة مشهورة، أو مقصدا واضحا من مقاصد الشريعة. وقد فحص الأحاديث الموجودة في عصره وكانت عشرات الآلاف فلم يصح في نظره منها إلا نحو سبعة عشر.
وذهب إلي أن القياس الصحيح يحقق مقاصد الشارع، ويجعل الأحكام أصوب وهو خير من الاعتماد على أحاديث غير صحيحة .. وللقياس ضوابط هي تحقيق المصلحة وهذا هو هدف الشريعة. لقد كان تحرج أبي حنيفة وذمته وتقواه هي العوامل التي دفعته إلي الحذر في قبول الأحاديث إذا شك في صحتها على أي نحو، وكان عليه إذن أن يجد طريقا آخر لاستنباط الأحكام الجديدة قياسا على أحكام ثابتة في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة أو أقوال الصحابة السابقين من أهل الفتيا كعمر ابن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود .. وكان عبد الله بن مسعود يفضل أن يفتي باجتهاده بدلا من أن يسند إلي الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا لا يرى عين اليقين أنه حديث صحيح.
وقد جد في عصر أبي حنيفة كثير من الحوادث والأقضية والأحوال، بعد اتساع الدولة وتشابك الأمور، وظهور ألوان كثيرة من النشاط التجاري والاجتماعي، وواجه الإمام هذا كله بالاجتهاد لاستنباط الأحكام التي تضبط العلاقات. وما كان يبتدع في قياسه كما رماه خصومه، وما كان يهدر السنة كما حاول ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة أن يصوراه كيدا له، بل كان منهجه في استنباط الأحكام في وصية لأحد تلاميذه ممن تولوا القضاء .. قال: "إذا أشكل عليك شيء فارحل إلي الكتاب والسنة والإجماع، فإن وجدت ذلك ظاهرا فاعمل به، وإن لم تجده ظاهرا فرده إلي النظائر واستشهد عليه بالأصول، ثم اعمل بما كان إلي الأصول اقرب وبها أشبه".
وقاده هذا الاجتهاد إلي عديد من الآراء الحرة: الدعوة إلي المساواة بين الرجل والمرأة، في عصر بدأت المرأة فيه تتحول إلي حريم للمتاع! فأفتى بأن للبالغة أن تزوج نفسها .. وهي حرة في اختيار زوجها. كما أفتى بعدم جواز الحجر على أحد، لأن في الحجر إهداراً للآدمية وسحقا للإرادة .. وأفتى بعدم جواز الحجر على أموال المدين، حتى لو استغرقت الديون كل ثروته. لأن في هذا مصادرة لحريته .. وفي كل أمر من أمور الحياة تتعرض فيه حرية الإنسان لأي قيد، أفتى الإمام أبو حنيفة باحترام الحرية وكفالتها، لأن في ضياع حرية الإنسان أذى لا يعدله أذى .. لقد أفتى بكل ما ييسر الدين والحياة على الإنسان فذهب إلي أن الشك لا يلغي اليقين، وضرب لذلك مثلا بأن من توضأ ثم شك في أن حدثا نقض وضوءه، ظل على وضوئه، فشكه لا يضيع يقينه.
وأفتى بأنه لا يحق لأحد أن يمنع المالك من التصرف في ملكه. ولا يحق لأحد أن يحكم على مسلم بالكفر ما ظل على إيمانه بالله ورسوله حتى لو ارتكب المعاصي. ومن كفر مسلما فهو إثم. وأفتى بأن قراءة الإمام في الصلاة تغني عن قراءة المصلين خلفه، فتصح صلاتهم دون قراءتهم اكتفاء بقراءة الإمام وحده. ولقد أثار هذا الرأي بعض الناس، فذهبوا إلي الإمام ليحاوروه في رأيه فقال لهم "لا يمكنني مناظرة الجميع فولوا أعلمكم" فاختاروا واحدا منهم ليتكم عنهم. وسألهم أبو حنيفة إن كانوا يوافقون على أنه إذا ناظر من اختاروه يكون قد ناظرهم جميعا، فوافقوا، فقال لهم أبو حنيفة: "وهكذا نحن اخترنا الإمام فقراءته قراءتنا وهو ينوب عنا" فانصرفوا مقتنعين. ودعا إلي ضرورة العفو عن المخطئ إن لم تثبت عليه أدلة الإدانة ثبوتا قطعيا لا يشوبه الشك أو الظن، اعتمادا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بدرء الحدود قدر المستطاع .. فالحدود تدرأ بالشبهات "فإن كان للمذنب مخرج أخلى سبيله. وأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة".
وهو يطالب الناس بأن يسألوا في العلم بلا حرج، على أن يحسنوا السؤال. وكان يقول: "حسن السؤال نصف العلم". وهو في اجتهاده يعرف مكانته، إذ كان واثقا بنفسه، معتزا بكبريائه العلمي على الرغم من تواضعه الشديد. ولقد سئل: "إذا قلت قولا وظهر خبر لرسول الله يخالف قولك؟" قال: "أترك قولي بخبر رسول الله وكل ما صح عن رسول فهو على العين والرأس. فقال السائل: فإذا كان قول الصحابي يخالف قولك؟" قال: "أترك قولي بقول الصحابي فقال السائل "فإذا قول التابعي يخالف قولك؟ قال أبو حنيفة: "إذا كان التابعي رجلا فأنا رجل". ويروي عنه أنه ذهب إلي المدينة المنورة فجادل الإمام مالك بن أنس يوما في أمور اختلفا عليها وحضر المناظرة الإمام الليث بن سعد إمام مصر وهو الإمام الذي عاش في عصر الإمام جعفر الصادق وأبي حنيفة والإمام مالك وقال عنه أحد الفقهاء المتأخرين إنه حقا أفقه الناس ولكن المصريين أضعوه فلم يحفظوا فقه واستمرت المناظرة طويلا حتى عرق الإمام مالك. وعندما خرج أبو حنيفة قال مالك لصديقه الليث: إنه لفقيه يا مصري!
قام فقه الإمام أبي حنيفة على احترام حرية الإرادة ذلك أن أفدح ضرر يصيب الإنسان هو تقييد حريته أو مصادرتها .. وكل أحكامه وآرائه قائمة على أن هذه الحرية يجب صيانتها شرعا، وأن سوء استخدام الحرية أخف ضررا من تقييدها! فإساءة الفتاة البالغة في اختيار زوجها أخف ضررا من قهرها على زواج بمن لا تريده. وسوء استخدام السفيه لماله، يمكن علاجه بإبطال التصرفات الضارة به، أما الحجر على حريته فهو إهدار لإنسانيته، وهو ضرر لا يصلحه شيء!! وعلى أية حال فأذى الحجر أخطر من أذى ضياع المال ـ فالحجر إيذاء للنفس، وإهدار للإرادة، واعتداء على إنسانية الإنسان!! وأبو حنيفة لا يجيز الوقف إلا للمساجد .. لأن الوقف أو الحبس يقيد حرية المالك في التصرف .. بل إن الإمام إمعانا منه في الدفاع عن الحرية لا يجيز للقاضي أن يقيد حرية المالك، حتى إذا أساء التصرف على نحو يهدد الغير .. وهو يطالب أن يترك هذا كله للشعور بالتعاون الاجتماعي الذي يجب أن يسود أفراد الأمة .. فيحترم كل منهم حرية الآخرين، ويمارس حريته بما لا يمس مصالح الغير أو حريته هذا أمر يجب أن يترك للناس فيما بينهم ولا سبيل للحاكم أو القضاء إلي التدخل لتقييد حرية المرء في التصرف مهما يكن من شيء!


و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على اله و صحبه أجمعين .
t7
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله


الإمام أبو حنيفة النعمان

ولقد جاءه رجل يشكو جاره لأنه حفر بئرا بجوار جداره مما يؤثر في بيت الشاكي، فطلب أبو حنيفة من الشاكي أن يحدث جاره ليردم البئر، ويحفرها في مكان آخر، فقال الرجل: "حدثته فامتنع ظالما". فقال أبو حنيفة: "فاحفر في دارك بالوعة في مقابل بئره" وفعل الرجل، فاندفع ماء البئر إلي البالوعة، فاضطر الجار أن يردم البئر، ويحفرها في مكان بعيد عن جدار الشاكي. وهكذا مضى أبو حنيفة يوضح للناس ما في تعاليم الإسلام من احترام للحرية والإرادة، معتمدا على الكتاب، والسنة الصحيحة، والرأي الذي يستنبطه بالقياس، مراعياً تحقيق المصلحة، أو الأعراف التي لا تتعارض مع قواعد الإسلام ومبادئه. وقد أغنت آراؤه في الفقه وجدان الناس، وأيقظت ضمائرهم، وحركتهم للدفاع عن حرياتهم في التصرفات، متمسكين في ممارستهم للحرية بمبادئ الدين وأصوله ..
وكانت هذه الآراء كلها تناقض روح العصر الذي عاش فيه وهو عصر يقوم نظام الحكم فيه على تكفير الخصوم، وإهدار دمائهم، وتقييد الحريات، وإطلاق يد الحاكم، وتمكين ذوي السطوة من الضعفاء. من أجل ذلك اتهمه خصومه من الفقهاء أصحاب المناصب بالخروج عن الإسلام..! ثم إنه أفتى بتحريم الخروج لقتال المسلمين والفتك بهم. وبهذا صرف بعض قواد الجيش في عصره عن حرب العلويين وخصوم الحكام ومعارضي آرائهم.! ومن ذلك أن الحسن بن قحطبة أحد قواد المنصور دخل على أبي حنيفة يسأله: "أيتوب الله علي؟" وكان الحسن هذا قد قاد جيوشا للمنصور فقتل العلويين وخصوم العباسيين فقال له أبو حنيفة: "إذا علم الله تعالى أنك نادم على ما فعلت، فلو خيرت بين قتل مسلم وقتل نفسك لاخترت ذلك على قتله، وتجعله مع الله عهدا على ألا تعود لقتل المسلمين، فإن وفيت فهي توبتك"، فقال القائد إني فعلت ذلك وعاهدت الله على ألا أعود إلي قتل مسلم" ثم ثار العلويون فأمر المنصور القائد أن يفتك بهم، فجاء القائد إلي أبي حنيفة يسأله الرأي فقال له أبو حنيفة "فقد جاء أوان توبتك. إن وفيت بما عاهدت فأنت تائب وإلا أخذت بالأول والآخر".
فامتنع القائد عن تنفيذ أمر المنصور، وسلم نفسه إلي العقاب وهو القتل، إذ دخل على المنصور فقال أنه لن يقتل المسلمين بعد! فغضب الخليفة عليه وأمر بقتله، حتى استشفع له أخوه قائلا "إننا لننكر عقله منذ سنة، وأنه قد جن". وسأل الخليفة عمن يخالط القائد المتمرد فقيل: إنه يتردد على أبي حنيفة! وأسرها الخليفة لأبي حنيفة. على أن خصوم أبي حنيفة انتهزوا الفرصة فأغروا صدر الخليفة وأوحوا إليه أن يقضي على أبي حنيفة واتهموه بإثارة الفتنة، وتثبيط قواد الجيش، وتأليب العامة على ولي الأمر، وتكوين حلقة من الفقهاء كلهم يدعو إلي الثورة على الخليفة. وكان من هؤلاء الخصوم فقيه أفتى للناس بأن تلاميذ أبي حنيفة خارجون على ولي الأمر ومرتدون عن الإسلام. فأن يقال إن بالحي خمارا خير من أن يقال إن فيه أحدا من أصحاب أبي حنيفة ..
وكان منهم فقه آخر عرف وهو في الحج أن أحد أصحاب أبي حنيفة سيصلي بالناس فلم يستطع كظم غيظه وصاح: "الآن يطيب لي الموت" ..! ورفض أبو حنيفة أن يقبل المناصب .. عرض عليه الأمويون منصب القاضي، فرفضه فسجنوه وعذبوه في السجن .. وظلوا يضربونه كل يوم بالسياط حتى ورم رأسه .. ومع ذلك فلم يقبل المنصب .. لأنه كان يرى أن تحمل المسئولية في عهد يعتبر هو حاكميه ظالمين مغتصبين، إنما هو مشاركة في الظلم وإقرار للاغتصاب .. وفي السجن تذكر أمه الحزينة فبكى .. وسأله جاره السجن عما يبكيه وهو الفقيه الجليل الصلب، فقال من خلال دموعه: "والله ما أوجعتني السياط، بل تذكرت أمي فآلمتني دموعها".
وساءت صحته في السجن. وبدأت الثورة تتجمع ضد الخليفة الأموي احتجاجا على ما يحدث لأبي حنيفة فأطلق سراحه. ولم يعد له مقام في الكوفة التي شهدت عذابه .. فترك مسقط رأسه، ومرح شبابه، بكل ما فيها من ذكريات عزيزة وآمال عذبة، وأقام بالحجاز حتى سقطت الدولة الأموية، فعاد إلي موطنه. ولكن العباسيين لم يتركوه .. فمنذ شعر بخيبة الأمل فيهم لبغيهم واضطهادهم للعلويين، واصطناعهم المرتزقة من الفقهاء، بدأ يجهر برأيه في استبدادهم وطغيانهم. ورفض كل هداياهم، كما رفض هدايا الأمويين من قبل. وعرضوا عليه منصب قاضي القضاة فأبى .. وتمسك بالتفرغ للعلم. قالوا له أنه قد حصل من العلم ما يجعله في غنى عنه فرد: "من ظن أنه يستغني عن العلم فليبك على نفسه".
بعد أن فرغ الخليفة من بناء بغداد، وأقام فيها معتزا بها، حرص على أن يجعل أكبر فقهاء العراق قاضي القضاة فيها. وكان أبو حنيفة قد أصبح اكبر الفقهاء بالعراق حتى سماه أتباعه ومريدون: الإمام الأعظم. ولكن الإمام صمم على الرفض. كان يعرف ما ينتظره .. فأين أبي ليلى لا يكف عن الكيد له، وهو لا يغفر لأبي حنيفة ما يوجهه من نقد لاذع لأحكامه. وقد ضم ابن أبي ليلى حاجب الخليفة وزيره الأول، وكان أبو حنيفة قد أحرجه وكشف أكاذيبه أمام الخليفة في محاورة حاول فيها الوزير الأول أن يوقع بالإمام ففضحه الإمام وأفسد حيلته. وقد أفتى أبو حنيفة بأن الوزير لا تصح شهادته لأنه يقول للخليفة أنا عبدك "فإن صدق فهو عبد ولا شهادة له. وإن كذب فلا شهادة لكاذب"!! وقد أخذ أحد تلاميذ أبي حنيفة بهذا النظر فيما بعد حين ولى القضاء فرد شهادة الوزير الأول لخليفة آخر، لأنه قبل الأرض بين يدي الخليفة قائلا له: أنا عبدك!
اتسعت الفتوحات حتى أصبح البحر الأبيض المتوسط بحيرة إسلامية، وحتى ارتفعت الراية الإسلامية فوق شرق أوروبا وجنوبها والأندلس، وكل بلاد العالم التي عرفها إنسان ذلك العصر .. وعلى الرغم من ازدهار الحضارة، فقد شغل رجال الحاشية بالكيد لأبي حنيفة يظاهرهم بعض الفقهاء أصحاب المناصب وأهل الحظوة عند الخليفة. وأخذ الوزير الأول يكيد عند الخليفة لأبي حنيفة. وانتهز فرصة خروج أهل الموصل على الخليفة، وكانوا قد شرطوا على أنفسهم إن هم خرجوا على الخليفة أن تباح دماؤهم وأموالهم. وأرسل الخليفة إلي ابن شبرمة وابن أبي ليلى ليسألهما رأي الدين في أهل الموصل، وكان قد أعد جيشا للفتك بهم. واقترح الوزير الأول على الخليفة أن يدعو أبا حنيفة وكان يعرف أن تقواه وشجاعته وكل فضائله ستقوده إلي مخالفة رأي الخليفة. وحضر الفقهاء الثلاثة فسألهم عن حكم الشرع في أهل الموصل. وسكت أبو حنيفة وأفتى الآخران بأن أهل الموصل يستحقون الفتك بهم..!
وأفتى أبو حنيفة بأن الخليفة لا يحق له الفتك بأهل الموصل، لأنهم بإباحتهم أرواحهم وأموالهم إنما أباحوا ما لا يملكون. وسأل: "لو أن امرأة أباحت نفسها بغير عقد زواج أتحل لمن وهبته نفسها؟ فقال له الخليفة "لا" .. فطلب الإمام أبو حنيفة منه أن يكف عن أهل الموصل فدمهم حرام عليه، وأن يوجه الجيش إلي حماية الثغور، أو إلي فتح جديد لنشر الإسلام، بدلا من أن يضرب به المسلمين. وضاق به الخليفة وأمره أن ينصرف .. ومن حول الخليفة أعداء الإمام يستفزونه للبطش به في مقدمتهم ابن أبي ليلى قاضي القضاة وتابعه شبرمة. ومضى أبو حنيفة إلي داره يقول لصاحب: "إن ابن أبي ليلى ليستحل مني مالا أستحله من حيوان!" وفي الحق أن ابن أبي ليلى وشبرمة والعصابة المعادية لأبي حنيفة في قصر الخليفة زينت للخليفة أن يقهر أبا حنيفة على قبول ما يعرضه عليه من مناصب، فإذا أبى فقد امتنع عن أداء واجب شرعي فحق عليه العقاب، ووجب أن يشهر به في الأمة، لأنه يتخلى عن خدمتها.!
واقترحوا على الخليفة أن يبدأ فيمتحن ولاءه، فيرسل إليه هدية .. وكانوا يعرفون سلفا أن الإمام أبا حنيفة لن يقبل الهدية..! وأرسل له الخليفة مالا كثيرا وجارية .. فرد الهدية شاكرا .. ثم أرسل الخليفة إليه يلح عليه في ولاية القضاة أو في أن يكون مفتيا للدولة يرجع إليه القضاء فيما يصعب عليهم القضاء فيه .. بما أنه يكثر من لوم القضاة على أحكامهم، ويكشف للعامة جهل شيخهم ابن أبي ليلى وتابعه شبرمة! ورفض أبو حنيفة .. فاستدعاه الخليفة يسأله عن سبب رفضه فقال له: "والله أنا بمأمون الرضا فكيف أكون مأمون الغضب؟ ولو اتجه الحكم عليك ثم هددتني أن تغرقني في الفرات أو الحكم عليك لاخترت أن أغرق. ثم إن تلك "حاشية يحتاجون إلي من يكرمهم لك، فلا أصلح لذلك". وكانت الحاشية كلها تحيط بالخليفة، وعلى رأسها وزيره الأول والفقيهان ابن أبي ليلى وابن شبرمة، فأبدوا التذمر وبان عليهم استنكار ما يقوله الإمام أبو حنيفة، فقال الخليفة محنقا: "كذبت".
فقال أبو حنيفة في هدوء قد حكمت على نفسك. كيف يحل لك أن تولي قاضيا على أمانتك وهو كاذب؟! وبعد قليل سأله الخليفة عن سبب رفض هداياه .. فقال له أبو حنيفة أنها من بيت مال المسلمين ولا حق في بيت المال إلا للمقاتلين أو الفقراء أو العاملين في الدولة بأجر وهو ليس واحدا من هؤلاء! فأمر الخليفة بحبسه. وبضربه بالسياط حتى يقبل منصب قاضي قضاة بغداد. وهاهو ذا شيخ في السبعين أثقلته المعارك والدسائس والهموم، ومكابدة الفقه والعلم والتحرج .. هاهو ذا يضرب، ويظل يضرب بالسياط في قبو سجن مظلم، ورسل الخليفة يعرضون عليه هدايا الخليفة، ومنصب القضاء والإفتاء .. وهو يفض .. فيعاد إلي السجن ليعذب من جديد .. ويكررون العرض، وهو يكرر الرفض داعياً الله: "اللهم أبعد عني شرهم بقدرتك".
وظل في سجنه يعرضون عليه الجاه والمنصب والمال فيأبى .. ويعذب من جديد! وتدهورت صحته، وأشرف على الهلاك. وخشي معذبوه أن يخرج فيروي للناس ما قاسى في السجن، فيثور الناس!. وقرروا أن يتخلصوا منه فدسوا له السم. وأخرجوه وهو يعاني سكرات الموت، وما عاد يستطيع أن يروي لأحد شيئا بعد!! وحين شعر بأنها النهاية أوصى بأن يدفن في أرض طيبة لم يغتصبها الخليفة أو أحد رجاله. وهكذا مات فارس الرأي الذي عرف في السنوات الأخيرة من حياته باسم الإمام الأعظم. وشيعه خمسون ألفا من أهل العراق واضطر الخليفة أن يصلي على الإمام الذي استقر إلي الأبد في ركن هادئ من الدنيا لم يشبه غصب، والخليفة يهمهم: "من يعذرني من أبي حنيفة حيا وميتا؟".
وهكذا مضى بطل الفكر الشجاع شهيدا لحرية الرأي في محنة من العذاب لم يعرفها أحد من الفقهاء من بعده حتى كانت محنة الإمام احمد بن حنبل إمام أهل السنة .. في عصر زري كذلك العصر: عصر تحكمه الدسائس والسموم وسياط الجلادين، على الرغم من روعة الفتوحات العسكرية، وانتصارات العقل الإنساني، ويبطش فيه المزيفون برهبان الحرية وفرسان الفكر .. وتظل المنارات الشامخة فيه مضيئة على الرغم من كل شيء، تقدم للإنسانية جيلا بعد جيل خالدا من شعاع المعرفة، والقوة، وجسارة الكلمة الصادقة الأبية الفاضلة..!

تم بحمد الله الانتهاء من سيرة الامام أبو حنيفة النعمان و انشاء الله سننتقل الى شخصية أخرى و لعلها تكون امرأة حتى لا يكون ذلك حكرا على الرجال .
وننتضر مشاركاتكم و نشكر كل من تواصل معنا.

و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على اله و صحبه أجمعين .
t7
 

الحميدي

مزمار ألماسي
20 أكتوبر 2006
1,627
0
0
الجنس
ذكر
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

جزاك الله خيرا يا اخي مسلم وبارك الله فيك .....وجعل الله عملك هدا في موازين حسناتك.
ولدي مشاركة قريبا إنشا الله.
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله

بارك الله فيك أخي الحميدي مشكور على مرورك و حسن تواصلك و ننتضر مشاركتك .
t7
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله


أم سلمة





أم سلمة هي هند بنت أبي أمية.
واسم أبيها: سهيل بن زاد الركب .. وأطلق عليه زاد الركب لأنه كان إنسانا كريما يتكفل بزاد من يسافر معه في رحلة من الرحلات، فقد كان يكفي جميع من معه الزاد.
وقد تزوجت عبد الله بن عبد الأسد المخزومي .. وكان من السابقين إلى الإسلام، وعندما آخذت مكة تبطش بالذين يدينون بالإسلام هاجر مع زوجته هند إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة بعد فترة من الزمن على أمل أن تكون قبضة مكة على المسلمين قد خفت حدتها ..
وبعد بيعة العقبة سمح الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابها بالهجرة إلى يثرب .. وهاجر بعض المسلمين والمسلمات سرا إليها، وعندما علمت مكة بذلك قررت منع من يهاجر خوفا من اشتداد ساعد المسلمين في يثرب .. وهذا ما يعرض أمنهم للخطر. وعندما حاولت أم سلمة وزوجها الهجرة إلى يثرب، اعترض طريقهما أهل زوجها وأهلها ..
حاول أهل الزوج منعه ولكنه أصر على الهجرة وهاجر .. بينما استطاع أهلها أن يحولوا بينها وبين الهجرة .. وعندما علم أهل الزوج بذلك تنازعا ابنهما (سلمة) .. وأخذ كل منهما يشد ذراعه حتى انخلع ذراعه!
وهكذا أصبحت أم سلمة أسيرة عائلتها في مكة .. وأصبح ابنها أسير عائلة أبيه!
وتاقت هي لزوجها المهاجر .. وأن تعيش في بيته بعيدة عن صلف أهل الشرك في مكة .. فكانت تخرج كل يوم تتلمس أخبار زوجها وابنها .. حتى رق لها قلب أحد أقاربها، وأقنع أهلها أن يتركوها لتلحق بزوجها .. واقتنعوا وقررت الهجرة بعد أن أخذت ابنها الذي ردوه إليها.
كانت فرحة الأم عارمة وهي تأخذ وليدا على راحلتها ميممين وجوههم نحو يثرب، غير آبهة بطول الطريق، ولا منتظرة قافلة تسير معها يكون طريقها يثرب!
وعندما غادرت مكة شاهدها (عثمان بن طلحة) وكان لا يزال على الشرك وسألها عن وجهة نظرها، فأخبرته أنها تريد اللحاق بزوجها .. وأدهشه أن تسافر وحدها. فأخذته الشهامة أن يقود بعيرها، وأن يرافقها حتى تصل إلى يثرب.!
لم يرفع إليها عينه طوال الطريق، وشهدت له أم سلمة بحيائه وشجاعته وإيثاره للخير .. وعندما لاحت له قباء تركها وعاد إلى مكة. وفي المدينة اجتمع شمل الأسرة. وفي هذا المجتمع الجديد شعرت بالأمن والأمان، وسكينة النفس تحت ظلال الإسلام.
وتمضي الأيام .. ويحقق المسلمون انتصارا مذهلا في "بدر" ثم تمضي الأيام ويحاول أهل مكة الانتقام لقتلاهم، وكانت معركة "أحد".
وفي هذه المعركة خرج زوجها مجاهدا في سبيل الله، وأصابه سهم كان سببا في استشهاده بعد ذلك بشهور. وعندما حضرته الوفاة دعا لها قائلا:
ـ اللهم ارزق أم سلمة بعدي خيرا مني .. لا يخلها ولا يؤذيها. وفكرت أم سلمة كثيرا في هذا الدعاء.
من هذا الذي يكون خيرا من زوجها الذي هاجر الهجرتين، ومات شهيدا. ومرت الأيام .. وبعد العدة خطبها أبو بكر فردته .. وخطبها عمر بن الخطاب فردته أيضا.
بعد ذلك أرسل لها الرسول عليه الصلاة والسلام رسولا طالبا الزواج منها فقالت لمن بعثه الرسول:
ـ أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني امرأة غيري، وأني مصبية (عندها صبية)، وأنه ليس لي أحد من أوليائي مشاهدة، وأني عجوز قد كبرت سني.
وبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقول لها:
ـ :أما قولك أني مصبية فإن الله سيكفيك صبيانك، وأما قولك إنك غيري فسأدعو الله أن يذهب غيرتك، أما الأولياء فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضى، وأنا اكبر منك سنا".
فقالت لولدها عمر:
ـ قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وأصبحت أم سلمة أما من أمهات المؤمنين.
وكانت بها بقية من جمال، حتى أن عائشة غارت منها وقالت:
ـ "لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة حزنت حزنا شديدا لما ذكر لنا من جمالها، فتلطفت لها حتى رأيتها وهي لا تعرفني فرأيت أضعاف ما وصف لي من الحسن والجمال فرجعت من عندها تأكلني الغيرة منها".
وقلت لحفصة عما رأيت.
فقالت لي: أن هذا من الغيرة يا عائشة .. نظرت إليها وأنت تغارين منها.
قلت لها: فاذهبي أنت إليها.
فذهبت (حفصة) متخفية كما فعلت ورجعت تقول:
ـ أنها جميلة ولكن ليس كما تقولين يا عائشة، فإن الكبر يظهر عليها. لقد ذهب معظم شبابها مع الأيام وبقيت منه بقية لا تصبر على الزمن طويلا".
ففرجت علي ما كانت تضيق به نفسي.
ـ فقلت اذهب إليها مرة أخرى لأتحقق من قول حفصة فرأيتها كما وصفتها فحمدت الله أنها لم تكن شابة تنازعني حب رسول الله وحبه لي".
ومن هذه الرواية يتضح مدى غيرة عائشة رضي الله عنها من أم سلمة .. على بقية من جمال جليل لم تأخذه الأيام.
وتمضي الأيام وتحدثنا كتب السيرة أن نساء النبي وقد علمن بما أفاء الله على رسوله والمسلمين من النعم والخيرات بعد جلاء اليهود عن المدينة فطمعن أن يعشن حياة مرفهة، ويلبسن ملابس اجمل، ويصبح لهن مثل النساء الأخريات من الذهب والفضة، ويتركن حياة الزهد والتقشف التي يعيشها الرسول، ولكن الرسول رفض مطالبهن، وقرر اعتزالهن جميعا .. حتى شاع بين المسلمين أنه طلقهن.
وحزن أبو بكر الصديق .. وحزن عمر بن الخطاب .. عندما تناهى إلى سمعهما أن نساء النبي اعتزلهن رسول الله عليه الصلاة والسلام في "مشربة" وقام على خدمته خادمة رباح.
وتوجه عمر بن الخطاب إلى أم سلمة يسألها عما فعلته بالرسول وكانت تمت إليه بصلة القرابة .. ولكن أم سلمة استنكرت على عمر أن يتدخل في أمور بيت الرسول، حتى لو كانت ابنته حفصة من أزواج الرسول.
قالت لعمر بن الخطاب:
ـ "عجبا لك يا عمر .. مالك ولهذا وقد دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين النبي وأزواجه".
واعتذر لها عمر ..
وبقى حزينا لما حدث في بيت النبوة .. وتوجه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وعندما سمح له الرسول بالدخول، هال عمر بن الخطاب حياة النبي عليه الصلاة والسلام المتقشفة .. حتى أنه بكى عندما رأى أن الحجرة ليس بها إلا الحصير الذي أثر في جنب الرسول .. وسأله الرسول عما يبكيه قال عمر: ما أراه بك يا رسول الله، أنك أحب العباد إلى الله، وتعيش هكذا على حصيرة أثرت في جنبك وتأكل الماء والشعير!
وقال له أعظم رسل الله:
ـ يا بن الخطاب كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، لقد خيرت بين أن أكون نبيا ملكا مثل سليمان وداود عليهما السلام، وبين أن أكون نبيا عبدا فاخترت أن أكون نبيا عبدا".
وأخذ عمر يحدث الرسول حتى سرى عنه، وعلم أن النبي يعتزل زوجاته لمطالبهن، ورغبتهن في زخرف الحياة الدنيا وأنه لم يطلقهن وسعد بن الخطاب. وفي هذه الحادثة نزل قوله تعالى:
{يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا "28" وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً "29"} (سورة الأحزاب)
وبعد انتهاء الشهر، خير الرسول نساءه بين الحياة معه كما يعيش، أو أن يسرحهن سراحا جميلا .. بدأ الرسول بعائشة قائلا:
ـ " يا عائشة أني أريد أن أعرض عليك أمرا، أحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك .. وتلا عليها ما نزل من القرآن الكريم ..
قالت عائشة رضي الله عنها: أفيك استشير أبوي يا رسول الله بل اختار الله ورسوله والدار الآخرة".
و .. فعلت كل أمهات المؤمنين ما فعلت عائشة .. ورضين أن يعشن في كنف الرسول مؤثرات الله والدار الآخرة.
.. عاشت أم المؤمنين أم سلمة في بيت النبوة كريمة معززة .. وروت أحاديث عنه .. وعندما وافاها الأجل المحتوم كانت قد جاوزت الثمانين من عمرها .. فقد ماتت عام 61 هجرية ودفنت بالبقيع.

و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على اله و صحبه أجمعين .
t7
 

الحميدي

مزمار ألماسي
20 أكتوبر 2006
1,627
0
0
الجنس
ذكر
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)


التعريف بالمحدث الكبير والجليل صاحب السنن عليه رحمة الله:
ابن ماجه.
أبو عبد الله محمد بن يزيد الربعي مولاهم القزويني الحافظ. صاحب كتاب السنن والتفسير.
سمع بخراسان العراق والحاجز ومصر والشام وغيرها.
روى عنه خلق منهم أبو الطيب البغدادي وإسحاق بن محمد القزويني.
وعلي بن سعيد العسكري وأبو الحسن علي بن إبراهيم القطان.
قال الخليلي: ثقة كبير متفق عليه محتج به له معرفة بالحديث وحفظ ومصنفات في السنن والتفسير والتاريخ وكان عارفاً بهذا الشأن مات سنة ثلاث وثمانين ومائتين.
أحمد بن سلمة.
الحافظ الحجة أبو الفضل النيسابوري البزار المعدل. رفيق مسلم في الرحلة إلى بلخ والبصرة.
له مستخرج كهيئة صحيح مسلم مات في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين ومائتين.
إبراهيم بن أبي طالب محمد بن نوح بن عبد الله.
الإمام الحافظ شيخ خراسان أبو إسحاق النيسابوري.
قال الحاكم: كان إمام عصره في معرفة الحديث والرجال جمع الشيوخ والعلل ودخل على ابن حنبل وذاكره وعلق عنه.
قال عبد الله بن سعد ما رأيت مثل إبراهيم بن أبي طالب ولا رأى هو مثله ثقة.
قال الحاكم: وسمعت محمد بن يعقوب الحافظ يقول: إنما أخرجت بلدنا هذه ثلاثة: محمد بن يحيى ومسلم بن الحاج وإبراهيم بن أبي طالب وسمعت أحمد بن إسحاق الفقيه يقول: ما رأيت في المحدثين أهيب من ابن أبي طالب وسمعت أبا عبد الله بن يعقوب عن ابن الشرقي قال: إنما أخرجت خراسان خمسة: الدارمي والبخاري ومحمد بن يحيى ومسلم وإبراهيم بن أبي طالب المكي. أملى كتاب العلل وغير شيء مات في رجب سنة خمس وتسعين ومائتين.
الأبار.
الحافظ الإمام أبو العباس أحمد بن علي بن مسلم. محدث بغداد.
قال الخطيب: كان ثقة حافظاً متقناً حسن المذهب.
وقال غيره: كان من أزهد الناس استأذن أمه في الرحلة إلى قتيبة فلم تأذن له فلم يرحل حتى ماتت ومات قتيبة فكانوا يعزونه على هذا.
له تاريخ وتصانيف مات يوم نصف شعبان سنة تسعين ومائتين.
t7
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله



عائشة بنت أبي بكر


* "حبك يا عائشة في قلبي كالعروة الوثقى"
بعد أن رحلت خديجة بنت خويلد إلي جوار ربها .. والتي قضى معها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ربع قرن .. وكان قد تجاوز مرحلة الشباب .. وكانت ابنته فاطمة الزهراء صغيرة في حاجة إلي رعاية من يقوم مقام الأم فعرضت عليه (خوله بنت حكيم) أن يتزوج "سودة بنت زمعة" التي مات عنها زوجها (السكران بن عمر العامري) عقب عودته مع سودة من هجرته إلي الحبشة. وكانت امرأة مسنة .. خشيت اضطهاد مكة لها .. وخافت على دينها من أن يفتتها فيه أهل مكة فاختارها النبي صلى الله عليه وسلم لرعاية ابنته فاطمة .. وليس هذا الاختيار بسبب رغبة في مال أو جمال فلم تكن تملك شيئا من ذلك .. وقد عبرت هي بنفسها عن ذلك للرسول فقالت:
ـ والله ما بي على الأزواج من حرص، ولكني أحب أن يبعثني الله يوم القيامة زوجا لك!
لقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها بعد رحيل أم المؤمنين خديجة بعدة سنوات .. وكانت عائشة مازالت صغيرة .. وكانت جميلة .. وذكية .. وتعرف القراءة والكتابة .. وتحفظ الكثير من الشعر .. تربت في بيت أبي بكر الصديق .. وأخذت من والدها العظيم ذكاءه ورقته .. وجميل شمائله.
ويقول الرواة إن التي اقترحت خطبتها للرسول خولة بنت حكيم .. في نفس الوقت الذي عرضت عليه الزواج من سودة بنت زمعة .. وهنا نتوقف عند سن عائشة عندما تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم. قالوا أنها كانت في العاشرة من عمرها. ولكن هناك من الدارسين من يرى غير ذلك .. فالعقاد يقول:
ـ "ولا يعرف على التحقيق في أي سنة ولدت عائشة رضي الله عنها .. ولكن أقرب الأقوال إلي الصدق وأحراها بالقبول أنها ولدت في السنة الحادية عشرة أو الثانية عشرة قبل الهجرة .. فتكون قد بلغت الرابعة عشرة من عمرها أو قاربتها. يوم بنى بها الرسول عليه السلام".
ويقول عنها العقاد أيضا:
ـ وجملة ما يفهم من وصفها على التحقيق أنها كانت بيضاء، فكان عليه السلام يلقبها بالحميراء .. ـ لاختلاط بياضها بحمرة وكانت أقرب إلي الطول لأنها كانت تعيب القصر، كما مر في كلامها عن السيدة صفية، وكانت في صباها نحيلة أو أقرب إلي النحول، حتى كان الذين يحملون هودجا خاليا يحسبونها فيه .. قالت في حديث مشهور:
ـ ".. وأقبل إلي رهط الذين يرحلون لي ـ أي يحملون الرحل على البعير ـ فحملوا هودجي وهم يحسبون أني فيه، وكانت النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستكثر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، إذ كنت مع ذلك جارية حديثة السن".
ثم مالت بعد سنوات إلي شيء من السمنة كما جاء في كلامها في حديث آخر:
ـ "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم، فقال صلى الله عليه وسلم .. تقدموا .. فتقدموا .. ثم قال: تعالي حتى أسابقك فسبقته فسكت .. حتى إذا حملت اللحم وكنا في سفرة أخرى قال صلى الله عليه وسلم للناس: تقدموا .. فتقدموا .. ثم قال تعالي حتى أسابقك فسبقني فجعل صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: هذه بتلك"..
كانت عائشة أقرب الناس إلي قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عبر عن ذلك بقوله: "حبك يا عائشة في قلبي كالعروة الوثقى"
وقال أيضا يصف عاطفته القوية نحو عائشة:
ـ "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" وكانت السيدة عائشة تعرف مكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي لا يتفوق عليها إلا حبه للراحلة العظيمة خديجة بنت خويلد، حتى أن عائشة كانت تغار منها رغم وفاتها..
وكانت عائشة تعدد مزايا نفسها فقالت بعد أن رحل النبي صلى الله عليه وسلم إلي جواربه:
ـ "فضلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعشر .. لم ينكح بكرا قط غيري .. ولا امرأة أبواها مهاجزان غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وجاء جبريل بصورتي من السماء في حربرة، وكنت أغتسل أنا وهو في إناء واحد ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه دون غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي ولم ينزل وهو مع غيري. وقبض وهو بين سحري ونحوي في الليلة التي كان يدور علي فيها ودفن في بيتي".
ولا شك أن هذه المنزلة بلغتها بكل ما تملك من مواهب الجمال .. والذكاء .. والحس المرهف .. كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصف نعله يوما وهي تغزل ورأت العرق على وجهه، فتصورت أن حبات العرق على جبينه ـ حبها له تتألق نورا .. فاعترتها الدهشة.
قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: مالك بهت؟
قالت: يا رسول الله نظرت إلي وجهك فجعل عرقك يتولد نورا .. فلو رآك أبو كبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره..
قال: وما يقول يا عاشة أبو كبير الهزلي؟
قالت: يقول:
ومبـرأ مـن كل غير حيضة
وفصـاد مرضـعة وداء مقبل
وإذا نظـرت إلـي أسرة وجهه
برقت كبرق العـأرض المتهلل
فقال إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وقبلها بين عينيها وقال:
ـ بارك الله فيك يا عائشة.
وقد زاد من حبه لها صداقته الحميمة بأبيها (أبو بكر الصديق) .. وقد سأله يوما عمرو بن العاص: ـ يا رسول الله من أحب الناس إليك؟
ـ عائشة.
ـ إنما أقول من الرجال؟
ـ أبوها.
ولا يختلف أحد على فصاحتها وقدرتها على البيان .. ومن أجل هذا قال عنها الرسول الكريم:
ـ "خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء.
ويستدل الرواة على قدرتها البلاغية الفائقة من خطبها في مختلف المناسبات .. فهي التي وقفت على قبر أبيها (الصديق ترثيه):
ـ "نضر الله وجهك، وشكر لك صالح سعيك، فلقد كنت للدنيا مذلا بإعراضك عنها، وللآخرة معزا بإقبالك عليها، ولئن كان أجل الحوادث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رزؤك، وأعظم المصائب بعده فقدك، أن كتاب الله ليعد بالعزاء عنك حسن العوض منك بالدعاء لك فإنا لله وإنا إليه راجعون، وعليك السلام ورحمة الله توديع غير قالية لحياتك ولا زارية على القضاء فيك".
كما يرون الرواة أنها تمثلت بقول الشاعر، عندما رأت والدها العظيم يجود بأنفاسه فقالت:
لعمـرك ما يغني الثراء عن الفني
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال لها والدها العظيم وهو يذكرها بأن تستدل بما هو أفضل بكتاب العزيز الحميد:
قال لها وقد استمع إلي كلمها الحزينة:
ـ لا تقولي ذلك يا عائشة، ولكن قولي:
"وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد".
ولكن هذه السيدة الفاضلة التي كانت تغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث لها حادثة تركت في حياتها بصمات عميقة .. بل أن هذه الحادثة تركت على مجرى التاريخ الإسلامي نفسه بصمات عميقة يوم تصدت فيما بعد للإمام علي أبي طالب في معركة "الجمل" لأنها لم تنس له قوله عقب هذه الحادثة:
تزوج يا رسول الله .. فالنساء كثير
أنها حادثة الإفك..
وهذه الحادثة كما يرويها الرواة ملخصها .. أنها خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى غزواته (غزوة بني المصطلق) .. وبعد أن انتهت هذه المعركة، وأخذ الجيش طريقه إلي المدينة .. كانت عائشة قد ذهبت بعيدا لقضاء حاجتها .. وقد انفرط عقدها .. فأخذت تجمعه .. وعندما تم لها ذلك نظرت فإذا الجيش قد أخذ طريقه نحو المدينة .. وكان الذي يحملون هودجها يظنونها فيه، وأخذت تتلفت يمنة ويسرة وفي كل الاتجاهات وهي تحاول العودة إلي المدينة .. ثم أخذها التعب فنامت .. وكان هناك الشاب صفوان بن المعطل الذي كان يبحث في أرض المعارك عمن تخلف من المقاتلين، وشاهد السيدة عائشة وعرفها .. فأركبها على راحلته .. وأخذ يقودها حتى أرجعها إلي بيتها..
قصة عادية..
ولكن المنافقين أخذ يصور لهم خيالهم المريض أشياء أبعد ما تكون عن هذه السيدة الفاضلة التي تربت في بيت طهر .. وهو بيت الصديق، وعاشت في أطهر مكان .. وهو بيت محمد صلى الله عليه وسلم .. فقد اتهموها في شرفها!
وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الشائعات فحزن .. فهو يعلم أن عائشة فاضلة .. ويعلم أن صفوان شاب مستقيم. ولكن المنافقين زادوا في غيهم .. حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه وزوجاته فيما أشيع بين الناس.
فقال عمر بن الخطاب: "لقد زوجها لك ربك يا رسول الله وهو لا يخدع نبيه".
وقال علي: "يا رسول الله لا تحزن. لم يضيق الله عليك والنساء غيرها كثير".
وقالت جاريتها "بربرة" .. وهي تنفي التهمة تماما عن عائشة:
ـ لا والذي بعثك بالحق، ما رأيت شيئا آخذه عليها سوى أنها جارية حديثة السن، تنام عن العجين فتأتى الدواجن فتأكله. وعلمت عائشة بما يدور .. فبكت .. وزاد شحوبها ونحوبها .. وذهبت إلي بيت أبيها..
أيام عصيبة للغاية .. عاشتها أم المؤمنين .. وهي لا تتصور أو تتخيل أن يتهمها إنسان في أعز ما تملك .. وفي ابنة الصديق، وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وزاد من عذابها
قول الرسول صلى الله عليه وسلم لها عندما جاء إلي بيت أبيها:
ـ "يا عائشة لقد بلغني عنك ما بلغني .. فإن كنت بريئة فسيبرئك الله .. وإن كنت قد أخطأت فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه تاب الله عليه"
ونظرت إلي أمها وأبيها لعلهما يدافعان عنها .. ولكنهما لاذا بالصمت فقالت:
ـ لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس وثبت في أنفسكم وصدقتم به .. ولئن قلت لكم أني بريئة ما صدقتموني، وإن اعترفت لكم ـ والله يعلم أني لبريئة ـ صدقتم قولي.
(فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون).
وينزل من السماء قرآن يبرئ أم المؤمنين:
{إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم "11"} (سورة النور)
ومرت هذه الأيام العصيبة في حياة صاحب الرسالة الخالدة نوزل التشريع الإلهي يعاقب من يقذف في أعراض الناس بالباطل بالجلد ثمانين جلدة.

و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على اله و صحبه أجمعين .
t7
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله


ميمونة بنت الحارث



في أول ذي القعدة من السنة السابعة خرج الرسول صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء، وكان عدد المسلمين يزيد على الألفين .. وكانت هذه العمرة بدل العمرة التي خرج الرسول لتأديتها وأبنت مكة إلا أن يعود في العام الذي يليه بمقتضى صلح الحديبية.
ودخل المسلمون مكة وهم يظهرون قوتهم للمشركين، وقد هال سكان مكة أن يروا المسلمين بكل هذه القوة وهم يهللون ويكبرون عند دخولهم بيت الله الحرام .. حتى أن كثيرا منهم غادرها حتى لا يروا المسلمين يعودون إلي أم القرى رغما عن أنوفهم ويطوفون بالبيت العتيق.
ارتفعت أصوات المسلمين .. وقد وعوا كلمة الرسول لهم:
ـ "رحمن الله امرأ أراهم اليوم قوة من نفسه".
وعندما لاح للمسلمين أول بيت وضع للناس قالوا بصوت يرج مكة كلها:
ـ "لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده".
وبعد أن أتم الرسول مناسك العمرة .. ظل إلي جوار الكعبة حتى صلاة الظهر .. وهناك أمر بلال أن يقوم بالآذان من فوق الكعبة .. وقد اغتاظ المشركون لما رأوا من قوة المسلمين وبأسهم .. فهؤلاء الذي خرجوا مهاجرين من سنوات يعودون إليها اليوم بعد أن حققوا العديد من الانتصارات على مشركي مكة .. وعلى اليهود .. وأصبحوا أصحاب قوة ونفوذ .. فقد بدل الله خوفهم أمنا. وضعفهم قوة .. وهاهم اليوم يعودون إلي البلد الذي طردهم لا يخافون أحدا .. ولا يهابون أحدا إلا الله سبحانه وتعالى، وكان للمسلمين الحق في الإقامة في مكة ثلاثة أيام على حسب اتفاق صلح الحديبية.
وفي هذه الأثناء خطب النبي ميمونة بنت الحارث الهلالية، وهي أخت (أما الفضل) زوجة العباس بن عبد المطلب .. وكان قد مات عنها زوجها..
وأراد الرسول الكريم أن يعرس بها في مكة، وأن يقيم مأدبة يدعو فيها أهل مكة لعل قلوبهم تلين، ويبتعدوا عن صلفهم وعدائهم للنبي والإسلام بلا مبرر إلا الحقد ودواعي الجاهلية، ولكنهم أصموا آذانهم، ورفضوا أن يقيم المسلمون مدة أكثر من المدة التي حددتها المعاهدة المبرمة بينهم وبين الرسول في الحديبية. وخرج الرسول متجها صوب المدينة.
وعند (سرف) على بعد أميال من مكة .. لحقت به زوجته ميمونة حيث بنى بها الرسول. وميمونة وكان اسمها (بره) كانت واحدة من أربع نساء فضليات .. فأختها أم الفضل تزوجت عم النبي العباس، وكانت أوائل النساء اللائى أعلن إسلامهن بعد خديجة رضي الله عنها .. وأختها الأخرى أسماء بنت عميس زوجة ابن عم الرسول جعفر بن أبي طالب .. وأخت سلوى بنت عميس زوج أسد الله حمزة بن عبد المطلب..
ويقول الرواة أن ميمونة هي التي رغبت في الزواج من آخر رسل الله وأنها أسرت إلي أختها أم الفضل بذلك .. وأخبرت أم الفضل زوجها العباس الذي نقل رغبة (ميمونة) إلي ابن أخيه .. فما كان من الرسول إلا أن بعث بجعفر ليخطبها..
ويقال أيضا أنها عندما علمت أن رسول الله وافق على رغبتها أنها ركبت راحلتها وتوجهت حيث يوجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت له:
ـ "البعير وما عليه لله ورسوله.
لقد كانت صادقة مع نفسها .. صادقة مع مشاعرها .. لم تبال بما يقول المنافقون..
وقد نزل قوله تعالى:
{يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك التي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالتك التي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفوراً رحيماً "50" } (سورة الأحزاب)
وكانت ميمونة هي آخر زوجات رسول الله .. وقد انتقلت إلي جوار ربها سنة 51 هجرية .. ودفنت في (سرف) نفس المكان الذي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

*****

أما مارية القبطية التي أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم المقوقس عظيم مصر ردا على رسالته، والتي أنجبت له ابنه إبراهيم فلم تكن أما من أمهات المسلمين، ولكنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم بملك اليمين، وقد أسكنها الرسول صلى الله عليه وسلم بعالية المدينة حتى تبتعد عن غيرة نسائه وخاصة عائشة التي قالت عنها:
ـ ما غرت من امرأة إلا مثل ما غرت من مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة، فأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد أنزلها أول ما قدم بها في بيت (حارثة بن النعمان) فكانت جارتنا، وكان عامة النهار عندها فجزعت، فحولها إلي العالية بأقصى المدينة، وكان يذهب إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا".
وقد بلغت من غيرة عائشة منها أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أنجب منها ابنه إبراهيم، كان شديد الفرح به، وحمله إلي أم المؤمنين عائشة ولكن عائشة قالت له:
ـ ما أراه يشبهك في شيء!!
فقال لها الرسول العظيم وهو يحمل فلذة كبده:
ـ إنكن صوحب يوسف.
وقد حزن الرسول حزنا شديد عندما مات إبراهيم، وقال كلمته الخالدة:
ـ "تدمع العين، ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب، أنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
وقد توفيت رضي الله عنها في خلافة عمر بن الخطاب ودفنت بالبقيع.

و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على اله و صحبه أجمعين .
t7
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله


القاسم بن محمد


أحد فقهاء المدينة، كان ثقة عالما فقيها رفيعا، إماما ورعا كثير الحديث، ويبد أنه كان عازفا عن الإمامة في الدين والرياسة في الفتيا، على الرغم من سعة علمه، وعمق فقهه، وشدة ورعه، واتباعه للسنة. وكان رجلا سمحا، لا يرضى بأن يصل ما بينه وبين أحد إلي درجة الخصومة: ولهذا كان يتنازل عن حقه رغبة في حسن الصلة بينه وبين الناس.
قال عنه مالك بن أنس: "كان القاسم قليل الحديث، قليل الفتيا وكان يكون بينه وبين الرجل المماراة في الشيء، فيقول له القاسم: هذا الذي تريد أن تخاصمني فيه هو لك، فإن كان هذا فهو لك فخذه، ولا تحمدني فيه، وإن كان لي فأنت منه في حل وهو لك. وقد بلغ من حسن مسلكه، وسلامة هديه، واستقامة طريقه أن رجلا كابن سيرين كان يبعث من يتبعه في الحج ليخبره بهديه حتى يقتدي به. وقد كان علمه بالسنة مثار إعجاب العلماء، حتى قال أبو الزناد: ما رأيت أحدا أعلم بالسنة من القاسم بن محمد، وما كان الرجل يعد رجلا حتى يعرف السنة. وكان راجح العقل، قوي الحجة، ثاقب الذهن، وفيه يقول أبو الزناد أيضا: ما رأيت أحد ذهنا من القاسم، إن كان يضحك من أصحاب الشبه كما يضحك الفتى.
وقد أخذ علمه وفقهه من عمته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها. وعن حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وأخذ عن ابن عمر العلم والورع وعن أبي هريرة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول: كانت عائشة قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وإلي أن ماتت، وكنت ملازما لها مع ترهاتي، وكنت أجالس البحر ابن عباس، وقد جلست مع أبي هريرة، وابن عمر، فأكثرت، فكان هناك ورع وعلم جم، ووقوف عما لا علم له به. وكان يدرك مدى ما عنده من علم إلا أنه كان يتواضع، فلا يريد أن يشير الناس إليه خشية الفتنة، وكان يحب التثبث كل أموره، وقد أثر عنه قوله: لأن يعيش الرجل جاهلا بعد أن يعرف حق الله عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم.
ومن هديه أنه لم يكن يجيب إلا في أمر بين ظاهر، وقد قصده أحد أمراء المدينة يسأله عن أمر من الأمور، فلم يستنكف أن يعلن عدم معرفته بما يسأل عنه، وكان يقول: إن من إكرام المرء نفسه ألا يقول ألا ما أحاط به علمه. وجاءه أعرابي، وهو يصلي، فسأله: أيما أعلم، أنت أم سالم؟
فقال: سبحان الله، كل سيخبرك بما علم.
فقال: أيكما أعلم؟
قال: سبحان الله.
فأعاد فقال: ذاك سالم فانطلق إليه فسله.
فقام عنه، ويعلق ابن إسحاق على هذا الخبر، فيقول: كره أن يقول: أنا أعلم فيكون تزكية، وكره أن يقول: سالم أعلم مني فيكذب، وكان القاسم أعلمهما. وكان للقاسم مجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من عادته أن يأتي من بيته إلي المسجد في أول النهار، فيصلي ركعتين، ثم يجلس إلي الناس فيسألونه. ولما تقدمت به السن وجاء موسم الحج كان يركب من منزله حتى يأتي مسجد مني فينزل عند المسجد، فيمشي من عند المسجد إلي الجمار فيرميها ماشيا، ثم يرجع إلي المسجد ماشيا، فإذا جاء المسجد ركب".
وأبوه محمد بن أبي بكر رضي الله عنه، وأمه ابنة يزدجرد ملك الفرس، وهو وسالم بن عبد الله بن عمر، وعلي زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم، أجمعين أبناء خالة. وذلك أنه لما أتى بسبي فارس إلي المدينة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في السبي ثلاث بنات ليزدجرد، فزوج علي أولاهن لعبد الله بن عمر والثانية محمد بن القاسم والثالثة لحسين بن علي فأنجبت كل واحدة منهن أحد الفقهاء الأعلام، فسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد، وعلي زين العابدين أبناء خالة وأمهاتهم بنات الملوك.
وكان العرب لا يستريحون لأبناء غير العربيات قبل أن ينشأ هؤلاء الأعلام، ومما يذكر في ذلك أن رجلا من قريش قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب، فقال لي يوما، من أخوالك؟
فقلت له: أمي فتاة، فكأني نقصت من عينه، فأمهلت حتى دخل سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم؛ فلما خرج من عنده، قلت: يا عم، من هذا؟
فقال: سبحان الله، أتجهل مثل هذا من قومك؟ هذا سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
قلت: فمن أمه؟
قال: فتاة.
قال: ثم أتى القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فجلس عنده، ثم نهض، قلت: يا عم، من هذا؟
فقال: أتجهل من أصلك مثله؟ ما أعجب هذا، هذا القاسم ابن محمد بن أبي بكر الصديق.
قلت: فمن أمه؟
قال: فتاة.
قال: فأمهلت شيئا، حتى جاء علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فسلم عليه ثم نهض.
فقلت: يا عم، من هذا؟
قال: هذا الذي لا يسع مسلما أن يجهله، هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقلت: فمن أمه؟
قال: فتاة.
فقلت: يا عم، رأيتني نقصت في عينك لما علمت أن أمي فتاة، أفما لي في هؤلاء أسوة؟
قال: فجللت في عينه جدا.
عظته لعمر بن عبد العزيز
كان القاسم مثل فقهاء المدينة وثيق الصلة بعمر بن عبد العزيز حتى قبل أن يكون واليا على المدينة، لأنه كان يطلب العلم بالمدينة فتعرف على علمائها وفقهائها، ولما مات عمه عبد الملك بن مروان اشتد حزنه عليه وأسفه على فراقه؛ لأنه كان يخصه بعطفه ورعايته وبخاصة بعد موت أبيه عبد العزيز، ومن مظاهر إعزاز عبد الملك لابن أخيه عمر أنه زوجه بابنته فاطمة، ولما أبصر القاسم بن محمد اشتداد الحزن بعمر لفقد عمه حتى إنه ترك ما كان فيه من تنعم في الملبس، واستشعر الموت، واستمر على ذلك سبعين ليلة، أراد القاسم أن يخرجه من هذه الحالة التي رآه عليها، وهو يعلم عنه التقوى والصلاح والتأسي بالصالحين فقال له: "أعلمت أن من مضى من سلفنا كانوا يحبون استقبال المصائب بالتجمل، ومواجهة النعم بالتذلل" فما كان من عمر إثر سماعه هذا من القاسم إلا أن خرج من هذه الحال، وبدا في ملابس من حبرات اليمن، يقول الرواة إن ثمنها ثمانمائة دينار.

كان لا يفتي إلا بما يعلم
كان إذا توجه إلي الحج، ونزل بمنى، وعرف الناس مكانه اتجهوا إليه يسألونه عن بعض الأمور، وكان لا يرى غضاضة إذا سئل عن أمر لا يعرفه أن يقول: لا أدري فقد روي حماد بن زيد عن أيوب قال: سمعت القاسم يسأل بمنى، فيقول: لا أدري، لا أعلم. فلم أكثروا عليه قال: والله ما نعلم كل ما تسألون عنه، ولو علمنا ما كتمناكم، ولا حل لنا أن نكتمكم.

كان يحذر من السائلين عن المتشابهات
فقد روي عن عمته عائشة رضي الله تعالى عنها: أن "النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية:
{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب}
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الذين يسألون عما تشابه منه فهم أولئك الذين سماهم الله، فاحذروهم" ومما رواه القاسم عن عمته عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتدرون من السابقون إلي ظل الله عز وجل؟ قالوا: الله عز وجل ورسوله أعلم. قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم"
وكان القاسم يعيش حياة أقرب إلي الترف والتنعم شأنه في ذلك شأن فقهاء المدينة، وكأنما أرادوا أن يقولوا للناس بلسان الحال: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة).
وهذا أمر متوقع من رجل أمه ابنة ملك فارس، فقد قال العلاء بن زبر دخلت على القاسم بن محمد، وهو في قبة معصفرة، وتحته فراش معصفر، ومرافق حمر، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، هذا مما أردت أن أسألك عنه. قال: لا بأس مما أمتهن منه. وقال عيسى بن حفص: رأيت القاسم بن محمد يلبس الخز ورأيت عليه ملحفة معصفرة. ولما تقدمت السن بالقاسم بن محمد فقد بصره، ولكن ذلك لم يؤثر في منهجه واجتهاده في عبادته، ولما حضرته الوفاة وكان بمكان يسمى القديد بين مكة والمدينة، وكان سفره هذا للحج أو للعمرة شك الرواة في ذلك، فأوصى ابنه قائلا: سن على التراب سنا، وسو على قبري، والحق بأهلك، وإياك أن تقول كان وكان.
وكان مما تقدم به لابنه بالنسبة لكفنه قوله: كفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها، قميصي وإزاري وردائي، فقال ابنه: يا أبت لا تريد ثوبين؟
قال: يا بني هكذا كفن أبو بكر في ثلاثة أثواب، والحي أحوج إلي الجديد من الميت. رحم الله القاسم بن محمد فقد كان نموذجا فريدا في السماحة والفقه والتواضع، والعفاف.
وقد اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته فبعضهم يذكر أنه توفى سنة إحدى ومائة أو اثنتين ومائة أو سنة ثمان ومائة أو اثنتى عشرة ومائة، ولكن الأرجح أن وفاته كانت سنة ثمان ومائة. وكانت سنه عند وفاته ثلاثا وسبعين سنة أو سبعين حسب اختلاف الروايات في تاريخ وفاته رحمه الله وأحسن مثوبته.

و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على اله و صحبه أجمعين .
t7
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله


سليمان بن يسار




كان أبوه يسار فارسيا مولي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وكان سليمان عالما ثقة عابدا ورعا حجة، وكان أخوه عطاء من العلماء أيضا إلا أن سليمان كان فيما يبدو أكثر فقها ومعرفة بالإفتاء، ولهذا كان أحد الفقهاء السبعة الذين كان يرجع إليهم عمر بن عبد العزيز وقد روي عن ابن عباس وأبي هريرة وأم سلمة رضي الله عنهم، وروي عنه جماعة من أكابر العلماء أظهرهم الزهري وكان موثوقا في علمه من العلماء، وموضع تقدير سعيد بن المسيب حتى إنه كان إذا جاءه من يسأل عن فتوى يقول له: اذهب إلي سليمان بن يسار، فإنه أعلم من بقى اليوم وجاء ابن المسيب يوما رجل يسأله عن بعض الأحكام.
فقال له: سألت أحد غيري؟
قال: نعم.
قال: من هو؟
قال: عطاء بن يسار وعطاء هذا أخو سليمان.
قال: فما قال لك؟
قال: كذا وكذا وأخبره عن الجواب، وكأن إجابته لم تلق قبولا عند ابن المسيب.
فقال للرجل: اذهب إلي سليمان بن يسار، فسله ثم أخبرني ما قال لك.
فتوجه الرجل إلي سليمان، وسأله، وتلقى الإجابة، ولما أخبر سعيد بن المسيب، قال: عطاء قاض، وسليمان مفت. وكان البعض يرى أنه أفهم من سعيد. وقد ولاه عمر بن عبد العزيز سوق المدينة لما كان واليا عليها وكان سليمان رحمه الله كثير العبادة يصوم الدهر، شديد الخشية لله والمراقبة له في السر والعلن.
وكان حسن الهيئة جميل الوجه، وقد جر عليه جمال وجهه بعض المتاعب وعرضه لبعض الفتن التي عصمه الله منها لخشيته وتقواه فقد قام برحلة من المدينة إلي مكة هو ورفيق له، ولما وصلا إلي الأبواء ضربا خيمة أقاما بها، وذهب رفيقه إلي السوق يشتري بعض ما يحتاجون إليه، وبصرت به أعرابية كانت تقيم بالجبل المطل على الخيمة، فأخذ حسنه وجمال وجهه بلبها، فانحدرت إليه في الخيمة، وجلست بين يديه، وأسفرت عن وجهها، يقول راوي الخبر فبدا كأنه فلقة قمر، وتحدثت إليه، فظن أنها تريد طعاما، فقام إلي ما عنده من طعام ليعطيها إياه. فقالت: لست أريد هذا إنما أريد ما يكون من الرجل إلي أهله.
فقال: جهزك إلي إبليس، ثم وضع رأسه بين كفيه وأخذ يبكي وينتحب، فلما رأت منه ذلك، أسدلت برقعها على وجهها، وانصرفت عائدة إلي خيمتها. ولما عاد صاحبه، وقد ابتاع ما يحتاجان إليه، ورآه وقد انتفخت عيناه من البكاء، وانقطع حلقه.
فقال له: ما يبكيك؟
قال: خير .. ذكرت صبيتي.
قال: لا، إن لك قصة، إنما عهدك بصبيتك منذ ثلاث أو نحوها، ولم يزل به حتى أخبره بشأن الإعرابية فوضع ما جاء به وانخرط في بكاء حار، ودهش سليمان من بكاء صاحبه.
وسأله: ما يبكيك؟
قال: أنا أحق بالبكاء منك.
قال: فلم؟
قال: لأني أخشى أن لو كنت مكانك لما صبرت عنها.
وقال راوي الخبر: فمازالا يبكيان.
فلما انتهى سليمان إلي مكة، وطاف وسعى، أتى الحجر، واحتبي بثوبه، فنعس، فإذا به يرى في النوم: رجلا وسيما جميلا طوالا، له شارة حسنة، ورائحة طيبة. فسأله سليمان: من أنت رحمك الله؟
قال: أنا يوسف بن يعقوب.
قال: يوسف الصديق؟
قال: نعم.
قلت: إن في شأنك وشأن امرأة العزيز لشأنا عجيبا.
فقال له يوسف: شأنك وشأن صاحبة، الأبواء أعجب. وهذا الخبر يدل على ما كان يتمتع به سليمان بن يسار من عفة وأمانة وتقوى لله ومراعاة لحرماته وخشية منه. وكان شأن سليمان شأن الفقهاء في عصره يبدو نظيف الثياب، حسن المظهر. وقد عاش سليمان ثلاثا وسبعين سنة وتوفى على أرجح الأقوال عام سبعة ومائة للهجرة. فرحمه الله وأجزل مثوبته.

t7
 

بلال الفتحي

عضو شرف
عضو شرف
6 يونيو 2006
1,783
22
38
الجنس
ذكر
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

رحم الله الشافعي رحمة واسعة
جزيت خيرا أخي مسلم
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله


أنتم أهل الجزاء مشكور أخي بلال الفتحي على تواصلك و مشاركتك .


زينت بنت جحش



هي زينت بنت جحش بن رباب، وأمها أميمة بنت عبد المطلب .. فهي ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد هاجرت زينب إلى المدينة مع أمها .. وكانت تتمتع بالجمال .. وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجها زيد بن حارثة .. الذي كان يتبناه الرسول .. وكان الابن المتبنى يرث مثل الابن الحقيقي ..
وعندما قضى الإسلام على نظام التبني .. كان لابد أن يطلق عليه زيد اسم والده الحقيقي زيد بن حارثة بعد أن كان يعرف باسم زيد بن محمد.
لقد أراد النبي أن يزوج زيدا، واختار له ابنة عمته زينت بنت جحش وعندما طلبها أبنت أن تكون زوجة لرجل كان رقيقا وهي سليلة بني هاشم .. وكان أخوها عبد الله بن جحش هو الآخر يرفض أن يزوج أخته لزيد فما زالت هناك بقية من التقالي التي ظلت تعيش في أعماقهم.
وغضب الرسول من تصرف زينب ورفضها من اختاره لها زوجا. ونزل قوله تعالى:
{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً "36"} (سورة الأحزاب)
وتناهى إلى سمع زينب ما نزل على الرسول من قرآن يحذر الناس من مغبة عدم طاعة الرسول، فأرسلت إليه بموافقتها على الزواج من زيد .. ولكنها لم تكن سعيدة بهذا الزواج ..
لم تنس زينب أنها سليلة بني هاشم حتى ضاق بها ذرعا .. وكثيرا ما اشتكى من تصرفاتها معه إلى الرسول،
والرسول ينصحه بالصبر قائلا له: "أمسك عليك زوجك واتق الله"
وجاء الوحي يعلم الرسول أن (زينب) سوف تصبح زوجة له .. وخشي الرسول من كلام الناس، وأن يقولوا أن محمدا تزوج من زوجة من كان يتخذه ولداً.
ونزل قوله تعالى:
{وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولاَ "37"} (سورة الأحزاب)
ويفسر هذه الآيات الإمام ابن كثير فيقول: يقول اله تعالى مخبرا نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قال لمولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه، وهو الذي أنعم الله عليه بالإسلام ومبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنعمت عليه أي بالعتق من الرق .. وكان سيدا كبيرا الشأن، جليل القدر حبيبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له الحب، ويقال لابنه أسامة الحب ابن الحب. قالت عائشة رضي الله عنها ما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية إلا أمره عليهم، ولو عاش لاستخلفه.
ويروي ابن كثير حديثا لأسامة بن زيد .. ويوضح مكانة زيد ابن حارثة عند رسول الله .. يقول أسامة: كنت في المسجد فأتاني العباس وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهما فقالا يا أسامة استأذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقلت: علي والعباس يستأذنان.
فقال صلى الله عليه وسلم: أتدري ما حاجتهما؟
قلت: لا يا رسول الله.
قال عليه الصلاة والسلام: لكني أدري ..
قال: فأذن لهما.
قالا: يا رسول الله جئناك لتخبرنا أي أهلك أحب إليك؟
قال صلى الله عليه وسلم: أحب أهلي إلي فاطمة بنت محمد.
قالا: يا رسول الله ما نسألك عن فاطمة.
قال صلى الله عليه وسلم: فأسامة بن زيد بن حارثة الذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه.
ويقول ابن كثير: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجه بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها، وأمها أميمة بنت عبد المطلب وأصدقها عشرة دنانير وستين درهما وخمارا وملحفة ودرعا وخمسين مدا من طعام وعشرة أمداد من تمر قاله (مقاتل بن حيان) فمكثت عنده قريبا من سنة أو فوقها ثم وقع بينهما فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: "أمسك عليك زوجك واتق الله".
قال تعالى:
{وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه .. "37"} (سورة الأحزاب)
ويروي ابن كثير تفسيرا للحسن بن علي من بين ما أورد من روايات يقول فيه الحسن: إن الله أعلم ونبيه أنها ستكون من أزواجه قبل أن يتزوجها فلما آتاه زيد رضي الله عنه ليشكوها إليه قال: (اتق الله وأمسك عليك زوجك).
قال تعالى قد خبرتك أني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه .. وهكذا روي عن السدي أنه قال نحو ذلك، ويروي ابن كثير حديثا عن عائشة رضي الله عنها تقول فيه: (لو كتم محمد صلى الله عليه وسلم شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله تعالى لكتم:
{وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه .. "37"} (سورة الأحزاب)
وقوله تعالى:
{فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها .. "37"} (سورة الأحزاب)
والوطر هو الحاجة والأرب .. أي لما فرغ منها وفارقها زوجناكها، وكان الذي ولي تزوجيها هو الله عز وجل .. بمعنى أنه أحق أن يدخل عليها بلا ولي ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر.
وكانت زينب تفخر على نساء النبي فتقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات ـ ويورد ابن كثير كيف تفاخرت زينب وعائشة.
فقالت زينب: أن الذي نزل تزويجي من السماء.
وقالت عائشة: أنا الذي نزل عذري من السماء.
وكانت زينب تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: ـ "إني لأولى عليك بثلاث: ما من نسائك امرأة تدلي بهن: أن جدي وجدك واحد، وأني أنكحنيك الله عز وجل من السماء وأن السفير جبريل عليه السلام ..
وقوله تعالى:
{لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا .. "37"} (سورة الأحزاب)
يفسر ذلك الإمام ابن كثير: أي أننا أبحنا لك تزويجها وفعلنا ذلك لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة تبنى زيد بن حارثة فكان يقال زيد بن محمد، فلما قطع الله تعالى هذا النسب بقوله تعالى:
{وما جعل أدعياءكم أبناءكم .. "4"} (سورة الأحزاب)
إلى قوله تعالى:
{أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله .. "5"} (سورة الأحزاب)
ثم زاد ذلك بيانا وتأكيد بوقوع تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها لما طلقها زيد بن حارثة رضي الله عنه، ولهذا قال تعالى في سورة التحريم:
{وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم .. "23"} (سورة التحريم)
ليحترز من الابن الدعي فإن ذلك كان كثيرا فيهم. وقوله تعالى:
{وكان أمر الله مفعولا }
.. أي وكان هذا الأمر الذي وقع قد قدره الله تعالى وحتمه وهو كائن لا محالة، كانت زينب رضي الله عنها في علم الله ستصير من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد بلغ من غيرة أزواج النبي من زينب، أنهم اتفقوا ذات مرة، أن تقول أي واحدة يأتي عندها الرسول بعد خروجه من عند زينب أن تسأله عما أكل عندها لأنها تشم رائحة غير طيبة؟.
وقالت له إحدى زوجاته ذلك أنها تشم رائحة المغافير ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها أنه شرب عسلا عند زينب.
فقالت له: لقد رعى نحله المغافير.
وقال له زوجاته نفس الكلام، فحرم العسل على نفسه. ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يكشف لرسوله الأمر فنزل قوله تعالى:
{يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم }
وكانت زينب رضي الله عنها كثيرة العبادة .. تكثر من الصوم والصلاة ولأنها كانت تحسن دبغ الجلود فقد اتخذت من هذه الصفة وسيلة لصنع ما ينفع الناس منها .. وتبيعها وتتصدق بثمنها على الفقراء والمحتاجين.
وقالت عنها أم المؤمنين عائشة: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله، وما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم والقرابة، وأعظم صدقة وأشد بذلا لنفسها في العمل الذي تتصدق به، وتتقرب به إلى الله عز وجل.
وقد سألت إحدى نساء النبي الرسول صلى الله عليه وسلم:
ـ أينا أسرع لحوقا؟
رد خاتم الأنبياء والمرسلين:
ـ أطولكن باعا أو يدا.
وكانت أول نسائه لحوقا به صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش فقد انتقلت إلى رحاب ربها في عهد عمر بن الخطاب الذي صلى عليها ودفنت في البقيع وكان ذلك عام 20 هجرية وكان عمرها ثلاثة وخمسين عاما.

و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على اله و صحبه أجمعين .
و الحمد لله رب العالمين .
 

الداعية

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
11 نوفمبر 2005
19,977
75
48
الجنس
أنثى
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

متعك الله بالفدروس الاعلى من الجنة اخي الكريم مسلم كما تمتعنا بهذه السلسة الرائعة جزاك الله عنا كل خير وفي انتظار ابداعاتك وهل مسموح اننا نشارك؟؟
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله

بارك الله فيك أخيتي على مرورك الطيب و حسن تواصلك جزاك ربي جنة الخلد .
كيف أخيتي تستأدنينني بالمشاركة بل ذلك هو المطلوب أخيتي لو ألقيت نضرة في الصفحة الأولى للموضوع لرأيتي أن الدعوة عامة بل نفرح بمشاركاتكم .

أخيتي في انتضار مشاركتك الطيبة لك كل الاحترام و التقدير .

و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على اله و صحبه أجمعين .
 

الداعي للخير

عضو موقوف
1 يناير 2007
8,231
10
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد رفعت
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)


جزاك الله خيرا اخي الحبيب


:clap2:
 

الداعية

مراقبة قديرة سابقة وعضو شرف
عضو شرف
11 نوفمبر 2005
19,977
75
48
الجنس
أنثى
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

بارك الله فيك اخي الكريم مسلم وهاهي اولى مشاركاتي مع قصص بعض نساء السلف
Alhawe_Graphic_com_Line%2520(40).gif

كانت أم حسان مجتهدة في الطاعة ، فدخل عليها سفيان الثوري فلم ير في بيتها غير قطعة حصير خَلِق، فقال لها: لو كتبت رقعة إلى بني أعمامك لغيروا من سوء حالك.
فقالت: يا سفيان قد كنتَ في عيني أعظم وفي قلبي أكبر مذ ساعتك هذه ، أما إني ما أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسأل من لا يملكها، يا سفيان والله ما أحب أن يأتي علي وقت وأنا متشاغلة فيه عن الله بغير الله فبكى سفيان.
* وقالت أم سفيان الثوري له: يا بني اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي؛ يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة، فإن لم ترَ ذلك فاعلم أنه لا ينفعك..
* وكانت أم الحسن بن صالح تقوم ثلث الليل وتبكي الليل والنهار فماتت ومات الحسن فرؤي الحسن في المنام فقيل: ما فعلت الوالدة؟ فقال: بُدِّلت بطول البكاء سرور الأبد.
* كانت عابدة لا تنام الليل إلا يسيراً فعوتبت في ذلك فقالت: كفى بالموت وطول الرقدة في القبور للمؤمن رقاداً.
* ودخلوا على عفيرة العابدة فقالوا: ادعي الله لنا.
فقالت : لو خرس الخاطؤون ما تكلمت عجوزكم، ولكن المُحسن أمر المسيء بالدعاء، جعل الله قِراكم ( إكرامكم) الجنة ، وجعل الموت مني ومنكم على بال.
* وقدم ابن أخٍ لها من غيبة طويلة، فبُشرت به، فبكت فقيل لها: ما هذا البكاء؟ اليوم يوم فرح وسرور..
فازدادت بكاءَ ثم قالت: والله، ما أجد للسرور في القلبي سكناً مع ذكر الآخرة ، ولقد أذكرني قدومه يوم القدوم على الله، فمن بين مسرور ومثبور.
* وبكت عبيدة بنت أبي كلاب أربعين سنة حتى ذهب بصرها وقالت: أشتهي الموت، لأني أخشى أن أجني جنابة يكون فيها عطبي أيام الآخرة.
* عمرة امرأة حبيب العجمي : كانت توقظه بالليل، وتقول: قم يا رجل، فقد ذهب الليل وبين يديك طريق بعيد، وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ونحن قد بقينا.

Alhawe_Graphic_com_Line%2520(40).gif
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله

سعدنا أخيتي الداعية بمشاركتك و انشاء تكون هذه البداية جزاك الله عنا خيرا



عروة بن الزبير




أبوه الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها.
اختلف المؤرخون في تاريخ ولادته، فقيل إنه ولد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورجح ابن كثير في كتابه البداية والنهاية أنه ولد عام 23هـ.
وكان أبوه الزبير رضي الله عنه يرقصه وهو صغير، ويقول له:
أبيض من آل عتيق مبارك من ولد الصديق
ألذه كما ألذ ريقي
كان من فقهاء المدينة السبعة أو العشرة الذين اتخذهم عمر ابن عبد العزيز مستشاريه فيما يعرض له من أمور، وكان لا يصدر إلا عن رأيهم، كان فقيها عالما حافظا ثبتا حجة، عالما بالسير، ثقة، كثير الحديث مأمونا، وهو أول من ألف في السير والمغازي، وكان من أروى الناس للشعر، أخذ عن عدد من الصحابة وسواهم، ونظرا لصلته الخاصة بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقد أخذ عنها كل علمها، وكانت من أعلم الصحابة، حتى روى أنه قيل: لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج أو خمس حجج، وأنا أقول: لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته، ولأجل هذه الصلة الوثيقة بعائشة واستفادته منها قال قبيصة بين ذؤيب أحد فقهاء المدينة: كان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة، وكانت عائشة أعلم الناس.

الإشادة بعلم عروة
كان علم عروة الزاخر قد لفت انتباه كل من خالطه، والتقى به، وبخاصة من أبناء الأمويين والمروانيين، فقد روي عنه عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما أعلم من عروة، وما أعلمه يعلم شيئا أجهله، وهذا عبد الملك بن مروان، وقد كان يجمعه هو عروة الجد في طلب العلم بالمدينة لما كان شابا، فما آلت إليه الخلافة، قصده الناس من هنا ومن هناك، وكان ابن شهاب الزهري في وفد من أهل المدينة قدموا عليه في دمشق،وكان أحدثهم سنا، ولفتت حداثة سن الزهري نظر عبد الملك، فسأله: من أنت؟
فلما انتسب إليه، قال له: لقد كان أبوك وعمك نعاقين في فتنة ابن الزبير، فقال الزهري: يا أمير المؤمنين، إن مثلك إذا عفا لم يعد، وإذا صفح لم يثرب، فأعجب عبد الملك منطق الزهري على حداثة سنه، فقال له: أين نشأت؟ فأجاب الزهري: بالمدينة.
سأل عبد الملك: عند من طبت (يعني العلم).
فأجاب: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وقبيصة ابن ذؤيب ومع أنهم من جلة العلماء، فإن عبد الملك وجه الزهري قائلا: فأين أنت من عروة بن الزبير، فإنه بحر لا تكدره الدلاء.
قال الزهري فلما انصرفت من عنده، لم أبارح عروة بن الزبير حتى مات وكأنما كان عبد الملك يتذكر أيام شبابه، وهم لا زالوا بعد في مقتبل العمر، وقد جلسوا أربعة أو خمسة حسب روايات كتب الأخبار، عبد الملك، وعبد الله بن الزبير، ومصعب بن الزبير، وعروة بن الزبير، وتقول بعض الروايات إن عبد الله بن عمر كان معهم، وقد اجتمعوا في المسجد الحرام، وكان ذلك في عهد معاوية، فقال بعضهم: هلم فلنتمنه، فقال عبد الله بن الزبير منيتي أن أملك الحرمين، وأنال الخلافة، وقال مصعب: منيتي أن أملك العراقين وأجمع بين عقيلتي قريش: سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة، وقال عبد الملك: منيتي أن أملك الأرض كلها، وأخلف معاوية فقال عروة: لست في شيء مما أنتم فيه، منيتي الزهد في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة، وأن أكون ممن يروي عنه هذا العلم.
وكأنما كانت أبواب السماء مفتوحة فاستجابت لهذه الأمنيات في ساحة الحرم، وكأنما ظل عبد الملك يتذكر ذلك المجلس، كلما طاف به طائف من ذكريات الشباب، وكان يرى كلا منهم إلا عروة كان معلق القلب بالسماء، فلم يتمن شيئا من عرض هذه الدنيا وبهجتها، وإنما تمنى الزهد فيها، والفوز بالجنة، وأن تكون أيامه فيها وقفا على نشر العلم بين الناس، وتفجير ينابيعه في قلوبهم، ولذلك كان عبد الملك يقول: من سره أن ينظر إلي رجل من أهل الجنة فلينظر إلي عروة بن الزبير وليست هذه هي النصيحة الوحيدة التي وجهت إلي الزهري ليستفيد من علم عروة، بل هناك نصيحة أخرى جاءت من مصر كما جاءت الأولى من دمشق، قال الزهري: قدمت مصر على عبد العزيز بن مروان، وأنا أحدث عن سعيد بن المسيب، فقال لي إبراهيم بن عبد الله بن قارظ: ما أسمعك تحدث إلا عن ابن المسيب؟ فقلت: أجل، فقال: لقد تركت رجلين من قومك، لا أعلم أحدا أكثر حديثا منهما عروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن.
قال الزهري: فلما رجعت إلي المدينة، وجدت عروة بحرا لا تكدره الدلاء.
وقد أثر عن الزهري: بعد ذلك وهو أعلم التابعين، قوله: كنت أطلب العلم من ثلاثة: سعيد بن المسيب، وكان أفقه الناس، وعروة بن الزبير، وكان بحرا لا تكدره الدلاء، وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة، وكنت لا أشاء أن أقع منه على علم ما لا أجد عند غيره إلا وقعت، وكذلك قوله: "أدركت من بحور وأبا سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، فأما سلمة بن عبد الرحمن فكان يمارى ابن عباس فجرب بذلك علما كثيرا".
وكان أبو بكر بن عبد الرحمن يرى عروة بن الزبير، وعمر ابن عبد العزيز من الذين اكتملت فيهم الصفات التي تؤهلهم للعلم، فيقول: "إنما هذا العلم لواحد من ثلاثة: لذي نسب يزين به نسبه، أو لذي دين يزين به دينه، أو مختلط بسلطان ينتجعه به، ولا أعلم أحدا أجمع لهذه الخلال من عروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، كلاهما ذو حسب، ودين، ومن السلطان بمكان".
وليس غريبا على عروة أن يبلغ هذه المنزلة من العلم، فقد كان جده في تحصيل العلم لا يعرف الكلل، فقد روي عنه أنه كان يقول: لقد كان يبلغني عن الرجل من المهاجرين الحديث، فآتيه، فأجده قد قال: ـ استراح وقت القيلولة ـ فأجلس على بابه، فأسأله عنه إذا خرج.
وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ـ وهو من أقرانه ـ يأخذ عنه الحديث، ولا يخفي سروره بما يأخذ عنه، فقد أتى ذات ليلة إلي عروة، فجل عروة يحدثه، وجعل عبيد الله يضحك، فظن عروة إنما ذلك من عبيد الله استهزاء، فقال له: ما يضحكك؟
فقال: إنك تحدثني عن عائشة، وتحملني على الملأ، وإن غيرك يحيلنا على الفاليس.

اهتمامه بنشر العلم
كان عروة حريصا على بث العلم ونشره حتى إذا كان يستحث غيره على سؤاله والاستزادة من المعرفة مما عنده فقد روي أنه كان يتألف الناس على حديثه، وكان يستحث أولاده على سؤاله، فيقول: يا بني، سلوني، فلقد تركت حتى كدت أن أنسى، وإني لأسال عن الحديث فيفتح حديث يومي، وكان يقول لأولاده: إنا كنا أصاغر قوم، ثم نحن اليوم كبار، وإنكم اليوم أصاغر، وستكونون كبارا، فتعلموا العلم تسودوا به، ويحتاج إليكم، فوالله ما سألني الناس حتى نسيت.
وكانت له كتب فقه سجل فيها ما عنده من المعرفة والعلم، ثم بدأ له، فمحاها اكتفاء بكتاب الله، ثم لما تقدمت به السن تمنى أن هذه الكتب كانت قد بقيت، وفي ذلك يروي عنه أبو الزناد قوله: "فوالله لوددت أن كتبي عندي، وأن كتاب الله قد استمرت مريرته (قوى واستحكم)، وهناك رواية عن ابنه هشام تقول: إن أباه كان حرق كتبا فيها فقه، ثم قال: لوددت أني كنت فديتها بأهلي ومالي".
ولهذه الثقة فيما عند عروة من علم كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذون عنه، فقد روي عن عبد الرحمن بن عوف قال: لقد رأيت الأكابر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإنهم ليسألونه عن قصة ذكرها.
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله


نسترسل السيرة العطرة مع عروة بن الزبير


مظهره
كان عروة حسن الهيئة، أنيق المظهر، وسيم الطلعة، وكانت هذه سمة العلية من أبناء قريش، ومن مظهر هذه الوسامة أنه كان لا يحف شاربه، وإنما يأخذ منه مأخذا حسنا، وكذلك كان ابن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وكان شديد العناية بنظافته، فكان يغتسل كل يوم، ويلبس الثياب المعصفرة.ص77.
وقال ابنه هشام: إنه كان يعصفر له الملحفة بالدينار، وكان آخر ثوب لبسه ثوب عصفور له بدينار، وكان يلبس كساء خز، ويلبس الطيلسان المزرر بالديباج فيه، وهو محرم، ولا يزره عليه، وكان يصلي في قميص وملحفة مشتملا بها على القميص، وكان يلبس في الحر قباء سندس مبطنا بحرير، وكان يخضب قريبا من السواد.
وهذه كلها مظاهر تدل على أنه كان في الحال من النعمة والثراء.

علمه بالسير والمغازى
كان عروة واسع المعرفة، محيطا بالسير والمغازى،حتى إنه أول من ألف في هذا الفن، إلا أن ما كتبه في فن المغازى والسير لم يصل إلينا. ويبدو أنه من بين الكتب التي أحرقها، ثم ندم عليها فيما بعد، وكان قادة عصره يعرفون عنه إلمامه بالسير والمغازى، فكانوا يبعثون إليه من وقت لآخر يسألونه عن أمر من الأمور التي تعرض لهم، ويريدون أن يعرفوا وجه الحق فيها، وكان عبد الملك بن مروان يكتب لعروة من وقت لآخر يستوضحه عن الأمر من السيرة، وعلى الرغم من ضياع كتب المغازى بين ما ضاع أو أحرق من كتبه، فإن قراءة كتب التاريخ بإمعان يمكن للباحث من خلال الإمعان فيها أن يستخلص رواية كاملة للسير والمغازى جاءت عن طريق عروة، ولعل الله يهبنا القوة، ويفسح لنا في الأجل حتى نحقق هذا، ونخرج السيرة للناس من رواية عروة بن الزبير، وهذه نماذج من السيرة أجاب بها عروة عبد الملك بن مروان لما بعث يسأله عنها:
من ذلك أن عبد الملك لما بعث إليه يسأله عن أول أمر الإسلام كتب إليه: "أما بعد، فإنه ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ لما دعا قومه لما بعثه الله من الهدى والنور الذي أنزله عليه، لم يبعدوا منه أول ما دعاهم، وكادوا يسمعون له، حتى ذكر طواغيتهم وقدم ناس من الطائف من قريش لهم أموال أنكروا ذلك عليه، واشتدوا عليه، وكرهوا ما قال لهم، وأغروا به من أطاعهم، فانصفق عنه عامة الناس، فتركوه إلا من حفظه الله منهم، وهم قليل، فمكث بذلك ما قدر الله أن يمكث، ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من تبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم، فكانت فتنة شديدة الزلزال على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الإسلام، فافتتن من افتتن، وعصم الله منهم من شاء، فلما فعل ذلك بالمسلمين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلي أرض الحبشة ـ وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي، لا يظلم أحد بأرضه، وكان يثني عليه مع ذلك صلاح، وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش يتجرون فيها، يجدون فيها رفاغا ورفاهية من الرزق، وأمنا ومتجرا حسنا، فأمرهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة، وخاف عليهم الفتن، ومكث هو فلم يبرح، فمكث بذلك سنوات يشتدون على من أسلم منهم، ثم إنه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجال من أشرافهم".
وفيما يلي نموذج ثان ردا على كتاب عبد الملك إلي عروة يسأله عن وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها قال: "إنك كتبت إلي في خديجة بنت خويلد تسألني متى توفيت؟ وإنها توفيت قبل مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة بثلاث سنين أو قريبا من ذلك، ونكح عائشة متوفى خديجة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عائشة مرتين، يقال له هذه امرأتك، وعائشة يومئذ ابنة ست سنين، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة بعدما قدم المدينة، وهي يوم بنى بها ابنة تسع سنين".
أما النموذج الثالث فإنه كان أيضا ردا على تساؤل عبد الملك لما كتب إلي عروة يسأله عن أمر خالد بن الوليد يوم الفتح لما فأجابه قائلا: "أما بعد فإنك كتبت إلي تسألني عن خالد بن الوليد؛ هل أغار يوم الفتح؟ وبأمر من أغار؟ وإنه كان من شأن خالد يوم الفتح أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ركب النبي بطن مر عامدا إلي مكة، وقد كانت قريش بعثوا أبا سفيان وحكيم بن حزام يتلقيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم حين بعثوهما لا يدرون أين يتوجه النبي صلى الله عليه وسلم، إليهم أو إلي الطائف؟ وذاك أيام الفتح، واستتبع أبا سفيان، وحكيم بن حزام بديل بن ورقاء، وأحب أن يصحبهما ولم يكن غير أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل، وقالوا لهم حين بعثوهم إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا نؤتين من ورائكم، فإنا لا ندري من يريد محمد؛ إيانا يريد، أو هوازن يريد، أو ثقيفا؟
وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش صلح الحديبية، وعهد ومدة، فكانت بنو بكر في ذلك الصلح مع قريش، فاقتتلت طائفة من بني كعب وطائفة من بني بكر، وكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش في ذلك الصلح الذي اصطلحوا عليه: "لا إغلال ولا إسلال" فأعانت قريش بني بكر بالسلاح، فاتهمت بنو كعب قريشا، فمنها غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة، وفي غزوته تلك لقي أبا سفيان وحكيما وبديلا بمر الظهران فبايعوه، فلما بايعوه بعثهم بين يديه إلي قريش يدعوهم إلي الإسلام، فأخبرت أنه قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وهي بأعلى مكة، ومن دخل دار حكيم ـ وهي بأسفل مكة ـ فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه وكف يده فهو آمن.
وإنه لما خرج أبو سفيان وحكيم من عند النبي صلى الله عليه وسلم عامدين إلي مكة بعث في إثرهما الزبير وأعطاه رايته، وأمره على خيل المهاجرين والأنصار، وأمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالحجون، وقال للزبير: لا تبرح حيث أمرتك أن تغرز رايتي حتى آتيك، ومن ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأمر خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضاعة وبني سليم، وأناس إنما أسلموا قبيل ذلك أن يدخلوا من أسف مكة، وبها بنو بكر قد استنفرتهم قريش أن يكونوا بأسفل مكة، فدخل عليهم خالد بن الوليد من أسفل مكة وحدثت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخالد والزبير حتى بعثهما: لا تقاتلا إلا من قاتلكما، فلما قدم خالد على بني بكر والأحابيش بأسفل مكة، قاتلهم فهزمهم الله عز وجل، لوم يكن بمكة قتال غير ذلك، غير أن كرز بن جابر أحد بني محارب بن فهر، وابن الأشعر ـ رجلا من بني كعب كانا في خيل الزبير، فسلكا كداء فقتلا، ولم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير قتال، ومن ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وقام الناس إليه يبايعونه، فأسلم أهل مكة، وأقام النبي صلى الله عليه وسلم عندهم نصف شهر، لم يزد على ذلك، حتى جاءت هوازن وثقيف فنزلوا بحنين".

عبادته
كان عروة رجلا صالحا، وقد وسع عليه في الرزق والجاه إلا أن ذلك لم يصرفه عما يليق بأهل التقوى والصلاح من الإقبال على العبادة والنسك تقربا إلي الله تعالى، واستزادة من فضله، وكانت هذه سجية فيه منذ الحداثة، فقد مر بنا لما اجتمع مع نظرائه، وأخذ كل منهم يتمنى لنفسه، فكانت أمنيته نشر العلم في الدنيا والفوز بالمغفرة في الآخرة، ورجل يفكر بهذه الطريقة لابد أن يكون عامر الصلة بالله، موصول القلب بربه، مراقبا له في كل أموره.
وقد روى ابنه هشام أنه كان يسرد الصوم، وكان يصوم الدهر كله إلا يومي الفطر والنحر، وأنه مات وهو صائم، حتى في السفر كان يكون معه الرفقة فيصومون ويفطرون عملا بالرخصة، فلا يأمرهم بالصيام، ولا يفطر هو بل يستمر على صيامه عملا بقوله تعالى:
{وأن تصوموا خيرا لكم}
وكان دائم التلاوة لكتاب الله تعالى والعكوف عليه، فكان يقرأ ربع القرآن كل يوم نظرا في المصحف، فإذا جاء الليل، قام الليل ثانيا للقرآن وقد حدثوا أنه لم يخلف هذه العادة مطلقا إلا ليلة قطعت رجله، ثم استأنف التلاوة في اليوم التالي كعادته التي جرى عليها طوال حياته.

صفاته وأخلاقه
كان عروة رجلا يحب معالي الأمور، ويأخذ نفسه بها، ويربي عليها أبناءه، وقد مر بنا وصيته لأولاده في طلب العلم، وكان يقول: "إني لأعشق الشرف كما أعشق الجمال"، وكان يقول لأولاده: "يا بني لا يهدين أحدكم إلي ربه عز وجل ما يستحي أن يهديه إلي كريمه، فإن الله عز وجل أكرم الكرماء، وأحق من اختير إليه"، ويقول لهم: "يا بني تعلموا، فإنكم إن تكونوا صغراء قوم عسى أن تكونوا كبراءهم، واسوأتاه، ماذا أقبح من شيخ جاهل".
وكان يرى أن تصرفات الشخص تعبير حقيقي عن طبيعته الكامنة، وسلوكه، وأن الإنسان الذي يبدر منه العمل الطيب يدل ذلك على طبيعة خيرة في حناياه، تدعوه إلي أن يفعل مثلها، وأن الذي يفعل السوء يومئ فعله إلي ما تنطوي عليه نفسه من رغبة في عمل الشر؛ حتى ولو ظن الناس به غير ذلك؛ ولذلك كان من نصيحته لأولاده قوله: "إذا رأيتم خلة شر رائعة من رجل فاحذروه، وإن كان عند الناس رجل صدق، فإن لها عنده أخوات، وإذا رأيتم خلة خير رائعة من رجل فلا تقطعوا عنه إياسكم، وإن كان عند الناس رجل سوء، فإن لها عنده أخوات".
وقد كرر هذا المعنى في صورة أخرى حيث قال: "إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة فاعلم أن لها عنده أخوات؛ فإن الحسنة تدل على أخواتها، وإن السيئة تدل على أخواتها".
وكان عروة رجلا شديد الحياء، يخشى أن يحرج أصدقاءه، وأقاربه؛ حتى ولو أدى ذلك إلي تنازله عن حقوق خاصة به، وفي مسلكه مع طلحة بن عبيد الله أوضح دليل على ذلك، فقد كان طلحة بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر يمت إليه بصلة القرابة من جهة أمه، وكانت أم طلحة عائشة بنت طلحة وكانت قد تزوجت مصعب بن الزبير، وكان عروة قد أودع عند طلحة مالا من مال بني مصعب بن الزبير لما خرج إلي الشام، وبلغ عروة أن طلحة يبني ويبتاع الرقيق والإبل والغنم، وربما صاحب ذلك إشاعة تقول: إن طلحة قد بدد المال الذي أودعه عنده عروة، فلما قدم عروة، وسمع ما يتناقله الناس كره أن يكشفه، وأن يسأله عن المال، فسكت عنه، وجعل يلقاه، ويستحي أن يتحدث معه فيه، فلما طال به العهد، ولم يسأل طلحة الأموال، قال له طلحة: ألا تريد مالك؟ قال: بلى، وكأنما كان ينتظر من طلحة ذلك، ليكفي نفسه مؤونة الحرج.
قال له طلحة: فأرسل فخذه، سأله عروة: متى؟
فأجاب: متى شئت، فبعث معه عروة رسولا؛ فإذا هو قد هدم عليه بيتا، واستخرج المال، وأتى به إلي عروة.
وسر عروة أن يرى طلحة قد حفظ الأمانة، وكذب إشاعات الناس، وأدرك أن ذلك لدينه المتين، وحسبه العالي، فتمثل قائلا:

فما استخبأت في جل خبيئا ذوو الأحساب اكرم مأثرات الدين أو حسب عتيق وأصبر عند نائبة الحقوق

سخاؤه
كان عروة رجلا سخيا، يرى أن الله قد أفاء عليه العلم والشرف والجاه والمال، فكان يحب أن يشركه الناس فيما أفاء الله عليه، وقد رأينا رغبته في نشر العلم، أما سخاؤه بالمال فكان يحب أن يجعله للعامة من الناس، وكان له حائط (حديقة) بها نخل، فإذا حان وقت جناها، وجاء ميعاد الرطب تلم فيها جدارها ثلما؛ ليعبر الناس منه فيأخذوا ما يشتهون من رطبها، يأكلون ويحملون، وكان ينزل حوله ناس من البدو يدخلون فيأكلون ويحملون أيضا، ويظل الجدار مثلوما كذلك طيلة مدة الرطب، فإذا مضى أوانه أصلح الجدار ورممه، وكان كلما دخل حديقته تلك ردد قوله تعالى:
{ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله}
وقد عبر عن مسلكه هذا في الحياة خير تعبير بما أثر عنه من قوله: "مكتوب في الحكمة: لتكن كلمتك طيبة، وليكن وجهك بسطا، تكن أحب إلي الناس ممن يعطيهم العطاء".
وقد كان عروة بكلمته هذه يعبر أصدق تعبير عن الآداب والأخلاق التي أوصى بها الإسلام في كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واقرأ إن شئت قوله تعالى:
{وهدوا إلي الطيب من القول وهدوا إلي صراط الحميد}
وقوله:
{ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم"


و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و على اله و صحبه أجمعين .
t7
 

mouslime

مزمار فضي
14 أبريل 2006
792
1
0
رد: هلّموا اخوتي لجمع أكبر عدد ممكن من الشخصيات الاسلامية لنستخلص منهم العبر

(بسم الل)
السلام عليكم و رحمة الله



دائما مع السيرة العطرة لعروة بن الزبير


صبره وتحمله
لولا أن كتب التاريخ والأخبار أجمعت على ما روى عن صبر عروة وتحمله لما وقعت الأكلة في رجله، واحتيج إلي قطعها لما استطاع المرء أن يصدق ما روى، ولقد كانت قصة عجبا حقا تقول: إن عروة في إحدى سفراته إلي دمشق، بعد أن دان الأمر لبني أمية، وزال ملك أخيه عبد الملك بمكة، أصابت الأكلة رجله في الطريق، وأخذت الإصابة تزداد يوما بعد يوم حتى وصل إلي دمشق، وعرف بالأمر الوليد بن عبد الملك، فاستدعى له الأطباء، فأجمع رأيهم على قطعها خوفا من سريان الداء في الساق كلها، ثم الجسد بأكمله، وأخذ الوليد يقنعه بقطعها حماية لبقية جسمه من التلف، فلما استجاب لرأي الأطباء، وأخذوا يعدون العدة لنشرها، عرضوا عليه أن يسقوه مخدرا لئلا يحس بألم القطع فرفض ذلك قائلا: ما ظننت أن أحدا يؤمن بالله يشرب شيئا يغيب عقله، حتى لا يعرف ربه عز وجل، ولكن إذا كنتم ولابد فاعلين، فافعلوا ذلك، وأنا في الصلاة، فإني لا أحس بذلك ولا أشعر به، فنشروا رجله من فوق الأكلة من المكان الحي احتياطا أنه لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلي، وكان صائما، فما تضرر ولا اختلج، وهناك رواية تقول: إنهم قالوا نسقيك الخمر حتى لا تجد لها ألما، فقال: لا استعين بحرام الله على ما أرجو من عافيته، قالوا: فنسقيك المرقد، قال: ما أحب أن أسلب عضو من أعضائي، وأنا لا أجد ألم ذلك، فاحتسبه، ودخل عليه قوم فأنكرهم، فسأل: من هؤلاء؟ قالوا: يمسكونك، فإن الألم ربما عزب معه الصبر.
قال: أرجو أن أكفيكم ذلك من نفسي، فقطعت وهو يهلل ويكبر، ثم أغلي الزيت في مغارف الحديد، فحسم به الجرح مكان القطع حتى لا ينزف، فغشي عليه من شدة، الألم، ثم أفاق والعرق يتصبب على وجهه.
ولما رأى القدم بأيديهم، دعا بها، فقلبها في يده، ثم قال: أما والذي حملني عليك، إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلي حرام، وكأنما كان هذا السفر يحمل له كثيرا من الآلام والأحزان، ففي نفس الليلة التي قطعت فيها رجله كان له ابن اسمه محمد قد صحبه معه في سفره، وكان فيما يقال أحب بنيه إليه، فدخل دار الدواب فرفسته فرس فمات، فدخلوا عليه يعزونه فيما أصابه، وكان الوليد بن عبد الملك أول المعزين له، فكان جوابه تسليما مطلقا لأمر الله، ورضى بقضائه وقدره، وكان مما قال تلك الكلمات التي أثرت عنه، وهي: "اللهم لك الحمد، كانوا سبعة فأخذت واحدا وأبقيت ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذت واحدا وأبقيت ثلاثة، فلئن كنت قد أخذت فلقد أعطى، ولئن كنت قد ابتليت فقد عافيت".
ولما قضى حاجته من دمشق رجع إلي المدينة، ولم يجر على لسانه شكوى، أو ألم مما حل به في نفسه وفي ولده في ذلك السفر، حتى وصل إلي وادي القرى في طريق عودته إلي المدينة، وهو المكان الذي ظهر فيه الداء في رجله سمع يقول: (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا).
ولما وصل إلي المدينة أتاه أهلها يسلمون عليه ويعزونه في رجله وولده، وكان مما عزاه به عيسى بن طلحة بن عبيد الله قوله: "والله ما كنا نعدك للصراع، ولقد أبقى الله لنا أكثرك، أبقى لنا سمعك، وبصرك، ولسانك وعقلك ويديك وإحدى رجليك".
فقال له عروة: "والله يا عيسى، ما عزاني أحد بمثل ما عزيتني به وقد جاءت هذه التعزية في صيغة أخرى في الطبعة التي حققها إحسان عباس هي: "والله ما بك حاجة إلي المشي، ولا أرب في السعي، وقد تقدمك عضو من أعضائك، وابن من أبنائك إلي الجنة، والكل تبع للبعض، إن شاء الله تعالى، وقد أبقى الله لا منك ما كنا إليه فقراء، وعنه غير أغنياء من علمك ورأيك. ونفعك الله وإيانا به، والله ولي ثوابك والضمين بحسابك".
وترامى إلي مسمع عروة أن بعض الناس يقول: إنما أصابه هذا بذنب عظيم أحدثه فلما سمع ذلك أنشد قول معن بن أوس:
لعمرك ما أهويت كفى لريبة ولا قادني سمعي ولا بصري لها ولست بماش ما حييت لمنكر ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة وأعلم أني لم تصبني مصيبة ولا حملتني نحو فاحشة رجلي ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي من الأمر لا يمشي إلي مثله مثلي وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي
ويبدو أن نزول هذه الأحداث بعروة وهو في دمشق في ضيافة الوليد قد أثر في نفس الوليد، وتأثر أيما أثر على ما نزل بصديق أبيه، وكان عروة لما أصيبت رجله شيخا في سن الخامسة والستين، ويقال إنه عاش بعد ذلك ثماني سنوات، وحدث أن قدم في نفس التي أصيب فيها عروة وابنه قومن من بني عبس وفدا على الوليد، وكان فيهم رجل ضرير فسأله الوليد عن عينيه.
فقال: يا أمير المؤمنين، بت ليلة في بطن واد، ولا أعلم عبسيا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل، فذهب بما كان لي من أهل وولد ومال غير بعير وصبي مولود، وكان البعير صعبا، فند، فوضعت الصبي، واتبعت البعير، فلم أجاوز إلا قليلا حتى سمعت صيحة ابني، ورأسه في فم الذئب، وهو يأكله، فلحقت البعير لأحبسه، فنفحني برجله على وجهي، فحطمه وذهب بعيني، فأصبحت لا مال لي، ولا أهل، ولا ولد، ولا بصر.
فقال الوليد لما سمع قصته: "انطلقوا به إلي عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم منه بلاء".
وكان من عادة عروة أن يجلس كل ليلة بعد صلاة العشاء الآخرة، وهو وعلي زين العابدين في آخر المسجد يتحدثان وجرى بينهما الحديث ذات ليلة عما يقع من بني أمية من الجور، والمقام معهم، وهما لا يستطيعان تغيير ذلك، ثم ذكرا ما يخافان من عقوبة الله لهما لسكوتهما على هذا الجور، فقال عروة لعلي: يا علي، إن من اعتزل أهل الجور، والله يعلم منه سخطه لأعمالهم، فإن كان منهم على ميل، ثم أصابتهم عقوبة الله رجي له أن يسلم مما أصابهم.
وقد سكن عروة بالعقيق وبني قصرا هناك، فعوتب في ذلك وقيل له أتهجر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إني رأيت مساجدهم لاهية وأسواقهم لاغية والفاحشة في فجاجهم عالية، فكان فيما هناك عما هم فيه عافية" وواضح من قوله، أنه يريد أن يعتزل الناس.

t7
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع